(وَإِلَّا) بِأَنْ صَدَّقَ الْآخِرَيْنِ أَوْ الْجَمِيعَ أَوْ كَذَّبَ الْجَمِيعَ (بَطَلَتَا) أَيْ الشَّهَادَتَانِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فِي الثَّالِثِ، وَوَجْهُهُ فِي الْأَوَّلِ أَنَّ فِيهِ تَكْذِيبَ الْأَوَّلَيْنِ وَعَدَاوَةَ الْآخِرَيْنِ لَهُمَا، وَفِي الثَّانِي أَنَّ فِي تَصْدِيقِ كُلِّ فَرِيقٍ تَكْذِيبَ الْآخَرِ (وَلَوْ أَقَرَّ بَعْضُ وَرَثَةٍ بِعَفْوِ بَعْضٍ) مِنْهُمْ عَنْ الْقَوَدِ وَعَيَّنَهُ أَوْ لَمْ يُعَيِّنْهُ (سَقَطَ الْقَوَدُ) لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ وَبِالْإِقْرَارِ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْهُ فَسَقَطَ حَقُّ الْبَاقِي وَلِلْجَمِيعِ الدِّيَةُ سَوَاءٌ عُيِّنَ الْعَافِي أَمْ لَا نَعَمْ إنْ أَطْلَقَ الْعَافِي الْعَفْوَ أَوْ عَفَا مَجَّانًا فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهَا (وَلَوْ اخْتَلَفَ شَاهِدَانِ فِي زَمَانِ فِعْلٍ) كَقَتْلٍ (أَوْ مَكَانِهِ أَوْ آلَتِهِ أَوْ هَيْئَتِهِ) كَأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ بُكْرَةً وَالْآخَرُ عَشِيَّةً أَوْ قَتَلَهُ فِي الْبَيْتِ وَالْآخَرُ فِي السُّوقِ أَوْ قَتَلَهُ بِسَيْفٍ وَالْآخَرُ بِرُمْحٍ أَوْ قَتَلَهُ بِالْحَزِّ وَالْآخَرُ بِالْقَدِّ (لَغَتْ) شَهَادَتُهُمَا (وَلَا لَوْثَ) لِلتَّنَاقُضِ فِيهَا وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي فِعْلُ الْإِقْرَارِ فَلَوْ اخْتَلَفَا فِي زَمَنِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا ذُكِرَ كَأَنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْقَتْلِ يَوْمَ السَّبْتِ وَالْآخَرُ بِأَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ يَوْمَ الْأَحَدِ لَمْ تَلْغُ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ فِي الْفِعْلِ وَلَا فِي صِفَتِهِ بَلْ فِي الْإِقْرَارِ وَهُوَ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ لِجَوَازِ أَنَّهُ أَقَرَّ فِيهِمَا نَعَمْ إنْ عَيَّنَا زَمَنًا فِي مَكَانَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَصِلُ الْمُسَافِرُ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ كَأَنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْقَتْلِ بِمَكَّةَ يَوْمَ كَذَا وَالْآخَرُ بِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقَتْلِهِ بِمِصْرَ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَغَتْ شَهَادَتُهُمَا.
جَمْعُ بَاغٍ سُمُّوا بِذَلِكَ لِمُجَاوَزَتِهِمْ الْحَدَّ وَالْأَصْلُ فِيهِ آيَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَهُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى حُضُورِهِمَا فِي مَجْلِسٍ آخَرَ مِنْ طَرِيقِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الِابْتِدَارَ بِالشَّيْءِ قَدْ يَنْفِي التُّهْمَةَ عَنْ قَائِلِهِ بِخِلَافِ التَّأَخُّرِ اهـ سم. (قَوْلُهُ وَإِلَّا بَطَلَتَا) أَيْ وَبَقِيَ حَقُّهُ فِي الدَّعْوَى وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ سَقَطَ حَقُّهُ أَيْ مِنْ الشَّهَادَةِ اهـ ح ل، وَقَالَ ع ش جَزَمَ م ر بِبُطْلَانِ حَقِّهِ مِنْ الدَّعْوَى وَيُصَرِّحُ بِهِ مَا قَرَّرَ بِهِ الشَّارِحُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ السَّابِقِ وَأَنْ لَا تَنَاقُضَهَا أُخْرَى انْتَهَى.
