حِصَّتُهُ فِي الشَّجَرِ الثُّلُثَ، فَشَرَطَ لَهُ النِّصْفَ مِنْ الثَّمَرِ، فَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ لَهُ زِيَادَةً عَلَى حِصَّتِهِ، لَمْ تَصِحَّ الْمُسَاقَاةُ لِخُلُوِّهَا عَنْ الْعِوَضِ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ بِالْعَمَلِ.
(وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَشْرِطَ عَلَى الْعَامِلِ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ أَعْمَالِهَا) فَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ كَأَنْ شَرَطَ، أَنْ يُبْنَى لَهُ جِدَارَ الْحَدِيقَةِ، لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ بِعِوَضٍ مَجْهُولٍ، وَاشْتِرَاطُ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ
(وَ) يُشْتَرَطُ (أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْعَمَلِ وَبِالْيَدِ فِي الْحَدِيقَةِ) لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْعَمَلِ مَتَى شَاءَ، فَلَوْ شَرَطَ مُشَارَكَةَ الْمَالِكِ لَهُ فِي الْعَمَلِ، أَوْ الْيَدِ فَسَدَ الْعَقْدُ، وَلَوْ شَرَطَ مُعَاوَنَةَ غُلَامِهِ فِي الْعَمَلِ، جَازَ وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِالرُّؤْيَةِ أَوْ الْوَصْفِ، وَيَكُونُ تَحْتَ تَدْبِيرِ الْعَامِلِ، وَإِنْ شُرِطَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ جَازَ
(وَ) يُشْتَرَطُ (مَعْرِفَةُ الْعَمَلِ بِتَقْدِيرِ الْمُدَّةِ كَسَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ) ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ كَالْإِجَارَةِ.
(وَلَا يَجُوزُ التَّوْقِيتُ بِإِدْرَاكِ الثَّمَرِ فِي الْأَصَحِّ) لِلْجَهْلِ بِوَقْتِهِ، فَإِنَّهُ يَتَقَدَّمُ تَارَةً وَيَتَأَخَّرُ أُخْرَى، وَالثَّانِي نَظَرٌ إلَى أَنَّهُ الْمَقْصُودُ.
(وَصِيغَتُهَا سَاقَيْتُك عَلَى هَذَا النَّخْلِ بِكَذَا) أَيْ بِنِصْفِ الثَّمَرِ مَثَلًا. (أَوْ سَلَّمْته إلَيْك لِتَتَعَهَّدَهُ) بِكَذَا أَوْ تَعَهَّدْهُ بِكَذَا أَوْ اعْمَلْ عَلَيْهِ بِكَذَا، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ كِنَايَةً، وَأَنْ تَكُونَ صَرِيحَةً، قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ، كَأَصْلِهَا، وَمِثْلُ النَّخْلِ فِي ذَلِكَ الْعِنَبُ. (وَيُشْتَرَطُ) فِيهَا (الْقَبُولُ) لِلُزُومِهَا (دُونَ تَفْصِيلِ الْأَعْمَالِ) فَلَا يُشْتَرَطُ (وَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ عَلَى الْعُرْفِ الْغَالِبِ) فِيهَا فِي الْعَمَلِ
(وَعَلَى الْعَامِلِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِصَلَاحِ الثَّمَرِ، وَاسْتِزَادَتِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSشَيْءَ لَهُ فِي هَذِهِ وَفِيمَا لَوْ قَالَ عَلَى أَنَّ حِصَّتِي مِنْ الثَّمَرِ لِي عَلَى نَظِيرِ مَا لَوْ قَالَ الْمَالِكُ لِعَامِلِ الْقِرَاضِ قَارَضْتُك عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الرِّبْحِ لِي وَتَقَدَّمَ فِيهَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ فَيَكُونُ هُنَا كَذَلِكَ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (أَنْ لَا يُشْرَطُ عَلَى الْعَامِلِ إلَخْ) وَحِينَئِذٍ لَوْ فَعَلَهُ الْعَامِلُ بِلَا إذْنٍ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ وَبِإِذْنٍ فَلَهُ الْأُجْرَةُ وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّ بِالْإِذْنِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْجَارٍ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِعَمَلٍ فِيهِ أُجْرَةٌ، وَبِذَلِكَ فَارَقَ نَحْوَ اغْسِلْ ثَوْبِي. قَوْلُهُ: (جُدُرٌ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَالدَّالِ جَمْعُ جِدَارٍ وَفِي نُسْخَةٍ بِالْإِفْرَادِ وَهُوَ مُضَافٌ فَيَعُمُّ.
