كَقَوْلِهِ تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] وَالسُّنَّةُ كَخَبَرِ: «لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْحَلَالِ أَبْغَضَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الطَّلَاقِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ (أَرْكَانُهُ) خَمْسَةٌ (صِيغَةٌ وَمَحَلٌّ وَوِلَايَةٌ وَقَصْدٌ وَمُطَلِّقٌ وَشَرَطَ فِيهِ) أَيْ فِي الْمُطَلِّقِ وَلَوْ بِالتَّعْلِيقِ (تَكْلِيفٌ) فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ لِخَبَرٍ «رُفِعَ الْقَلَمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ الْأَبْيَضِ الْجَنَاحَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ.
(قَوْلُهُ: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] أَيْ عَدَدُ الطَّلَاقِ الَّذِي تُمْلَكُ الرَّجْعَةُ عَقِبَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ الْمُضَافِ قَبْلَ الْمُبْتَدَأِ لِيَكُونَ الْمُبْتَدَأُ عَيْنَ الْخَبَرِ (قَوْلُهُ: كَخَبَرٍ لَيْسَ شَيْءٌ إلَخْ) وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ» وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الْبُغْضِ بَلْ التَّنْفِيرُ مِنْهُ قَالَهُ حَجّ اهـ ح ل وَانْظُرْ مَا الْمَانِعُ مِنْ كَوْنِ الْبُغْضِ مَعْنَاهُ الْكَرَاهَةُ وَعَدَمُ الرِّضَا وَهَذَا صَادِقٌ بِالْمَكْرُوهِ كَالْحَرَامِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ وَصْفُهُ بِالْحِلِّ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْجَائِزُ اهـ سم عَلَى حَجّ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: وَوِلَايَةٌ) وَقَصْدٌ فِيهِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْوِلَايَةِ وَالْقَصْدِ وَصْفٌ لِلْمُطَلِّقِ فَهَلَّا جُعِلَا مِنْ شُرُوطِهِ اهـ ح ل (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِالتَّعْلِيقِ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَيُشْتَرَطُ لِنُفُوذِهِ أَيْ لِصِحَّةِ تَنْجِيزِهِ وَتَعْلِيقِهِ التَّكْلِيفَ فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقٌ وَلَا تَنْجِيزٌ مِنْ نَحْوِ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَنَائِمٍ لَكِنْ لَوْ عَلَّقَهُ بِصِفَةٍ فَوُجِدَ وَبِهِ نَحْوُ جُنُونٍ وَقَعَ.
وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ مُعَلَّقًا عَلَى صِفَةٍ وَوُجِدَتْ بِإِكْرَاهٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لَمْ يَنْحَلَّ بِهَا كَمَا لَمْ يَقَعْ بِهَا أَوْ بِحَقٍّ حَنِثَ وَانْحَلَّتْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ نَعَمْ قَدْ تَقَدَّمَ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّمَ فِيهَا مُكْرَهًا بَطَلَتْ لِنُدْرَةِ الْإِكْرَاهِ فِيهَا وَمِنْ الْإِكْرَاهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مَا لَوْ حَلَفَ لَيَطَأَنَّهَا قَبْلَ نَوْمِهِ فَغَلَبَهُ النَّوْمُ بِحَيْثُ لَمْ يَسْتَطِعْ رَدَّهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَمَكَّنَ مِنْهُ قَبْلَ غَلَبَتِهِ بِوَجْهٍ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِكْرَاهِ الْحِسِّيِّ أَوْ الشَّرْعِيِّ فَلَوْ حَلَفَ لَيَطَأَنَّ زَوْجَتَهُ اللَّيْلَةَ فَوَجَدَهَا حَائِضًا أَوْ لَتَصُومَنَّ غَدًا فَحَاضَتْ فِيهِ أَوْ لَيَبِيعَنَّ أَمَته الْيَوْمَ فَوَجَدَهَا حَامِلًا مِنْهُ لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ زَيْدًا حَقَّهُ فِي هَذَا الشَّهْرِ فَعَجَزَ عَنْهُ كَمَا سَيَأْتِي بِخِلَافِ مَنْ حَلَفَ لَيَعْصِيَنَّ اللَّهَ وَقْتَ كَذَا فَلَمْ يَعْصِهِ حَيْثُ يَحْنَثُ بِدَلِيلِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي الظُّهْرَ مَثَلًا فَصَلَّاهُ حَنِثَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ حَيْثُ خَصَّ يَمِينَهُ بِالْمَعْصِيَةِ أَوْ أَتَى بِمَا يَعُمُّهَا قَاصِدًا دُخُولَهَا أَوْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ مُفَارَقَةِ الْغَرِيمِ، فَإِنَّ ظَاهِرَ الْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاحَّةِ فِيهَا أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ لَا يُفَارِقَهُ، وَإِنْ أَعْسَرَ حَنِثَ بِخِلَافِ مَنْ أَطْلَقَ وَلَا قَرِينَةَ فَيُحْمَلُ عَلَى الْجَائِزِ؛ لِأَنَّهُ الْمُمْكِنُ شَرْعًا وَالسَّابِقُ إلَى الْفَهْمِ انْتَهَتْ وَقَوْلُهُ فَعَجَزَ عَنْهُ كَمَا يَأْتِي بِأَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْوَفَاءَ فِي جُزْءٍ مِنْ الشَّهْرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَدَرَ فَلَمْ يُؤَدِّ ثُمَّ أَعْسَرَ بَعْدُ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِتَفْوِيتِهِ الْبَرَّ بِاخْتِيَارِهِ وَيُصَرِّحُ بِذَلِكَ قَوْلُ الشِّهَابِ حَجّ فِي آخِرِ الطَّلَاقِ أَوْ قَالَ مَتَى مَضَى يَوْمُ كَذَا مَثَلًا وَلَمْ أَوْفِ فُلَانًا دَيْنَهُ فَأَعْسَرَ لَمْ يَحْنَثْ لَكِنْ بِشَرْطِ الْإِعْسَارِ مِنْ حِينِ التَّعْلِيقِ إلَى مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَقَوْلُ حَجّ بِشَرْطِ الْإِعْسَارِ إلَخْ أَمَّا لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ يَقْضِيه حَقَّهُ عِنْدَ آخِرِ الشَّهْرِ مَثَلًا وَأَعْسَرَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي عَيَّنَهُ لِلْوَفَاءِ لَكِنْ أَيْسَرَ قَبْلَهُ بَعْدَ الْحَلِفِ وَكَانَ يُمْكِنُهُ ادِّخَارُ مَا أَيْسَرَ بِهِ إلَى الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْحِنْثِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لَيْسَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْوَفَاءِ إذْ لَا يَبَرُّ بِالْأَدَاءِ إلَّا فِي آخِرِ الشَّهْرِ وَالْبَرُّ لَيْسَ مَحْصُورًا فِيمَا أَيْسَرَ بِهِ قَبْلَ الْآخَرِ فَلَيْسَ فِي إتْلَافِهِ تَفْوِيتٌ لِلْبَرِّ بِاخْتِيَارِهِ وَبِهَذَا فَارَقَ مَا لَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ ذَا الطَّعَامَ غَدًا فَأَتْلَفَهُ قَبْلَ الْغَدِ حَيْثُ قَالُوا فِيهِ بِالْحِنْثِ إذْ الْبَرُّ مَحْصُورٌ فِي ذَلِكَ الطَّعَامِ قَالَهُ حَجّ قُبَيْلَ بَابِ الرَّجْعَةِ وَيَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِعْسَارِ هُنَا مَا مَرَّ فِي الْفَلَسِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَا هُنَا أَضْيَقَ فَلَا يُتْرَكُ لَهُ هُنَا جَمِيعُ مَا يُتْرَكُ لَهُ ثَمَّ، وَإِنَّمَا يُتْرَكُ لَهُ الضَّرُورِيُّ لَا الْحَاجِيُّ اهـ ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ) شَمِلَ النَّائِمَ وَظَاهِرُهُ وَإِنْ عَصَى بِالنَّوْمِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ كَانَتْ الْمَعْصِيَةُ لِأَمْرٍ خَارِجٍ كَأَنْ نَامَ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ اسْتِيقَاظٌ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ أَمَّا لَوْ اسْتَعْمَلَ مَا يَجْلِبُ النَّوْمَ بِحَيْثُ تَقْضِي الْعَادَةُ بِأَنَّ أَكْلَهُ يُوجِبُ النَّوْمَ فَفِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ يُقَالُ يُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ اسْتِعْمَالِ الدَّوَاءِ الْمُزِيلِ لِلْعَقْلِ بِأَنَّ الْعَقْلَ مِنْ الْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسِ الَّتِي يَجِبُ حِفْظُهَا فِي سَائِرِ الْمِلَلِ بِخِلَافِ النَّوْمِ، فَإِنَّهُ قَدْ يُطْلَبُ اسْتِعْمَالُ مَا يُحَصِّلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ رَاحَةِ الْبَدَنِ فِي الْجُمْلَةِ اهـ ع ش عَلَى م ر وَلَوْ ادَّعَى حَالَ تَلَفُّظِهِ بِهِ أَنَّهُ كَانَ نَائِمًا أَوْ صَبِيًّا أَيْ وَأَمْكَنَ وَمِثْلُهُ مَجْنُونٌ عُهِدَ لَهُ جُنُونٌ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَمُنَازَعَةُ الرَّوْضَةِ لَهُ فِي الْأُولَى ظَاهِرَةٌ إذْ لَا أَمَارَةَ عَلَى النَّوْمِ وَلَا يُشْكِلُ عَلَى الْأَخِيرَيْنِ عَدَمُ قَبُولِ قَوْلِهِ لَمْ أَقْصِدْ الطَّلَاقَ ظَاهِرًا لِتَلَفُّظِهِ بِالصَّرِيحِ مَعَ تَيَقُّنِ تَكْلِيفِهِ فَلَمْ يُمْكِنْ رَفْعُهُ وَهُنَا لَمْ يَتَيَقَّنْ تَكْلِيفَهُ حَالَ تَلَفُّظِهِ فَقُبِلَ فِي دَعْوَاهُ الصِّبَا أَوْ الْجُنُونَ بِقَيْدِهِ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ لِخَبَرِ رُفِعَ الْقَلَمُ) أَيْ قَلَمُ التَّكْلِيفِ وَهُوَ الْكَاتِبُ لِلْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ لَا قَلَمُ الْوَضْعِ وَهُوَ الْكَاتِبُ لِلْأَحْكَامِ الْوَضْعِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُرْتَفِعًا عَنْ الثَّلَاثِ اهـ شَيْخُنَا وَإِذَا كَانَ غَيْرَ مُرْتَفِعٍ عَنْهُمْ لَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