وَقَوْلِي: أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْمَعْدِنِ الْبَاطِنِ، وَبَعْضُهُمْ قَرَّرَ كَلَامَ الْأَصْلِ بِمَا لَا يَنْبَغِي فَاحْذَرْهُ

(وَالْمَاءُ الْمُبَاحُ) كَالنَّهْرِ وَالْوَادِي وَالسَّيْلِ (يَسْتَوِي النَّاسُ فِيهِ) بِأَنْ يَأْخُذَ كُلٌّ مِنْهُمْ مَا يَشَاءُ مِنْهُ لِخَبَرِ «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ: فِي الْمَاءِ، وَالْكَلَأِ، وَالنَّارِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ (فَإِنْ أَرَادَ قَوْمٌ سَقْيَ أَرْضِهِمْ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الْمَاءِ الْمُبَاحِ (فَضَاقَ) الْمَاءُ عَنْهُمْ، وَبَعْضُهُمْ أَحْيَا أَوَّلًا (سَقَى الْأَوَّلُ) فَالْأَوَّلُ فَيَحْبِسُ كُلٌّ مِنْهُمْ الْمَاءَ (إلَى) أَنْ يَبْلُغَ (الْكَعْبَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ (وَيُفْرَدُ كُلٌّ مِنْ مُرْتَفَعٍ وَمُنْخَفَضٍ بِسَقْيٍ) بِأَنْ يَسْقِيَ أَحَدُهُمَا حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ يَسُدَّ ثُمَّ يَسْقِيَ الْآخَرُ، وَخَرَجَ بِضَاقَ مَا إذَا كَانَ يَفِي بِالْجَمِيعِ فَيَسْقِي مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ مَتَى شَاءَ، وَتَعْبِيرِي بِالْأَوَّلِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْأَعْلَى، وَمَنْ عَبَّرَ بِالْأَقْرَبِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ مَنْ أَحْيَا بُقْعَةً يَحْرِصُ عَلَى قُرْبِهَا مِنْ الْمَاءِ مَا أَمْكَنَ لِمَا فِيهِ مِنْ سُهُولَةِ السَّقْيِ وَخِفَّةِ الْمُؤْنَةِ وَقُرْبِ عُرُوقِ الْغِرَاسِ مِنْ الْمَاءِ، وَمِنْ هُنَا يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ إلَى النَّهْرِ إنْ أَحْيَوْا دَفْعَةً أَوْ جَهِلَ السَّابِقُ، وَلَا يَبْعُدُ الْقَوْلُ بِإِقْرَاعٍ، ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ.

(وَمَا أُخِذَ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الْمَاءِ الْمُبَاحِ بِيَدٍ، أَوْ ظَرْفٍ كَإِنَاءٍ أَوْ حَوْضٍ مَسْدُودٍ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ: فِي إنَاءٍ (مُلِكَ) كَالِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQبُقْعَتَيْهِمَا وَإِنْ جَهِلَهُمَا مَلَكَهُمَا وَبُقْعَتَيْهِمَا ز ي وَس ل وَشَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَبَعْضُهُمْ) هُوَ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَرَّرَهُ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ فَقَوْلُهُ فَاحْذَرْهُ ضَعِيفٌ.

[فَائِدَةٌ غَرِيبَةٌ]

ذَكَرَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ كَغَيْرِهِ أَنَّ الْمُرْصَدَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِحَفْرِ خُلْجَانِ إقْلِيمِ مِصْرَ وَتُرَعِهِ وَبُحُورِهِ وَتَسْوِيَةِ جُسُورِهِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَ قِطَاعٍ بِالطَّوَارِي، وَالْأَغْلَاقُ مِنْهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا لِخُصُوصِ الصَّعِيدِ وَالْبَاقِي لِبَقِيَّةِ الْإِقْلِيمِ. اهـ

