فَصْلٌ: مَنْفَعَةُ الشَّارِعِ الْأَصْلِيَّةِ (الْمُرُورُ) فِيهِ (وَيَجُوزُ الْجُلُوسُ بِهِ لِاسْتِرَاحَةٍ وَمُعَامَلَةٍ وَنَحْوِهِمَا إذَا لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى الْمَارَّةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ إذْنُ الْإِمَامِ) فِي ذَلِكَ لِاتِّفَاقِ النَّاسِ عَلَيْهِ عَلَى تَلَاحُقِ الْأَعْصَارِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ. (وَلَهُ تَظْلِيلُ مَقْعَدِهِ) فِيهِ (بِبَارِيَّةٍ) بِتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ (وَغَيْرِهَا) مِمَّا لَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ وَهُوَ مَنْسُوجُ قَصَبٍ كَالْحَصِيرِ
(وَلَوْ سَبَقَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى مَقْعَدٍ (اثْنَانِ) وَتَنَازَعَا فِيهِ (أَقْرَعَ) بَيْنَهُمَا (وَقِيلَ يُقَدِّمُ الْإِمَامُ) أَحَدُهُمَا (بِرَأْيِهِ وَلَوْ جَلَسَ بِمَوْضِعٍ لِلْعَامَّةِ، ثُمَّ فَارَقَهُ تَارِكًا لِلْحِرْفَةِ، أَوْ مُنْتَقِلًا إلَى غَيْرِهِ بَطَلَ حَقُّهُ) مِنْهُ (وَإِنْ فَارَقَهُ لِيَعُودَ لَمْ يَبْطُلْ) حَقُّهُ (إلَّا أَنْ تَطُولَ مُفَارَقَتُهُ بِحَيْثُ يَنْقَطِعُ مُعَامِلُوهُ عَنْهُ وَيَأْلَفُونَ غَيْرَهُ) فَيَبْطُلُ حَقُّهُ وَسَوَاءً فَارَقَ بِعُذْرِ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَمْ بِلَا عُذْرٍ وَلَوْ جَلَسَ لِاسْتِرَاحَةٍ، وَنَحْوِهَا بَطَلَ حَقُّهُ بِمُفَارَقَتِهِ. (وَمَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــSغَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْإِمَامِ أَخْذُ الْعِوَضِ مِمَّنْ يَرْعَى فِيهِ، كَالْمَوَاتِ وَلَا يَرْعَى مَوَاشِيَ نَفْسِهِ فِيهِ، وَيَمْنَعُ الْأَقْوِيَاءَ مِنْ الرَّعْيِ أَيْضًا لَكِنْ لَوْ وَقَعَ مِنْهُمْ رَعْيٌ فِيهِ لَمْ يُغَرِّمُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُعَزِّرُهُمْ وَإِنْ عَلِمُوا عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
قَوْلُهُ: (نَقْضَ حِمَاهُ) وَكَذَا حِمَى غَيْرِهِ وَلَوْ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ إلَّا حِمَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ نَصٌّ مُقَدَّمٌ عَلَى الِاجْتِهَادِ، وَلَوْ غَرَسَ فِيهِ أَوْ بَنَى قُلِعَ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَيَكْفُرُ مَنْ يَنْقُضُهُ لِلْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ عَيَّنَ إلَخْ) وَأُجِيبَ بِأَنَّ نَحْوَ الْمَسْجِدِ انْفَكَّ عَنْ اخْتِصَاصِ الْآدَمِيِّينَ. قَوْلُهُ: (وَلَا حِمَى لِغَيْرِهِ أَصْلًا) أَيْ إلَّا لِوُلَاةِ النَّوَاحِي. كَمَا مَرَّ.
تَنْبِيهٌ: الْحِمَى مَقْصُورٌ يَجُوزُ مَدُّهُ وَجَمْعُهُ أَحْمَاءُ فِيهِمَا اهـ.
فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْمَنَافِعِ الْمُشْتَرَكَةِ قَوْلُهُ: (مَنْفَعَةُ الشَّارِعِ) وَمِثْلُهُ حَرِيمُ الدُّورِ وَأَفْنِيَتُهَا وَأَعْتَابُهَا، فَيَجُوزُ الْمُرُورُ مِنْهَا، وَالْجُلُوسُ فِيهَا وَعَلَيْهَا، وَلَوْ لِنَحْوِ بَيْعٍ وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ عِوَضٍ مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ. كَمَا مَرَّ وَإِنْ قُلْنَا بِالْمُعْتَمَدِ إنَّ الْحَرِيمَ مَمْلُوكٌ.
قَوْلُهُ: (الْأَصْلِيَّةُ) احْتِرَازًا عَنْ نَحْوِ الْجُلُوسِ الْآتِي.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ الْجُلُوسُ إلَخْ) سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ إلَّا فِي التَّظْلِيلِ عِنْدَ شَيْخِنَا زي فَيُمْنَعُ مِنْهُ الْكَافِرُ. قَالَ السُّبْكِيُّ: كَابْنِ الرِّفْعَةِ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْ الْوُلَاةِ أَوْ غَيْرِهِمْ أَخْذُ عِوَضٍ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا أَدْرِي بِأَيِّ وَجْهٍ يَلْقَى اللَّهَ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ.
وَيُقَالُ بِمِثْلِهِ فِي الْحَرِيمِ وَنَحْوِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ وَمِنْهُ حَرِيمُ الْمَسْجِدِ لَا رَحْبَتُهُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ إزْعَاجُ جَالِسٍ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ لَا ضَرَرَ وَهُوَ أَحَقُّ بِمَجْلِسِهِ مُدَّةَ دَوَامِهِ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ إزْعَاجُهُ مَعَ الضَّرَرِ وَلَيْسَ لِجَالِسٍ مَنْعُ مَنْ يَبِيعُ مِثْلَ بِضَاعَتِهِ مَثَلًا، وَلَوْ بِجَانِبِهِ وَلَهُ مَنْعُ مَنْ يُضَيِّقُ عَلَيْهِ، وَلَوْ لِكَيْلِهِ أَوْ وَزْنِهِ أَوْ أَخْذِهِ أَوْ إعْطَائِهِ أَوْ مَنْعِ رُؤْيَةٍ يُرِيدُ مُعَامَلَتَهُ أَوْ مَنْعِ وُصُولِهِ إلَيْهِ، وَيَخْتَصُّ كُلٌّ بِقَدْرِ مَكَانِهِ وَمَقَرِّ أَمْتِعَتِهِ وَوُقُوفِ مَنْ يُعَامِلُهُ. كَمَا مَرَّ وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ إقْطَاعُ بَعْضِ الشَّارِعِ لِمَنْ يَرْتَفِقُ بِهِ حَيْثُ لَا ضَرَرَ. قَوْلُهُ: (وَلَهُ) أَيْ الْمُسْلِمِ كَمَا تَقَدَّمَ وَيُمْنَعُ الْكَافِرُ أَيْضًا مِنْ اغْتِسَالِهِ فِي الْمَغَاطِسِ الْمَشْهُورَةِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ خَارِجَةً عَنْ الْمَسْجِدِ إلَّا بِإِذْنِ مُكَلَّفٍ، وَكَذَا مِنْ قَضَاءِ حَاجَتِهِ فِي سِقَايَةِ مَسْجِدِ الْمُسْلِمِينَ.
فَرْعٌ: وَضْعُ السَّرِيرِ حَيْثُ جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ كَالْحَصِيرِ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِالْكِيبِ بِكَسْرِ الْكَافِ كَالتَّظْلِيلِ الْمَذْكُورِ.
