وَالْأَوْلَى أَنْ يُجْلِسَهُ مَعَهُ لِلْأَكْلِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ رَوَّغَ لَهُ لُقْمَةً تَسُدُّ مَسَدًا لَا صَغِيرَةً تُثِيرُ الشَّهْوَةَ وَلَا تَقْضِي التُّهْمَةَ وَلَوْ كَانَ السَّيِّدُ يَأْكُلُ وَيَلْبَسُ دُونَ اللَّائِقِ بِهِ الْمُعْتَادِ غَالِبًا بُخْلًا أَوْ رِيَاضَةً فَلَيْسَ لَهُ الِاقْتِصَارُ فِي رَقِيقِهِ عَلَى ذَلِكَ بَلْ يَلْزَمُهُ رِعَايَةُ الْغَالِبِ، وَلَوْ تَنَعَّمَ بِمَا فَوْقَ اللَّائِقِ بِهِ نُدِبَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مِثْلَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ بَلْ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْغَالِبِ كَمَا عُلِمَ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا هُمْ إخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِنْ طَعَامِهِ وَلْيُلْبِسْهُ مِنْ لِبَاسِهِ» قَالَ الرَّافِعِيُّ حَمَلَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى النَّدْبِ أَوْ عَلَى الْخِطَابِ لِقَوْمٍ مَطَاعِمُهُمْ وَمُلَابِسُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ أَوْ عَلَى أَنَّهُ جَوَابُ سَائِلٍ عَلِمَ فَأَجَابَهُ بِمَا اقْتَضَاهُ الْحَالُ.
(وَتَسْقُطُ) كِفَايَةُ الرَّقِيقِ (بِمُضِيِّ الزَّمَنِ) فَلَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِمَا مَرَّ فِي مُؤْنَةِ الْقَرِيبِ بِجَامِعِ وُجُوبِ مَا ذُكِرَ بِالْكِفَايَةِ (وَيَبِيعُ قَاضٍ فِيهَا مَالَهُ) أَوْ يُؤَجِّرَهُ إنْ امْتَنَعَ مِنْهَا زَمَنَ إزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْ الرَّقِيقِ بَعْدَ أَمْرِهِ لَهُ بِأَحَدِهِمَا أَوْ غَابَ كَمَا فِي مُؤْنَةِ الْقَرِيبِ، وَكَيْفِيَّتُهُ أَنَّهُ إنْ تَيَسَّرَ بَيْعُ مَالِهِ أَوْ إيجَارُهُ شَيْئًا فَشَيْئًا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فَذَاكَ وَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ كَعَقَارٍ اسْتَدَانَ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يَجْتَمِعَ مَا يُسَهِّلُ الْبَيْعَ أَوْ الْإِيجَارَ لَهُ ثُمَّ بَاعَ أَوْ أَجَّرَ مِنْهُ مَا يَفِي بِهِ لِمَا فِي بَيْعِهِ أَوْ إيجَارِهِ شَيْئًا فَشَيْئًا مِنْ الْمَشَقَّةِ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ كَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّهُ يُبَاعُ بَعْدَ الِاسْتِدَانَةِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بَيْعُ بَعْضِهِ وَلَا إيجَارُهُ وَتَعَذَّرَتْ الِاسْتِدَانَةُ بَاعَ جَمِيعَهُ أَوْ أَجَّرَهُ (فَإِنْ فُقِدَ) مَالُهُ (أَمَرَهُ) الْقَاضِي (بِإِيجَارِهِ أَوْ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ) مِنْهُ بِنَحْوِ بَيْعٍ أَوْ إعْتَاقٍ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ بَاعَهُ الْقَاضِي أَوْ آجَرَهُ عَلَيْهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَكِفَايَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتِحْبَابِهِ حِينَئِذٍ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُجْلِسَهُ مَعَهُ) أَيْ لِيَتَنَاوَلَ الْقَدْرَ الَّذِي يَشْتَهِيهِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ حَيْثُ لَا رِيبَةَ تَلْحَقُهُ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ) أَيْ أَوْ امْتَنَعَ الْمَمْلُوكُ مِنْ الْجُلُوسِ مَعَ سَيِّدِهِ تَوْقِيرًا لَهُ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: رَوَّغَ لَهُ لُقْمَةً) أَيْ قَلَّبَهَا فِي الدَّسَمِ اهـ شَيْخُنَا.
وَفِي الْمِصْبَاحِ رَوَّغْت اللُّقْمَةَ بِالسَّمْنِ تَرْوِيغًا دَسَّمْتُهَا وَرَيَّغْت بِالْيَاءِ مِثْلُهُ (قَوْلُهُ: وَلَا تَقْضِي النَّهْمَةَ) النَّهْمَةُ بُلُوغُ الْهِمَّةِ فِي الشَّيْءِ وَالنَّهَمُ بِالتَّحْرِيكِ إفْرَاطُ الشَّهْوَةِ فِي الطَّعَامِ اهـ ح ل.
وَعِبَارَةُ ع ش النَّهْمَةُ بِفَتْحِ النُّونِ الْحَاجَةُ وَالشَّهْوَةُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ انْتَهَتْ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ نَهِمَ فِي الشَّيْءِ يَنْهِمُ نَهْمَةً بَلَغَ هِمَّتَهُ فِيهِ فَهُوَ نَهِيمٌ وَالنَّهَمُ بِفَتْحَتَيْنِ إفْرَاطُ الشَّهْوَةِ، وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ بَابِ تَعِبَ، وَنَهِمَ نَهَمًا أَيْضًا زَادَتْ رَغْبَتُهُ فِي الْعِلْمِ وَنَهِمَ يَنْهِمُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ كَثُرَ أَكْلُهُ، وَنُهِمَ بِالشَّيْءِ مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ أُولِعَ بِهِ فَهُوَ مَنْهُومٌ (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ) وَارِدٌ عَلَى قَوْلِ الشَّارِحِ وَلَوْ تَنَعَّمَ بِمَا فَوْقَ اللَّائِقِ بِهِ إلَخْ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الرَّشِيدِيِّ عَلَى م ر وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْد قَالَ دَخَلْنَا عَلَى أَبِي ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ فَإِذَا عَلَيْهِ بُرْدٌ وَعَلَى غُلَامِهِ مِثْلُهُ فَقُلْنَا يَا أَبَا ذَرٍّ لَوْ أَخَذْتَ بُرْدَ غُلَامِكَ إلَى بُرْدِكَ كَانَتْ حُلَّةً وَكَسَوْتَهُ ثَوْبًا غَيْرَهُ فَقَالَ «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا يُكَلِّفْهُ مَا يَغْلِبُهُ» وَالْجَوَابُ عَنْهُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَفِي الْمِصْبَاحِ: الْخَوَلُ مِثْلُ الْخَدَمِ وَالْحَشَمِ وَزْنًا وَمَعْنًى اهـ.
(فَرْعٌ) تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ بَابِ الصَّلَاةِ أَنَّ عَلَى الْأَبَوَيْنِ أَمْرَ الْمُمَيِّزِ بِالصَّلَاةِ أَدَاءً وَقَضَاءً لِسَبْعِ سِنِينَ وَضَرْبَهُ لِعَشْرٍ وَكَذَا الصَّوْمُ إنْ أَطَاقَهُ وَأَنَّ عَلَيْهِمَا نَهْيَهُ عَمَّا يَحْرُمُ وَتَعْلِيمَهُ مَا يَجِبُ كَالطَّهَارَةِ قَالَ فِي الْمُهِّمَّاتِ وَالْمُلْتَقِطُ وَمَالِكُ الرَّقِيقِ فِي مَعْنَى الْأَبِ وَكَذَا الْمُودَعُ وَالْمُسْتَعِيرُ وَنَحْوُهُمَا فِيمَا يَظْهَرُ قَالَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَلَا يُقْتَصَرُ فِي الْأَمْرِ عَلَى مُجَرَّدِ صِيغَتِهِ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ التَّهْدِيدِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ أُمُورٌ أُخْرَى تَجْرِي هُنَا أَيْضًا فَانْظُرْهَا اهـ سم (قَوْلُهُ: إنَّمَا هُمْ إخْوَانُكُمْ) أَيْ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمْ أَوْلَادُ آدَمَ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى أَنَّهُ جَوَابُ سَائِلٍ عَلِمَ) أَيْ عَلِمَ بُخْلَهُ وَأَنَّهُ يُقَتِّرُ عَلَى الْأَرِقَّاءِ فَأَتَى بِالْحَدِيثِ رَدْعًا وَزَجْرًا لَهُ لِيَرْجِعَ عَمَّا هُوَ فِيهِ اهـ شَيْخُنَا عَزِيزِيٌّ.