قَوْلُهُ: (غُلَامُهُ) وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ يَسْتَحِقُّ مَنْفَعَتَهُ وَلَوْ حُرًّا. قَوْلُهُ: (جَازَ) وَإِنْ لَمْ يُقَدِّرْ النَّفَقَةَ وَتُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ كَمَا فِي الْقِرَاضِ وَلَوْ شُرِطَ لَهُ جُزْءٌ مَعْلُومٌ مِنْ الثَّمَرَةِ جَازَ أَيْضًا، وَهُوَ لِمَالِكِهِ.
قَوْلُهُ: (بِتَقْدِيرِ الْمُدَّةِ) فَلَا تَصِحُّ مُؤَبَّدَةً، وَلَا مُطْلَقَةً وَفَارَقَ الْقِرَاضَ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ فِيهِ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَقْتُهُ.
قَوْلُهُ: (صَرِيحُهُ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَمِثْلُهَا عَلَى أَنَّ الثَّمَرَ بَيْنَنَا وَمِثْلُ سَاقَيْتُك عَامَلْتُك وَعُلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْعِوَضِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ بِكَذَا فَلَوْ سَكَتَ عَنْهُ فَسَدَتْ وَلَهُ الْأُجْرَةُ وَلَا تَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ كَمَا مَرَّ وَكَذَا عَكْسُهُ وَلَيْسَتْ كِنَايَةً إذْ شَرْطُهَا أَنْ لَا تَجِدَ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهَا وَأَنْ تَقْبَلَ الْعَقْدَ الْمَنْوِيَّ قَالَهُ شَيْخُنَا م ر. قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ الْقَبُولُ) أَيْ لَفْظًا فَلَا يَكْفِي الْفِعْلُ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَفِي الْكِتَابَةِ وَإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ مَا مَرَّ فِي الضَّمَانِ وَجَمِيعُ مَا ذُكِرَ هُوَ مِنْ صُوَرِ الْمُسَاقَاةِ عَلَى الْعَيْنِ، وَمِنْ صُوَرِهَا عَلَى الذِّمَّةِ. أَلْزَمْت ذِمَّتَك كَذَا بِكَذَا وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَلِلْمُسَاقِي عَلَى ذِمَّتِهِ أَنْ يُسَاقِيَ غَيْرَهُ، وَإِنْ مَنَعَهُ الْمَالِكُ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ الْمَالِكَ تَمْكِينُهُ مِنْ الْعَمَلِ مَعَ قُدْرَةِ الْعَامِلِ كَمَا يَأْتِي فِي الْمُتَبَرِّعِ، وَأَمَّا الْمُسَاقِي عَلَى عَيْنِهِ فَفِيهِ مَا مَرَّ فِيمَا لَوْ قَارَضَ الْعَامِلُ عَامِلًا آخَرَ.
قَوْلُهُ: (فَلَا يُشْتَرَطُ) أَيْ تَفْصِيلُ الْأَعْمَالِ وَإِنْ عُقِدَتْ بِغَيْرِ لَفْظِ الْمُسَاقَاةِ وَيُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ إنْ كَانَ وَعَرَّفَهُ الْعَاقِدَانِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ بِلَا تَفْصِيلٍ. قَوْلُهُ:
(وَعَلَى الْعَامِلِ) قَالَ شَيْخُنَا عَطْفُهُ عَلَى الْعُرْفِ يُفِيدُ أَنَّهُ عَلَى الْعَامِلِ وَإِنْ جَرَى الْعُرْفُ بِخِلَافِهِ وَبِهِ قَالَ شَيْخُنَا م ر؛ لِأَنَّهُ قَالَ كُلُّ مَا نَصُّوا أَنَّهُ عَلَى الْعَامِلِ أَوْ عَلَى الْمَالِكِ تَبَعٌ وَإِنْ خَالَفَهُ الْعُرْفُ وَالْأَرْجَحُ فِيهِ إلَى عُرْفِ كُلِّ نَاحِيَةٍ بِمَا فِيهَا وَمِثْلُهُ مَا نَصُّوا فِيهِ عَلَى اتِّبَاعِ الْعَادَةِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ إنَّهُ يَتْبَعُ الْعُرْفَ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَكُلُّ مَا نَصُّوا عَلَيْهِ إنَّمَا كَانَ بِحَسَبِ الْعُرْفِ فِي زَمَنِهِمْ فَلَوْ جَرَى الْعُرْفُ فِي نَاحِيَةٍ بِخِلَافِهِ عُمِلَ بِهِ. قَوْلُهُ: (مَا يَحْتَاجُ) أَيْ فِعْلَ ذَلِكَ، وَكَذَا مَا بَعْدَهُ كَمَا يُفِيدُهُ تَعْبِيرُهُمْ فِيهَا بِالْمَصْدَرِ، وَأَمَّا الَّذِي يُفْعَلُ بِهِ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْيَانِ كَالْفَأْسِ وَالْمِنْجَلِ فَعَلَى الْمَالِكِ وَلَوْ تَرَكَ الْعَامِلُ بَعْضَ مَا لَزِمَهُ مِنْ الْأَعْمَالِ لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِمَّا شُرِطَ لَهُ كَالشَّرِيكِ، وَالْقَوْلُ بِاسْتِحْقَاقِهِ بِالسَّقْطِ مَبْنِيٌّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُ الْمَتْنِ: (كَسَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ) .