قَوْلُهُ: (أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا) نَعَمْ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا قُدِّمَ بِلَا إقْرَاعٍ وَلَا يُنَحَّى الذِّمِّيُّ إذَا سَبَقَ لِأَجْلِ الْمُسْلِمِ. قَوْلُهُ: (بَطَلَ حَقُّهُ) وَإِنْ كَانَ قَدْ أَقْطَعَهُ لَهُ الْإِمَامُ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (لِيَعُودَ) أَوْ بِلَا قَصْدٍ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ) وَمِنْهُ الْأَسْوَاقُ الْمَعْرُوفَةُ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ سَوَاءٌ كَانَ فِي بِنَاءٍ أَوْ لَا وَمِنْهُ مَحَلُّ الْأَجْرَانِ الْمَعْهُودَةِ فِي الْقُرَى. قَوْلُهُ: (بِحَيْثُ يَنْقَطِعُ إلَخْ) الْمُرَادُ مَا شَأْنُهُ ذَلِكَ أَوْ انْقِطَاعُهُمْ بِالْفِعْلِ. وَلَوْ فِي الِابْتِدَاءِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَنْ تَعَوَّدَ الْجُلُوسَ فِيهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى أَمَّا فِي الِابْتِدَاءِ فَيُعْتَبَرُ قَصْدُهُ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوِهَا) وَمِنْهُ مَنْ يَقْعُدُ كُلَّ يَوْمٍ مَثَلًا فِي سُوقٍ أَوْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ السُّوقِ.
تَنْبِيهٌ: مَنْ فَارَقَ وَلَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ الْجُلُوسُ فِي مَوْضِعِهِ، وَالْبَيْعُ وَنَحْوُهُ مُدَّةَ غِيَابِهِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ الْمَسْجِدِ) أَوْ الْمَدْرَسَةِ. قَوْلُهُ: (وَيُقْرِئُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ يُعَلِّمُ النَّاسَ الْقِرَاءَاتِ، وَلَوْ بِنَحْوِ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ، أَوْ بِحِفْظِ الْأَلْوَاحِ، وَمِثْلُهُ مَنْ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ، كَمَا يَأْتِي وَخَرَجَ بِذَلِكَ مَنْ يَقْرَأُ مَا يَحْفَظُهُ، أَوْ لِحِفْظِ مَا فِي لَوْحِهِ مَثَلًا، أَوْ لِقِرَاءَةٍ فِي مُصْحَفِ وَقْفٍ أَوْ كِتَابَةِ سُنَّةٍ أَوْ قِرَاءَةِ نَحْوِ سَبْعٍ فَيَنْقَطِعُ حَقُّهُ بِمُفَارَقَتِهِ إلَّا لِنَحْوِ وُضُوءٍ أَوْ إجَابَةِ دَاعٍ وَمِثْلُهُ مَنْ جَلَسَ لِذِكْرٍ نَحْوُ وِرْدٍ، أَوْ صَلَاةٍ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ مَنْفَعَةُ الشَّارِعِ]
ِ إلَخْ قَوْلُ الْمَتْنِ: (لِاسْتِرَاحَةٍ وَمُعَامَلَةٍ إلَخْ) وَلَوْ تَقَادَمَ عَهْدُهُ، وَخِيفَ دَعْوَى الْمَالِكِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَغَيْرِهَا) الْأَحْسَنُ وَنَحْوِهَا، فَإِنَّ شَرْطَ الْجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ يُنْقَلُ مَعَهُ، وَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُهُ كَبِنَاءِ الدِّكَّةِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (يُقَدِّمُ الْإِمَامُ) أَيْ كَمَا يُفْعَلُ فِي مَالِ بَيْتِ الْمَالِ. قَوْلُهُ: (أَحَدَهُمَا) لَا يُقَالُ هَذَا وَجْهُهُ قَوِيٌّ؛ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ الْإِقْطَاعَ فِي الشَّوَارِعِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: سَبْقُهُمَا مَنَعَ تَصَرُّفَ الْإِمَامِ بِالْإِقْطَاعِ، قَالَهُ السُّبْكِيُّ.