الثَّمَنِ أَوْ قِيمَتِهِ، كَمَا سَيَأْتِي فَحَقُّ التَّمَلُّكِ فِيمَا ذُكِرَ، هُوَ مُسَمَّى الشُّفْعَةِ شَرْعًا. (لَا تَثْبُتُ فِي مَنْقُولٍ بَلْ) تَثْبُتُ (فِي أَرْضٍ وَمَا فِيهَا مِنْ بِنَاءٍ وَشَجَرٍ تَبَعًا) لَهَا (وَكَذَا ثَمَرٌ لَمْ يُؤَبَّرْ) تَثْبُتُ فِيهِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ (فِي الْأَصَحِّ) كَشَجَرِهِ وَالثَّانِي يَقِيسُهُ عَلَى الْمُؤَبَّرِ، فَإِنَّهُ إذَا بِيعَ مَعَ الشَّجَرِ، وَالْأَرْضِ لَا تَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ، بَلْ يَأْخُذُ الشَّفِيعُ الْأَرْضَ وَالشَّجَرَ بِحِصَّتِهِمَا مِنْ الثَّمَنِ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شَرِكَةٍ لَمْ تُقْسَمْ أَرْبَعَةً» ، وَحَائِطُ الْأَوَّلِ الْمَنْزِلُ وَالثَّانِي الْبُسْتَانُ، وَلَا شُفْعَةَ فِي بِنَاءٍ أَوْ غِرَاسٍ أُفْرِدَ بِالْبَيْعِ لِانْتِفَاءِ التَّبَعِيَّةِ
(وَلَا شُفْعَةَ فِي حُجْرَةٍ بُنِيَتْ عَلَى سَقْفٍ غَيْرِ مُشْتَرَكٍ) بِأَنْ اخْتَصَّ بِهِ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِيهَا، أَوْ غَيْرُهُمَا إذْ لَا أَرْضَ لَهَا. (وَكَذَا مُشْتَرَكٌ فِي الْأَصَحِّ) لِمَا ذُكِرَ وَالثَّانِي يَجْعَلُهُ كَالْأَرْضِ.
(وَكُلُّ مَا لَوْ قُسِمَ بَطَلَتْ مَنْفَعَتُهُ الْمَقْصُودَةُ كَحَمَّامٍ وَرَحًى) أَيْ طَاحُونَةٍ صَغِيرَيْنِ. (لَا شُفْعَةَ فِيهِ فِي الْأَصَحِّ) هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِي الْمُنْقَسِمِ دَفْعُ ضَرَرِ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ، أَيْ أُجْرَةِ الْقَاسِمِ وَالْحَاجَةِ إلَى إفْرَادِ الْحِصَّةِ الصَّائِرَةِ لَهُ، بِالْمَرَافِقِ كَالْمِصْعَدِ وَالْمِنْوَرِ وَالْبَالُوعَةِ وَنَحْوِهَا، وَالثَّانِي مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ دَفْعُ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ فِيمَا يَدُومُ وَكُلٌّ مِنْ الضَّرَرَيْنِ حَاصِلٌ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَمِنْ حَقِّ الرَّاغِبِ فِيهِ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُخَلِّصَ صَاحِبَهُ مِنْهُمَا بِالْبَيْعِ لَهُ، فَإِذَا بَاعَ لِغَيْرِهِ سَلَّطَهُ الشَّرْعُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ.
(وَلَا شُفْعَةَ إلَّا لِشَرِيكٍ) بِخِلَافِ الْجَارِي رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: إنَّمَا «جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ» .
(وَلَوْ بَاعَ دَارًا وَلَهُ شَرِيكٌ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــSالْحَقُّ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ آخِذٌ وَمَأْخُوذٌ مِنْهُ، وَمَأْخُوذٌ وَأَمَّا الصِّيغَةُ، فَإِنَّمَا تَجِبُ فِي التَّمَلُّكِ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (فِي أَرْضٍ) خَرَجَ نَحْوُ السَّفِينَةِ وَالدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ وَسَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (مِنْ بِنَاءٍ) وَإِنْ انْهَدَمَ بَعْدَ ثُبُوتِهَا فَتَثْبُتُ فِي نَقْضِهِ، قَالَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ قَاسِمٍ وَقِيَاسُهُ ثُبُوتُهَا فِي شَجَرٍ قُلِعَ بَعْدَ الثُّبُوتِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (تَبَعًا لَهَا) ، وَالْمُرَادُ بِالتَّابِعِ مَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَإِنْ نُصَّ عَلَى دُخُولِهِ؛ لِأَنَّهُ تَأْكِيدٌ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ كَمِفْتَاحِ غَلْقٍ وَالْأَعْلَى مِنْ حَجَرَيْ الرَّحَى، فَعُلِمَ أَنَّهَا لَا تَثْبُتُ فِي شَجَرَةٍ يَابِسَةٍ بِيعَتْ مَعَ الْأَرْضِ، وَلَا فِي شَجَرَةٍ بِيعَتْ مَعَ مَغْرِسِهَا، وَلَا فِي شَجَرٍ لِأَحَدِهِمَا بَيْعٌ مَعَ الْأَرْضِ، وَلَا فِي ثَمَرَةٍ مُؤَبَّرَةٍ شَرْطُ دُخُولِهِمَا. قَوْلُهُ: (لَمْ يُؤَبَّرْ) أَيْ عِنْدَ الْبَيْعِ أَوْ الْأَخْذِ وَإِنْ حَدَثَ بَعْدَ الْبَيْعِ.