(قَوْلُهُ: فَلَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر فَلَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِفَرْضِ قَاضٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَقَدْ قَالَ الرُّويَانِيُّ: لَوْ قَالَ الْحَاكِمُ لِعَبْدِ رَجُلٍ غَائِبٍ: اسْتَدِنْ وَأَنْفِقْ عَلَى نَفْسِك جَازَ، وَكَانَ دَيْنًا عَلَى سَيِّدِهِ انْتَهَتْ، وَتَقَدَّمَ فِي الشَّارِحِ فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ الَّتِي أَحَالَ هَذِهِ عَلَيْهَا أَنَّهَا لَا تَصِيرُ دَيْنًا بِالْفَرْضِ بِالْفَاءِ، وَإِنَّمَا تَصِيرُ دَيْنًا بِالْقَرْضِ بِالْقَافِ.
وَعِبَارَةُ سم مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ: إلَّا بِمَا مَرَّ فِي مُؤْنَةِ الْقَرِيبِ مِنْهُ فَرْضُ الْقَاضِي عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ، وَصُورَتُهُ هُنَا أَنْ يَفْرِضَهَا الْقَاضِي، وَيَأْذَنَ لِمَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ لِيَرْجِعَ فَمَهْمَا أَنْفَقَهُ هَذَا الْمُنْفِقُ صَارَ لَهُ دَيْنًا عَلَيْهِ هَكَذَا أَفَادَهُ م ر وَفِي الْحَقِيقَةِ هَذَا فِي مَعْنَى الِاقْتِرَاضِ مِنْ الْقَاضِي عَلَى الْمَالِكِ فَمُجَرَّدُ الْفَرْضِ لَا أَثَرَ لَهُ، وَهَذَا هُوَ صُورَتُهُ هُنَاكَ أَيْضًا انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: أَوْ يُؤَجِّرُهُ إنْ امْتَنَعَ) أَوْ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ وَكَذَا فِي جَمِيعِ مَا يَأْتِي؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يُرَاعِيَ مَا فِيهِ الْأَحَظُّ لِلْمَالِكِ اهـ ب ش.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَتَحْرِيرِهِ أَنَّ الْحَاكِمَ يُؤَجِّرُ جُزْءًا مِنْ مَالِهِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ أَوْ جَمِيعَهُ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ أَوْ تَعَذَّرَ إيجَارُ الْجُزْءِ فَإِنْ تَعَذَّرَ إيجَارُهُ بَاعَ جُزْءًا مِنْهُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ أَوْ كُلَّهُ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ، وَتَعَذَّرَ بَيْعُ الْجُزْءِ هَذَا فِي غَيْرِ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ أَمَّا هُوَ فَيَتَعَيَّنُ فِعْلُ الْأَحَظِّ لَهُ مِنْ بَيْعِ الْقِنِّ أَوْ إجَارَتِهِ أَوْ بَيْعِ مَالٍ آخَرَ أَوْ الِاقْتِرَاضِ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: بَعْدَ أَمْرِهِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ تَنَازَعَهُ كُلُّ مِنْ يَبِيعُ وَامْتَنَعَ وَقَوْلُهُ أَوْ غَابَ عَطْفٌ عَلَى امْتَنَّهُ اهـ شَيْخُنَا
(قَوْلُهُ: لِمَا فِي بَيْعِهِ إلَخْ) وَتَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ هُنَا وَطَرَدُوهُ فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ وَضَعَّفُوا الْوَجْهَ الْقَائِلَ بِأَنَّهُ يُبَاعُ كُلَّ يَوْمٍ جُزْءٌ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ اهـ ح ل (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ بَاعَهُ الْقَاضِي إلَخْ) مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ مِنْ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا اسْتَوَتْ مَصْلَحَتُهُمَا فِي نَظَرِهِ، وَإِلَّا وَجَبَ فِعْلُ الْأَصْلَحِ مِنْهُمَا اهـ س ل (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَعَذَّرَ فَكِفَايَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ إلَخْ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَتُدْفَعُ كِفَايَةُ الرَّقِيقِ لِمَالِكِهِ؛ لِأَنَّ الْكِفَايَةَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَعْنَى بِأَنَّهُ مِنْ حَوَائِجِ الْمُسْلِمِينَ لَا لِلرَّقِيقِ قَالَ