صَاحِبِ الدَّارِ) فَلَا يَكُونُ غَاصِبًا لِشَيْءٍ مِنْهَا، وَلَوْ دَخَلَهَا لَا عَلَى قَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ، وَلَكِنْ لِيَنْظُرَ هَلْ تَصْلُحُ لَهُ أَوْ لِيَتَّخِذَ مِثْلَهَا لَمْ يَكُنْ غَاصِبًا لِشَيْءٍ مِنْهَا.
(وَعَلَى الْغَاصِبِ الرَّدُّ) لِلْمَغْصُوبِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» . (فَإِنْ تَلِفَ عِنْدَهُ) بِآفَةٍ أَوْ إتْلَافٍ (ضَمِنَهُ) حَيْثُ يَكُونُ مَالًا، وَهُوَ الْغَالِبُ مِمَّا سَيَأْتِي وَغَيْرُ الْمَالِ كَالْكَلْبِ وَالسِّرْجِينِ لَا يُضْمَنُ
(وَلَوْ أَتْلَفَ مَالًا فِي يَدِ مَالِكِهِ ضَمِنَهُ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَالْمَسَائِلُ الَّتِي بَعْدَهَا ذَكَرُوهَا اسْتِطْرَادًا لِمَا يُضْمَنُ بِغَيْرِ الْغَصْبِ بِالْمُبَاشَرَةِ أَوْ التَّسَبُّبِ
(وَلَوْ فَتَحَ رَأْسَ زِقٍّ مَطْرُوحٍ عَلَى الْأَرْضِ فَخَرَجَ مَا فِيهِ بِالْفَتْحِ أَوْ مَنْصُوبٍ فَقَطْ بِالْفَتْحِ وَخَرَجَ مَا فِيهِ ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ الْمُؤَدِّيَ إلَى التَّلَفِ نَاشِئٌ عَنْ فِعْلِهِ، (وَإِنْ سَقَطَ بِعَارِضِ رِيحٍ لَمْ يَضْمَنْ) ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ بِالرِّيحِ لَا بِفِعْلِهِ. (وَلَوْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ وَهَيَّجَهُ فَطَارَ ضَمِنَ، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْفَتْحِ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ طَارَ فِي الْحَالِ ضَمِنَ، وَإِنْ وَقَفَ ثُمَّ طَارَ فَلَا) يَضْمَنُ وَالثَّانِي يَضْمَنُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْفَتْحَ سَبَبُ الطَّيَرَانِ، وَالثَّالِثُ لَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ لِلطَّائِرِ اخْتِيَارًا فِي الطَّيَرَانِ. وَالْأَوَّلُ يَقُولُ طَيَرَانُهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ يُشْعِرُ بِاخْتِيَارِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا
(وَالْأَيْدِي الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ أَيْدِي ضَمَانٍ، وَإِنْ جَهِلَ صَاحِبُهَا الْغَصْبَ) وَكَانَتْ أَيْدِيَ أَمَانَةٍ، (ثُمَّ إنْ عَلِمَ) مَنْ تَرَتَّبَتْ يَدُهُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ الْغَصْبَ.
(فَكَغَاصِبٍ مِنْ غَاصِبٍ فَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: (فَلَا يَكُونُ غَاصِبًا لِشَيْءٍ مِنْهَا) لَعَلَّهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الِاسْتِيلَاءَ لِيُجَامِعَ مَا تَقَدَّمَ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنْ قَصَدَ الِاسْتِيلَاءَ هُنَا لَمْ يُعْتَبَرْ مِنْ حَيْثُ الضَّمَانُ، وَإِنْ كَانَ حَرَامًا لِاجْتِمَاعِهِ مَعَ الْمَالِكِ بِخِلَافِ مَا مَرَّ حَرِّرْهُ. قَوْلُهُ: (لِيَنْظُرَ هَلْ تَصْلُحُ إلَخْ) أَوْ لِيَتَفَرَّجَ عَلَيْهَا، لَكِنْ تَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مُدَّةِ إقَامَتِهِ فِيهَا كَالْبُسْتَانِ، وَمِنْهَا أَخَذَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ عَدَمَ الضَّمَانِ فِي الْمَنْقُولِ السَّابِقِ إذَا وُجِدَ فِيهِ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ أَخَذَ كِتَابًا مِنْ مَالِكِهِ لِيَتَفَرَّجَ عَلَيْهِ فَتَلِفَ فَلَا يَضْمَنُهُ لِعَدَمِ الْغَصْبِ.
