أَوْ لِأَخِيك أَوْ لِلذِّئْبِ» .
وَأَرْكَانُهَا لَقْطٌ وَمَلْقُوطٌ وَلَاقِطٌ وَهِيَ تُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَفِي اللَّقْطِ مَعْنَى الْأَمَانَةِ وَالْوَلَايَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُلْتَقِطَ أَمِينٌ فِيمَا لَقَطَهُ وَالشَّرْعُ وَلَّاهُ حِفْظَهُ كَالْوَلِيِّ فِي مَالِ الطِّفْلِ وَفِيهِ مَعْنَى الِاكْتِسَابِ مِنْ حَيْثُ إنَّ لَهُ التَّمَلُّكَ بَعْدَ التَّعْرِيفِ وَالْمُغَلَّبُ مِنْهُمَا الثَّانِي.
(سُنَّ لَقْطٌ لِوَاثِقٍ بِأَمَانَتِهِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْبِرِّ بَلْ يُكْرَهُ تَرْكُهُ (وَ) سُنَّ (إشْهَادٌ بِهِ) مَعَ تَعْرِيفِ شَيْءٍ مِنْ اللُّقَطَةِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ فَلَا يَجِبُ إذْ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ فِي خَبَرِ زَيْدٍ، وَلَا فِي خَبَرِ طَرَفَةَ بْنِ كَعْبٍ وَحَمَلُوا الْأَمْرَ بِالْإِشْهَادِ فِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد «مَنْ الْتَقَطَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَا عَدْلٍ أَوْ ذَوَيْ عَدْلٍ وَلَا يَكْتُمْ وَلَا يُغَيِّبْ» عَلَى النَّدْبِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ، وَقَدْ يُقَالُ الْأَمْرُ بِهِ فِي هَذَا الْخَبَرِ زِيَادَةُ ثِقَةٍ فَيُؤْخَذُ بِهِ وَخَرَجَ بِالْوَاثِقِ بِأَمَانَتِهِ غَيْرُهُ فَلَا يُسَنُّ لَهُ لَقْطٌ، وَالتَّصْرِيحُ بِسُنَّ الْإِشْهَادُ مِنْ زِيَادَتِي.
(وَكُرِهَ) اللَّقْطُ (لِفَاسِقٍ) لِئَلَّا تَدْعُوَهُ نَفْسُهُ إلَى الْخِيَانَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمَدِّ جَوْفُهَا فَإِذَا وَرَدَتْ الْمَاءَ شَرِبَتْ مَا يَكْفِيهَا حَتَّى تَرِدَ مَاءً آخَرَ وَالْمُرَادُ بِالسِّقَاءِ الْعُنُقُ؛ لِأَنَّهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَشْرَبُ مِنْ غَيْرِ سَاقٍ يَسْقِيهَا أَوْ أَرَادَ أَنَّهَا أَجْلَدُ الْبَهَائِمِ عَلَى الْعَطَشِ وَحِذَاؤُهَا بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمَدِّ أَيْ خُفُّهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَةَ فَهِيَ تَقْوَى بِأَخْفَافِهَا عَلَى السَّيْرِ وَقَطْعِ الْبِلَادِ الشَّاسِعَةِ وَوُرُودِ الْمِيَاهِ النَّائِيَةِ فَشَبَّهَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَنْ كَانَ مَعَهُ سِقَاءٌ وَحِذَاءٌ فِي سَفَرِهِ حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا أَيْ مَالِكُهَا وَالْمُرَادُ بِهَذَا: النَّهْيُ عَنْ التَّعَرُّضِ لَهَا؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ إنَّمَا هُوَ لِلْحِفْظِ عَلَى صَاحِبِهَا وَهَذِهِ لَا تَحْتَاجُ إلَى حِفْظٍ بِمَا خَلَقَ اللَّهُ فِيهَا مِنْ الْقُوَّةِ وَالْمَنَعَةِ وَمَا يَسَّرَ لَهَا مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ لِأَخِيك) أَيْ مُلْتَقِطٍ آخَرَ أَوْ الْمَالِكِ اهـ. ح ل (قَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُلْتَقِطَ أَمِينٌ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْأَمَانَةَ وَالْوَلَايَةَ فِي الِابْتِدَاءِ، وَقَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ لَهُ التَّمَلُّكَ بَعْدَ التَّعْرِيفِ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الِاكْتِسَابَ فِي الِانْتِهَاءِ اهـ. زي (قَوْلُهُ وَالْمُغَلَّبُ مِنْهُمَا الثَّانِي) وَيَنْبَنِي عَلَى تَغْلِيبِهِ جَوَازُ تَمَلُّكِهَا وَصِحَّةُ الِالْتِقَاطِ مِنْ الْفَاسِقِ وَتَالِيَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي اهـ. شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ سُنَّ لَقْطٌ لِوَاثِقٍ) وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ وَإِنْ خَافَ الضَّيَاعَ، وَهُوَ شَامِلٌ لِتَعَيُّنِ ذَلِكَ لَكِنْ فِي الْإِسْعَادِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا تَعَيَّنَ وَجَبَ عَلَيْهِ هُنَا وَفِي الْوَدِيعَةِ اهـ. ح ل وَفِي شَرْحِ م ر أَنَّ اللَّقْطَ يَجِبُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا ضَاعَتْ وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ غَيْرُهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ تَعَبٌ فِي حِفْظِهَا فَيَأْثَمُ بِالتَّرْكِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَضْمَنُهَا لَوْ تَرَكَهَا اهـ.
