كِتَابُ الْإِجَارَةُ هِيَ تُمْلِيك مَنْفَعَةٍ بَعُوضٍ، بِشُرُوطٍ تَأْتِي فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ عَاقِدَيْنِ وَصِيغَةٍ. (شَرْطُهُمَا) أَيْ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ (كَبَائِعٍ وَمُشْتَرٍ) أَيْ كَشَرْطِهِمَا مِنْ الرُّشْدِ، وَعَدَمِ الْإِكْرَاهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ.
(وَالصِّيغَةُ آجَرْتُك هَذَا أَوْ أَكْرَيْتُكَ هَذَا أَوْ مَلَّكْتُك مَنَافِعَهُ سَنَةً بِكَذَا فَيَقُولُ) عَلَى الِاتِّصَالِ. (قَبِلْت أَوْ اسْتَأْجَرْت أَوْ اكْتَرَيْت) إلَخْ (وَالْأَصَحُّ انْعِقَادُهَا بِقَوْلِهِ آجَرْتُك مَنْفَعَتَهَا) أَيْ الدَّارَ إلَخْ (وَمَنْعُهَا) أَيْ مَنْعُ انْعِقَادِهَا (بِقَوْلِهِ بِعْتُك مَنْفَعَتَهَا) إلَخْ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَمْلُوكَةٌ بِالْإِجَارَةِ، فَذِكْرُهَا فِيهَا تَأْكِيدٌ، وَلَفْظُ الْبَيْعِ وُضِعَ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ، فَذِكْرُهُ فِي الْمَنْفَعَةِ مُفْسِدٌ وَالثَّانِي فِي الْأُولَى قَالَ لَفْظُ الْإِجَارَةِ وُضِعَ مُضَافًا لِلْعَيْنِ فَذِكْرُ الْمَنْفَعَةِ مَعَهُ مُفْسِدٌ وَفِي الثَّانِيَةِ نَظَرٌ إلَى الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ الْإِجَارَةَ صِنْفٌ مِنْ الْبَيْعِ
(وَهِيَ) أَيْ الْإِجَارَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــSالثَّمَرِ فَلَهُ خَرْصُهُ، وَتَعْيِينُ حِصَّةِ الْآخَرِ كَمَا فِي الزَّكَاةِ وَلَهُمَا بَعْدَ أَوَانِ الْجُذَاذِ الْقِسْمَةُ إنْ قُلْنَا إفْرَازٌ وَلِكُلٍّ بَيْعُ حِصَّتِهِ لِلْآخَرِ وَلِثَالِثٍ وَاخْتِلَافُهُمَا فِي قَدْرِ الْمَشْرُوطِ مِنْ الثَّمَرِ، وَفِي الرَّدِّ وَفِي الْهَلَاكِ وَفِي قَدْرِ الشَّجَرِ الْمُسَاقَى عَلَيْهِ. كَمَا فِي الْقِرَاضِ فَيَتَحَالَفَانِ فِي الْأَوَّلِ، وَيُصَدَّقُ الْعَامِلُ فِي غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
كِتَابُ الْإِجَارَةِ
بِتَثْلِيثِ الْهَمْزَةِ وَالْكَسْرُ أَشْهُرُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ آجَرَهُ بِالْمَدِّ يُؤَجِّرُهُ إيجَارًا أَوْ مِنْ أَجَرَهُ بِالْقَصْرِ. يَأْجُرُهُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا أَجْرًا وَهِيَ لُغَةً اسْمٌ لِلْأُجْرَةِ وَاشْتَهَرَتْ فِي الْعَقْدِ وَفِيهِ أَنَّ الْمَعْنَى الشَّرْعِيَّ أَعَمُّ مِنْ اللُّغَوِيِّ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ فِيهِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (هِيَ) أَيْ شَرْعًا، وَعَرَّفَهَا بَعْضُهُمْ بِأَنَّهَا عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ مَقْصُودَةٍ قَابِلَةٍ لِلْبَذْلِ وَالْإِبَاحَةِ بَعُوضٍ مَعْلُومٍ وَضْعًا فَخَرَجَ بِالْمَنْفَعَةِ الْأَعْيَانُ كَالْبَيْعِ، وَبِمَعْلُومَةٍ نَحْوُ الْجَعَالَةِ وَبِمَقْصُودَةٍ نَحْوُ تُفَّاحَةٍ لِشَمِّهَا وَبِقَابِلَةٍ لِلْبَذْلِ نَحْوُ الْبُضْعِ، وَبِالْإِبَاحَةِ نَحْوُ جَارِيَةٍ لِلْوَطْءِ وَبَعُوضٍ الْعَارِيَّةُ وَبِمَعْلُومٍ نَحْوُ الْمُسَاقَاةِ وَبِوَضْعٍ مَا لَوْ وَقَعَتْ الْجَعَالَةُ مَثَلًا عَلَى عِوَضٍ مَعْلُومٍ فَتَأَمَّلْ وَاسْتَغْنَى الشَّارِحُ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ بِشُرُوطٍ تَأْتِي وَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَ التَّمْلِيكِ بِالْعَقْدِ لَكَانَ أَوْلَى.
قَوْلُهُ: (فَلَا بُدَّ فِيهَا) أَيْ عَلَى سَبِيلِ الرُّكْنِيَّةِ؛ لِأَنَّ أَرْكَانَهَا أَرْبَعَةٌ عَاقِدٌ وَمَعْقُودٌ عَلَيْهِ، وَأُجْرَةٌ وَصِيغَةٌ أَوْ ثَلَاثَةٌ بِجَعْلِ الْأُجْرَةِ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَاقْتِصَارُ الشَّارِحِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ لِضَرُورَةِ رُجُوعِ الضَّمِيرِ فِي شَرْطِهِمَا وَأَلِ الْعَهْدِيَّةِ فِي الصِّيغَةِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (مِنْ الرُّشْدِ إلَخْ) سَكَتَ عَنْ اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ هُنَا يَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الذِّمِّيُّ مُسْلِمًا وَلَوْ إجَارَةَ عَيْنٍ، وَيَسْتَنِيبُ الْمُسْلِمُ كَافِرًا يَقُومُ عَنْهُ بِخِدْمَةِ الْكَافِرِ، وُجُوبًا فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ وَيُؤْمَرُ وُجُوبًا بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ وَلِلْحَاكِمِ مَنْعُهُ مِنْهَا وَلَا يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ خِدْمَةَ كَافِرٍ وَلَوْ بِغَيْرِ إجَارَةٍ، وَيَصِحُّ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْأَعْمَى نَفْسَهُ أَوْ يُؤَجِّرَهَا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُؤَجِّرَ السَّيِّدُ لِلْعَبْدِ نَفْسَهُ، وَإِنْ صَحَّ بَيْعُهَا لَهُ وَيَصِحُّ أَنْ يُؤَجِّرَ السَّفِيهُ نَفْسَهُ لِمَا لَمْ يُقْصَدُ مِنْ عَمَلِهِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ شَيْخُنَا الْمُرَادُ مَا لَا يُقْصَدُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ كَالْحَجِّ، وَقَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ وَتَصِحُّ إجَارَةُ الْمَوْقُوفِ مِنْ نَاظِرٍ لِنَاظِرٍ آخَرَ.
قَوْلُهُ: (وَالصِّيغَةُ آجَرْتُك إلَخْ) أَيْ مَثَلًا فَالْحُصْرُ الْمُسْتَفَادُ مِمَّا ذَكَرَهُ لَيْسَ مُرَادًا. قَوْلُهُ: (مَنَافِعَهُ) رَاجِعٌ لِلْأَخِيرَةِ فَقَطْ، وَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ لِمَا قَبْلَهَا. فَتَأَمَّلْ مَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (سَنَةً) هُوَ ظَرْفٌ لِلْمَنَافِعِ أَوْ مَفْعُولٌ لِمُقَدَّرٍ أَيْ وَانْتَفِعْ بِهِ سَنَةً وَلَيْسَتْ ظَرْفًا لَآجَرْت؛ لِأَنَّ زَمَنَهُ يَسِيرٌ وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْإِنْشَاءُ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (عَلَى الِاتِّصَالِ) الْمَفْهُومُ مِنْ الْفَاءِ إذْ يُشْتَرَطُ فِي الصِّيغَةِ هُنَا مَا يُشْتَرَطُ فِيهَا فِي الْبَيْعِ إلَّا التَّأْقِيتُ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ هُنَا. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ تُفِيدُ الصِّحَّةَ مَعَ عَدَمِ ذِكْرِ الْوَقْتِ وَلَيْسَ مُرَادًا. قَوْلُهُ: (وَمَنْعُهَا إلَخْ) فَلَا تَصِحُّ بِهَا. وَلَيْسَتْ كِنَايَةً عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَمِنْ الْكِنَايَةِ اُسْكُنْ دَارِي شَهْرًا بِكَذَا أَوْ جَعَلْت لَك مَنْفَعَتَهَا سَنَةً بِكَذَا وَمِنْهَا الْكِتَابَةُ بِالْفَوْقَانِيَّةِ وَفِي إشَارَةِ الْأَخْرَسِ مَا مَرَّ فِي الضَّمَانِ.
قَوْلُهُ: (إلَى آخِرِهِ) أَيْ مِنْ ذِكْرِ الْمُدَّةِ وَالْعِوَضِ وَالْوَقْتِ وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ الْأَوْلَوِيَّةِ مِنْ الْقَابِلِ وَشَرْطٌ مِنْ الْمُبْتَدَى وَمِنْ مَنْعِ إرَادَةِ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ فُهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ الِاشْتِرَاطُ مِمَّنْ يَقْبَلُ الْعَقْدَ فَقَالَ: الْمُرَادُ إلَى آخِرِ صِيَغِ الْقَبُولِ الْمَذْكُورَةِ إذْ بَقِيَ مِنْهَا تَمَلَّكْت مَثَلًا. قَوْلُهُ: (مُفْسِدٌ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْإِجَارَة]
قَوْلُهُ: (أَيْ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ) الْمَفْهُومَانِ مِنْ الْإِجَارَةِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (مَنَافِعَهُ) ظَاهِرُ صَنِيعِهِ أَنَّ الصِّيغَتَيْنِ قَبْلَهُ مُتَنَازِعَتَانِ فِيهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَخِيرَةِ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي قَرِيبًا. قَوْلُهُ: (سَنَةً) مِنْ ثَمَّ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمُدَّةِ. قَوْلُهُ: (عَلَى الِاتِّصَالِ) هُوَ مَفْهُومٌ مِنْ الْفَاءِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (قَبِلْت) ؛ لِأَنَّهَا بَيْعٌ. قَوْلُهُ: (إلَى آخِرِهِ) بَيَانٌ لِمَا هُوَ الْمُعْتَادُ. قَوْلُهُ: (مُفْسِدٌ) كَمَا لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ. قَوْلُهُ: (فَذِكْرُ الْمَنْفَعَةِ مَعَهُ مُفْسِدٌ) قَالَ السُّبْكِيُّ: لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لِلْمَنْفَعَةِ مَنْفَعَةٌ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (قِسْمَانِ وَارِدَةٌ عَلَى عَيْنٍ) أَيْ مُرْتَبِطَةٌ بِهَا فَلَا يُنَافِي تَصْحِيحَهُمْ