. (قَوْلُهُ: وَالْمَاءُ الْمُبَاحُ) وَمِنْهُ مَا يَبْقَى فِي الْحُفَرِ عَلَى رُءُوسِ الْغِيطَانِ فَهُوَ مُبَاحٌ يَسْتَوِي فِيهِ النَّاسُ ح ف. (قَوْلُهُ يَسْتَوِي النَّاسُ فِيهِ) أَيْ: فَلَا يُمْلَكُ بِإِقْطَاعٍ، وَلَا يَثْبُتُ فِيهَا تَحَجُّرٌ وَكَذَا حُكْمُ حَافَّتَيْ النَّهْرِ، فَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْهَا وَلَا إقْطَاعُهُ وَقَدْ عَمَّتْ الْبَلْوَى بِالْبِنَاءِ عَلَى حَافَّتَيْ النَّهْرِ كَمَا عَمَّتْ بِالْبِنَاءِ فِي الْقَرَافَةِ، وَهِيَ مُسَبَّلَةٌ ب ر سم. (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَأْخُذَ كُلٌّ مِنْهُمْ مَا يَشَاءُ) وَعِنْدَ الِازْدِحَامِ مَعَ ضِيقِ الْمَاءِ أَوْ مَشْرَعِهِ يُقَدَّمُ الْأَسْبَقُ فَالْأَسْبَقُ، وَإِلَّا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ لِلْقَارِعِ تَقْدِيمُ دَوَابِّهِ عَلَى الْآدَمِيِّينَ، إذْ الظَّامِئُ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ وَطَالِبُ الشُّرْبِ عَلَى طَالِبِ السَّقْيِ وَمَا جَهِلَ أَصْلَهُ وَهُوَ تَحْتَ يَدِ وَاحِدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ إذَا كَانَ مَنْبَعُهُ مِنْ مَمْلُوكٍ لَهُمْ بِخِلَافِ مَا مَنْبَعُهُ بِمَوَاتٍ أَوْ يَخْرُجُ مِنْ نَهْرٍ عَامٍّ كَدِجْلَةَ فَإِنَّهُ بَاقٍ عَلَى إبَاحَتِهِ شَرْحُ م ر.

(قَوْلُهُ: فِي الْمَاءِ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: أَرَادَ بِالْمَاءِ مَاءَ السَّمَاءِ وَمَاءَ الْعُيُونِ الَّتِي لَا مَالِكَ لَهَا، وَأَرَادَ بِالْكَلَأِ مَرْعَى الْأَرْضِ الَّتِي لَا مَالِكَ لَهَا، وَأَرَادَ بِالنَّارِ النَّارَ إذَا أُضْرِمَتْ فِي حَطَبٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ، أَمَّا الْمَمْلُوكُ فَلَا يَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْهُ بِغَيْرِ الْإِذْنِ، وَأَمَّا الْجُزْءُ الْمُضِيءُ فَالْوَجْهُ عَدَمُ مَنْعِ مَنْ يَقْتَبِسُ مِنْهُ ضَوْءًا كَالِاسْتِنَادِ لِجِدَارِ الْغَيْرِ سم وَس ل.

(قَوْلُهُ: سَقَى الْأَوَّلُ) أَيْ: فِي الْإِحْيَاءِ وَلَوْ تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ هَلَاكُ زَرْعِ مَنْ دُونَهُ قَبْلَ وُصُولِ الْمَاءِ إلَيْهِ، قَالَ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ: فَإِنْ احْتَاجَ مَنْ أَحْيَا أَوَّلًا إلَى السَّقْيِ مَرَّةً أُخْرَى مُكِّنَ مِنْهُ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بَعْدَ شُرُوعِ مَنْ بَعْدَهُ فِي السَّقْيِ وَالْتَزَمَهُ م ر لَكِنْ أَظُنُّ أَنَّ الْعُبَابَ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ. اهـ سم. (قَوْلُهُ: إلَى الْكَعْبَيْنِ) وَالْمُرَادُ بِمَا ذَكَرَ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ جَانِبُ الْكَعْبِ الْأَسْفَلِ، وَمُخَالَفَةُ غَيْرِهِ لَهُ مُحْتَجًّا بِآيَةِ الْوُضُوءِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الدَّالَّ عَلَى دُخُولِ الْغَايَةِ فِي تِلْكَ خَارِجِيٌّ وُجِدَ ثَمَّ لَا هُنَا، وَالتَّقْدِيرُ بِهِمَا هُوَ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ شَرْحُ م ر قَالَ حَجّ: وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْوَجْهَ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي قَدْرِ السَّقْيِ لِلْعَادَةِ وَالْحَاجَةِ لِاخْتِلَافِهِمَا زَمَانًا وَمَكَانًا، فَاعْتُبِرَ فِي حَقِّ أَهْلِ مَحَلٍّ بِمَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ عِنْدَهُمْ، وَالْخَبَرُ جَارٍ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ، قِيلَ: النَّخْلُ إنْ أُفْرِدَ كُلٌّ بِحَوْضٍ، فَالْعَادَةُ مِلْؤُهُ، وَإِلَّا اُتُّبِعَتْ عَادَةُ تِلْكَ الْأَرْضِ وَلَا حَاجَةَ لِهَذَا التَّفْصِيلِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ قِسْمَيْهِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْعَادَةِ فِي مِثْلِهِ، فَكَلَامُهُمْ شَامِلٌ لَهُ انْتَهَى بِحُرُوفِهِ، وَمُرَادُهُ بِالْخَبَرِ قَوْلُ الشَّارِحِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ وَفِي ق ل أَنَّ الْمُعْتَمَدَ اعْتِبَارُ عَادَةِ الزَّرْعِ وَالْأَرْضِ وَالْوَقْتِ.

