وَهُوَ تَقْلِيلُ اللَّفْظِ وَتَكْثِيرُ الْمَعْنَى
(فِي الْفِقْهِ) وَهُوَ لُغَةً الْفَهْمُ وَاصْطِلَاحًا الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ الْمُكْتَسَبِ مِنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQمَشْرُوطَةٌ بِدَلَالَتِهَا عَلَى الْمَعَانِي (قَوْلُهُ وَهُوَ تَقْلِيلُ إلَخْ) أَيْ: اصْطِلَاحًا ع ش. (قَوْلُهُ وَتَكْثِيرُ الْمَعْنَى) لَيْسَ بِقَيْدٍ
(قَوْلُهُ فِي الْفِقْهِ) مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْجُزْءِ فِي الْكُلِّ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ: فِي دَالِّ الْفِقْهِ أَوْ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْأَلْفَاظِ فِي الْمَعَانِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَعَانِيَ قَوَالِبُ لِلْأَلْفَاظِ بِالنَّظَرِ لِلْمُتَكَلِّمِ لِأَنَّهُ يَسْتَحْضِرُ الْمَعَانِيَ أَوَّلًا، وَأَمَّا بِالنَّظَرِ لِلسَّامِعِ فَالْأَلْفَاظُ قَوَالِبُ لِلْمَعَانِي لِأَنَّهُ يُفْهِمُ الْمَعَانِيَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمَسْمُوعَةِ وَقِيلَ: إنَّ فِي بِمَعْنَى عَلَى فَشَبَّهَ الدَّالَّ وَالْمَدْلُولَ بِالظَّرْفِ وَالْمَظْرُوفِ قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: مِنْ فَقِهَ بِكَسْرِ عَيْنِهِ أَيْ: فَهِمَ فَإِنْ صَارَ سَجِيَّةً لَهُ ضُمَّتْ وَإِنْ سَبَقَ غَيْرَهُ فُتِحَتْ. اهـ (قَوْلُهُ الْفَهْمُ) هُوَ ارْتِسَامُ صُورَةِ مَا فِي الْخَارِجِ فِي الذِّهْنِ (قَوْلُهُ الْعِلْمُ) بِمَعْنَى الظَّنِّ الْقَوِيِّ لِأَنَّهُ لِقُرْبِهِ مِنْ الْعِلْمِ أُطْلِقَ عَلَيْهِ لَفْظُهُ، وَإِلَّا فَالْعِلْمُ بِمَعْنَاهُ لَا يَقَعُ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِينَ شَوْبَرِيٌّ فَأَحْكَامُ الْفِقْهِ كُلُّهَا ظَنِّيَّةٌ، وَالْمَسَائِلُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا لَيْسَتْ فِقْهًا لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ عَدُّهُمْ الْإِجْمَاعَ مِنْ أَدِلَّةِ الْفِقْهِ، وَالْمُرَادُ بِالظَّنِّ مَلَكَتُهُ أَيْ: الْمَلَكَةُ الَّتِي يَقْتَدِرُ بِهَا عَلَى ظَنِّ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ فَهُوَ مَجَازٌ عَلَى مَجَازٍ، وَعَلَاقَةُ الْأَوَّلِ الْمُجَاوَرَةُ الذِّهْنِيَّةُ وَعَلَاقَةُ الثَّانِي السَّبَبِيَّةُ والمسببية، لِأَنَّ الْمَلَكَةَ سَبَبٌ لِلظَّنِّ وَالْمُرَادُ بِالْأَحْكَامِ النِّسَبُ التَّامَّةُ كَمَا هُوَ أَحَدُ إطْلَاقَاتِ الْحُكْمِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الْمَحَلِّيُّ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ أَيْ: الْفِقْهُ الْعِلْمُ بِجَمِيعِ النِّسَبِ التَّامَّةِ فَأَلْ اسْتِغْرَاقِيَّةٌ وَإِنَّمَا لَمْ يَحْمِلْ الْحُكْمَ عَلَى إدْرَاكِ وُقُوعِ النِّسْبَةِ أَوَّلًا، وُقُوعُهَا كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِأَنَّهُ بِهَذَا الْمَعْنَى عَيَّنَ الْعِلْمَ فَلَا يَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِهِ وَلَمْ يُحْمَلْ عَلَى خِطَابِ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقِ بِأَفْعَالِ الْمُتَكَلِّمِينَ لِئَلَّا يَقَعَ التَّكْرَارُ فِي قَوْلِهِ الشَّرْعِيَّةِ؛ لِأَنَّ خِطَابَ اللَّهِ لَا يَكُونُ إلَّا شَرْعِيًّا. فَإِنْ قُلْتَ: إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالْأَحْكَامِ جَمِيعَهَا لَا يَكُونُ التَّعْرِيفُ جَامِعًا لِثُبُوتِ لَا أَدْرِي عَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَهْم فُقَهَاءُ فَقُلْنَا: الْمُرَادُ بِالْعِلْمِ التَّهَيُّؤُ لَهُ لَا حُصُولُهُ بِالْفِعْلِ، وَمَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ حَصَلَ لَهُمْ الْعِلْمُ بِهَذَا الْمَعْنَى كَمَا قَالَهُ الْمَحَلِّيُّ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ. وَقَوْلُهُ الْعَمَلِيَّةِ أَيْ: الْمُتَعَلِّقَةِ بِكَيْفِيَّةِ عَمَلٍ قَلْبِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ كَالْعِلْمِ بِأَنَّ النِّيَّةَ فِي الْوُضُوءِ وَاجِبَةٌ وَأَنَّ الْوِتْرَ مَنْدُوبٌ فَقَوْلُنَا النِّيَّةُ وَاجِبَةٌ مَسْأَلَةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ مَوْضُوعٍ وَمَحْمُولٍ وَنِسْبَةٍ وَالْفِقْهُ اسْمٌ لِلْعِلْمِ بِالنِّسْبَةِ، وَهَذِهِ النِّسْبَةُ عَمَلِيَّةٌ أَيْ: مُتَعَلِّقَةٌ بِصِفَةِ عَمَلٍ فَالْعَمَلُ هُوَ النِّيَّةُ وَصِفَتُهُ الْوُجُوبُ وَهَذِهِ النِّسْبَةُ تَعَلَّقَتْ بِالْوُجُوبِ الَّذِي هُوَ صِفَةُ النِّيَّةِ.
