لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ.
(وَ) أَنْ (يُرْفَعَ الْقَبْرُ شِبْرًا) تَقْرِيبًا لِيُعْرَفَ فَيُزَارَ وَيُحْتَرَمَ وَلِأَنَّ قَبْرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُفِعَ نَحْوُ شِبْرٍ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فَإِنْ لَمْ يَرْتَفِعْ تُرَابُهُ شِبْرًا فَالْأَوْجَهُ أَنْ يُزَادَ وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي (بِدَارِنَا) مَا لَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ بِدَارِ الْكُفَّارِ فَلَا يُرْفَعُ قَبْرُهُ بَلْ يُخْفَى لِئَلَّا يَتَعَرَّضُوا لَهُ إذَا رَجَعَ الْمُسْلِمُونَ وَأَلْحَقَ بِهَا الْأَذْرَعِيُّ الْأَمْكِنَةَ الَّتِي يُخَافُ نَبْشُهَا لِسَرِقَةِ كَفَنِهِ أَوْ لِعَدَاوَةٍ أَوْ لِنَحْوِهِمَا
(وَتَسْطِيحُهُ أَوْلَى مِنْ تَسْنِيمِهِ) كَمَا فُعِلَ بِقَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَبْرَيْ صَاحِبَيْهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
(وَكُرِهَ جُلُوسٌ وَوَطْءٌ عَلَيْهِ) لِلنَّهْيِ عَنْهُمَا رَوَاهُ فِي الْأَوَّلِ مُسْلِمٌ وَفِي الثَّانِي التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي مَعْنَاهُمَا الِاتِّكَاءُ عَلَيْهِ وَالِاسْتِنَادُ إلَيْهِ وَبِهِمَا صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ (بِلَا حَاجَةٍ) مِنْ زِيَادَتِي مَعَ التَّصْرِيحِ بِالْكَرَاهَةِ فَإِنْ كَانَ لِحَاجَةٍ بِأَنْ لَا يَصِلَ إلَى مَيِّتِهِ أَوْ لَا يَتَمَكَّنَ مِنْ الْحَفْرِ إلَّا بِوَطْئِهِ فَلَا كَرَاهَةَ
(وَ) كُرِهَ (تَجْصِيصُهُ) أَيْ تَبْيِيضُهُ بِالْجِصِّ وَهُوَ الْجِبْسُ وَقِيلَ الْجِيرُ وَالْمُرَادُ هُنَا هُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا (وَكِتَابَةٌ) عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَكَتَبَ عَلَيْهِ اسْمَ صَاحِبِهِ أَمْ غَيْرَهُ فِي لَوْحٍ عِنْدَ رَأْسِهِ أَمْ فِي غَيْرِهِ (وَبِنَاءٌ عَلَيْهِ) كَقُبَّةٍ أَوْ بَيْتٍ لِلنَّهْيِ عَنْ الثَّلَاثَةِ رَوَاهُ فِيهَا التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ مُسْلِمٌ وَخَرَجَ بِتَجْصِيصِهِ تَطْيِينُهُ خِلَافًا لِلْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ.
(وَحَرُمَ) أَيْ الْبِنَاءُ (بِ) مَقْبَرَةٍ (مُسَبَّلَةٍ) بِأَنْ جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ الْبَلَدِ بِالدَّفْنِ فِيهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَنْظَرِ شَوْبَرِيٌّ وَالصَّحِيحُ أَنَّ السُّؤَالَ فِي الْقَبْرِ خَاصٌّ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ تَشْرِيفًا لِنَبِيِّنَا بِسَبَبِ سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ عَنْهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ قَالَ السُّيُوطِيّ: وَلَمْ يَكُنْ لِأُمَّةٍ مِنْ الْأُمَمِ مِنْ قَبْلِنَا قَطُّ سُؤَالٌ يُلْتَزَمُ وَقَالَ أَيْضًا وَالسُّؤَالُ سَبْعُ مَرَّاتٍ فِي سَبْعَةِ أَيَّامٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُؤْمِنِ إظْهَارًا لِشَرَفِهِ وَأَرْبَعُونَ مَرَّةً بِالنِّسْبَةِ لِلْمُنَافِقِ تَوْبِيخًا لَهُ. (قَوْلُهُ لِلِاتِّبَاعِ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ، وَقَالَ «اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَاسْأَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ» اهـ.
