التَّلَفِ وَالثَّالِثُ إلَى الْمُطَالَبَةِ (وَلَوْ نُقِلَ الْمَغْصُوبُ الْمِثْلِيُّ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُكَلِّفَهُ رَدَّهُ) إلَى بَلَدِهِ (وَأَنْ يُطَالِبَهُ بِالْقِيمَةِ فِي الْحَالِ) لِلْحَيْلُولَةِ (فَإِذَا رَدَّهُ رَدَّهَا) وَاسْتَرَدَّهُ، (فَإِنْ تَلِفَ فِي الْبَلَدِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ طَالَبَهُ بِالْمِثْلِ فِي أَيِّ الْبَلَدَيْنِ شَاءَ) ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِرَدِّ الْعَيْنِ فِيهِمَا، (فَإِنْ فَقَدَ الْمِثْلَ غَرَّمَهُ قِيمَةَ أَكْثَرِ الْبَلَدَيْنِ قِيمَةً) ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْمِثْلِ فِيهِ. (وَلَوْ ظَفِرَ بِالْغَاصِبِ فِي غَيْرِ بَلَدِ التَّلَفِ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَا مُؤْنَةَ لِنَقْلِهِ كَالنَّقْدِ، فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْمِثْلِ، وَإِلَّا فَلَا مُطَالَبَةَ لَهُ بِالْمِثْلِ) ، وَلَا لِلْغَارِمِ تَكْلِيفُهُ قَبُولَ الْمِثْلِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ، (بَلْ يُغَرِّمُهُ قِيمَةَ بَلَدِ التَّلَفِ) وَالثَّانِي لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْمِثْلِ مُطْلَقًا.
فَرْعٌ: إذَا غَرِمَ الْقِيمَةَ ثُمَّ اجْتَمَعَا فِي بَلَدِ التَّلَفِ هَلْ لِلْمَالِكِ رَدُّ الْقِيمَةِ وَطَلَبُ الْمِثْلِ؟ وَهَلْ لِلْآخَرِ اسْتِرْدَادُ الْقِيمَةِ وَبَذْلُ الْمِثْلِ؟ فِيهِ الْوَجْهَانِ فِيمَا لَوْ غَرِمَ الْقِيمَةَ لِفَقْدِ الْمِثْلِ، ثُمَّ وَجَدَهُ هَلْ لَهُ وَلِصَاحِبِهِ مَا ذُكِرَ؟ أَصَحُّهُمَا لَا،
(وَأَمَّا الْمُتَقَوِّمُ فَيُضْمَنُ) فِي الْغَصْبِ (بِأَقْصَى قِيَمِهِ مِنْ الْغَصْبِ إلَى التَّلَفِ، وَفِي الْإِتْلَافِ بِلَا غَصْبٍ بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ، فَإِنْ جُنِيَ) عَلَى الْمَأْخُوذِ بِلَا غَصْبٍ (وَتَلِفَ بِسِرَايَةٍ، فَالْوَاجِبُ الْأَقْصَى أَيْضًا) مِنْ الْجِنَايَةِ إلَى التَّلَفِ، فَإِذَا جَنَى عَلَى بَهِيمَةٍ مَأْخُوذَةٍ بِسَوْمٍ مَثَلًا وَقِيمَتُهَا مِائَةٌ، ثُمَّ هَلَكَتْ بِالسِّرَايَةِ وَقِيمَةُ مِثْلِهَا خَمْسُونَ، وَجَبَ عَلَيْهِ مِائَةٌ.
(وَلَا تُضْمَنُ الْخَمْرُ) لِمُسْلِمٍ وَلَا ذِمِّيٍّ، (وَلَا تُرَاقُ عَلَى ذِمِّيٍّ إلَّا أَنْ يُظْهِرَ شُرْبَهَا أَوْ بَيْعَهَا) فَتُرَاقُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: (وَلَوْ نُقِلَ الْمَغْصُوبُ) وَكَذَا لَوْ انْتَقَلَ بِنَفْسِهِ كَالْحَيَوَانِ، وَتَقْيِيدُهُ بِالْمِثْلِيِّ بِالنَّظَرِ لِلتَّفْرِيعِ بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (إلَى بَلَدٍ آخَرَ) أَيْ إلَى مَكَان آخَرَ وَاحِدٍ فَأَكْثَرَ. قَوْلُهُ: (بِالْقِيمَةِ) أَيْ بِأَقْصَى قِيمَةٍ فِي أَيِّ الْبَلَدَيْنِ، وَيَضْمَنُ مَا لَهُ أَرْشٌ فِي الرَّقِيقِ كَيَدِهِ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ نَقْصِ الْقِيمَةِ وَالْمُقَدَّرِ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَنْ الْقِيمَةِ أَمَةً تَحِلُّ لَهُ، وَلَكِنْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ لِلْحَيْلُولَةِ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ يَمْلِكُهَا كَالْقَرْضِ مُرَادُهُمْ فِي الْجُمْلَةِ.
