كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فَلَا يَجِبُ بِهَا قَوَدٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَبَرِ الْبُخَارِيِّ «إمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ أَوْ يُؤْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ» وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْقَوَدِ وَلِأَنَّ الْقَسَامَةَ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ فَلَا تُوجِبُ الْقَوَدَ احْتِيَاطًا لِأَمْرِ الدِّمَاءِ كَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ وَأُجِيبَ عَنْ قَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ «أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ» بِأَنَّ التَّقْدِيرَ بَدَلُ دَمِ صَاحِبِكُمْ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ.

(وَلَوْ ادَّعَى) قَتْلًا (عَمْدًا) مَثَلًا (بِلَوْثٍ عَلَى ثَلَاثَةٍ حَضَرَ أَحَدُهُمْ) وَأَنْكَرَ (حَلَفَ) الْمُسْتَحِقُّ (خَمْسِينَ وَأَخَذَ) مِنْهُ (ثُلُثَ دِيَةٍ، فَإِنْ حَضَرَ آخَرُ فَكَذَا) أَيْ فَيَحْلِفُ خَمْسِينَ كَالْأَوَّلِ وَيَأْخُذُ ثُلُثَ دِيَةٍ (إنْ لَمْ يَكُنْ ذَكَرَهُ فِي الْأَيْمَانِ وَإِلَّا اكْتَفَى بِهَا) بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْقَسَامَةِ فِي غَيْبَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ (وَالثَّالِثُ كَالثَّانِي) فِيمَا مَرَّ فِيهِ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِي (وَلَا قَسَامَةَ فِيمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ) خَاصًّا لِأَنَّ تَحْلِيفَ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ غَيْرُ مُمْكِنٍ لَكِنْ يَنْصِبُ الْقَاضِي مَنْ يَدَّعِي عَلَى مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ الْقَتْلُ وَيُحَلِّفُهُ.

[فصل فيما يثبت به موجب القود وموجب المال بسبب الجناية]

(فَصْلٌ) فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ مُوجِبُ الْقَوَدِ وَمُوجِبُ الْمَالِ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ مِنْ إقْرَارٍ وَشَهَادَةٍ (إنَّمَا يَثْبُتُ قَتْلٌ بِسِحْرٍ بِإِقْرَارٍ) بِهِ حَقِيقَةً

ـــــــــــــــــــــــــــــQالزِّيَادِيُّ قَوْلُهُ وَالْوَاجِبُ بِالْقَسَامَةِ إلَخْ خَرَجَ بِهَا الْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ عَلَى الْمُدَّعِي فَإِنَّ الْقِصَاصَ يَثْبُتُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا كَالْإِقْرَارِ أَوْ كَالْبَيِّنَةِ وَكُلٌّ يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَكَانَ مِنْ حَقِّ الشَّارِحِ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى هَذَا اهـ. (قَوْلُهُ كَمَا عُلِمَ) أَيْ هَذَا التَّفْصِيلُ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَى مُدَّعًى عَلَيْهِ إلَخْ مِمَّا مَرَّ أَيْ مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ. (قَوْلُهُ إمَّا أَنْ يَدُوا) أَيْ يُعْطُوا الدِّيَةَ وَقَوْلُهُ أَوْ يُؤْذَنُوا بِحَرْبٍ بِفَتْحِ الذَّالِ أَيْ يُعْلَمُوا بِأَنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ لِمُخَالَفَتِهِمْ فِيمَا أُمِرُوا بِهِ اهـ ع ش عَلَى م ر.

(قَوْلُهُ أَيْ فَيَحْلِفُ خَمْسِينَ كَالْأَوَّلِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ السَّابِقَةَ لَمْ تَتَنَاوَلْهُ اهـ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ وَيُحَلِّفُهُ) فَلَوْ نَكَلَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فَفِي الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ خِلَافٌ اهـ وَجَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ بِالْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ اهـ.

وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ م ر وَمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ خَاصًّا لَا قَسَامَةَ فِيهِ، وَلَوْ مَعَ لَوْثٍ لِتَعَذُّرِ حَلِفِ بَيْتِ الْمَالِ فَيَنْصِبُ الْإِمَامُ مُدَّعِيًا، فَإِنْ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَذَاكَ وَإِلَّا حُبِسَ إلَى أَنْ يَقْرَ أَوْ يَحْلِفَ انْتَهَتْ، وَقَالَ م ر الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُحْبَسُ إلَى أَنْ يَحْلِفَ أَوْ يَعْتَرِفَ اهـ سم، وَفِي ع ش مَا نَصُّهُ وَيَأْتِي مِثْلُ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجَةِ وَالْبِنْتِ السَّابِقَةِ فَبَعْدَ حَلِفِهِمَا يَنْصِبُ الْإِمَامُ أَوْ الْقَاضِي مَنْ يَدَّعِي إلَخْ وَقَوْلُهُ وَإِلَّا حُبِسَ أَيْ وَإِنْ طَالَ الْحَبْسُ اهـ.

[فَصْلٌ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ مُوجِبُ الْقَوَدِ وَمُوجِبُ الْمَالِ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ]

(فَصْلٌ) فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ مُوجِبُ الْقَوَدِ

أَيْ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَلِيُصَرِّحَ الشَّاهِدُ بِالْإِضَافَةِ إلَى آخِرِ الْفَصْلِ، وَهَذَا الْفَصْلُ ذَكَرَهُ هُنَا تَبَعًا لِلْمُزَنِيِّ وَغَيْرِهِ أَخَّرَهُ إلَى الشَّهَادَاتِ اهـ سم. (قَوْلُهُ مُوجِبُ الْقَوَدِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى السَّبَبِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَهَذَا الْمُتَرَتِّبُ يُقَالُ لَهُ الْمُوجَبُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِيجَابِ تَرَتُّبُ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ اهـ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ. (قَوْلُهُ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ) نَعْتٌ لِلْمَالِ أَيْ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ مُوجِبُ الْمَالِ الَّذِي سَبَبُهُ الْجِنَايَةُ فَكَأَنَّهُ قَالَ فِي الْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَةِ اللَّذَيْنِ تَثْبُتُ بِهِمَا الْجِنَايَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْمَالِ فَالْجِنَايَةُ مُوجِبَةٌ لِلْمَالِ أَيْ سَبَبٌ لَهُ وَتَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ أَوْ الشَّهَادَةِ وَقَوْلُهُ مِنْ إقْرَارٍ وَشَهَادَةٍ بَيَانٌ لَمَا.

وَعِبَارَةُ الرَّشِيدِيِّ قَوْلُهُ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ قَيْدٌ فِي مُوجِبِ الْمَالِ لِيَخْرُجَ مُوجِبُ الْمَالِ لَا بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ كَالْبَيْعِ مَثَلًا لَكِنَّهُ يَدْخُلُ الْمَالُ الْوَاجِبُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْمَالِ وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ فَكَانَ يَنْبَغِي زِيَادَةٌ عَلَى الْبَدَنِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ إنَّمَا يَثْبُتُ قَتْلٌ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ أَوْجَبَ ذَلِكَ الْقَتْلُ الْقَوَدَ أَوْ الْمَالَ. (قَوْلُهُ بِسِحْرٍ) وَهُوَ حَرَامٌ مُفَسِّقٌ تَعْلِيمًا وَتَعَلُّمًا وَلَا يَكْفُرُ بِهِ. وَأَمَّا الْقَتْلُ بِالْعَيْنِ أَوْ الْحَالِ فَلَا قَوَدَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ اهـ شَيْخُنَا قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي تَعْرِيفِ السِّحْرَ وَهُوَ نَوْعٌ يُسْتَفَادُ مِنْ الْعِلْمِ بِخَوَاصِّ الْجَوَاهِرِ وَبِأُمُورٍ حِسَابِيَّةٍ فِي مَطَالِعِ النُّجُومِ فَيُتَّخَذُ مِنْ تِلْكَ الْحَوَاسِّ هَيْكَلٌ عَلَى صُورَةِ الشَّخْصِ الْمَسْحُورِ وَيُتَرَصَّدُ لَهُ وَقْتٌ مَخْصُوصٌ مِنْ الْمَطَالِعِ وَتُقْرَنُ بِهِ كَلِمَاتٌ يُتَلَفَّظُ بِهَا مِنْ الْكُفْرِ وَالْفُحْشِ الْمُخَالِفِ لِلشَّرْعِ وَيُتَوَسَّلُ بِسَبَبِهَا إلَى الِاسْتِغَاثَةِ بِالشَّيَاطِينِ وَيَحْصُلُ مِنْ مَجْمُوعِ ذَلِكَ بِحُكْمِ إجْرَاءِ اللَّهِ الْعَادَةَ أَحْوَالٌ غَرِيبَةٌ فِي الشَّخْصِ الْمَسْحُورِ اهـ مِنْ الْإِحْيَاءِ، وَفِي ع ش عَلَى م ر.

