تَجَدَّدَ لَهُ ذِكْرُ تِلْكَ الْأَحْوَالِ (وَ) أَنْ (يُحْسِنَ ظَنَّهُ بِرَبِّهِ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَقُولُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى» أَيْ يَظُنُّ أَنْ يَرْحَمَهُ وَيَعْفُوَ عَنْهُ وَلِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ «قَالَ اللَّهُ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» وَيُسَنُّ لِمَنْ عِنْدَهُ تَحْسِينُ ظَنِّهِ وَتَطْمِيعُهُ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى.

(فَإِذَا مَاتَ غُمِّضَ) لِئَلَّا يَقْبُحَ مَنْظَرُهُ وَرَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ ثُمَّ قَالَ: إنَّ الرُّوحَ إذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ» وَشَقَّ بَصَرُهُ بِفَتْحِ الشِّينِ وَضَمِّ الرَّاءِ شَخَصَ بِفَتْحِ الشِّينِ وَالْخَاءِ، (وَشُدَّ لَحْيَاهُ بِعِصَابَةٍ) عَرِيضَةٍ تُرْبَطُ فَوْقَ رَأْسِهِ لِئَلَّا يَبْقَى فَمُهُ مُنْفَتِحًا فَتَدْخُلُهُ الْهَوَامُّ. (وَلُيِّنَتْ مَفَاصِلُهُ) فَيُرَدُّ سَاعِدُهُ إلَى عَضُدِهِ وَسَاقُهُ إلَى فَخِذِهِ وَفَخِذُهُ إلَى بَطْنِهِ ثُمَّ تُمَدُّ وَتُلَيَّنُ أَصَابِعُهُ تَسْهِيلًا لِغُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ فَإِنَّ فِي الْبَدَنِ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الرُّوحِ بَقِيَّةَ حَرَارَةٍ فَإِذَا لُيِّنَتْ الْمَفَاصِلُ حِينَئِذٍ لَانَتْ وَإِلَّا فَلَا يُمْكِنُ تَلْيِينُهَا بَعْدُ.

(وَنُزِعَتْ ثِيَابُهُ) الَّتِي مَاتَ فِيهَا لِأَنَّهَا تُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادَ (ثُمَّ سُتِرَ) كُلُّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا (بِثَوْبٍ خَفِيفٍ) وَيُجْعَلُ طَرَفَاهُ تَحْتَ رَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ لِئَلَّا يَنْكَشِفَ وَخَرَجَ بِالْخَفِيفِ الثَّقِيلُ فَإِنَّهُ يُحْمِيهِ فَيُغَيِّرُهُ وَذِكْرُ التَّرْتِيبِ بَيْنَ النَّزْعِ وَالسَّتْرِ مِنْ زِيَادَتِي، (وَثُقِلَ بَطْنُهُ بِغَيْرِ مُصْحَفٍ) كَمِرْآةٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــQلِابْنِ الرِّفْعَةِ حَيْثُ مَنَعَ التَّأْوِيلَ وَأَبْقَى الْحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَمَنَعَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَيِّتَ فِي سَمَاعِ الْقُرْآنِ كَالْحَيِّ لِأَنَّهُ إذَا صَحَّ السَّلَامُ عَلَيْهِ فَالْقُرْآنُ أَوْلَى اهـ وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ، قَالَ م ر: وَكَأَنَّ مَعْنَى لَا يُقْرَأُ عَلَى الْمَيِّتِ أَيْ: قَبْلَ دَفْنِهِ لِاشْتِغَالِ أَهْلِهِ بِتَجْهِيزِهِ الَّذِي هُوَ أَهَمُّ وَيُؤْخَذُ مِنْ الْعِلَّةِ أَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَشْتَغِلُوا بِتَجْهِيزِهِ كَأَنْ كَانَ الْوَقْتُ لَيْلًا سُنَّتْ الْقِرَاءَةُ عَلَيْهِ. اهـ. ع ش وَقَرَّرَهُ الْعَلَّامَةُ ح ف (قَوْلُهُ: تَجَدَّدَ لَهُ ذِكْرُ تِلْكَ الْأَحْوَالِ) أَيْ: فَيَعْمَلُ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ وَهَذَا لَا يَأْتِي فِي الْمَيِّتِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يُسَنُّ قِرَاءَتُهَا عِنْدَهُ جَهْرًا بِخِلَافِ الرَّعْدِ فَتُقْرَأُ سِرًّا وَإِنْ طَلَبَ الْمَيِّتُ الْجَهْرَ بِهَا كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ: وَأَنْ يُحْسِنَ) هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْحَاءِ وَكَسْرِ السِّينِ مُخَفَّفَةً وَبِضَمِّهَا أَيْضًا وَفَتْحِ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْقَامُوسِ وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْمَرِيضِ وَلَوْ غَيْرَ مُحْتَضَرٍ.

(قَوْلُهُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي) أَيْ: جَزَائِي مُرْتَبِطٌ بِظَنِّهِ فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَهُوَ لَفْظُ جَزَاءٍ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ فَانْفَصَلَ. (قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ لِمَنْ عِنْدَهُ) أَيْ: الْحَاضِرِينَ عِنْدَ الْمَيِّتِ مِنْ النَّاسِ أَيْ: مَا لَمْ يَرَ مِنْهُ أَمَارَاتِ الْيَأْسِ وَالْقُنُوطِ وَإِلَّا وَجَبَ؛ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ بَذْلِ النَّصِيحَةِ ح ل.

وَآدَابُ الْعِيَادَةِ عَشَرَةُ أَشْيَاءَ: وَمِنْهَا مَا لَا يَخْتَصُّ بِالْعِيَادَةِ أَنْ لَا يُقَابِلَ الْبَابَ عِنْدَ الِاسْتِئْذَانِ، وَأَنْ يَدُقَّ الْبَابَ بِرِفْقٍ، وَلَا يُبْهِمُ نَفْسَهُ بِأَنْ يَقُولَ أَنَا، وَأَنْ لَا يَحْضُرَ فِي وَقْتٍ يَكُونُ غَيْرَ لَائِقٍ بِالْعِيَادَةِ كَوَقْتِ شُرْبِ الْمَرِيضِ الدَّوَاءَ، وَأَنْ يُخَفِّفَ الْجُلُوسَ، وَأَنْ يَغُضَّ الْبَصَرَ، وَأَنْ يُقَلِّلَ السُّؤَالَ، وَأَنْ يُظْهِرَ الرِّقَةَ، وَأَنْ يُخْلِصَ الدُّعَاءَ، وَأَنْ يُوَسِّعَ لِلْمَرِيضِ فِي الْأَمَلِ، وَيُعِينَهُ عَلَيْهِ بِالصَّبْرِ لِمَا فِيهِ مِنْ جَزِيلِ الْأَجْرِ، وَيُحَذِّرَهُ مِنْ الْجَزَعِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْوِزْرِ اهـ فَتْحُ الْبَارِي عَلَى الْبُخَارِيِّ لحج شَوْبَرِيٌّ.

