وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا ذَكَرَ الطَّرِيقَيْنِ فِي صُورَتَيْ التَّفْسِيرِ، وَالسُّكُوتُ عَنْهُ أَيْ لِلْعِلْمِ بِهِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثُ «الْعُمْرَى مِيرَاثٌ لِأَهْلِهَا» .

(وَمَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ هِبَتُهُ وَمَا لَا) يَجُوزُ بَيْعُهُ. (كَمَجْهُولٍ وَمَغْصُوبٍ وَضَالٍّ) وَآبِقٍ. (فَلَا) يَجُوزُ هِبَتُهُ (إلَّا حَبَّتَيْ حِنْطَةٍ وَنَحْوَهُمَا) فَإِنَّهُمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَجُوزُ هِبَتُهُمَا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الدَّقَائِقِ لِانْتِفَاءِ الْمُقَابِلِ فِيهَا وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ الْمَزِيدُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الرَّوْضَةِ وَفِيهَا كَأَصْلِهَا أَمْرُ الْعَاقِدَيْنِ وَاضِحٌ أَيْ مِنْ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ. (وَهِبَةُ الدَّيْنِ لِلْمَدِينِ إبْرَاءٌ) مِنْهُ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى قَبُولٍ اعْتِبَارًا بِالْمَعْنَى وَقِيلَ يُحْتَاجُ إلَيْهِ اعْتِبَارًا بِاللَّفْظِ (وَلِغَيْرِهِ بَاطِلَةٌ فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي صَحِيحَةٌ، وَهُمَا مُفَرَّعَانِ فِي الشَّرْحِ عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ بَيْعِهِ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَإِنْ وَهَبَهُ لِغَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ فِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ.

(وَلَا يُمْلَكُ مَوْهُوبٌ إلَّا بِقَبْضٍ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ فَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَيْنَ الْهِبَةِ وَالْقَبْضِ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ) فَيَتَخَيَّرُ وَارِثُ الْوَاهِبِ فِي الْإِقْبَاضِ وَيَقْبِضُ وَارِثُ الْمَوْهُوبِ لَهُ، إنْ أَقْبَضَهُ الْوَاهِبُ. (وَقِيلَ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ) لِجَوَازِهِ كَالشَّرِكَةِ وَالْوَكَالَةِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــSلِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ بِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ. قَوْلُهُ: (وَفِي الرَّوْضَةِ إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ أَيْ إنْ مِتُّ إلَخْ. مِنْ كَلَامِ الْمُرْقِبِ وَيُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ الشَّارِحِ وَيَلْغُو الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ، الْمُقْتَضِي أَنَّ مَحِلَّ الطَّرِيقَيْنِ عِنْدَ ذِكْرِهِ وَأَنَّ حَالَةَ السُّكُوتِ، إنَّمَا طُرِدَ فِيهَا الطَّرِيقَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ السُّكُوتَ عَنْهُ مُلْحَقٌ بِذِكْرِهِ، لِإِفَادَةِ اللَّفْظِ لَهُ وَعُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ التَّفْسِيرَ عَائِدٌ إلَى الصُّوَرِ قَبْلَهُ.

قَوْلُهُ: (وَمَا جَازَ بَيْعُهُ) أَيْ مِنْ الْأَعْيَانِ، فَلَا يَصِحُّ هِبَةُ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ وَتَصِحُّ هِبَةُ الْمَنَافِعِ، وَتُقْبَضُ بِقَبْضِ مَحِلِّهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَتُمَلَّكُ بِاسْتِيفَائِهَا وَمَحِلُّهَا أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ. قَوْلُهُ: (فَلَا تَجُوزُ هِبَتُهُ) بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ وَتَجُوزُ صَدَقَتُهُ وَهَدِيَّتُهُ، كَمَا مَرَّ وَتَصِحُّ فِي الْمَغْصُوبِ لِقَادِرٍ عَلَى انْتِزَاعِهِ أَوْ لِغَاصِبٍ وَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ الْغَاصِبِ فِي الْقَبْضِ عَنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ. قَوْلُهُ: (إلَّا حَبَّتَيْ حِنْطَةٍ) أَوْ حَبَّةً كَذَلِكَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.

