وَالْغَالِبُ أَنَّ الْحَرْبِيَّ لَا يَدْخُلُ بِلَادَنَا إلَّا بِأَمَانٍ فَإِنْ اُتُّهِمَ حَلَفَ نَدْبًا نَعَمْ إنْ اُدُّعِيَ ذَلِكَ بَعْدَ أَسْرِهِ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ.
(وَ) شُرِطَ (فِي الْعَاقِدِ كَوْنُهُ إمَامًا) يَعْقِدُ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ فَلَا يَصِحُّ عَقْدُهَا مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّهَا مِنْ الْأُمُورِ الْكُلِّيَّةِ فَتَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ لَكِنْ لَا يُغْتَالُ الْمَعْقُودُ لَهُ بَلْ يُبَلَّغُ مَأْمَنَهُ (وَعَلَيْهِ إجَابَةٌ إذَا طَلَبُوا وَأَمِنَ) بِأَنْ لَمْ يَخَفْ غَائِلَتَهُمْ وَمَكِيدَتَهُمْ فَإِنْ خَافَ ذَلِكَ كَأَنْ يَكُونَ الطَّالِبُ جَاسُوسًا يَخَافُ شَرَّهُ لَمْ يُجِبْهُمْ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ مُسْلِمٍ عَنْ بُرَيْدَةَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ إلَى أَنْ قَالَ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمْ الْجِزْيَةَ فَإِنْ هُمْ أَجَابُوا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ» وَيُسْتَثْنَى الْأَسِيرُ إذَا طُلِبَ عَقْدُهَا فَلَا يَجِبُ تَقْرِيرُهُ بِهَا وَقَوْلِي وَأَمِنَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ إلَّا جَاسُوسًا يَخَافُهُ.
(وَ) شُرِطَ (فِي الْمَعْقُودِ لَهُ كَوْنُهُ مُتَمَسِّكًا بِكِتَابٍ) كَتَوْرَاةٍ وَإِنْجِيلٍ وَصُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَشِيثٍ وَزَبُورِ دَاوُد سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُتَمَسِّكُ كِتَابِيًّا وَلَوْ مِنْ أَحَدِ أَبَوَيْهِ بِأَنْ اخْتَارَهُ أَمْ مَجُوسِيًّا (لِجَدٍّ) لَهُ (أَعْلَى لَمْ نَعْلَمْ) نَحْنُ (تَمَسُّكَهُ بِهِ بَعْدَ نَسْخِهِ) بِأَنْ عَلِمْنَا تَمَسُّكَهُ بِهِ قَبْلَ نَسْخِهِ أَوْ مَعَهُ أَوْ شَكَكْنَا فِي وَقْتِهِ وَلَوْ كَانَ تَمَسُّكُهُ بِهِ بَعْدَ التَّبْدِيلِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَجْتَنِبْ الْمُبْدَلَ مِنْهُ وَذَلِكَ لِلْآيَةِ وَخَبَرِ الْبُخَارِيِّ السَّابِقَيْنِ وَتَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ أَمَّا إذَا عَلِمْنَا تَمَسُّكَ الْجَدِّ بِهِ بَعْدَ نَسْخِهِ كَمَنْ تَهَوَّدَ بَعْدَ بَعْثَةِ عِيسَى عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ فَلَا تُعْقَدُ الْجِزْيَةُ لِفَرْعِهِ لِتَمَسُّكِهِ بِدَيْنٍ سَقَطَتْ حُرْمَتُهُ وَلَا لِمَنْ لَا كِتَابَ لَهُ وَلَا شُبْهَةَ كِتَابٍ كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالشَّمْسِ وَالْمَلَائِكَةِ وَحُكْمُ السَّامِرَةِ وَالصَّابِئَةِ هُنَا كَهُوَ فِي النِّكَاحِ إلَّا أَنْ يُشْكِلَ أَمْرُهُمْ فَيُقِرُّونَ بِالْجِزْيَةِ فَتَعْبِيرِي بِمَا ذُكِرَ أَعَمُّ وَأَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بِمَا ذَكَرَهُ (حُرًّا ذَكَرًا غَيْرَ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ) وَلَوْ سَكْرَانًا وَزَمِنًا وَهَرِمًا وَأَعْمَى وَرَاهِبًا وَأَجِيرًا وَفَقِيرًا لِأَنَّ الْجِزْيَةَ كَأُجْرَةِ الدَّارِ وَلِأَنَّهَا تُؤْخَذُ لِحَقْنِ الدَّمِ فَلَا جِزْيَةَ عَلَى مَنْ بِهِ رِقٌّ وَأُنْثَى وَخُنْثَى وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ مَحْقُونُ الدَّمِ وَالْآيَةُ السَّابِقَةُ فِي الذُّكُورِ وَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ أَنْ لَا تَأْخُذُوا الْجِزْيَةَ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فَلَوْ طَلَبَ الْخُنْثَى وَالْمَرْأَةُ عَقْدَ الذِّمَّةِ بِالْجِزْيَةِ أَعْلَمَهُمَا الْإِمَامُ بِأَنَّهُ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمَا فَإِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالْغَالِبُ أَنَّ الْحَرْبِيَّ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ أَوْ بِأَمَانِ مُسْلِمٍ وَمَا قَبْلَهُ عِلَّةٌ لِمَا قَبْلَهُ ثُمَّ قَضِيَّةُ هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى بِدَارِ الْحَرْبِ أَنَّ مُسْلِمًا أَمَّنَهُ لَمْ يُصَدَّقْ فَلْيُحَرَّرْ ثُمَّ رَاجَعْت الطَّبَلَاوِيَّ فَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ يُصَدَّقَ وَيُحْمَلُ التَّعْلِيلُ عَلَى الْغَالِبِ فَلْيُرَاجَعْ اهـ سم اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ بَعْدَ أَسْرِهِ) أَيْ بَعْدَ أَنْ أَسَرْنَاهُ وَدَخَلَ تَحْتَ قَهْرِنَا قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَيْ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِتَخْلِيصِ نَفْسِهِ مِنْ الْأَسْرِ.