(قَوْلُهُ وَعَدَاوَةَ الْآخَرِينَ لَهُمَا) فِيهِ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَيْسَتْ عَدَاوَةً دُنْيَوِيَّةً فَالْعِلَّةُ الصَّحِيحَةُ التُّهْمَةُ اهـ ح ل.
وَعِبَارَةُ س ل إنَّمَا حَصَلَتْ الْعَدَاوَةُ لَهُمَا بِسَبَبِ مُبَادَرَتِهِمَا بِهِ لَا مِنْ حَيْثُ الشَّهَادَةُ بِشَرْطِهَا إذْ حُصُولُهَا لَا يُثْبِتُ الْعَدَاوَةَ بَيْنَ الشَّاهِدِ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ سَوَاءٌ عَيَّنَ الْعَافِيَ إلَخْ) لَا يُقَالُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَعَيَّنَهُ أَوْ لَمْ يُعَيِّنْهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَفْوِ وَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلدِّيَةِ اهـ تَقْرِيرٌ، وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ ذَكَرَهُ هُنَا وَإِنْ عُلِمَ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ نَعَمْ إلَخْ. (قَوْلُهُ نَعَمْ إنْ أَطْلَقَ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلِلْجَمِيعِ الدِّيَةُ إلَخْ وَصُورَةُ هَذَا الِاسْتِدْرَاكِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ عَفْوَهُ اعْتَرَفَ بِالْعَفْوِ وَأَقَرَّ بِهِ لَكِنْ قَالَ عَفَوْت مَجَّانًا أَوْ قَالَ عَفَوْت وَأَطْلَقَ بِأَنْ لَمْ يَقُلْ مَجَّانًا وَلَمْ يَقُلْ عَلَى مَالٍ. (قَوْلُهُ لَغَتْ شَهَادَتُهُمَا) ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَا وَلِيَّيْنِ يُمْكِنُهُمَا قَطْعُ الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْأُمُورَ الْخَارِقَةَ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا فِي الشَّرْعِ اهـ ع ش عَلَى م ر وَعِبَارَتُهُ عَلَى الشَّارِحِ قَوْلُهُ لَغَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَقَدْ يُقَالُ لِمَ لَا يَحْلِفُ مَعَ مَنْ وَافَقَهُ مِنْهُمَا وَيَأْخُذُ الْبَدَلَ كَنَظِيرِهِ مِنْ السَّرِقَةِ الْآتِي بَيَانُهَا آخِرَ الْبَابِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ بَابَ الْقَسَامَةِ أَمْرٌ عَظِيمٌ وَلِهَذَا غَلُظَ فِيهِ بِتَكْرِيرِ الْأَيْمَانِ اهـ زِيَادِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ.
[كِتَابُ الْبُغَاةِ]
أَيْ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُمْ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْجَوَارِجِ وَالْكَلَامِ عَلَى شُرُوطِ الْإِمَامِ وَبَيَانِ طَرَفِ انْعِقَادِ الْإِمَامَةِ، وَقَوْلُهُ لِمُجَاوَزَتِهِمْ الْحَدَّ أَيْ مَا حَدَّهُ اللَّهُ وَشَرَعَهُ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَقَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَيْ فِي الْكِتَابِ أَيْ فِي الْأَحْكَامِ الْآتِيَةِ فِيهِ يَعْنِي فِي الْجُمْلَةِ وَإِلَّا فَالْآيَةُ لَا تُثْبِتُ كُلَّ الْأَحْكَامِ الْآتِيَةِ، وَفِي ع ش عَلَى م ر لَعَلَّ حِكْمَةَ جَعْلِهِ عَقِبَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ كَالِاسْتِثْنَاءِ مِنْ كَوْنِ الْقَتْلِ مُضَمَّنًا اهـ. (قَوْلُهُ لِمُجَاوَزَتِهِمْ الْحَدَّ) أَيْ بِخُرُوجِهِمْ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِمْ وَهُوَ لُغَةً كَذَلِكَ فَفِي الْمُخْتَارِ الْبَغْيُ التَّعَدِّي وَبَغَى عَلَيْهِ اسْتَطَالَ وَبَابُهُ رَمَى وَكُلُّ مُجَاوَزَةٍ وَإِفْرَاطٍ عَلَى الْمِقْدَارِ الَّذِي