قَوْلُهُ: (وَتَجُوزُ هِبَتُهُمَا) وَهُوَ تَمْلِيكٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا هِبَةُ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ وَصُوفِهَا وَلَبَنِهَا وَمَا تَحْجُرُهُ مِنْ الْمَوَاتِ وَأَرْضٍ مَعَ بَذْرٍ أَوْ زَرْعٍ لَا يُفْرَدُ الْعَقْدُ، وَثَمَرٍ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ بِغَيْرِ شَرْطِ قَطْعٍ وَزَرْعٍ كَذَلِكَ وَاخْتِلَاطُ ثَمَرِهِ بِثَمَرِ غَيْرِهِ أَوْ حَمَامِهِ بِحَمَامِ بُرْجِ غَيْرِهِ، مَثَلًا فَتَصِحُّ هِبَةُ ذَلِكَ لَا بَيْعُهُ. قَالَهُ الْخَطِيبُ وَشَيْخُنَا وَاعْتَمَدُوهُ. قَوْلُهُ: (أَمْرُ الْعَاقِدَيْنِ وَاضِحٌ) فَيُشْتَرَطُ فِي الْوَاهِبِ أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ وَفِي الْمَوْهُوبِ لَهُ أَهْلِيَّةُ التَّمَلُّكِ، فَلَا تَصِحُّ هِبَةُ مُكَاتَبٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَلَا وَلِيٍّ مِنْ مَالِ مَحْجُورِهِ، قَالَ شَيْخُنَا وَلَا يَصِحُّ عَقْدُ الْأَعْمَى أَيْ أَنْ يَهَبَ وَلَا قَبْضُهُ مَا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهِ، أَوْ أُهْدِيَ لَهُ أَوْ وُهِبَ لَهُ وَلَا إقْبَاضُهُ مَا تَصَدَّقَ بِهِ، أَوْ أَهْدَاهُ لِغَيْرِهِ أَخْذًا بِمُقْتَضَى مَا ذُكِرَ وَخَالَفَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِإِطْبَاقِ النَّاسِ عَلَى فِعْلِهِ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ إلَّا فِي الْهِبَةِ الْخَاصَّةِ وَسَيَأْتِي فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ مَا يَدُلُّ لَهُ، وَيَصِحُّ لِمَحْجُورٍ لَكِنْ يَقْبَلُ لَهُ الْحَاكِمُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ، أَوْ كَانَ فَاسِقًا وَإِلَّا فَيَقْبَلُ لَهُ وَلِيُّهُ وَلَوْ وَصِيًّا أَوْ قَيِّمًا فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ انْعَزَلَ، إلَّا إنْ كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا وَلَوْ وَهَبَ الْوَلِيُّ لِمَحْجُورِهِ قَبِلَ لَهُ الْحَاكِمُ، وَلِلْأَبِ وَالْجَدِّ تَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ، وَالْهِبَةُ لِلْعَبْدِ وَالدَّابَّةُ لِلْوَقْفِ عَلَيْهِمَا، فَلَا يَصِحُّ إنْ قَصَدَهُمَا أَوْ أَطْلَقَ فِي الدَّابَّةِ، وَيَصِحُّ فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَيَقْبَلُ مَالِكُ الدَّابَّةِ مَا وُهِبَ لَهَا وَيَقْبَلُ الْعَبْدُ مَا وُهِبَ لَهُ وَهُوَ لِسَيِّدِهِ إلَّا فِي الْمُكَاتَبِ فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الْوَاهِبُ سَيِّدَهُ. قَوْلُهُ: (إبْرَاءً مِنْهُ) صَرِيحٌ بِلَفْظِ الْهِبَةِ أَوْ التَّصَدُّقِ وَكِنَايَةً بِلَفْظِ التَّرْكِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يُحْتَاجُ إلَى قَبُولٍ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (وَلِغَيْرِهِ بَاطِلَةٌ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَا فِي الْمَنْهَجِ، وَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ بَيْعِهِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا مَرَّ قَالَ. شَيْخُنَا م ر. وَمِنْهُ يُعْلَمُ عَدَمُ صِحَّةِ تَبَرُّعِ أَحَدِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ بِأُجْرَةِ حِصَّتِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَوْ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَإِنْ أَذِنَ لِلْجَابِي فِي دَفْعِهِ إذَا قَبَضَهُ.