(قَوْلُهُ: فَإِذَا مَاتَ غُمِّضَ) أَيْ: نَدْبًا هَذَا شَامِلٌ لِلْأَعْمَى وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ حَالَ تَغْمِيضِهِ بِاسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَعِنْدَ حَمْلِهِ بِاسْمِ اللَّهِ ثُمَّ يُسَبِّحُ مَا دَامَ يَحْمِلُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمَرِيضَ لَا يُسَنُّ لَهُ تَغْمِيضُ عَيْنِ نَفْسِهِ قُبَيْلَ مَوْتِهِ وَإِنْ أَمْكَنَ بِلَا مَشَقَّةٍ لَكِنْ بَحَثَ بَعْضُهُمْ نَدْبَهُ إنْ لَمْ يَحْضُرْ عِنْدَهُ مَنْ يَتَوَلَّاهُ كَمَا ذَكَرَهُ ع ش عَلَى م ر. وَفِي كَلَامِ ابْنِ شُهْبَةَ أَنَّ الْعَيْنَ آخِرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ الرُّوحُ وَأَوَّلُ شَيْءٍ يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ. (قَوْلُهُ: تَبِعَهُ الْبَصَرُ) أَيْ: ذَهَبَ وَشَخَصَ نَاظِرًا إلَى الرُّوحِ أَيْنَ تَذْهَبُ؟ قَالَ الشِّهَابُ الْبُرُلُّسِيُّ: كَأَنَّ الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ سَبَبَ انْفِتَاحِ الْعَيْنِ أَنَّ الشَّخْصَ إذَا أَحَسَّ بِقَبْضِ الرُّوحِ وَانْتِزَاعِهَا يَفْتَحُ بَصَرَهُ نَاظِرًا إلَى مَا يُنْزَعُ مِنْهُ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّ الْقُوَّةَ الْبَاصِرَةَ تُفَارِقُهُ وَتَذْهَبُ مَعَهَا بَعْدَ قَبْضِهَا، وَيَحْتَمِلُ الْتِزَامَ ذَلِكَ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى الرُّوحِ وَيَعْلَقُ بِهَا ذَاهِبًا مَعَهُمَا يَنْظُرُ أَيْنَ تَذْهَبُ؟ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ بَلْ مُتَعَيِّنٌ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ قُبِضَ فِي الْحَدِيثِ يَلْزَمُ أَنْ يُؤَوَّلَ حِينَئِذٍ بِمَعْنَى أُرِيدَ قَبْضُهُ خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى حَقِيقَتِهِ ذَكَرَهُ الشَّوْبَرِيُّ قَالَ الشَّيْخُ س ل: لَا يُقَالُ كَيْفَ يَنْظُرُ بَعْدَهَا؟ لِأَنَّا نَقُولُ: يَبْقَى فِيهِ مِنْ أَثَرِ الْحَرَارَةِ الْغَرِيزِيَّةِ بَعْدَ مُفَارَقَتِهَا مَا يَقْوَى بِهِ عَلَى نَوْعِ تَطَلُّعٍ لَهَا كَمَا يَدُلُّ لَهُ مَا يَأْتِي اهـ. (قَوْلُهُ: وَشُدَّ) أَيْ: نَدْبًا لَحْيَاهُ بِفَتْحِ اللَّامِ كَمَا ضَبَطَهُ الشَّارِحُ فِي بَابِ الْوُضُوءِ، فَمَا وَقَعَ لِلْبِرْمَاوِيِّ هُنَا سَهْوٌ. (قَوْلُهُ: وَلُيِّنَتْ مَفَاصِلُهُ) وَلَوْ بِنَحْوِ دُهْنٍ تُوُقِّفَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُغَسَّلْ وَالْعِلَّةُ لِلْأَغْلَبِ. (قَوْلُهُ: وَنُزِعَتْ ثِيَابُهُ) أَيْ: الْمَيِّتِ نَدْبًا سَوَاءٌ كَانَ الثَّوْبُ طَاهِرًا أَوْ نَجِسًا مِمَّا يُغَسَّلُ فِيهِ أَمْ لَا أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ، وَظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ وَلَوْ نَبِيًّا وَشَهِيدًا وَتُعَادُ إلَيْهِ عِنْدَ التَّكْفِينِ بِحَيْثُ لَا يُرَى شَيْءٌ مِنْ بَدَنِهِ عِنْدَ النَّزْعِ وَاللُّبْسِ وَالتَّعْلِيلُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ مَا لَمْ يُرِدْ تَغْسِيلَهُ حَالًا فِي ثِيَابِهِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ سُتِرَ) أَيْ: نَدْبًا (قَوْلُهُ: يُحْمِيهِ) بِضَمِّ الْيَاءِ قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: حَمِيَ النَّارُ بِالْكَسْرِ وَالتَّنُّورُ أَيْضًا اشْتَدَّ حَرُّهُ وَأُحْمِيَ الْحَدِيدُ فِي النَّارِ فَهُوَ مَحْمِيٌّ وَلَا تَقُلْ حَمَاهُ ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ: وَثُقِلَ بَطْنُهُ) أَيْ: نَدْبًا وَالْمُرَادُ أَنْ يُوضَعَ ذَلِكَ فَوْقَ مَا يُسْتَرُ بِهِ بَدَنُهُ، فَإِنْ قُلْت: هَذَا الْوَضْعُ إنَّمَا يَتَأَتَّى عِنْدَ الِاسْتِلْقَاءِ لَا عِنْدَ كَوْنِهِ عَلَى جَنْبِهِ مَعَ أَنَّ كَلَامَهُمْ صَرِيحٌ فِي وَضْعِهِ هُنَا عَلَى جَنْبِهِ كَالْمُحْتَضَرِ. قُلْت: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ هُنَا تَعَارَضَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015