فَتَلْبِيَةٌ) فَيَقُولُ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ نَوَيْت الْحَجَّ وَأَحْرَمْت بِهِ لِلَّهِ تَعَالَى لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ إلَى آخِرِهِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا تَوَجَّهْتُمْ إلَى مِنًى فَأَهِّلُوا بِالْحَجِّ» ، وَالْإِهْلَالُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ وَلَا يُسَنُّ ذِكْرُ مَا أَحْرَمَ بِهِ فِي غَيْرِ التَّلْبِيَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ إخْفَاءَ الْعِبَادَةِ أَفْضَلُ وَتَعْبِيرِي بِمَا ذُكِرَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ الْمُحْرِمُ يَنْوِي وَيُلَبِّي (لَا فِي طَوَافٍ) وَلَوْ طَوَافَ قُدُومٍ (وَسَعْيٍ) بَعْدَهُ أَيْ لَا يُسَنُّ فِيهِمَا تَلْبِيَةٌ؛ لِأَنَّ فِيهِمَا أَذْكَارًا خَاصَّةً وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْأَصْلُ بِطَوَافِ الْقُدُومِ لِذِكْرِهِ الْخِلَافَ فِيهِ وَذِكْرُ السَّعْيِ مِنْ زِيَادَتِي.
(وَ) سُنَّ (طُهْرٌ) أَيْ غُسْلٌ أَوْ تَيَمُّمٌ بِشَرْطِهِ وَلَوْ فِي حَيْضٍ أَوْ نَحْوِهِ (لِإِحْرَامٍ) لِلِاتِّبَاعِ فِي الْغُسْلِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَقِيسَ بِالْغُسْلِ التَّيَمُّمُ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي
ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْخَمْسِ لَا يَعْلَمُ عَيْنَهَا أَوْ عَلَى عَمَلِ الْعُمْرَةِ لَمْ يَحْصُلْ التَّحَلُّلُ أَيْضًا، وَإِنْ نَوَاهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِحَجٍّ وَلَمْ يُتِمَّ أَعْمَالَهُ مَعَ أَنَّ وَقْتَهُ بَاقٍ اهـ شَرْحُ م ر
(قَوْلُهُ: فَتَلْبِيَةٌ) مَعْطُوفٌ عَلَى " نُطْقٌ "، أَيْ فَسُنَّ تَلْبِيَةٌ وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا مِنْ وَظَائِفِ اللِّسَانِ، وَقَوْلُهُ فَيَقُولُ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ هَذَا مَعْنَى قَوْلِ غَيْرِهِ فَيَجْمَعُ فِي النِّيَّةِ بَيْنَ قَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَإِنْ كَانَتْ النِّيَّةُ بِالْقَلْبِ رُكْنًا وَبِاللِّسَانِ سُنَّةً، وَقَوْلُهُ نَوَيْت الْحَجَّ أَيْ وَالْعُمْرَةَ أَوْ كِلَيْهِمَا أَوْ نَوَيْت الْإِحْرَامَ وَهِيَ حَالَةُ الْإِطْلَاقِ، وَقَوْلُهُ وَأَحْرَمْت بِهِ تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ نَوَيْت الْحَجَّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَحْرَمْت بِالْحَجِّ لَكَفَى كَمَا سَبَقَ فِي كَلَامِهِ، وَقَوْلُهُ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ إلَخْ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ أَيْ وَيَقُولُ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ إلَخْ، وَقَوْلُهُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ إلَخْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُنَاسِبٍ هُنَا؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ طَلَبَ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ وَهُوَ غَيْرُ مَطْلُوبٍ هُنَا أَيْ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، بَلْ الْمَطْلُوبُ فِيهَا السِّرُّ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ.