قَوْلُهُ: (مَوْهُوبٌ) بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ. قَوْلُهُ: (بِقَبْضٍ) وَلَوْ بِإِتْلَافِهِ أَوْ وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنٍ فِيهِمَا، وَإِلَّا فَلَا، وَيَحْصُلُ الْقَبْضُ فِي الْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ بِمَا فِي الصَّحِيحَةِ فِي غَيْرِ مَا يَأْتِي وَيَضْمَنُ مَا يُتْلِفُهُ. تَنْبِيهٌ جِهَازُ الْبِنْتِ لَيْسَ مِلْكًا لَهَا إلَّا أَنَّ مِلْكَهُ لَهَا بِصِيغَةٍ، أَوْ قَالَ هَذَا جِهَازُ بِنْتِي وَيُصَدَّقُ إنْ ادَّعَاهُ فِي حَيَاتِهَا أَوْ بَعْدَ مَوْتِهَا كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ قَوْلُهُ: (بِإِذْنٍ) بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ فَإِنْ وَقَعَ فِي أَثْنَائِهِ لَغَا الْإِذْنُ وَصَحَّ الْعَقْدُ وَيُشْتَرَطُ بَقَاءُ أَهْلِيَّةِ الْآذِنِ إلَى تَمَامِ الْقَبْضِ، وَإِلَّا بَطَلَ الْإِذْنُ وَيُصَدَّقُ الْوَاهِبُ إنْ ادَّعَى الْعَارِيَّةَ أَوْ نَحْوَهَا.

قَوْلُهُ: (فَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا) أَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ، وَلَوْ بِفَلْسٍ بَيْنَ الْهِبَةِ وَالْقَبْضِ أَيْ بَيْنَ تَمَامِهِمَا. قَوْلُهُ: (قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ) فِي الْمَوْتِ وَمِثْلُهُ وَلِيُّ الْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ دُونَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ، إلَّا إنْ أَيِسَ مِنْ زَوَالِهِ فَكَالْمَجْنُونِ وَيَقْبِضُ مَحْجُورُ الْفَلْسِ بِنَفْسِهِ لِكَمَالِهِ.

قَوْلُهُ: (وَارِثُ الْوَاهِبِ) بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ الشَّامِلِ لِلْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ خِلَافًا لِلْجُرْجَانِيِّ.

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُ الْمَتْنِ: (كَمَجْهُولٍ) فِي الزَّرْكَشِيُّ لَوْ أَخْرَجَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ نَفْسَهُ مِنْ الْبَيْنِ وَجَعَلَ حِصَّتَهُ لَهُمْ جَازَ ذَلِكَ مَعَ الْجَهْلِ بِهَا. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلِغَيْرِهِ بَاطِلَةٌ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ، إذْ مَا يَقْبِضُهُ عَيْنٌ لَا دَيْنٌ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (مَوْهُوبٌ) هُوَ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ الشَّامِلِ لِلْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ، وَسَوَاءً كَانَ بِصِيغَةِ الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى أَمْ لَا. فَرْعٌ لَا يَحْصُلُ الْقَبْضُ هُنَا بِالْإِتْلَافِ وَلَا بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، أَعْنِي فِي الْمَنْقُولِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ كَقَبْضِ الْوَدِيعَةِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ إلَخْ) كَالْبَيْعِ الْجَائِرِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015