(فَائِدَةٌ)

السِّحْرُ فِي اللُّغَةِ صَرْفُ الشَّيْءِ عَنْ وَجْهِهِ يُقَالُ مَا سَحَرَك عَنْ كَذَا أَيْ مَا صَرَفَك عَنْهُ وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُ حَقٌّ وَلَهُ حَقِيقَةٌ وَيَكُونُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَيُؤْلِمُ وَيُمْرِضُ وَيَقْتُلُ وَيُفَرِّقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَقَالَ الْمُعْتَزِلَةُ وَأَبُو جَعْفَرٍ الإستراباذي بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَنَّ السِّحْرَ لَا حَقِيقَةَ لَهُ إنَّمَا هُوَ تَخْيِيلٌ وَبِهِ قَالَ الْبَغَوِيّ اسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه: 66] وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ السَّاحِرَ قَدْ يَقْلِبُ بِسِحْرِهِ الْأَعْيَانَ وَيَجْعَلُ الْإِنْسَانَ حِمَارًا بِحَسَبِ قُوَّةِ السِّحْرِ، وَهَذَا وَاضِحُ الْبُطْلَانِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ لَرَدَّ نَفْسَهُ إلَى الشَّبَابِ بَعْدَ الْهَرَمِ وَأَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ مِنْ الْمَوْتِ وَمِنْ جُمْلَةِ أَنْوَاعِهِ السِّيمْيَاءُ وَالتِّيمْيَاءُ، وَلَمْ يَبْلُغْ أَحَدٌ فِي السِّحْرِ إلَى الْغَايَةِ الَّتِي وَصَلَ إلَيْهَا الْقِبْطُ أَيَّامَ دَلُوكَا مَلِكَةِ مِصْرَ بَعْدَ فِرْعَوْنَ فَإِنَّهُمْ وَضَعُوا السِّحْرَ عَلَى الْبَرَانِيِّ وَصَوَّرُوا فِيهَا صُوَرَ عَسَاكِرِ الدُّنْيَا فَأَيُّ عَسْكَرٍ قَصَدَهُمْ أَتَوْا إلَى ذَلِكَ الْعَسْكَرِ الْمُصَوَّرِ فَمَا فَعَلُوهُ بِهِ مِنْ قَلْعِ الْأَعْيُنِ وَقَطْعِ الْأَعْضَاءِ اتَّفَقَ نَظِيرُهُ لِلْعَسْكَرِ الْقَاصِدِ لَهُمْ فَتَخَافُ مِنْهُمْ الْعَسَاكِرُ وَأَقَامُوا سِتَّمِائَةِ سَنَةٍ وَالنِّسَاءُ هُنَّ الْمُلُوكُ وَالْأُمَرَاءُ بِمِصْرَ بَعْدَ غَرَقِ فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ حَكَاهُ الْعِرَاقِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ لَا يَظْهَرُ أَثَرُ السِّحْرِ إلَّا عَلَى يَدِ فَاسِقٍ وَيَحْرُمُ تَعَلُّمُ الْكِهَانَةِ وَالتَّنْجِيمِ وَالضَّرْبِ بِالرَّمْلِ وَبِالشَّعِيرِ وَبِالْحِمَّصِ وَالشَّعْبَذَةِ وَتَعْلِيمُ هَذِهِ كُلِّهَا وَأَخْذُ الْعِوَضِ عَلَيْهَا حَرَامٌ بِالنَّصِّ الصَّحِيحِ فِي «النَّهْيِ عَنْ حُلْوَانِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015