وَقَوْلُهُ فِي غَيْرِ التَّلْبِيَةِ الْأُولَى أَيْ أَمَّا فِيهَا فَيُسَنُّ ذِكْرُ مَا أَحْرَمَ بِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ م ر وَهَذَا أَيْ قَوْلُهُ فَيَقُولُ بِقَلْبِهِ إلَخْ يُسَنُّ قَبْلَهُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ وَيَقُولَ اللَّهُمَّ أُحْرِمُ إلَيْك شَعْرِي وَبَشَرِي وَلَحْمِي وَدَمِي، ثُمَّ يَقُولَ وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ نَوَيْت الْحَجَّ إلَخْ.
وَعِبَارَةُ الْإِيضَاحِ وَصِفَةُ الْإِحْرَامِ أَنْ يَنْوِيَ بِقَلْبِهِ الدُّخُولَ فِي الْحَجِّ وَالتَّلَبُّسَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا نَوَى الدُّخُولَ فِي الْعُمْرَةِ، وَإِنْ كَانَ قَارِنًا نَوَى الدُّخُولَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَالْوَاجِبُ أَنْ يَنْوِيَ هَذَا بِقَلْبِهِ وَلَا يَجِبُ التَّلَفُّظُ بِهِ وَلَا التَّلْبِيَةُ وَلَكِنْ الْأَفْضَلُ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِهِ بِلِسَانِهِ وَأَنْ يُلَبِّيَ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَالَ لَا يَصِحُّ الْإِحْرَامُ حَتَّى يُلَبِّيَ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَنْوِيَ بِقَلْبِهِ وَيَقُولَ بِلِسَانِهِ وَهُوَ مُسْتَحْضِرٌ نِيَّةَ الْقَلْبِ نَوَيْت الْحَجَّ وَأَحْرَمْت بِهِ لِلَّهِ تَعَالَى لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ إلَخْ التَّلْبِيَةِ، وَإِنْ كَانَ حَجُّهُ مِنْ غَيْرِهِ فَلْيَقُلْ نَوَيْت الْحَجَّ عَنْ فُلَانٍ وَأَحْرَمْت بِهِ عَنْهُ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ عَنْ فُلَانٍ إلَخْ التَّلْبِيَةِ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَمِّيَ فِي هَذِهِ التَّلْبِيَةِ مَا أَحْرَمَ بِهِ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَيَقُولَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ بِحَجَّةٍ لَبَّيْكَ إلَى آخِرِهَا أَوْ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ بِعُمْرَةٍ أَوْ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، قَالَ وَلَا يَجْهَرُ بِهَذِهِ التَّلْبِيَةِ، بَلْ يُسْمِعُهَا نَفْسَهُ بِخِلَافِ مَا بَعْدَهَا فَإِنَّهُ يَجْهَرُ بِهَا، وَأَمَّا مَا بَعْدَ هَذِهِ التَّلْبِيَةِ فَهَلْ الْأَفْضَلُ أَنْ يَذْكُرَ مَا أَحْرَمَ بِهِ فِي تَلْبِيَتِهِ أَمْ لَا؟ فِيهِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَذْكُرُهُ وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرَانِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فَأَحَدُهُمَا مَحْمُولٌ عَلَى الْأَفْضَلِ وَالْآخَرُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ.
(فَرْعٌ)
وَلَوْ نَوَى الْحَجَّ وَلَبَّى بِعُمْرَةٍ أَوْ نَوَى الْعُمْرَةَ وَلَبَّى بِحَجٍّ أَوْ نَوَاهُمَا وَلَبَّى بِأَحَدِهِمَا أَوْ عَكَسَهُ فَالِاعْتِبَارُ بِمَا نَوَاهُ دُونَ مَا لَبَّى بِهِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ إخْفَاءَ الْعِبَادَةِ أَفْضَلُ) وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا يَأْتِي مِنْ سَنِّ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ فِي دَوَامِ إحْرَامِهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِبَادَةِ النِّيَّةُ وَرَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ فِي دَوَامِ الْإِحْرَامِ كَالْهَيْئَاتِ وَإِنْ لَزِمَهُ مِنْهُ إظْهَارُ الْعِبَادَةِ اهـ. ع ش.
