لا يناس الأمة بالحكم الذي لم تكن تعودته مثل تحريم الخمر وإيجاب الصوم فأول ما نزل فيه {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} بناء على أحد قولين في أنها منسوخة أم لا وهذا النوع هو أكثر ما وقع في شرعنا وذلك مصلحة لسهولة الامتثال وقد يكون لاختلاف المصلحة كنسخ وقوف الواحد للعشرة لحاجة الدين إليه في وقت قلة عدد المسلمين وكنسخ وجوب صدقة المناجاة بالزكاة لكثرة عدد المسلمين وفقرائهم وقلة المناجاة بالنسبة واختصاصها بالمدينة دون آفاق الإسلام وبه يظهر أن النسخ هو إزالة بالنظر للحكم الأول وبيان بالنظر لمراد الله تعالى. وقد اعتاد الأصوليون أن يترجموا لهذا الباب بعنوان باب النسخ ليشمل حقيقته وأقسامه وأحكام الناسخ والمنسوخ كما عبر ابن مالك بالابتداء وابن عاصم بباب القضاء لأن المصدر سار في الجميع والمص تابعهم هنا ثم تابع الغزالي إذ جعل النسخ هو الخطاب وهو تسامح بإطلاق المصدر على اسم الفاعل وهو سهل وأما جواب المص بأن الناسخ في الحقيقة هو الله فهو لا يغني إذ النسخ أيضاً في الحقيقة هو فعل الله لا الخطاب فإذا قيل هو دليل الفعل أو أثره قلنا فليسم ناسخاً لأنه المعرف بأن الله تعالى نسخ (قوله فإن خلاف المعلوم في حقنا محال إلخ) أي نقيض المجزوم به لأن العلم بهذا المعنى صفة توجب تمييزاً لا يحتمل النقيض إذا العلم لا يكون إلا عن ضرورة أو برهان فلو احتمل خلافه لزم اجتماع الشيء ونقيضه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015