هُوَ حَدُّ الشَّيْءِ فَهُوَ بَغْيٌ وَالْبُغْيَةُ بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ الْحَاجَةُ وَبَغَى ضَالَّتَهُ يَبْغِيهَا بُغَاءٌ بِالضَّمِّ وَالْمَدِّ وَبِغَايَةٌ بِالضَّمِّ أَيْضًا أَيْ طَلَبُهَا وَكُلُّ طُلْبَةٍ بُغَاءٌ وَبِغَايَةٌ وَبِغَاءٌ الشَّيْءِ طَلَبُهُ لَهُ وَبَغَتْ الْمَرْأَةُ تَبْغِي بِغَاءً بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ أَيْ زَنَتْ فَهِيَ بَغِيٌّ وَالْجَمْعُ بَغَايَا، وَقَوْلُهُمْ يَنْبَغِي لَك أَنْ تَفْعَلَ كَذَا هُوَ مِنْ أَفْعَالِ الْمُطَاوَعَةِ يُقَالُ بَغَاهُ فَابْتَغَى كَمَا يُقَالُ كَسَرَهُ فَانْكَسَرَ وَابْتَغَيْت الشَّيْءَ وَتَبْغِيهِ طَلَبْته، مِثْلُ بَغَيْته وَتَبَاغَوْا أَيْ بَغَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ اهـ.
(قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ آيَةٌ إلَخْ) وَمِنْ أَدِلَّتِهِ أَيْضًا الْإِجْمَاعُ، وَذَلِكَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَاتَلَ أَهْلَ الْجَمَلِ بِالْبَصْرَةِ مَعَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، ثُمَّ قَاتَلَ أَهْلَ الشَّامِ بِصِفِّينَ مَعَ مُعَاوِيَةَ ثُمَّ قَاتَلَ أَهْلَ النَّهْرَوَانِ مِنْ الْخَوَارِجِ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَخَذَ الْمُسْلِمُونَ السِّيرَةَ فِي قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ، وَفِي قِتَالِ الْمُرْتَدِّينَ مِنْ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَفِي قِتَالِ الْبُغَاةِ مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - اهـ سم.
(قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْخُرُوجِ إلَخْ) هَذَا الْكَلَامُ يُوهِمُ أَنَّ الْبَغْيَ مُنْحَصِرٌ فِي الْخُرُوجِ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الْبَيْعَةُ وَنَحْوُهَا وَإِلَّا فَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّ الْمُرَادَ الْخُرُوجُ، وَلَوْ بِمَنْعِ حَقٍّ تَوَجَّهَ عَلَيْهِمْ كَمَا سَيَجِيءُ وَهَؤُلَاءِ قَدْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَرَافَعُوا إلَى الْإِمَامِ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ فَحَيْثُ اشْتَغَلُوا بِالْقِتَالِ مُعْرِضِينَ عَنْ الْإِمَامِ فَقَدْ افْتَاتُوا وَامْتَنَعُوا مِنْ الْحَقِّ الْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ فَكَانُوا بُغَاةً لِهَذَا اهـ عَمِيرَةُ اهـ سم. (قَوْلُهُ {وَإِنْ طَائِفَتَانِ} [الحجرات: 9] الْآيَةَ) وَمَعْنَى {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] الْأَوَّلُ إبْدَاءُ الْوَعْظِ وَالنَّصِيحَةِ وَالثَّانِي الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِالْقَضَاءِ الْعَدْلِ فِيمَا كَانَ بَيْنَهُمَا اهـ عَمِيرَةُ اهـ سم وَقَوْلُهُ {اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9] لَمْ يَقُلْ اقْتَتَلَتَا بَلْ جَمَعَ مُرَاعَاةً لِأَفْرَادِ الطَّائِفَتَيْنِ وَالْبَغْيُ لَيْسَ اسْمَ ذَمٍّ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا خَالَفُوا بِتَأْوِيلٍ جَائِزٍ فِي اعْتِقَادِهِمْ لَكِنَّهُمْ مُخْطِئُونَ فِيهِ فَلَهُمْ نَوْعُ عُذْرٍ لِمَا فِيهِ مِنْ أَهْلِيَّةِ الِاجْتِهَادِ وَمَا وَرَدَ مِنْ ذَمِّهِمْ وَمَا وَقَعَ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ فِي