إلى كفية ورود الأمر استعانوا أيضاً في هذا الفصل بسوابق الأمر وأنه إذا سبقه الحظر هل يدل على الإباحة أم يبقى على حكمه عند الإطلاق فذهب مالك رحمه الله وجماعة إلى الأول وذهب الأكثر إلى الثاني وفصل القاضي عبد الوهاب ذلك التفصيل تحريراً لمحل النزاع لأن الأمر الوارد بعد انتهاء توقيت الحظر يشبه الإيذان بالانتهاء فليس له حكم صيغة الأمر الأصلية. والأدلة التي ذكرها الفريقان لا تعد والتمسك بمقتضيات أوامر شرعية وردت في الكتاب والسنة بعد الحظر ولا تتم بها الحجة لما سيأتي. أو التمسك باستصحاب الأصل في صيغة الأمر وكلها مسالك جدلية لا تصلح حجة شرعية. وقد لاح لي في الحجة لمذهب مالك رحمه الله وترجحه أن التحريم يعتمد اشتمال الفعل على المفسدة كما هو مقرر من قبل ومراد الله تعالى من لاشرع للناس واحد ولكنه قد يقدم لمراده ما هو رحمة ورفق بعباده فقد يسبق التحريم الإذن لقطع توغل الناس في استعمال المأذون فيه أو غلوهم في فيه مثل مسألة لحوم الأضاحي وزيارة القبور قد يجيء الإذن قبل التحريم لإيناس المكلفين بقطع أمر اعتادوه والفوه حتى لا يشتد عليهم مفاجأة الفطام عنه كما في سبق تحريم الخمر بإباحته في بعض الأوقات وكراهته هذا مقصد معلوم من استقراء الشريعة في تصرفاتها فإذا تقرر هذا فمتى حرم الله تعالى شيئاً فقد نبهنا على مرتبته من المفسدة فهل يظن إذا ورد الأمر به بعد ذلك أن مفسدته صارت مصلحة راجحة مع أن ما بالذات لا يتخلف ولا يختلف بل نعلم أن الأمر به لمجرد الإباحة إما لخفة المفسدة بعد أن شدد الله تحريمها وإما لشدة الحاجة إليه فاغتفرت مفسدته وذلك المسمى بالرخصة كما تقدم وبهذا يظهر لك أن ما حكاه المص عمن طرد أصله فسوى بين ورود