(وَلَا يَأْخُذُ قِسْطَ بَعْضِ نِصَابٍ) كَشَاةٍ مِنْ عِشْرِينَ شَاةً وَنِصْفِ شَاةٍ مِنْ عَشْرَةٍ لِأَنَّ الْأَثَرَ إنَّمَا وَرَدَ فِي تَضْعِيفِ مَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ (ثُمَّ الْمَأْخُوذُ) مِنْهُ مُضَعَّفًا أَوْ غَيْرَ مُضَعَّفٍ (جِزْيَة) فَيُصْرَفُ مَصْرِفَهَا وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ هَؤُلَاءِ حَمْقَى أَبَوْا الِاسْمَ وَرَضَوْا بِالْمَعْنَى وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ مَالِ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ الْجِزْيَةُ كَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ وَيُزَادُ عَلَى الضَّعْفِ إنْ لَمْ يَفِ بِدِينَارٍ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ إلَى أَنْ يَفِيَ.

[فصل في أحكام الجزية غير ما مر]

(فَصْلٌ) فِي أَحْكَامِ الْجِزْيَةِ غَيْرِ مَا مَرَّ (لَزِمَنَا) بِعَقْدِهَا لِلْكُفَّارِ (الْكَفُّ) عَنْهُمْ (مُطْلَقًا) عَنْ التَّقْيِيدِ بِمَا يَأْتِي بِأَنْ لَا نَتَعَرَّضَ لَهُمْ نَفْسًا وَمَالًا وَسَائِرَ مَا يُقَرُّونَ عَلَيْهِ كَخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ لَمْ يُظْهِرُوهُمَا لِأَنَّهُمْ إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِعِصْمَتِهَا وَرَوَى أَبُو دَاوُد خَبَرَ «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (وَالدَّفْعُ) أَيْ دَفْعُ الْمُسْلِمِ وَغَيْرِهِ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ وَدَفْعُ أَهْلِ الْحَرْبِ (عَنْهُمْ) إنْ كَانُوا بِدَارِنَا

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَا يَأْخُذُ قِسْطَ بَعْضِ نِصَابٍ) وَلَا يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلُ بِبَقَاءِ مُوسِرٍ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ جِزْيَةٍ لِأَنَّهُ لَا نَظَرَ لِلْأَشْخَاصِ هُنَا بَلْ لِمَجْمُوعِ الْحَاصِلِ هَلْ يَفِي بِرُءُوسِهِمْ أَوْ لَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ بَعْدُ وَيُزَادُ عَلَى الضِّعْفِ إنْ لَمْ يَفِ بِدِينَارٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ إلَى أَنْ يَفِيَ بِرُؤْسِهِمْ وَهَلْ يُعْتَبَرُ النِّصَابُ كُلَّ الْحَوْلِ أَوْ آخِرَهُ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَوَّلُهُمَا إلَّا فِي مَالِ التِّجَارَةِ وَنَحْوِهِ اهـ شَرْحُ م ر بِزِيَادَةٍ.

وَعِبَارَةُ ز ي قَوْلُهُ وَلَا يَأْخُذُ قِسْطَ بَعْضِ نِصَابٍ فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ يُقَرُّ بِلَا جِزْيَةٍ فَأَجَابَ الْأَكْثَرُونَ بِأَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ أَهْلِ الْأَمْوَالِ يُؤْخَذُ عَنْهُمْ وَعَنْ غَيْرِهِمْ وَلِبَعْضِهِمْ أَنْ يَلْتَزِمَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ غَيْرِهِ انْتَهَتْ وَلِأَنَّ دَفْعَ الْجِزْيَةِ كَدَفْعِ الدَّيْنِ وَيَجُوزُ لِلشَّخْصِ دَفْعُ دَيْنِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَشَاةٍ مِنْ عِشْرِينَ شَاةً) هَذَا إنْ لَمْ يُخَالِطْ غَيْرَهُ فَإِنْ خَلَطَ عِشْرِينَ بِعِشْرِينَ لِغَيْرِهِ أُخِذَ مِنْهَا شَاةٌ إنْ ضَعَّفْنَا اهـ سُلْطَانٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْمَأْخُوذُ جِزْيَةٌ) أَيْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] وَالْكَافِرُ لَا يُطَهَّرُ بِمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ.

