فَلَا يَنْطِقُ إلَّا بِخَيْرٍ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
(وَمَسُّ مُصْحَفٍ) بِتَثْلِيثِ مِيمِهِ (وَ) مَسُّ (وَرَقِهِ) قَالَ تَعَالَى: {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] أَيْ: الْمُتَطَهِّرُونَ، وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ وَالْحَمْلُ أَبْلَغُ مِنْ الْمَسِّ نَعَمْ إنْ خَافَ عَلَيْهِ غَرَقًا أَوْ حَرْقًا أَوْ كَافِرًا أَوْ نَحْوَهُ جَازَ حَمْلُهُ بَلْ قَدْ يَجِبُ، وَخَرَجَ بِالْمُصْحَفِ غَيْرُهُ كَتَوْرَاةٍ وَإِنْجِيلٍ وَمَنْسُوخِ تِلَاوَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ فَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ (وَ) مَسُّ (جِلْدِهِ) الْمُتَّصِلِ بِهِ لِأَنَّهُ كَالْجُزْءِ مِنْهُ فَإِنْ انْفَصَلَ عَنْهُ فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْبَيَانِ الْحِلُّ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِسْنَوِيُّ لَكِنْ نَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ عُصَارَةِ الْمُخْتَصَرِ لِلْغَزَالِيِّ أَنَّهُ يَحْرُمُ أَيْضًا وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ إنَّهُ الْأَصَحُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQالنُّطْقِ قَالَ الشَّمْسُ الشَّوْبَرِيُّ: قَدْ أَحَلَّ فِيهِ غَيْرَهُ فَلِمَ خَصَّ الْمَنْطِقَ بِالذِّكْرِ؟ . اهـ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ خَصَّهُ لِلرَّدِّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ حُرْمَةَ ذَلِكَ. اهـ طُوخِيٌّ وَح ف. (قَوْلُهُ فَلَا يَنْطِقُ إلَّا بِخَيْرٍ) هُوَ بِالرَّفْعِ لِأَنَّ لَا نَافِيَةٌ لَا نَاهِيَةٌ فَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ بِرْمَاوِيٌّ وَعِبَارَةُ ع ش قَوْلُهُ فَلَا يَنْطِقُ إلَّا بِخَيْرٍ هَلْ الرِّوَايَةُ فِيهِ بِالْجَزْمِ أَوْ الرَّفْعِ؟ . وَرُوِيَ فَلَا يَتَكَلَّمَنَّ مُؤَكَّدًا بِالنُّونِ، وَهِيَ تُشْعِرُ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ هُنَا بِالْجَزْمِ؛ لِأَنَّ التَّأْكِيدَ بَعْدَ النَّهْيِ كَثِيرٌ، وَالْأَصْلُ تَوَافُقُ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَمَسُّ مُصْحَفٍ) وَلَوْ بِحَائِلٍ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ ح ل وَعِبَارَةُ ع ش قَوْلُهُ وَمَسُّ مُصْحَفٍ بِبَاطِنِ الْكَفِّ أَوْ بِحَائِلٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِرْمَاوِيُّ وَلَوْ كَانَ الْحَائِلُ ثَخِينًا حَيْثُ يُعَدُّ مَاسًّا لَهُ عُرْفًا؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالتَّعْظِيمِ بِخِلَافِ مَسِّ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ بِحَائِلٍ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِيهِ عَلَى ثَوَرَانِ الشَّهْوَةِ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ مَعَ الْحَائِلِ وَنَقَلَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَجْهًا غَرِيبًا بِعَدَمِ حُرْمَةِ مَسِّ الْمُصْحَفِ مُطْلَقًا وَقَالَ فِي التَّتِمَّةِ: لَا يَحْرُمُ إلَّا مَسُّ الْمَكْتُوبِ وَحْدَهُ لَا الْهَامِشِ وَلَا مَا بَيْنَ السُّطُورِ. اهـ قَالَ ع ش: وَتَحْرِيمُ مَسِّ الْمُصْحَفِ شَامِلٌ لِلْكَافِرِ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، وَهُوَ الَّذِي يَلِيقُ بِقَوْلِهِمْ يَجُوزُ تَعْلِيمُ الْكَافِرِ الْقُرْآنَ إذَا رُجِيَ إسْلَامُهُ يُحْمَلُ عَلَى التَّعْلِيمِ عَلَى ظَهْرِ الْقَلْبِ مِنْ غَيْرِ تَمْكِينٍ مِنْ الْمُصْحَفِ وَاللَّوْحِ ثُمَّ رَأَيْته عَنْ حَجّ وَنَصُّهُ وَيُمْنَعُ الْكَافِرُ مِنْ مَسِّ اللَّوْحِ عَلَى الْأَوْجَهِ وَإِنْ جَازَ تَعْلِيمُهُ ثُمَّ رَأَيْته فِي الْمَجْمُوعِ، وَالتَّحْقِيقِ صَرَّحَ بِذَلِكَ. اهـ (قَوْلُهُ بِتَثْلِيثِ مِيمِهِ) وَالْفَتْحُ غَرِيبٌ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُصْحَفَ اسْمٌ لِلْوَرَقِ الْمَكْتُوبِ فِيهِ الْقُرْآنُ فَلَا خَفَاءَ أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْأَوْرَاقَ بِجَمِيعِ جَوَانِبِهَا حَتَّى مَا فِيهَا مِنْ الْبَيَاضِ فَمَا فَائِدَةُ عَطْفِ الْأَوْرَاقِ وَقَدْ يُقَالُ: فَائِدَةُ ذَلِكَ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَمَسَّ الْجُمْلَةَ أَوْ بَعْضَ الْأَجْزَاءِ مُتَّصِلَةً أَوْ مُنْفَصِلَةً. ح ل أَيْ: فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ (قَوْلُهُ أَيْ: الْمُتَطَهِّرُونَ) جَوَابٌ عَمَّا قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فِي كِتَابِ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَمَكْنُونٌ أَيْ: مَحْفُوظٌ وَالْمُطَهَّرُونَ الْمَلَائِكَةُ، وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْمَلَائِكَةَ لَمَا الْتَأَمَ النَّفْيُ مَعَ الْإِثْبَاتِ إذْ قَدْ يَقْتَضِي أَنَّ فِيهِمْ مُطَهَّرًا وَغَيْرَهُ وَلَا يُقَالُ: غَيْرُ الْمُطَهَّرِ هُمْ الْبَشَرُ لِأَنَّ الْبَشَرَ لَا وُصُولَ لَهُمْ إلَيْهِ حَتَّى يَتَأَتَّى مِنْهُمْ مَسُّهُ تَأَمَّلْ. س ل وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّ قَوْلَهُ {تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الحاقة: 43] يَمْنَعُ مِنْ إرَادَةِ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُنَزَّلًا. (قَوْلُهُ وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ) إذْ لَوْ كَانَ بَاقِيًا عَلَى أَصْلِهِ مِنْ الْخَبَرِيَّةِ لَزِمَ الْخُلْفُ فِي خَبَرِهِ تَعَالَى وَلَوْ كَانَ نَهْيًا مَحْضًا لَمَا صَحَّ جَعْلُهُ صِفَةً لِقُرْآنٍ فِي قَوْلِهِ (إنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) إلَّا بِإِضْمَارِ الْقَوْلِ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الطَّلَبِيَّةَ لَا تَقَعُ صِفَةً