إلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ. وَبَيْعُ الْحَمَامِ فِي الْبُرْجِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ.
وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَلَوْ حَمَامًا اعْتِمَادًا عَلَى عَادَةِ عَوْدِهَا عَلَى الْأَصَحِّ لِعَدَمِ الْوُثُوقِ بِعَوْدِهَا إلَّا النَّحْلَ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ طَائِرًا عَلَى الْأَصَحِّ فِي الزَّوَائِدِ، وَقَيَّدَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ. تَبَعًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ بِأَنْ يَكُونَ الْيَعْسُوبُ فِي الْخَلِيَّةِ فَارِقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَمَامِ بِأَنَّ النَّحْلَ لَا يُقْصَدُ بِالْجَوَارِحِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الطُّيُورِ فَإِنَّهَا تُقْصَدُ بِهَا. وَيَصِحُّ بَيْعُهُ فِي الْكُوَّارَةِ إنْ شَاهَدَ جَمِيعَهُ وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ بَيْعِ الْغَائِبِ فَلَا يَصِحُّ.
تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ أَرْكَانِ الْبَيْعِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ سِتَّةٌ: عَاقِدٌ بَائِعٌ وَمُشْتَرٍ وَمَعْقُودٌ عَلَيْهِ ثَمَنٌ وَمُثَمَّنٌ وَصِيغَةٌ وَلَوْ كِنَايَةً، وَهِيَ إيجَابٌ كَبِعْتُكَ وَمَلَّكْتُك، وَاشْتَرِ مِنِّي وَكَجَعَلْتُهُ لَك بِكَذَا نَاوِيًا الْبَيْعَ.
وَقَبُولٌ كَاشْتَرَيْتُ وَتَمَلَّكْت وَقَبِلْت وَإِنْ تَقَدَّمَ عَلَى الْإِيجَابِ كَبِعْنِي بِكَذَا لِأَنَّ الْبَيْعَ مَنُوطٌ بِالرِّضَا لِخَبَرِ: «إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَيْنًا فِي قَوْلِهِ عَلِمَ بِهِ عَيْنًا، فَالْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ " لَا بَيْعُ " بِأَحَدِ الثَّوْبَيْنِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ) أَيْ فَيَصِحُّ إنْ كَانَ الْبُرْجُ صَغِيرًا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ فِيهِ وَسَهُلَ أَخْذُهُ مِنْهُ، وَإِلَّا فَلَا.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ حَمَامًا) لِلرَّدِّ.
قَوْلُهُ: (الْيَعْسُوبُ) أَيْ أُمُّهُ. قَالَ السُّيُوطِيّ: الْيَعْسُوبُ هُوَ مَلِكُ النَّحْلِ وَأَمِيرُهَا الَّذِي لَا يَتِمُّ لَهَا أَمْرٌ إلَّا بِهِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنَّهَا تُقْصَدُ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ، فَإِنَّهُ أَيْ الْغَيْرُ؛ لَكِنَّهُ أُنِّثَ نَظَرًا لِمَعْنَاهُ.
قَوْلُهُ: (فِي الْكُوَّارَةِ) فِيهَا أَرْبَعُ لُغَاتٍ: ضَمُّ الْكَافِ وَفَتْحُهَا مَعَ تَشْدِيدِ الْوَاوِ فِيهِمَا، وَضَمُّ الْكَافِ وَكَسْرُهَا مَعَ تَخْفِيفِ الْوَاوِ أج مُلَخَّصًا. وَهِيَ الْخَلِيَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ، وَغَايَرَ التَّعْبِيرَ لِلتَّفَنُّنِ.
قَوْلُهُ: (سَكَتَ الْمُصَنِّفُ) أَيْ عَنْ التَّصْرِيحِ وَإِلَّا فَهِيَ مَعْلُومَةٌ ضِمْنًا مِنْ قَوْلِهِ " بَيْعُ عَيْنٍ إلَخْ " لِأَنَّهُ مَبِيعٌ يَتَضَمَّنُ الْعَاقِدَيْنِ وَالْعِوَضَيْنِ وَالْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ.
قَوْلُهُ: (وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ) أَيْ التَّفْصِيلِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كِنَايَةً) وَلَوْ مِنْ سَكْرَانَ مُتَعَدٍّ بِسُكْرِهِ إذَا أَقَرَّ بِالنِّيَّةِ، خِلَافًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ. اهـ. ز ي. وَالْغَايَةُ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ بِعَدَمِ انْعِقَادِهِ بِالْكِنَايَةِ. لَا يُقَالُ إنَّ الشُّهُودَ لَا اطِّلَاعَ لَهُمْ عَلَى النِّيَّةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ يَطَّلِعُ عَلَيْهَا بِإِقْرَارِهِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَالْكِنَايَةُ كِنَايَةٌ.