(قَوْلُهُ: وَأَنْ يُرْفَعَ الْقَبْرُ شِبْرًا) فَلَوْ زِيدَ عَلَى الشِّبْرِ كَانَ مَكْرُوهًا وَقِيلَ: خِلَافُ الْأَوْلَى بِرْمَاوِيٌّ وَع ش (قَوْلُهُ: فَلَا يُرْفَعُ قَبْرُهُ بَلْ يُخْفَى) وَهَلْ ذَلِكَ وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَاجِبًا إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ فِعْلُهُمْ بِهِ ذَلِكَ ع ش عَلَى م ر
(قَوْلُهُ: وَتَسْطِيحُهُ) بِأَنْ يُعْرَضَ فَيُجْعَلُ كَالسَّطْحِ، وَالتَّسْنِيمُ أَنْ يُجْعَلَ كَسَنَامِ الْبَعِيرِ (قَوْلُهُ: كَمَا فُعِلَ بِقَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَأَمَّا مَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ سُفْيَانَ رَأَيْت قَبْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسَنَّمًا فَإِنَّمَا سُنِّمَ بَعْدَ سُقُوطِ الْجِدَارِ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ الْوَلِيدِ وَقِيلَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ كَوْنُ التَّسْطِيحِ صَارَ شِعَارًا لِلرَّوَافِضِ إذْ السُّنَّةُ لَا تُتْرَكُ بِمُوَافَقَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ فِيهَا «وَقَوْلُ عَلِيٍّ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا أَدَعَ قَبْرًا مُشْرِفًا إلَّا سَوَّيْتُهُ» لَمْ يُرِدْ بِهِ تَسْوِيَتَهُ بِالْأَرْضِ بَلْ تَسْطِيحُهُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَكُرِهَ جُلُوسٌ) أَيْ إنْ كَانَ مُحْتَرَمًا، أَمَّا غَيْرُ الْمُحْتَرَمِ كَقَبْرِ مُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لِقَبْرِ الذِّمِّيِّ فِي نَفْسِهِ لَكِنْ يَنْبَغِي اجْتِنَابُهُ لِأَجْلِ كَفِّ الْأَذَى عَنْ أَحْيَائِهِمْ إذَا وُجِدُوا وَلَا شَكَّ فِي كَرَاهَةِ الْمُكْثِ فِي مَقَابِرِهِمْ وَمَحَلُّ مَا ذَكَرَ مِنْ كَرَاهَةِ الْجُلُوسِ وَالْوَطْءِ فِي الْمُحْتَرَمِ عِنْدَ عَدَمِ مُضِيِّ مُدَّةٍ يَتَيَقَّنُ فِيهَا أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْمَيِّتِ شَيْءٌ فِي الْقَبْرِ سِوَى عَجْبِ الذَّنَبِ فَإِنْ مَضَتْ فَلَا بَأْسَ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ وَلَا كَرَاهَةَ فِي مَشْيِهِ بَيْنَ الْمَقَابِرِ بِنَعْلٍ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر وَقَوْلُهُ: فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ أَيْ فِي الْجُلُوسِ وَالْوَطْءِ وَيَنْبَغِي عَدَمُ حُرْمَةِ الْبَوْلِ وَالتَّغَوُّطِ عَلَى قُبُورِهِمَا أَيْ الْمُرْتَدِّ وَالْحَرْبِيِّ لِعَدَمِ حُرْمَتِهِمَا وَلَا عِبْرَةَ بِتَأَذِّي الْأَحْيَاءِ وَقَوْلُهُ: لَكِنْ يَنْبَغِي اجْتِنَابُهُ أَيْ وُجُوبًا فِي الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَنَدْبًا فِي نَحْوِ الْجُلُوسِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: وَلَا