(قَوْلُهُ فَلَا يَصِحُّ عَقْدُهَا مِنْ غَيْرِهِ) لَكِنْ لَا شَيْءَ عَلَى الْمَعْقُودِ لَهُ وَإِنْ أَقَامَ سَنَةً فَأَكْثَرَ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَغْوٌ اهـ رَوْضٌ اهـ سم أَيْ بَاطِلٌ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ وَمَكِيدَتَهُمْ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَوْ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ لِأَنَّ الْمَكِيدَةَ الْأَمْرُ الْخَفِيُّ الَّذِي لَا اطِّلَاعَ لَنَا عَلَيْهِ اهـ عَزِيزِيٌّ (قَوْلُهُ كَأَنْ يَكُونَ الطَّالِبُ جَاسُوسًا) وَهُوَ صَاحِبُ سِرِّ الشَّرِّ بِخِلَافِ النَّامُوسِ فَهُوَ صَاحِبُ سِرِّ الْخَيْرِ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ لَمْ يُجِبْهُمْ) هَلْ الْمُرَادُ لَمْ تَجِبْ إجَابَتُهُمْ أَوْ لَمْ تَجُزْ يَنْبَغِي الثَّانِي عِنْدَ ظَنِّ الضَّرَرِ لِلْمُسْلِمِينَ اهـ طب اهـ سم (قَوْلُهُ فَلَا يَجِبُ تَقْرِيرُهُ) لَكِنْ يَجُوزُ وَيَحْرُمُ قَتْلُهُ لِأَنَّ بَذْلَهَا يَقْتَضِي حَقْنَ الدَّمِ كَمَا لَوْ بَذَلَهَا قَبْلَ الْأَسْرِ وَجَازَ اسْتِرْقَاقُهُ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ فَلَا يَجِبُ تَقْرِيرُهُ أَيْ بَلْ تَحْرُمُ الْإِجَابَةُ حَيْثُ لَمْ يَأْمَنْ غَائِلَتَهُ وَيَحْرُمُ قَتْلُهُ إذَا طَلَبَ الْجِزْيَةَ وَيَجُوزُ إرْقَاقُهُ وَغُنْمُ مَالِهِ اهـ سم عَلَى حَجّ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ كَوْنُهُ مُتَمَسِّكًا إلَخْ) عَبَّرَ بِهِ دُونَ الْكِتَابِيِّ لِأَنَّ الْمُتَمَسِّكَ بِكِتَابٍ أَعَمُّ مِنْ الْكِتَابِيِّ وَالْمُرَادُ الْعُمُومُ (قَوْلُهُ وَصُحُفِ إبْرَاهِيمَ) أَيْ لِأَنَّهَا كُلَّهَا تُسَمَّى كُتُبًا فَانْدَرَجَتْ فِي قَوْله تَعَالَى {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [البقرة: 101] وَشِيثِ بْنِ آدَمَ لِصُلْبِهِ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُتَمَسِّكُ) أَيْ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْكُتُبِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا فَيَشْمَلُ كِتَابَ الْمَجُوسِ الَّذِي رُفِعَ فَهُمْ وَإِنْ تَمَسَّكُوا بِكِتَابٍ لَكِنَّهُ لَا يُسَمَّى كِتَابِيًّا إلَّا مَنْ تَمَسَّكَ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ خَاصَّةً اهـ ح ل (قَوْلُهُ وَلَوْ مِنْ أَحَدِ أَبَوَيْهِ) وَلَوْ الْأُمَّ اخْتَارَ الْكِتَابِيُّ أَوْ لَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا وَفَارَقَ كَوْنُ شَرْطِ حِلِّ نِكَاحِهَا اخْتِيَارَهَا الْكِتَابِيُّ بِأَنَّ مَا هُنَا أَوْسَعُ وَمَا أَوْهَمَهُ شَرْحُ الْمَنْهَجِ مِنْ أَنَّ اخْتِيَارَ ذَلِكَ قَيْدٌ هُنَا أَيْضًا غَيْرُ مُرَادٍ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ قَيْدٌ لِتَسْمِيَتِهِ كِتَابِيًّا لَا لِتَقْرِيرِهِ اهـ شَرْحُ م ر وَالْحَاصِلُ أَنَّ لَهُ ثَلَاثَ حَالَاتٍ إمَّا أَنْ يَخْتَارَ دَيْنَ الْكِتَابِيِّ أَوْ الْوَثَنِيِّ أَوْ لَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا فَيُقَرَّرُ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ دُونَ الثَّانِيَةِ هَذَا مُحَصِّلُ مَا اعْتَمَدَهُ حَجّ م ر عَلَى مَا فِي بَعْضِ نُسَخِهِ اهـ ع ش (قَوْلُهُ لِجَدٍّ لَهُ أَعْلَى) مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْكِتَابَ يُنْسَبُ لِلنَّبِيِّ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَلَعَلَّ وَجْهَ نِسْبَتِهِ لِلْجَدِّ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ اُشْتُهِرَ تَمَسُّكُهُ بِهِ مِنْ أَجْدَادِ ذَلِكَ الْكَافِرِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْأَعْلَى هُنَا مَا مَرَّ فِي الْوَصِيَّةِ وَهُوَ الَّذِي يَشْتَهِرُ انْتِسَابُ الرَّجُلِ إلَيْهِ وَيُعَدُّ قُبَيْلَهُ اهـ (قَوْلُهُ لَمْ نَعْلَمْ تَمَسُّكَهُ بِهِ بَعْدَ نَسْخِهِ) قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ يُرَدُّ عَلَى الْمِنْهَاجِ وَالتَّنْبِيهِ وَالْحَاوِي إذَا تَهَوَّدَ الْأَصْلُ أَوْ تَنَصَّرَ قَبْلَ النَّسْخِ لَكِنْ انْتَقَلَتْ ذُرِّيَّتُهُ عَنْ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ أَوْ قَبْلَهُ فَلَا تُقَرُّ بِالْجِزْيَةِ كَمَا نُصَّ عَلَيْهِ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُمْ أَنَّهُمْ مِمَّنْ تُعْقَدُ لَهُمْ الْجِزْيَةُ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ غَالِبًا إلَّا مِنْهُمْ اهـ ز ي
(قَوْلُهُ أَمَّا إذَا عَلِمْنَا تَمَسُّكَ الْجَدِّ إلَخْ) قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُضِرَّ دُخُولُ كُلٍّ مِنْ أَبَوَيْهِ بَعْدَ النَّسْخِ لَا أَحَدِهِمَا وَهُوَ الْأَوْجَهُ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ بِدَلِيلِ عَقْدِهَا لِمَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ وَثَنِيٌّ كَمَا يَأْتِي اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ كَمَنْ تَهَوَّدَ بَعْدَ بَعْثَةِ عِيسَى) أَيْ أَوْ تَنَصَّرَ بَعْدَ بَعْثَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ ح ل (قَوْلُهُ كَهُوَ فِي النِّكَاحِ) أَيْ فَتُعْقَدُ لَهُمْ إنْ لَمْ تُكَفِّرْهُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَلَمْ يُخَالِفُوهُمْ فِي أَصْلِ دِينِهِمْ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
وَعِبَارَةُ ع ش أَيْ فَحَيْثُ وَافَقُوهُمْ فِي الْأُصُولِ أُقِرُّوا وَإِنْ خَالَفُوا فِي الْفُرُوعِ لَكِنْ قِيلَ إنَّهُمْ لَوْ كَفَّرَتْهُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بِالْفُرُوعِ الَّتِي خَالَفُوا فِيهَا لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ وَقِيَاسُهُ هُنَا أَنَّهُمْ لَا يُقَرُّونَ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ مَبْنَى النِّكَاحِ الِاحْتِيَاطُ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا تَأَمَّلْ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُشْكِلَ أَمْرُهُمْ) لَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالشَّكِّ فِيمَا مَرَّ أَيْ فَهُنَاكَ يَضُرُّ الشِّرْكُ فِي الْمُخَالَفَةِ فِي