(فَرْعٌ) لَوْ لَمْ نَجِدْ لَهُمْ عِنْدَ آخِرِ الْحَوْلِ مَالًا زَكَوِيًّا لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا وَيُتَّجَهُ الْأَخْذُ مِنْ بَاقِي أَمْوَالِهِمْ اهـ عَمِيرَةُ اهـ سم (قَوْلُهُ وَيُزَادُ عَلَى الضِّعْفِ إنْ لَمْ يَفِ بِدِينَارٍ إلَخْ) وَلَوْ كَانَ مِقْدَارُ الزَّكَاةِ يَفِي بِأَقَلِّ الْجِزْيَةِ لَمْ تَجِبْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ وَقِيلَ تَجِبُ لِئَلَّا يَسْتَوُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي وَاجِبِ الزَّكَاةِ اهـ عَمِيرَةُ قَالَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ وَلَوْ شُرِطَ الضِّعْفُ لِلزَّكَاةِ وَكَثُرَ أَيْ زَادَ عَلَى دِينَارٍ وَبَذَلُوا الدِّينَارَ وَحْدَهُ بِأَنْ سَأَلُوا إسْقَاطَ الزَّائِدِ وَإِعَادَةَ اسْمِ الْجِزْيَةِ أُجِيبُوا إلَيْهِ اهـ.

وَعِبَارَةُ الْعُبَابِ أَجَابَهُمْ حَتْمًا انْتَهَتْ اهـ ابْنُ قَاسِمٍ وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر.

[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْجِزْيَةِ غَيْرِ مَا مَرَّ]

(فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْجِزْيَةِ)

أَيْ فِي بَقِيَّةِ أَحْكَامِ الْجِزْيَةِ مِمَّا يُطْلَبُ مِنَّا لَهُمْ أَوْ عَكْسُهُ أَوْ يَمْتَنِعُ كَذَلِكَ اهـ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ (قَوْلُهُ غَيْرُ مَا مَرَّ) أَيْ مِنْ الضِّيَافَةِ وَالْمُعَاوَنَةِ فِيهَا وَعَدَمِ إقْرَارِهِمْ بِبِلَادِ الْحِجَازِ وَجُمْلَةُ الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي هَذَا الْفَصْلِ نَحْوُ الثَّلَاثِينَ وَانْظُرْ هَلْ هِيَ مُخْتَصَّةٌ بِعَقْدِ الْجِزْيَةِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ السِّيَاقِ أَوْ تَتَرَتَّبُ عَلَى عَقْدِ الْأَمَانِ وَالْهُدْنَةِ أَيْضًا وَسَيُشِيرُ الشَّارِحُ إلَى عَدَمِ اخْتِصَاصِ بَعْضِهَا بِالْجِزْيَةِ فِي قَوْلِهِ وَمَنْ اُنْتُقِضَ أَمَانُهُ إلَخْ تَعَرَّضَ الشَّوْبَرِيُّ إلَى عَدَمِ اخْتِصَاصِ بَعْضٍ مِنَّا وَهُوَ قَوْلُ الْمَتْنِ وَأَمَرَهُمْ بِغِيَارٍ إلَخْ فَلْيُنْظَرْ حُكْمُ الْبَاقِي تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَزِمَنَا بِعَقْدِهَا إلَخْ) عِبَارَةُ الشَّيْخِ ابْنِ قَاسِمٍ نَصُّهَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ يَلْزَمُنَا بِعَقْدِ الذِّمَّةِ الصَّحِيحِ لِلْكُفَّارِ الْكَفُّ عَنْهُمْ إلَخْ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَفْهُومَ قَيْدِ الصَّحِيحِ.

وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ إذَا صَحَّ عَقْدُ الذِّمَّةِ لَزِمَنَا كَذَا وَلَزِمَهُمْ كَذَا وَقَضِيَّتُهَا أَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ إنَّمَا تَلْزَمُ إذَا صَحَّ عَقْدُهَا اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا عَنْ التَّقْيِيدِ بِمَا يَأْتِي) الَّذِي يَأْتِي هُوَ قَوْلُهُ إنْ كَانُوا بِدَارِنَا أَوْ بِدَارِ حَرْبٍ بِهَا مُسْلِمٌ (قَوْلُهُ نَفْسًا وَمَالًا إلَخْ) لَوْ غَصَبَ مُسْلِمٌ خَمْرًا مِنْ ذِمِّيٍّ وَجَبَ رَدُّهَا عَلَى الصَّحِيحِ وَلَوْ أُسِرَ مِنْهُمْ أَحَدٌ أَوْ غُصِبَ لَهُ مَالٌ وَجَبَ تَخْلِيصُهُ عَلَيْنَا وَمِنْ ثَمَّ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ غَيْبَتُهُ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ اهـ عَمِيرَةُ اهـ سم (قَوْلُهُ كَخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ) أَيْ وَكَعَدِمِ مُطَالَبَتِهِمْ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ اهـ ح ل

(قَوْلُهُ أَلَا مَنْ ظَلَمٍ إلَخْ) الْأَدَاةُ تَنْبِيهٌ وَاسْتِفْتَاحٌ وَمَنْ اسْمٌ مَوْصُولٌ مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ فَأَنَا حَجِيجُهُ خَبَرُهُ أَوْ اسْمُ شَرْطٍ جَازِمٍ خَبَرُهُ إمَّا فِعْلُ الشَّرْطِ أَوْ الْجَزَاءِ أَوْ هُمَا عَلَى الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ قَالَ الشَّوْبَرِيُّ وَلْيُحَرَّرْ مَعَانِي أَلْفَاظِ هَذَا الْحَدِيثِ وَوَجْهُ تَغَايُرِهَا اهـ ثُمَّ رَأَيْت فِي ع ش عَلَى م ر مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ أَوْ انْتَقَصَهُ هُوَ وَمَا بَعْدَهُ تَفْصِيلٌ لِبَعْضِ الظُّلْمِ فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ أَيْ احْتَقَرَهُ لَا مِنْ حَيْثُ كُفْرُهُ بَلْ مِنْ حَيْثُ صِفَاتٌ اقْتَضَتْهُ بِنِسْبَتِهِ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ كَمَا يَحْرُمُ انْتِقَاصُ الْمُسْلِمِ بِغَيْبَتِهِ وَإِنْ كَانَ بِصِفَاتٍ قَائِمَةٍ بِهِ اهـ (قَوْلُهُ «فَأَنَا حَجِيجُهُ» ) أَيْ خَصْمُهُ لِمُخَالَفَتِهِ شَرِيعَتِي بِعَدَمِ عَمَلِهِ بِالْحُكْمِ الَّذِي أَلْزَمْته بِهِ مِنْ عَدَمِ التَّعَرُّضِ لَهُمْ وَهَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الزَّجْرِ وَالتَّخْوِيفِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى تَشْرِيفِ الذِّمِّيِّ أَوْ يُقَالُ إنَّمَا كَانَ حَجِيجًا تَشَرُّفًا لِلْمُسْلِمِ صَوْنًا لَهُ عَنْ مُخَاصَمَةِ الْكَافِرِ إيَّاهُ اهـ شَيْخُنَا وَفِي ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ فَأَنَا حَجِيجُهُ أَيْ خَصْمُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبَبُ ذَلِكَ التَّشْدِيدُ عَلَى الْمُسْلِمِ حَتَّى لَا يَكُونَ مُخَالِفًا لِشَرِيعَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِذَا فَعَلَ مَعَهُ مَا يَقْتَضِي الْأَخْذَ مِنْ حَسَنَاتِ الْمُسْلِمِ أَخَذَ مِنْهَا مَا يُكَافِئُ جِنَايَتَهُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَلَيْسَ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لِلذِّمِّيِّ وَلَا عَفْوًا عَنْ ذُنُوبِهِ بَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ دَيْنٍ لَهُ عَلَى مُسْلِمٍ أُخِذَ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُخَفَّفُ عَنْهُ بِذَلِكَ عَذَابُ غَيْرِ الْكُفْرِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015