كَرَاهَةَ فِي مَشْيِهِ بَيْنَ الْمَقَابِرِ بِنَعْلٍ أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ مُتَنَجِّسًا بِنَجَاسَةِ رَطْبَةٍ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ إنْ مَشَى بِهِ عَلَى الْقَبْرِ، أَمَّا غَيْرُ الرَّطْبَةِ فَلَا ع ش (قَوْلُهُ وَوَطْءٌ عَلَيْهِ) أَيْ الْقَبْرِ الَّذِي لِمُسْلِمٍ وَلَوْ مُهْدَرًا فِيمَا يَظْهَرُ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مُحَاذِي الْمَيِّتِ لَا مَا اُعْتِيدَ التَّحْوِيطُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ مُحَاذٍ لَهُ لَا سِيَّمَا فِي اللَّحْدِ وَيُحْتَمَلُ إلْحَاقُ مَا قَرُبَ مِنْهُ جِدًّا بِهِ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُحَاذٍ لَهُ. اهـ. حَجّ شَوْبَرِيُّ (قَوْلُهُ لِلنَّهْيِ عَنْهُمَا) وَالْحِكْمَةُ فِيهِ تَوْقِيرُ الْمَيِّتِ وَاحْتِرَامُهُ وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ» فَفُسِّرَ الْجُلُوسُ عَلَيْهِ بِالْجُلُوسِ لِلْبَوْلِ أَوْ الْغَائِطِ وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ أَيْضًا بِلَفْظِ «مَنْ جَلَسَ عَلَى قَبْرٍ يَبُولُ عَلَيْهِ أَوْ يَتَغَوَّطُ» إلَخْ وَهُوَ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ: وَفِي مَعْنَاهُمَا الِاتِّكَاءُ عَلَيْهِ) أَيْ بِجَنْبِهِ وَالِاسْتِنَادُ إلَيْهِ أَيْ بِظَهْرِهِ فَهُمَا مُتَغَايِرَانِ ح ف وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا فِي مَعْنَى الْجُلُوسِ فَقَطْ وَفِي شَرْحِ م ر مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: بِلَا حَاجَةٍ) لَمْ يُبَيِّنْ الشَّارِحُ مَفْهُومَهُ إلَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْوَطْءِ وَكَذَلِكَ صَنَعَ م ر (قَوْلُهُ: إلَى مَيِّتِهِ) أَيْ مَنْ يُرِيدُ زِيَارَتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَيِّتَهُ.
(قَوْلُهُ: وَكُرِهَ تَجْصِيصُهُ) أَيْ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (قَوْلُهُ: بِالْجَصِّ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ وَكِتَابَةٌ عَلَيْهِ) أَيْ إلَّا إذَا كَانَ وَلِيًّا أَوْ عَالِمًا وَكُتِبَ اسْمُهُ لِيُزَارَ وَيُحْتَرَمَ. (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِتَجْصِيصِهِ تَطْيِينُهُ) أَيْ فَلَا يُكْرَهُ بَلْ يُبَاحُ وَيُكْرَهُ أَنْ يُجْعَلَ عَلَى الْقَبْرِ مِظَلَّةٌ وَأَنْ يُقَبَّلَ التَّابُوتُ الَّذِي يُجْعَلُ فَوْقَ الْقَبْرِ كَمَا يُكْرَهُ تَقْبِيلُ الْقَبْرِ وَاسْتِلَامُهُ وَتَقْبِيلُ الْأَعْتَابِ عِنْدَ الدُّخُولِ لِزِيَارَةِ الْأَوْلِيَاءِ نَعَمْ إنْ قَصَدَ بِتَقْبِيلِ أَضْرِحَتِهِمْ أَيْ وَأَعْتَابِهِمْ التَّبَرُّكَ لَمْ يُكْرَهْ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ بِرْمَاوِيٌّ
(قَوْلُهُ: وَحَرُمَ أَيْ الْبِنَاءُ)