وَقَوْلُهُ التَّفْصِيلِيَّةِ أَيْ: الْمُتَعَلِّقَةِ بِأَحْكَامٍ مَخْصُوصَةٍ فَخَرَجَ بِالْأَحْكَامِ الْعِلْمُ بِالذَّوَاتِ وَالصِّفَاتِ كَتَصَوُّرِ الْإِنْسَانِ وَالْبَيَاضِ وَالْمُرَادُ بِالذَّوَاتِ مَا لَوْ وُجِدَ فِي الْخَارِجِ كَانَ قَائِمًا بِنَفْسِهِ كَمَا قَالَهُ النَّجَّارِيُّ وَعَلَى جَمْعِ الْجَوَامِعِ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: إنَّ مَاهِيَّةَ الْإِنْسَانِ لَيْسَتْ مِنْ الذَّوَاتِ أَوْ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ كَتَصَوُّرِ الْإِنْسَانِ تَصَوُّرُ أَفْرَادِهِ وَقَوْلُهُ الشَّرْعِيَّةِ خَرَجَ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْحِسِّيَّةِ كَالْعِلْمِ بِأَنَّ الْوَاحِدَ نِصْفُ الِاثْنَيْنِ، وَبِأَنَّ النَّارَ مُحْرِقَةٌ وَخَرَجَ بِالْعَمَلِيَّةِ الْعِلْمِيَّةُ أَيْ: الِاعْتِقَادِيَّةُ كَالْعِلْمِ بِأَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ وَأَنَّهُ يُرَى فِي الْآخِرَةِ أَيْ: لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِكَيْفِيَّةِ ذَاتٍ فَقَوْلُهُ كَالْعِلْمِ بِأَنَّ اللَّهَ إلَخْ فَالْحُكْمُ فِيهِ ثُبُوتُ الْوَحْدَانِيَّةِ لِلَّهِ وَالْعِلْمُ بِهَذَا الثُّبُوتِ تَوْحِيدٌ وَأَمَّا الْعِلْمُ بِوُجُوبِ اعْتِقَادِ أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ فَهُوَ فِقْهٌ وَالْأَوَّلُ مِنْ عِلْمِ الْكَلَامِ اهـ سم عَلَى جَمْعِ الْجَوَامِعِ (قَوْلُهُ الْمُكْتَسَبُ) خَرَجَ بِهِ عِلْمُ جِبْرِيلَ مَثَلًا فَإِنَّهُ غَيْرُ مُكْتَسَبٍ ح ل وَدَخَلَ فِيهِ عِلْمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّاشِئُ عَنْ اجْتِهَادٍ فَهُوَ فِقْهٌ مِنْ حَيْثُ حُصُولُهُ عَنْ اجْتِهَادٍ وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ دَلِيلًا فَلَا يُسَمَّى فِقْهًا قَالَهُ الْكَمَالُ الْمَقْدِسِيُّ فَقَوْلُ ع ش: إنَّ قَوْلَهُ مِنْ أَدِلَّتِهَا خَرَجَ بِهِ عِلْمُ جِبْرِيلَ وَعِلْمُ النَّبِيِّ أَيْ: الْحَاصِلُ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مُكْتَسِبَيْنِ مِنْ الْأَدِلَّةِ بَلْ عِلْمُ جِبْرِيلَ مِنْ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَعِلْمُ النَّبِيِّ مِنْ الْوَحْيِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ بَلْ هُمَا خَارِجَانِ بِالْمُكْتَسَبِ.
اهـ (قَوْلُهُ التَّفْصِيلِيَّةِ) أَيْ: بِوَاسِطَةِ الْأَدِلَّةِ الْإِجْمَالِيَّةِ وَلَا بُدَّ مِنْ مُلَاحَظَةِ هَذَا اهـ خَضِرٌ وَكَيْفِيَّةُ الِاكْتِسَابِ بِأَنْ يُقَالَ: {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72] أَمْرٌ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ يُنْتِجُ {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72] لِلْوُجُوبِ " وَلَا تَشْرَبُوا الْخَمْرَ " نَهْيٌ وَالنَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ يُنْتِجُ لَا تَشْرَبُوا الْخَمْرَ لِلتَّحْرِيمِ فَيُجْعَلُ الدَّلِيلُ الْإِجْمَالِيُّ كُبْرَى لِلْقِيَاسِ كَمَا بَيَّنَهُ الْمَحَلِّيُّ