قَوْلُهُ: (لَمْ تُقْسَمْ) وَأَفَادَ النَّفْيُ بِلَمْ أَنَّهُ قَابِلٌ لِلْقِسْمَةِ، كَمَا سَيَأْتِي بِخِلَافِ النَّفْيِ بِلَا وَلِذَلِكَ زَادَ فِي رِوَايَةٍ لَهُ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ، وَصُرِّفَتْ مُشَدَّدَةُ الرَّاءِ بِمَعْنَى بُيِّنَتْ، أَوْ فُرِّقَتْ أَوْ مُخَفَّفَةٌ بِمَعْنَى تَفَرَّقَتْ أَوْ تَبَيَّنَتْ. قَوْلُهُ: (أُفْرِدَ بِالْبَيْعِ) فَإِنْ بِيعَ مَعَهُمَا ثَبَتَتْ مَعَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
قَوْلُهُ: (فَلَا شُفْعَةَ فِي حُجْرَةٍ إلَخْ) وَعَكْسُ هَذِهِ بِأَنْ كَانَ السَّقْفُ مُشْتَرَكًا دُونَ الْحُجْرَةِ فَبَاعَهَا مَعَ حِصَّتِهِ مِنْ السَّقْفِ ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ بِالسَّقْفِ، وَلَوْ كَانَ السُّفْلُ مُشْتَرَكًا دُونَ الْعُلُوِّ ثَبَتَتْ فِي السُّفْلِ وَحْدَهُ
قَوْلُهُ: (طَاحُونَةٍ) تَفْسِيرٌ بِالْمُرَادِفِ وَعَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمُحَرَّرِ لِلِاخْتِصَارِ، وَلَا نَظَرَ لِتَخَالُفِهِمَا فِي الْعُرْفِ وَالْمُرَادُ مَكَانُ الطَّحْنِ، وَتَابَعَهُ؛ لِأَنَّ الْحَجَرَ مَنْقُولٌ ثَبَتَتْ فِيهِ تَبَعًا وَالْمُرَادُ بِبُطْلَانِ الْمَنْفَعَةِ وَعَدَمِهِ فِي الْحِصَّةِ الْمَأْخُوذَةِ، وَلِذَلِكَ ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ لِمَالِكِ عُشْرِ دَارٍ بَاعَ شَرِيكُهُ بَقِيَّتَهَا لَا عَكْسُهُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ، وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ يُجْبَرُ عَلَى الْقِسْمَةِ دُونَ الثَّانِي.