(قَوْلُهُ: لِذِكْرِهِ الْخِلَافَ فِيهِ) وَكَمَا أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِيهِ هُوَ جَارٍ أَيْضًا فِي السَّعْيِ بَعْدَهُ وَفِي الطَّوَافِ الَّذِي يَتَطَوَّعُ بِهِ فِي أَثْنَاءِ إحْرَامِهِ.
وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ م ر وَلَا يُسْتَحَبُّ التَّلْبِيَةُ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ أَوْ غَيْرِهِ كَإِفَاضَةٍ وَتَطَوُّعٍ وَسَعْيٍ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ فِيهَا أَذْكَارًا خَاصَّةً وَإِنَّمَا خَصَّ طَوَافَ الْقُدُومِ بِالذِّكْرِ لِذِكْرِهِ الْخِلَافَ فِيهِ، وَفِي الْقَدِيمِ تُسْتَحَبُّ فِيهِ وَفِي السَّعْيِ بَعْدَهُ وَفِي الْمُتَطَوَّعِ بِهِ فِي أَثْنَاءِ الْإِحْرَامِ لَكِنْ بِلَا جَهْرٍ فِي ذَلِكَ لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ، وَأَمَّا طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَالْوَدَاعِ فَلَا تُسْتَحَبُّ فِيهِمَا قَطْعًا انْتَهَتْ
(قَوْلُهُ: وَسُنَّ طُهْرٌ لِإِحْرَامٍ إلَخْ) وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ أَخْذًا بِقَاعِدَةِ: كُلُّ مَنْدُوبٍ صَحَّ الْأَمْرُ بِهِ قَصْدًا كُرِهَ تَرْكُهُ. وَاغْتَسَلَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِلْإِحْرَامِ وَهُوَ مَرِيضٌ يَخَافُ الْمَاءَ وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتْرُكَ الْغُسْلَ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ نُدِبَ فِيهِ فَإِنَّ لَهُ تَأْثِيرًا فِي جَلَاءِ الْقُلُوبِ وَإِذْهَابِ دَرَنِ الْغَفْلَةِ يُدْرِكُ ذَلِكَ أَرْبَابُ الْقُلُوبِ الصَّاحِيَةِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَإِذَا فَاتَتْ هَذِهِ الْأَغْسَالُ لَا تُقْضَى عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِسَبَبٍ وَقَدْ زَالَ. اهـ. شَرْحُ م ر، وَقَوْلُهُ لِإِحْرَامٍ أَيْ عِنْدَ إحْرَامٍ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا أَوْ مُطْلَقًا، وَلَوْ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّهُ غُسْلٌ لِمُسْتَقْبَلٍ كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَيُكْرَهُ إحْرَامُهُ جُنُبًا وَيَغْسِلُ الْوَلِيُّ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ؛ لِأَنَّ حِكْمَةَ هَذَا الْغُسْلِ التَّنْظِيفُ وَلِهَذَا سُنَّ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ، وَإِذَا اغْتَسَلَتَا نَوَتَا وَالْأَوْلَى لَهُمَا تَأْخِيرُ الْإِحْرَامِ إلَى طُهْرِهِمَا إنْ أَمْكَنَهُمَا الْمُقَامُ بِالْمِيقَاتِ لِيَقَعَ إحْرَامُهُمَا فِي أَكْمَلِ أَحْوَالِهِمَا اهـ شَرْحُ م ر. وَفِي التُّحْفَةِ لحج وَتَنْوِي الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ هُنَا وَفِي سَائِرِ الْأَغْسَالِ الْغُسْلَ الْمَسْنُونَ كَغَيْرِهِمَا اهـ.
(قَوْلُهُ: لِلِاتِّبَاعِ) وَذَلِكَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ يَوْمَ السَّبْتِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لِخَمْسٍ