إلَّا بِذَلِكَ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْإِضْمَارِ س ل وَقَالَ ع ش عَلَى م ر قِيلَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَاقِيًا عَلَى أَصْلِهِ وَلَا يَلْزَمُ الْخُلْفُ لِأَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الْمَسِّ الْمَشْرُوعِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَالْحَمْلُ أَبْلَغُ مِنْ الْمَسِّ) لَيْسَ فِي الْمَتْنِ التَّعَرُّضُ لِلْحَمْلِ حَتَّى يَتَعَرَّضَ لَهُ فِي الدَّلِيلِ بِقِيَاسِهِ عَلَى الْمَسِّ إلَّا أَنْ يُقَدَّرَ فِي كَلَامِهِ أَيْ: وَحَمْلُهُ (قَوْلُهُ نَعَمْ إنْ خَافَ إلَخْ) أَيْ: وَعَجَزَ عَنْ الطَّهَارَةِ وَعَنْ إيدَاعِهِ مُسْلِمًا ثِقَةً شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ أَوْ نَحْوَهُ) كَتَنَجُّسٍ. ح ل (قَوْلُهُ بَلْ قَدْ يَجِبُ) أَيْ: فِيمَا لَوْ خَافَ عَلَيْهِ كَافِرًا أَوْ حَرْقًا أَوْ غَرَقًا لَا إنْ خَافَ عَلَيْهِ ضَيَاعًا شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ) أَيْ: وَلَوْ تَحَقَّقْنَا عَدَمَ التَّبْدِيلِ فِيهِمَا. ع ش (قَوْلُهُ فَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ) بَلْ يُكْرَهُ. (قَوْلُهُ وَمَسُّ جِلْدِهِ) وَلَوْ بِحَائِلٍ ح ل (قَوْلُهُ فَإِنْ انْفَصَلَ عَنْهُ) قَضِيَّةُ تَفْصِيلِهِ فِي الْجِلْدِ بِالِانْفِصَالِ وَعَدَمِهِ وَسُكُوتِهِ عَنْ الْوَرَقِ أَنَّهُ يَحْرُمُ مَسُّهُ مُطْلَقًا أَيْ: مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا وَلَوْ هَوَامِشَهُ الْمَقْصُوصَةَ لَكِنْ فِي سم عَلَى حَجّ أَنَّهُ اسْتَقْرَبَ جَرَيَانَ تَفْصِيلِ الْجِلْدِ فِي الْوَرَقِ ع ش.
(قَوْلُهُ عَنْ عُصَارَةِ الْمُخْتَصَرِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ: خُلَاصَتِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ مُخْتَصَرُ الْمُزَنِيّ بِرْمَاوِيٌّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْعُصَارَةُ مَتْنُ الْوَجِيزِ لِلْغَزَالِيِّ وَلَعَلَّ تَسْمِيَتَهُ بِالْعُصَارَةِ لِكَوْنِهِ عَصَرَ زُبْدَةَ الْمُخْتَصَرِ أَيْ: أَخْرَجَهَا مِنْهُ. (قَوْلُهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ أَيْضًا) حَمَلَ كَلَامَ الْبَيَانِ فِي جِلْدِ الْمُصْحَفِ عَلَى مَا انْقَطَعَتْ نِسْبَتُهُ عَنْ الْمُصْحَفِ، وَكَلَامُ الْعُصَارَةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَنْقَطِعْ النِّسْبَةُ ع ش (قَوْلُهُ إنَّهُ الْأَصَحُّ) إبْقَاءً لِحُرْمَتِهِ قَبْلَ انْفِصَالِهِ، وَلَوْ انْعَدَمَتْ تِلْكَ الْأَوْرَاقُ الَّتِي كَانَ جِلْدًا لَهَا، وَهَذَا وَاضِحٌ إنْ لَمْ يُجْعَلْ جِلْدًا لِكِتَابٍ أَوْ مِحْفَظَةٍ وَإِلَّا لَمْ يَحْرُمْ مُطْلَقًا كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ لِانْقِطَاعِ النِّسْبَةِ، وَلَوْ كَانَ مَكْتُوبًا عَلَيْهِ (لَا يَمَسُّهُ إلَّا