تَنْبِيهٌ: مَتَى حُكِمَ بِأَنَّهُ غَاصِبٌ لِلدَّارِ أَوْ لِبَعْضِهَا ضَمِنَ الْأُجْرَةَ، وَلَوْ انْهَدَمَتْ ضَمِنَهَا.
قَوْلُهُ: (وَعَلَى الْغَاصِبِ الرَّدُّ) بِنَفْسِهِ أَوْ وَلِيِّهِ أَوْ وَكِيلِهِ فَوْرًا وَإِنْ تَكَلَّفَ عَلَيْهِ أَضْعَافُ قِيمَتِهِ. نَعَمْ إنْ دَفَعَهُ لِمَالِكِهِ فِي مَفَازَةٍ بِشَرْطِ الْمُؤْنَةِ عَلَى الْغَاصِبِ الدَّافِعِ لَهُ، لَمْ تَلْزَمْ الْغَاصِبَ؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ، وَالرَّدُّ الْوَاجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ يَكُونُ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَلَوْ مُسْتَعِيرًا لَا مُلْتَقِطًا، وَقَدْ يَجِبُ مَعَ الرَّدِّ الْقِيمَةُ لِلْحَيْلُولَةِ، كَمَا لَوْ حَمَلَتْ بِحُرٍّ وَرَدَّهَا وَيَبْرَأُ الْغَاصِبُ بِرَدِّ نَحْوِ ثِيَابِ عَبْدٍ مِمَّا رَضِيَ السَّيِّدُ يَدْفَعُهُ لَهُ عَلَى الْعَبْدِ وَلَوْ صَغِيرًا، وَكَذَا عَلَى حُرٍّ صَغِيرٍ. نَعَمْ يَجُوزُ التَّأْخِيرُ لِنَحْوِ إشْهَادٍ، وَوُصُولِ سَفِينَةٍ إلَى الْبَرِّ لِإِخْرَاجِ لَوْحٍ مَغْصُوبٍ أُدْرِجَ فِيهَا.
قَوْلُهُ: (لِلْمَغْصُوبِ) أَيْ الْمُحْتَرَمِ وَلَوْ غَيْرَ مَالٍ أَوْ غَيْرَ مُتَمَوَّلٍ كَزِبْلٍ وَحَبَّةِ بُرٍّ. نَعَمْ إنْ مَلَكَهُ كَأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ حَرْبِيٍّ قَهْرًا فَلَا رَدَّ لَهُ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَلِفَ عِنْدَهُ) وَلَوْ حُكْمًا كَفِعْلٍ يَسْرِي إلَى التَّلَفِ ضَمِنَهُ. قَوْلُهُ: (حَيْثُ يَكُونُ مَالًا) أَيْ مُتَمَوَّلًا مُحْتَرَمًا، وَالْغَاصِبُ أَهْلًا لِلضَّمَانِ بِخِلَافِ حَبَّةِ بُرٍّ وَنَحْوِهَا، وَبِخِلَافِ مَا لَوْ أَتْلَفَ مُرْتَدًّا أَوْ صَائِلًا، وَبِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْمُتْلِفُ حَرْبِيًّا لِمَالِ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، وَإِنْ أَسْلَمَ أَوْ عُقِدَتْ لَهُ ذِمَّةٌ بَعْدَ تَلَفِهِ أَوْ إتْلَافِهِ وَلَا ضَمَانَ، وَشَمِلَ مَا ذُكِرَ مَا لَوْ طَرَأَ الصِّيَالُ أَوْ الرِّدَّةُ بَعْدَ الْغَصْبِ. قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْطَعُ أَثَرَ الْغَصْبِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ إتْلَافَ الْمَالِكِ لَهُ لِرِدَّتِهِ أَوْ لِصِيَالِهِ عَلَيْهِ، وَلَا يَبْرَأُ بِهِ الْغَاصِبُ وَصَوَّرَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ قَاسِمٍ بِمَا لَوْ كَانَ الْغَصْبُ وَالتَّلَفُ حَالَ الصِّيَالِ فَرَاجِعْهُ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْإِتْلَافِ مَا مَرَّ مِنْ إتْلَافِ الْمَالِكِ، وَمِثْلُهُ رَقِيقُهُ غَيْرُ الْمُكَاتَبِ، وَمَأْذُونُهُ فِيهِ وَاقْتِصَاصُهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَتْلَفَ) أَيْ مَنْ يَضْمَنُ، وَالْمُرَادُ بِإِتْلَافِهِ نِسْبَةُ التَّلَفِ إلَيْهِ، وَمِنْهُ مَصْرُوعٌ فَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِوُقُوعِهِ وَصَرْعِهِ وَصَبِيٌّ فِي الْمَهْدِ فَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِوُقُوعِهِ مِنْ مَهْدِهِ. نَعَمْ لَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِوُقُوعِ دَابَّةٍ وَقَعَتْ مَيْتَةً تَحْتَ رَاكِبِهَا، وَلَا بِوُقُوعِ رَاكِبِهَا عَنْهَا مَيِّتًا وَنَحْوُ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (مَالًا) أَيْ مُتَمَوَّلًا مُحْتَرَمًا كَمَا مَرَّ بِالْأُولَى. قَوْلُهُ: (فِي يَدِ مَالِكِهِ) بِأَنْ لَا يَكُونَ مَغْصُوبًا حِينَ إتْلَافِهِ، فَلَوْ سَخَّرَ دَابَّةً فِي يَدِ مَالِكِهَا فَتَلِفَتْ فَلَا ضَمَانَ إلَّا إنْ حَمَلَهَا عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي الْإِجَارَةِ. قَوْلُهُ: (اسْتِطْرَادًا) هُوَ ذِكْرُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ مَعَ غَيْرِهِ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا، فَمَحَلُّهَا الْجِنَايَاتُ وَمُنَاسَبَتُهَا لِلْغَصْبِ مِنْ حَيْثُ الضَّمَانُ. قَوْلُهُ: (بِالْمُبَاشَرَةِ أَوْ التَّسَبُّبِ) بَيَانٌ لِلْغَيْرِ فَأَسْبَابُ الضَّمَانِ ثَلَاثَةٌ يَدٌ عَادِيَةٌ، وَمُبَاشَرَةٌ، وَسَبَبٌ، وَسَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ مَا يُؤَثِّرُ فِي التَّلَفِ وَيَحْصُلُ، وَأَنَّ السَّبَبَ مَا يُؤَثِّرُ فِيهِ وَلَا يُحَصِّلُهُ كَالْإِمْسَاكِ لِلْقَتْلِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا يَعُمُّ الشَّرْطَ، وَهُوَ مَا لَا يُؤَثِّرُ فِي التَّلَفِ وَلَا يُحَصِّلُهُ، وَلَكِنْ يَحْصُلُ التَّلَفُ عِنْدَهُ كَحَفْرِ الْبِئْرِ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ فَتَحَ إلَخْ) وَلَوْ بِحَضْرَةِ الْمَالِكِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى دَفْعِهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَمَا بَعْدَهَا مِنْ السَّبَبِ وَمَا قَبْلَهَا مِنْ الْمُبَاشَرَةِ. قَوْلُهُ: (فَخَرَجَ مَا فِيهِ بِالْفَتْحِ) أَوْ بِفِعْلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَرْعٌ: لَوْ انْعَكَسَ الْحَالُ، فَالظَّاهِرُ الضَّمَانُ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ.
فَرْعٌ: حَيْثُ لَا غَصْبَ هُنَا فَلَا أُجْرَةَ أَيْضًا.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَعَلَى الْغَاصِبِ الرَّدُّ) أَيْ وَلَوْ غَرِمَ عَلَيْهِ أَضْعَافَ قِيمَتِهِ.
فَرْعٌ: دَفَعَهُ لِلْمَالِكِ وَشَرَطَ عَلَى الْغَاصِبِ مُؤْنَةَ النَّقْلِ، لَمْ تَلْزَمْهُ قَالَهُ الْبَغَوِيّ؛ لِأَنَّهُ يَنْقُلُ مِلْكَ نَفْسِهِ: فَرْعٌ: لَوْ غَصَبَ مِنْ مُودِعٍ وَمُسْتَأْجِرٍ وَمُرْتَهِنٍ، ثُمَّ رَدَّ إلَيْهِ بَرِئَ. وَفِي الرَّدِّ إلَى الْمُسْتَعِيرِ وَجْهَانِ، وَلَوْ انْتَزَعَ مِنْ الْعَبْدِ ثِيَابَ مَلْبُوسِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْآلَاتِ الْمَدْفُوعَةِ إلَيْهِ مِنْ الْمَالِكِ، بَرِئَ بِالرَّدِّ إلَى الْعَبْدِ.
قَوْلُهُ: (اسْتِطْرَادًا) أَيْ وَإِلَّا فَذِكْرُ ذَلِكَ فِي الْجِنَايَاتِ أَشْبَهُ.
قَوْلُ