قَوْلُهُ: (رَدَّهَا) أَيْ إنْ بَقِيَتْ مَعَ زِيَادَتِهَا الْمُتَّصِلَةِ، وَأَمَّا الْمُنْفَصِلَةُ فَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ كَمَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ الْبُرُلُّسِيُّ، وَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهَا فَإِنْ تَوَافَقَا عَلَى عَدَمِ رَدِّ الْبَدَلِ فَلَا بُدَّ مِنْ عَقْدٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، فَإِنْ تَلِفَتْ رُدَّ بَدَلُهَا مِنْ مِثْلٍ فِي الْمِثْلِيِّ وَقِيمَةٍ فِي الْمُتَقَوِّمِ. قَوْلُهُ: (غَرَّمَهُ قِيمَةَ إلَخْ) أَيْ غَرَّمَهُ أَقْصَى قِيَمِ الْبَلَدَيْنِ وَمَا بَيْنَهُمَا، وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ إلَى وَقْتِ فَقْدِ الْمِثْلِ، فَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْمَغْصُوبِ بَعْدَ تَلَفِهِ بِتَقْدِيرِ وُجُودِهِ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ مِثْلِهِ بَعْدَهُ إلَى فَقْدِهِ مُسَاوِيَةٌ لِقِيمَتِهِ ضَرُورَةً كَمَا مَرَّ كَذَا فِي كَلَامِهِمْ، وَالْوَجْهُ أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي بَلَدٍ إلَّا بَعْدَ حُلُولِهِ بِهَا لَا مَا قَبْلَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ جَلِيٌّ فَرَاجِعْهُ. وَإِذَا غَرِمَ الْقِيمَةَ فَهِيَ لِلْفَيْصُولَةِ، وَلَا يُعْتَبَرُ وُجُودُ الْمِثْلِ بَعْدَهُ وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يَغْرَمْهَا حَتَّى وُجِدَ الْمِثْلُ طَالَبَهُ بِهِ لَا بِهَا حَتَّى يُفْقَدَ، وَهَكَذَا وَسَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (لَا مُؤْنَةَ لِنَقْلِهِ) وَكَالْمُؤْنَةِ ارْتِفَاعُ الْأَسْعَارِ عِنْدَ شَيْخِنَا. قَوْلُهُ: (تَكْلِيفُهُ إلَخْ) فَلَوْ طَلَبَهُ مِنْ الْغَاصِبِ لَزِمَهُ الدَّفْعُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ الْغَاصِبُ بِسَفَرِهِ إلَى بَلَدِ الْغَصْبِ لِيُسَلِّمَهُ لَهُ فِيهِ. قَوْلُهُ: (قِيمَةَ بَلَدِ التَّلَفِ) أَيْ إنْ كَانَتْ أَكْثَرَ إذْ الْمُعْتَبَرُ أَقْصَى قِيَمِ كُلِّ مَكَان حَلَّ بِهِ.