قَوْلُهُ: (لِشَرِيكٍ) وَلَوْ ذِمِّيًّا مَعَ مُسْلِمٍ أَوْ مُكَاتَبًا مَعَ سَيِّدِهِ، أَوْ عَبْدًا لِسَيِّدِهِ أَوْ مُرْتَدًّا وَعَادَ إلَى الْإِسْلَامِ وَإِلَّا فَلِلْإِمَامِ أَوْ كَانَ الشَّرِيكُ هُوَ الْبَائِعُ، بِأَنْ وَكَّلَهُ شَرِيكُهُ فِي بَيْعِ حِصَّتِهِ نَعَمْ لَا شُفْعَةَ لِوَلِيٍّ فِي بَيْعِهِ حِصَّةَ مُولِيهِ الْمُشَارِكِ لَهُ فِيهَا لِلتُّهْمَةِ، وَلَا شُفْعَةَ لِحَمْلٍ فَإِنْ كَانَ وَارِثٌ غَيْرُهُ أَخَذَ الْكُلَّ، وَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ لَوْ انْفَصَلَ الْحَمْلُ حَيًّا وَلَوْ وَرِثَ الْحَمْلُ شُفْعَةً لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَأْخُذَ لَهُ الْوَلِيُّ إلَّا بَعْدَ انْفِصَالِهِ حَيًّا وَالْمُرَادُ بِالشَّرِيكِ مَالِكُ الرَّقَبَةِ لَا مُوصًى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ، وَلَا مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يُؤْخَذُ لَهُ وَلَا بِهِ وَلَا لِشَرِيكِهِ، فَلَوْ كَانَتْ أَرْضٌ ثُلُثُهَا وَقْفٌ لِمَسْجِدٍ مَثَلًا وَثُلُثَاهَا مَمْلُوكَانِ لِاثْنَيْنِ، فَبَاعَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ، فَلَا شُفْعَةَ لِلْآخَرِ إلَّا إنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ إفْرَازًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، فَلِنَاظِرِ الْمَسْجِدِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ حِينَئِذٍ، كَمَا لَوْ كَانَ لِلْمَسْجِدِ شِقْصٌ، لَمْ يُوَفَّقْ وَبَاعَ شَرِيكُهُ حِصَّتَهُ فَلَهُ الْأَخْذُ أَيْضًا وَمِثْلُهُ الْإِمَامُ.
فَرْعٌ: قَالَ شَيْخُنَا كَابْنِ حَجَرٍ وَأَرَاضِي مِصْرَ كُلُّهَا وَقْفٌ؛ لِأَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً، فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا وَنُوزِعَ فِيهِ وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ خِلَافُهُ، وَهُوَ الْوَجْهُ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ النَّاسُ فِي الْأَعْصَارِ وَخَرَجَ بِالشَّرِيكِ غَيْرُهُ كَنَفْسِهِ، كَأَنْ مَاتَ عَنْ دَارِ شَرِيكُهُ فِيهَا وَارِثُهُ فَبِيعَتْ حِصَّةُ الْمَيِّتِ فِي دَيْنِهِ فَلَا شُفْعَةَ لِوَارِثِهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ الْمِلْكَ، فَهُوَ غَيْرُ شَرِيكٍ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْجَارِي) نَعَمْ إنْ حَكَمَ لَهُ وَلَوْ شَافِعِيًّا حَاكِمٌ حَنَفِيٌّ بِهَا لَمْ يُنْقَضْ حُكْمُهُ وَحَلَّ لَهُ الْأَخْذُ بَاطِنًا.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَاعَ دَارًا) خَرَجَ مَا لَوْ بَاعَ حِصَّتَهُ مِنْ الْمَمَرِّ فَثَبَتَ فِيهِ الشُّفْعَةُ، وَإِنْ لَمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ عَلَيْهَا وَقْتَ الشِّرَاءِ عَلَيْهَا مُؤَبَّرٌ ثَبَتَتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ، وَإِنْ عَرَضَ تَأْبِيرُهُ قَبْلَ الْأَخْذِ. قَوْلُهُ: (كَشَجَرِهِ) أَيْ بِجَامِعِ الدُّخُولِ فِي الْبَيْعِ.
تَنْبِيهٌ: هَذَا الْحُكْمُ ثَابِتٌ وَلَوْ حَدَثَتْ الثَّمَرَةُ الْمَذْكُورَةُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ الْأَخْذِ وَلَوْ كَانَ الْبَقْلُ يُجَزُّ مِرَارًا، فَالْجِزَّةُ الظَّاهِرَةُ كَالثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ، وَالْأُصُولُ كَالشَّجَرِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَكَذَا مُشْتَرَكٌ) .
فَرْعٌ: لَوْ كَانَ السُّفْلُ مُشْتَرَكًا وَأَعْلَاهُ لِإِنْسَانٍ فَقَطْ، فَبَاعَ الْعُلُوَّ مَعَ حِصَّتِهِ مِنْ السُّفْلِ ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ فِي حِصَّتِهِ مِنْ السُّفْلِ خَاصَّةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (قَبْلَ الْبَيْعِ) أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ الْقِسْمَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلضَّرَرِ الْأَوَّلِ.
قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ) أَفْهَمَ عَدَمَهَا فِي الْمَقْسُومِ وَهُوَ الْمُجَاوِرُ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَوْ بَاعَ إلَخْ) مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْخِلَافِ، وَالتَّصْحِيحُ الشَّرِكَةُ فِي بِئْرِ الْمَزْرَعَةِ دُونَهَا، وَفِي مَسِيلِ الْمَاءِ لِلْأَرْضِ دُونَهَا، وَفِي صَحْنِ الْخَانِ دُونَ بُيُوتِهِ.