قَوْلُهُ: (هِيَ إيجَابٌ إلَخْ) وَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهَا أَيْ الصِّيغَةِ أَنْ يُذْكَرَ الْمُبْتَدِي بَائِعًا أَوْ مُشْتَرِيًا كُلًّا مِنْ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ. وَأَمَّا الْمُجِيبُ فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَذْكُرَهُمَا وَلَا أَحَدَهُمَا، فَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُك كَذَا بِكَذَا، فَقَالَ: قَبِلْت، أَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْت مِنْك كَذَا بِكَذَا، فَقَالَ: بِعْتُك؛ كَفَى فِيهِمَا. فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمُبْتَدِي مِنْهُمَا الْعِوَضَيْنِ مَعًا لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ.
قَوْلُهُ: (كَبِعْتُكَ إلَخْ) أُتِيَ بِالْكَافِ إشَارَةً لِعَدَمِ الْحَصْرِ فِي الْأَمْثِلَةِ، بَلْ الْمَدَارُ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا.
قَوْلُهُ: (وَاشْتَرِ مِنِّي) هُوَ اسْتِقْبَالٌ، أَيْ طَلَبُ الْقَبُولِ قَائِمٌ مَقَامَ الْإِيجَابِ ح ل؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى: اقْبَلْ مِنِّي كَذَا بِكَذَا.
قَوْلُهُ: (وَكَجَعَلْتُهُ لَك إلَخْ) أُتِيَ بِالْكَافِ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ وَمَا قَبْلَهُ صَرِيحٌ؛ وَلِذَا قَالَ نَاوِيًا الْبَيْعَ أَيْ نِيَّةً مُقْتَرِنَةً بِجَمِيعِ اللَّفْظِ أَوْ جُزْءٍ مِنْهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ م ر، خِلَافًا لِلزِّيَادِيِّ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَوَّلِ. وَأَشَارَ بِالْكَافِ فِي الْكِنَايَةِ إلَى عَدَمِ الْحَصْرِ فِي ذَلِكَ، فَمِنْهَا: بَارَكَ اللَّهُ لَك فِيهِ بِكَذَا، وَبَاعَك اللَّهُ بِكَذَا، أَوْ سَلَّطْتُك عَلَيْهِ بِكَذَا، وَتَمَلَّكْهُ بِكَذَا. وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ: وَالصِّيغَةُ تَنْقَسِمُ إلَى صَرِيحٍ وَإِلَى كِنَايَةٍ، فَمِنْ الصَّرِيحِ: بِعْتُك وَمَلَّكْتُك وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَالْكِنَايَةُ كَأَنْ يَقُولَ: خُذْهُ بِعَشَرَةٍ، أَوْ بَاعَهُ اللَّهُ لَك بِعَشَرَةٍ، وَفِي الْإِقَالَةِ: كَأَقَالَك اللَّهُ مِنْهُ. وَقَالُوا فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ: لَوْ قَالَ " طَلَّقَك اللَّهُ " أَوْ " أَعْتَقَك اللَّهُ " كَانَ صَرِيحًا فَحَصَلَ التَّنَاقُضُ. قَالَ الشَّيْخُ الْبُلْقِينِيُّ: يُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ الْعَقْدَ إذَا أُضِيفَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتَقَلَّ بِهِ الْعَبْدُ كَانَ صَرِيحًا، وَإِلَّا فَكِنَايَةٌ. اهـ. عَنَانِيٌّ. وَنَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ:
مَا فِيهِ الِاسْتِقْلَالُ بِالْإِنْشَاءِ ... وَكَانَ مُسْنَدًا لِذِي الْآلَاءِ
فَهْوَ صَرِيحٌ ضِدُّهُ كِنَايَهْ ... فَكُنْ لِذَا الضَّابِطِ ذَا دِرَايَهْ
قَوْلُهُ: (كَبِعْنِي بِكَذَا) هَذَا اسْتِيجَابٌ قَائِمٌ مَقَامَ الْقَبُولِ أَيْ مَعَ صِيغَةِ الْأَمْرِ، بِخِلَافِ صِيغَةِ الِاسْتِفْهَامِ الْمَلْفُوظِ بِهِ أَوْ