وَلَا أُجْرَةَ لَهُ هُنَا لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ أَوْ حِرْزِهِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِ الْمَالِكِ فَلَا يَجِبُ عَلَى غَيْرِهِ إتْلَافُ حَقِّهِ مَجَّانًا بِخِلَافِهِ هُنَا كَمَا لَوْ مَاتَ رَفِيقُهُ وَخَافَ عَلَى أَمْتِعَتِهِ يَجِبُ نَقْلُهَا مَجَّانًا اهـ. م ر اهـ. سم.
(قَوْلُهُ وَسُنَّ إشْهَادٌ بِهِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ عَدْلًا وَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ فِي الشَّاهِدِ بِالْمَسْتُورِ قِيَاسًا عَلَى النِّكَاحِ، وَقَدْ يُقَالُ بِعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِالْمَسْتُورِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مَعَ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَالنِّكَاحِ بِأَنَّ النِّكَاحَ يَشْتَهِرُ غَالِبًا بَيْنَ النَّاسِ فَاكْتُفِيَ فِيهِ بِالْمَسْتُورِ وَالْغَرَضُ مِنْ الْإِشْهَادِ هُنَا أَمْنَ الْخِيَانَةِ فِيهَا وَجَحْدِ الْوَارِثِ لَهَا فَلَمْ يُكْتَفَ بِالْمَسْتُورِ اهـ. ع ش عَلَى م ر.
وَفِي سم مَا نَصُّهُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ فَوَائِدِ الْإِشْهَادِ أَنَّهُ رُبَّمَا طَمِعَ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَتَمَكَّنُ لِوُجُودِ الْإِشْهَادِ وَأَيْضًا فَقَدْ يَمُوتُ قَبْلَ مَجِيءِ صَاحِبِهَا فَيَأْخُذُهَا وَارِثُهُ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ مَعَ تَعْرِيفِ شَيْءٍ إلَخْ هُوَ الْقَدْرُ الَّذِي يُذْكَرُ عِنْدَ تَعْرِيفِهَا اهـ. قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ ثُمَّ مَحَلُّ الْإِشْهَادِ إذَا لَمْ يَكُنْ السُّلْطَانُ ظَالِمًا بِحَيْثُ إنَّهُ إذَا عَلِمَ بِهَا أَخَذَهَا وَإِلَّا فَيَمْتَنِعُ الْإِشْهَادُ، وَكَذَا التَّعْرِيفُ كَمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي نُكَتِهِ اهـ.
وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ امْتَنَعَ الْإِشْهَادُ وَالتَّعْرِيفُ، فَإِنْ خَالَفَ ضَمِنَ انْتَهَتْ اهـ. وَسَيَأْتِي لِلشَّارِحِ أَنَّهَا حِينَئِذٍ تَكُونُ فِي يَدِهِ أَمَانَةً أَبَدًا (قَوْلُهُ مَعَ تَعْرِيفِ شَيْءٍ) أَيْ وَلَا يَسْتَوْعِبُهَا لِئَلَّا يَتَوَصَّلَ كَاذِبٌ إلَيْهَا قَالَ فِي الرَّوْضِ وَلَا يَحْرُمُ اسْتِيعَابُهَا قَالَ فِي شَرْحِهِ بَلْ يُكْرَهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ اسْتَوْعَبَهَا لَمْ يَضْمَنْ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ اسْتَوْعَبَهَا فِي التَّعْرِيفِ ضَمِنَ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ فِي الِاسْتِيعَابِ فِي الْإِشْهَادِ مُبَالَغَةً فِي الِاحْتِيَاطِ لَهَا وَلَا كَذَلِكَ فِي التَّعْرِيفِ وَبِأَنَّ الِاسْتِيعَابَ فِي التَّعْرِيفِ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ بِهَا مِنْهُ فِي الْإِشْهَادِ وِفَاقًا لِ م ر فِي ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ اسْتِيعَابَهَا لِلشُّهُودِ يُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِهَا حَرُمَ وَضَمِنَ وَيُحْمَلُ الْكَلَامُ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ. اهـ. سم.
(قَوْلُهُ وَلَا يَكْتُمْ) أَيْ أَوْصَافَهَا عَنْ النَّاسِ، وَقَوْلُهُ وَلَا يُغَيِّبْ أَيْ بِأَنْ يَتْرُكَ تَعْرِيفَهَا فَالثَّانِي تَأْكِيدٌ لِلْأَوَّلِ وَفَائِدَتُهُ الْإِشَارَةُ إلَى حِكْمَةِ الْإِشْهَادِ أَنَّ فِيهِ الْأَمْنَ مِنْ كَتْمِهَا؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ رُبَّمَا سَوَّلَتْ فَإِذَا أَشْهَدَ أَمِنَ مِنْ نَفْسِهِ وَبِفَرْضِ أَنَّهُ لَا يَخُونُ فِيهَا رُبَّمَا أَتَاهُ الْمَوْتُ فَتَصِيرُ مِنْ جُمْلَةِ تَرِكَتِهِ فَتَفُوتُ عَلَى مَالِكِهَا حَيْثُ لَا حُجَّةَ مَعَهُ. اهـ. شَرْحُ الْمِشْكَاةِ اهـ. ع ش.
(قَوْلُهُ وَقَدْ يُقَالُ إلَخْ) هَذَا مِنْ طَرَفِ الْقَائِلِ بِوُجُوبِ الْإِشْهَادِ عَلَى اللُّقَطَةِ حَيْثُ تَمَسَّك بِهَذَا الدَّلِيلِ وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ أَنَّهُ فِيهِ زِيَادَةٌ وَهِيَ الْأَمْرُ بِالْإِشْهَادِ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَخْبَارِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا أَمْرٌ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَالْأَصْلُ فِي الْأَمْرِ الْوُجُوبُ فَيَتِمُّ دَلِيلُهُ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَبَيْنَ بَقِيَّةِ الْأَخْبَارِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا أَمْرٌ وَيَرِدُ بِأَنَّ قِيَاسَ اللُّقَطَةِ عَلَى الْوَدِيعَةِ أَوْجَبُ حَمْلَهُ عَلَى النَّدْبِ وَأَيْضًا التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْعَدْلِ وَالْعَدْلَيْنِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْوُجُوبِ وَإِلَّا لَمْ يَكْفِ الْعَدْلُ. ذَكَرَ مَعْنَى ذَلِكَ م ر فِي شَرْحِهِ اهـ.
وَقَوْلُهُ فَيُؤْخَذُ بِهِ أَيْ فَيَكُونُ الْإِشْهَادُ وَاجِبًا عَمَلًا بِهَذَا الْحَدِيثِ كَمَا هُوَ قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ (قَوْلُهُ فَلَا يُسَنُّ لَهُ لَقْطٌ) أَيْ بَلْ يُكْرَهُ مَا لَمْ يَعْلَمْ مِنْ نَفْسِهِ الْخِيَانَةَ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ اهـ. شَرْحُ م ر وع ش عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ وَكُرِهَ لِفَاسِقٍ) أَيْ، وَلَوْ بِنَحْوِ تَرْكِ صَلَاةٍ، وَإِنْ عُلِمَتْ أَمَانَتُهُ فِي الْأَمْوَالِ