فَرْعٌ: سَاقَى إلَى مُدَّةٍ فَأَدْرَكَتْ الثِّمَارُ قَبْلَ فَرَاغِهَا، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ بَقِيَّتَهَا بِغَيْرِ أُجْرَةٍ، وَإِنْ انْقَضَتْ وَعَلَيْهَا طَلْعٌ فَعَلَى الْمَالِكِ التَّعَهُّدُ إلَى الْإِدْرَاكِ قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ: مُؤْنَةُ السَّقْيِ وَالْحِفْظِ عَلَيْهِمَا، وَلَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ لِتَبْقِيَتِهِمَا أُجْرَةٌ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ طَلْعٌ إلَّا بَعْدَ الْمُدَّةِ، فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ فِيهِ، وَيَضِيعُ تَعَبُهُ فِي الْمُدَّةِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا ثَمَرَةٌ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى ذَلِكَ.
فَرْعٌ: الْمُرَادُ بِالْإِدْرَاكِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْجِدَادُ،
وَكَذَا فِي قَوْلِ الْمَتْنِ. وَلَا يَجُوزُ التَّوْقِيتُ بِإِدْرَاكِ الثَّمَرِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَصِيغَتُهَا) اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ صُوَرِ الْمُسَاقَاةِ عَلَى الْعَيْنِ هُوَ الَّذِي يَقَعُ فِي وَثَائِقِ الْقُضَاةِ بِمِصْرَ، وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يُسَاقِيَ غَيْرَهُ وَعَمَلُ النَّاسِ عَلَى خِلَافِهِ فَلْيُتَفَطَّنْ لِذَلِكَ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (بِكَذَا) فَلَوْ تَرَكَهُ فَسَدَتْ، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْأُجْرَةِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (أَوْ سَلَّمْته إلَيْك لِتَتَعَهَّدَهُ) قَالَ السُّبْكِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ، وَلَوْ سَاقَاهُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ فَهِيَ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ نَظَرًا لِلَّفْظِ وَكَذَا لَوْ تَعَاقَدَا عَلَى الْإِجَارَةٍ بِلَفْظِ الْمُسَاقَاةِ فَقَالَ الْمَالِكُ: سَاقَيْتُك عَلَى كَذَا مُدَّةَ كَذَا بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ فَسَدَ أَيْضًا تَغْلِيبًا لِلَّفْظِ، وَعَلَّلَ الْإِمَامُ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِأَنَّ اللَّفْظَ الصَّرِيحَ فِي شَيْءٍ لَا يُصْرَفُ لِغَيْرِهِ بِالنِّيَّةِ، وَتَوَقَّفَ فِيهِ السُّبْكِيُّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يَجِدْ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ، فَهُوَ كَوَهَبْتُك كَذَا بِأَلْفٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، ثُمَّ حَاوَلَ الْجَوَابَ بِأَنْ بَيْنَ مَعْنَى الْإِجَارَةِ وَالْمُسَاقَاةِ تَنَافِيًا وَأَطَالَ فِيهِ بَيَانَهُ. قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ فِيهَا إلَخْ) أَيْ قَطْعًا وَلَا يَجْرِي فِيهَا وَجْهُ الْقِرَاضِ لِلُزُومِهَا.