اهـ. (قَوْلُهُ: وَيُفْرَدُ كُلٌّ مِنْ مُرْتَفِعٍ إلَخْ) كَأَنْ يَكُونَ وُصُولُ الْمَاءِ إلَى الْكَعْبَيْنِ فِي الْمُسْتَعْلِيَةِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِبُلُوغِهِ إلَى الرُّكْبَتَيْنِ مَثَلًا فِي الْمُنْخَفِضَةِ سم. (قَوْلُهُ: أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْأَعْلَى) مُرَادُهُ بِالْأَعْلَى الْأَوَّلُ أَوْ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ كَمَا بَيَّنَهُ الشَّارِحُ فِي التَّعْبِيرِ بِالْأَقْرَبِ فَلْيُتَأَمَّلْ. سم أَيْ: فَلَا أَوْلَوِيَّةَ، لَكِنَّ الْمُرَادَ لَا يَدْفَعُ الْإِيرَادَ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَعْلَى الْأَقْرَبُ لِلْمَاءِ. (قَوْلُهُ: يَحْرِصُ) بِكَسْرِ الرَّاءِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ قَالَ تَعَالَى: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ} [النحل: 37] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103] . (قَوْلُهُ: مِنْ هُنَا) وَهُوَ الْغَالِبُ أَنَّ مَنْ أَحْيَا بُقْعَةً يَحْرِصُ عَلَى قُرْبِهَا مِنْ الْمَاءِ مَا أَمْكَنَ، وَهَذَا شُرُوعٌ فِي بَيَانِ مَفْهُومِ قَوْلِهِ: سَقَى الْأَوَّلُ، وَقَوْلُهُ: وَلَا يَبْعُدُ الْإِقْرَاعُ ضَعِيفٌ، فَالْمُعْتَمَدُ تَقْدِيمُ الْأَقْرَبِ حَتَّى فِي صُورَةِ الْجَهْلِ. (قَوْلُهُ: بِيَدٍ أَوْ ظَرْفٍ) وَمِنْهُ كِيزَانُ الدُّولَابِ كَالسَّاقِيَّةِ فَيَمْلِكُهُ بِمُجَرَّدِ دُخُولِهِ فِيهَا، وَمِثْلُهُ نَحْوُ الْأَحْوَاضِ وَالْمَصَايِدِ. (قَوْلُهُ: فِي إنَاءِ مُلِكَ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْآخِذُ لَهُ غَيْرَ مُمَيِّزٍ، وَعَلَيْهِ فَانْظُرْ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا، وَمَا تَقَدَّمَ فِي الْإِحْيَاءِ مِنْ اشْتِرَاطِ التَّمَيُّزِ فِي الْمُحْيِي بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ شَيْخِنَا ز ي. وَالْجَوَابُ أَمَّا أَوَّلًا فَيَحْتَمِلُ أَنَّ الشَّارِحَ لَا يَرَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015