قَوْلُهُ: (أَصَحُّهُمَا لَا) هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (مِنْ الْغَصْبِ إلَخْ) أَيْ بِأَقْصَى قِيَمِ مَحَلٍّ حَلَّ بِهِ بِنَقْلٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا مَرَّ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ صَارَ الْمِثْلِيُّ مِثْلِيًّا كَجَعْلِ السِّمْسِمِ شَيْرَجًا أَوْ الْمِثْلِيِّ مُقَوَّمًا كَجَعْلِ الدَّقِيقِ خُبْزًا، وَالْمُتَقَوِّمِ مِثْلِيًّا كَجَعْلِ الشَّاةِ لَحْمًا، ثُمَّ تَلِفَ ضَمِنَ الثَّانِيَ فِي الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْمُطَالَبَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ أَكْثَرَ قِيمَةً فَيُطَالَبُ بِمِثْلِهِ فِي الْمِثْلِيِّ وَقِيمَتِهِ فِي الْمُتَقَوِّمِ، وَالْمَالِكُ فِي الْمِثْلِيَّيْنِ مُخَيَّرٌ فِي الْمُطَالَبَةِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ الْقِيمَةُ، وَأَمَّا لَوْ صَارَ الْمُتَقَوِّمُ مُتَقَوِّمًا كَجَعْلِ الْخُبْزِ هَرِيسَةً طَالَبَهُ بِأَقْصَى الْقِيَمِ أَيْ بِالْأَكْثَرِ قِيمَةً مِنْهُمَا، وَتَمْثِيلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ لِذَلِكَ بِجَعْلِ إنَاءِ النُّحَاسِ حُلِيًّا مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ الْقِيمَةِ فِيهِ وَهُوَ مَرْجُوحٌ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مِثْلُ النُّحَاسِ وَزْنًا مَعَ قِيمَةِ الصَّنْعَةِ. قَوْلُهُ: (بِقِيمَتِهِ يَوْمَ التَّلَفِ) نَعَمْ لَا تُعْتَبَرُ زِيَادَةُ الْقِيمَةِ بِمُحَرَّمٍ كَهِرَاشِ نَحْوِ دِيَكَةٍ وَغِنَاءٍ. قَالَ الْخَطِيبُ فِي أُنْثَى وَيَضْمَنُ فِي الذَّكَرِ فَرَاجِعْهُ. وَلَا يَأْتِي هُنَا تَعَدُّدُ الْمَكَانِ؛ لِأَنَّهُ بِالنَّقْلِ يَكُونُ غَاصِبًا، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَا غَصْبَ. قَوْلُهُ: (مِثْلِهَا) أَيْ الْمُمَاثِلَةِ لَهَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا مِثْلِيَّةٌ فَتَأَمَّلْهُ.
قَوْلُهُ: (الْخَمْرُ) وَمِثْلُهُ كُلُّ مُتَنَجِّسٍ كَدُهْنٍ تَنَجَّسَ، وَسَوَاءٌ الْخَمْرُ الْمُحْتَرَمَةُ وَغَيْرُهَا. قَوْلُهُ: (وَلَا تُرَاقُ عَلَى ذِمِّيٍّ) وَلَوْ غَيْرَ مُحْتَرَمَةٍ وَمِثْلُهُ الْمُؤْمِنُ. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يُظْهِرَ شُرْبَهَا) لَوْ أُسْقِطَ لَفْظُ الشُّرْبِ وَالْبَيْعِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ غَيْرَهُمَا كَالْهِبَةِ وَالْهَدِيَّةِ، وَالْمُرَادُ بِإِظْهَارِهَا الِاطِّلَاعُ عَلَيْهَا بِغَيْرِ تَجَسُّسٍ، وَلَوْ مِنْ الْجَارِ الْمُسْلِمِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: (فَلِلْمَالِكِ) هُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا تَنَاوَلَهُ عُمُومُ قَوْلِهِ أَوَّلًا، وَعَلَى الْغَاصِبِ الرَّدُّ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَأَنْ يُطَالِبَهُ بِالْقِيمَةِ) أَخْذُ الْقِيمَةِ الْمَذْكُورَةِ لَا يَمْنَعُ مِنْ غَرَامَةِ أُجْرَةِ الْمَغْصُوبِ بَعْدَ ذَلِكَ.
فَرْعٌ: لَوْ كَانَ الْمَغْصُوبُ أُمَّ وَلَدٍ وَعَتَقَتْ، رَجَعَ الْغَاصِبُ بِالْقِيمَةِ.
فَرْعٌ: لَوْ أَعْطَاهُ جَارِيَةً عِوَضًا عَنْ هَذِهِ الْقِيمَةِ، فَفِي جَوَازِ الْوَطْءِ نَظَرٌ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (فِي الْحَالِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: أَنْ يُطَالِبَهُ.
قَوْلُهُ: (رَدَّهَا) لَوْ زَادَتْ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً فَهِيَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ، وَيُصَوَّرُ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ أَخَذَ عَنْ الْقِيمَةِ عِوَضًا. قَوْلُ الْمَتْنِ: (أَيِّ الْبَلَدَيْنِ شَاءَ) وَكَذَا بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ: (فِيهِمَا) بَلْ لَوْ عَادَ إلَى بَلَدِ الْغَصْبِ ثُمَّ تَلِفَ، كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْمِثْلِ) قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ أَتْلَفَهُ فِي وَقْتِ الرُّخْصِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ وَقْتَ الْغَلَاءِ وَغَيْرِهِ.