صُلْحٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَصُلْحٌ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْبُغَاةِ وَصُلْحٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ الشِّقَاقِ وَصُلْحٌ فِي الْمُعَامَلَةِ وَالدَّيْنِ، وَهُوَ الْمُرَادُ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] وَخَبَرُ «الصُّلْحِ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وَالْكُفَّارُ كَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا خَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ لِانْقِيَادِهِمْ إلَى الْأَحْكَامِ غَالِبًا وَلَفْظُهُ يَتَعَدَّى لِلْمَتْرُوكِ بِمِنْ وَعَنْ وَلِلْمَأْخُوذِ بِعَلَى وَالْبَاءِ.
(شَرْطُهُ) أَيْ الصُّلْحِ (بِلَفْظِهِ سَبْقُ خُصُومَةٍ) ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَقْتَضِيهِ فَلَوْ قَالَ مِنْ غَيْرِ سَبْقِهَا صَالِحْنِي عَنْ دَارِكَ بِكَذَا لَمْ يَصِحَّ نَعَمْ هُوَ كِنَايَةٌ فِي الْبَيْعِ كَمَا قَالَهُ الَشَيْخَانِ
(وَهُوَ) أَيْ الصُّلْحُ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا (يَجْرِي بَيْنَ مُتَدَاعِيَيْنِ فَإِنْ كَانَ عَلَى إقْرَارٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ الْعَقْدُ يَتَحَقَّقُ فِيهِ قَطْعُ النِّزَاعِ. اهـ ع ش عَلَى م ر
(قَوْلُهُ صُلْحٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ) وَعَقَدُوا لَهُ بَابَ الْهُدْنَةِ، وَقَوْلُهُ وَصُلْحٌ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْبُغَاةِ اُنْظُرْ لِمَ خَصَّ الْإِمَامَ وَهَلَّا عُمِّمَ كَالْأَوَّلِ فَقَالَ بَيْنَ أَهْلِ الْعَدْلِ وَالْبُغَاةِ حَجّ أَقُولُ: إنَّمَا خَصَّ الْإِمَامَ؛ لِأَنَّ الْبُغَاةَ مُخَالِفُوهُ؛ لِأَنَّ الْبَغْيَ مُخَالَفَةُ الْإِمَامِ وَالْخُرُوجُ عَلَيْهِ فَلِأَجْلِ هَذَا أَضَافَ الصُّلْحَ لَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. شَوْبَرِيٌّ أَقُولُ وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّ الْقَائِمَ فِي الصُّلْحِ عَنْ أَهْلِ الْعَدْلِ نَائِبُ الْإِمَامِ فَكَأَنَّ الصُّلْحَ وَاقِعٌ مِنْهُ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ الْإِمَامُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا اهـ. ع ش عَلَى م ر وَعَقَدُوا لَهُ بَابَ الْبُغَاةِ، وَقَوْلُهُ وَصُلْحٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَذَكَرُوهُ فِي بَابِ الْقَسْمِ وَالنُّشُوزِ اهـ. شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ) أَيْ فِي الصُّلْحِ مُطْلَقًا قَوْله تَعَالَى {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] وَفِيهِ أَنَّ هَذَا الصُّلْحَ هُوَ الْوَاقِعُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أُعِيدَتْ فِيهِ النَّكِرَةُ مَعْرِفَةً، وَالنَّكِرَةُ إذَا أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً كَانَتْ عَيْنَهَا فَكَأَنَّهُ قِيلَ هَذَا الصُّلْحُ أَيْ الْوَاقِعُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ اهـ. ح ل أَيْ فَلَا يَظْهَرُ مِنْهُ الدَّلِيلُ ثُمَّ رَأَيْت لِلْجَلَالِ السُّيُوطِيّ فِي عُقُودِ الْجُمَانِ مَا نَصُّهُ، وَكَذَا آيَةُ الصُّلْحِ لَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا الصُّلْحَ الْمَذْكُورَ، وَهُوَ الَّذِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَاسْتِحْبَابُ الصُّلْحِ فِي سَائِرِ الْأُمُورِ يَكُونُ مَأْخُوذًا مِنْ السُّنَّةِ أَوْ مِنْ الْآيَةِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ بَلْ لَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِعُمُومِ الْآيَةِ، وَأَنَّ كُلَّ صُلْحٍ خَيْرٌ؛ لِأَنَّ مَا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا مَمْنُوعٌ اهـ. بِحُرُوفِهِ.
وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] هَذِهِ الْآيَةُ مُخْرَجَةٌ عَلَى سَبَبٍ، وَهُوَ الشِّقَاقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ النَّكِرَةَ إذَا أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً كَانَتْ عَيْنَ الْأُولَى فَلَمْ تَكُنْ نَصًّا فِي الْمُدَّعِي هُنَا، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَغْلَبِيَّةٌ وَالْقَرِينَةُ عَلَى أَنَّ هَذَا مِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ الْعُدُولُ عَنْ الضَّمِيرِ إلَى الِاسْمِ الظَّاهِرِ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ عُمُومُ اللَّفْظِ لَا خُصُوصُ السَّبَبِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا) كَالصُّلْحِ عَلَى نَحْوِ الْخَمْرِ أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا كَأَنْ لَا يَتَصَرَّفَ فِي الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ وَكَأَنْ يُصَالِحَهَا عَلَى أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا اهـ. مِنْ ح ل وَشَرْحِ م ر فَإِنْ قِيلَ الصُّلْحُ لَمْ يُحَرِّمْ الْحَلَالَ، وَلَمْ يُحَلِّلْ الْحَرَامَ بَلْ هُوَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ التَّحْلِيلِ أَوْ التَّحْرِيمِ أُجِيبَ بِأَنَّ الصُّلْحَ هُوَ الْمُجَوِّزُ لِلْإِقْدَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي الظَّاهِرِ اهـ. ع ش أَيْ فَلَوْ صَحَّحْنَاهُ لَكَانَ هُوَ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَرِّمَ فِي الظَّاهِرِ اهـ. وَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعْشْمَاوِيُّ (قَوْلُهُ وَلَفْظُهُ يَتَعَدَّى لِلْمَتْرُوكِ إلَخْ) أَيْ غَالِبًا وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ قَدْ يُعْكَسُ كَمَا فِي صُورَةِ الْإِعَارَةِ، وَقَدْ يَدْخُلُ مَا هُوَ لِلْمَتْرُوكِ، وَمَا هُوَ لِلْمَأْخُوذِ عَلَى الْمَأْخُوذِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الصُّلْحِ عَلَى الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ فِي صُورَةِ الْإِنْكَارِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَتْرُوكٌ وَمَأْخُوذٌ بَلْ مَأْخُوذٌ فَقَطْ اهـ. وَقَدْ نَظَّمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ
بِبَاءٍ أَوْ عَلَى يُعَدَّى الصُّلْحُ ... لِمَا أَخَذْته فَهَذَا نُصْحُ
وَمِنْ وَعَنْ أَيْضًا لِمَا قَدْ تُرِكَا ... فِي أَغْلِبْ الْأَحْوَالِ إذَا قَدْ سُلِكَا
(قَوْلُهُ شَرْطُهُ بِلَفْظِهِ) الْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ أَيْ شَرْطُهُ مَعَ لَفْظِهِ سَبْقُ خُصُومَةٍ فَلَفْظُهُ شَرْطٌ ثَانٍ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ بِلَفْظِهِ حَالًا أَيْ شَرْطُهُ حَالَ كَوْنِهِ جَارِيًا وَوَاقِعًا بِلَفْظِهِ سَبْقُ خُصُومَةٍ فَيَخْرُجُ مَا لَوْ جَرَى بِغَيْرِ لَفْظِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ سَبْقُ الْخُصُومَةِ كَأَنْ أَبْرَأَهُ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ بَعْضِهِ أَوْ وَهَبَ لَهُ الْعَيْنَ كَذَلِكَ اهـ.
(قَوْلُهُ سَبْقُ خُصُومَةٍ) الْمُرَادُ بِهَا هُنَا الدَّعْوَى، وَفِي سم مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ سَبْقُ خُصُومَةٍ لَعَلَّ هَذَا إذَا كَانَ بَيْنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ بِخِلَافِ الْمُدَّعِي وَأَجْنَبِيٍّ فَانْظُرْ مَا يَأْتِي اهـ. نَظَرْنَا فَوَجَدْنَا الشَّارِحَ نَصَّ فِيمَا سَيَأْتِي عَلَى أَنَّ الصُّلْحَ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ كَالصُّلْحِ مَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ: وَإِنْ صَالَحَ عَنْهَا لِنَفْسِهِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ صُلْحٌ تَرَتَّبَ عَلَى دَعْوَى وَجَوَابٍ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ سَبْقُ خُصُومَةٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ عِنْدَ حَاكِمٍ أَمْ لَا اهـ. شَرْحُ م ر.
وَهَذَا رُبَّمَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِصِحَّةِ الصُّلْحِ مِنْ وُقُوعِ الْخُصُومَةِ عِنْدَ غَيْرِ الْمُتَخَاصِمِينَ فَلَا تَكْفِي الْمُنَاكَرَةُ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ بَلْ مَتَى سَبَقَ بَيْنَهُمَا تَنَازُعٌ ثُمَّ جَرَى الصُّلْحُ بِلَفْظِهِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ بَعْدَ خُصُومَةٍ وَيُمْكِنُ شُمُولُ قَوْلِهِ أَمْ لَا لِذَلِكَ أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ أَحَدٍ اهـ. ع ش عَلَيْهِ (قَوْلُهُ سَبْقُ خُصُومَةٍ) ، وَلَوْ فِي غَيْبَةِ الْحَاكِمِ أَيْ، وَلَوْ مَعَ غَيْرِ الْمُصَالِحُ كَمَا يَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ اهـ ع ش أَيْ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ وَيَجْرِي بَيْنَ مُدَّعٍ وَأَجْنَبِيٍّ (قَوْلُهُ فَلَوْ قَالَ مِنْ غَيْرِ سَبْقِهَا) أَيْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْمُدَّعِي صَالِحْنِي عَنْ دَارِك بِكَذَا إلَخْ خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ قَالَ لِغَرِيمِهِ بِلَا خُصُومَةٍ أَبْرِئْنِي مِنْ دَيْنِك الَّذِي عَلَيَّ بِأَنْ قَالَ لَهُ اسْتِيجَابًا لِطَلَبِ الْبَرَاءَةِ فَأَبْرَأَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ اهـ. عُبَابٌ. اهـ. سم اهـ. ع ش عَلَى م ر
(قَوْلُهُ: وَهُوَ يَجْرِي بَيْنَ مُتَدَاعِيَيْنِ) هَذَا بَحْثٌ أَوَّلٌ، وَقَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