الْمُعِيرُ الزَّرْعَ (مَجَّانًا) ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ كَالْمُسْتَثْنَاةِ مِمَّا قَبْلَهَا، فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا إذَا لَمْ يُقَصِّرْ، فَإِنَّ حُكْمَهُ وَحُكْمَ الْإِعَارَةِ الْمُطْلَقَةِ مَا تَقَدَّمَ، نَعَمْ لَوْ كَانَ الزَّرْعُ مِمَّا يُعْتَادُ قَطْعُهُ قَبْلَ إدْرَاكِهِ كُلِّفَ الْمُسْتَعِيرُ

(وَلَوْ حَمَلَ السَّيْلُ بَذْرًا) لِغَيْرِهِ (إلَى أَرْضِهِ فَنَبَتَ فَهُوَ) أَيْ النَّابِتُ (لِصَاحِبِ الْبَذْرِ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ، (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى قَلْعِهِ) ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ، وَالثَّانِي لَا يُجْبَرُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فَهُوَ مُسْتَعِيرٌ، فَيُنْظَرُ فِي النَّابِتِ أَهُوَ شَجَرٌ أَمْ زَرْعٌ؟ وَيَكُونُ الْحُكْمُ عَلَى مَا سَبَقَ.

(وَلَوْ رَكِبَ دَابَّةً وَقَالَ لِمَالِكِهَا: أَعَرْتنِيهَا فَقَالَ: بَلْ آجَرْتُكهَا) مُدَّةَ كَذَا بِكَذَا، (أَوْ اخْتَلَفَ مَالِكُ الْأَرْضِ وَزَارِعُهَا كَذَلِكَ، فَالْمُصَدَّقُ الْمَالِكُ عَلَى الْمَذْهَبِ) نَظَرًا إلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَأْذَنُ فِي الِانْتِفَاعِ غَالِبًا بِمُقَابِلٍ، فَيَحْلِفُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّهُ مَا أَعَارَهُ وَأَنَّهُ آجَرَهُ، وَيَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي الْمُصَدَّقُ الرَّاكِبُ وَالزَّارِعُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الْأُجْرَةِ فَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ مَا اسْتَأْجَرَ، وَالثَّالِثُ الْمُصَدَّقُ فِي الْأَرْضِ الْمَالِكُ وَفِي الدَّابَّةِ الرَّاكِبُ؛ لِأَنَّهُ تَكْثُرُ الْإِعَارَةُ فِيهَا بِخِلَافِ الْأَرْضِ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِهَذَا (وَكَذَا لَوْ قَالَ) الرَّاكِبُ أَوْ الزَّارِعُ: (أَعَرْتنِي، وَقَالَ) الْمَالِكُ: (بَلْ غَصَبْت مِنِّي) فَالْمُصَدَّقُ الْمَالِكُ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ إذْنِهِ فَيَحْلِفُ، وَيَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي الْمُصَدَّقُ الرَّاكِبُ وَالزَّارِعُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الْأُجْرَةِ، وَالثَّالِثُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالدَّابَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَطَعَ بِهِ بَعْضُهُمْ

(فَإِنْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ) قَبْلَ رَدِّهَا (فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى الضَّمَانِ) لَهَا الْمُخْتَلَفِ جِهَتُهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَغْصُوبَ يُضْمَنُ بِأَقْصَى الْقِيَمِ مِنْ يَوْمِ الْقَبْضِ إلَى يَوْمِ التَّلَفِ، (لَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْعَارِيَّةَ تُضْمَنُ بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ، لَا بِأَقْصَى الْقِيَمِ، وَلَا بِيَوْمِ الْقَبْضِ) وَهُمَا مُقَابِلُ الْأَصَحِّ، (فَإِنْ كَانَ مَا يَدَّعِيهِ الْمَالِكُ) النَّسَبَ (أَكْثَرَ) .

مِنْ قِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ (حَلَفَ لِلزِّيَادَةِ) أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهَا، وَيَأْخُذُ مَا عَدَاهَا وَالْمُسَاوِيَ بِلَا يَمِينٍ.

ـــــــــــــــــــــــــــــSفَرْعٌ: وَكَّلَ شَخْصًا لِيَزْرَعَ لَهُ بَذْرَهُ فِي أَرْضِهِ فَزَرَعَهُ فِي غَيْرِ أَرْضِ الْمُوَكِّلِ غَلَطًا فَالزَّرْعُ لِلْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَذْرِهِ، وَعَلَى الْوَكِيلِ أُجْرَةُ الْأَرْضِ وَضَمَانُ الزَّرْعِ لَوْ تَلِفَ، وَلَوْ بِقَلْعِ صَاحِبِ الْأَرْضِ، وَضَمَانُ نَقْصِ الْأَرْضِ إنْ حَصَلَ فِيهَا نَقْصٌ بِالزَّرْعِ أَوْ قَلْعِهِ لِتَعَدِّيهِ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ حَمَلَ السَّيْلُ بَذْرًا لِغَيْرِهِ) وَلَوْ نَحْوَ نَوَاةٍ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ مَالِكَهَا الَّذِي يَصِحُّ إعْرَاضُهُ عَنْهَا أَعْرَضَ عَنْهَا فَإِنْ عُلِمَ ذَلِكَ مَلَكَهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ. قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ قَاسِمٍ: وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا، وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا لَمْ يَدَّعِ مَالِكُهَا عَدَمَ الْإِعْرَاضِ وَالْحِجَارَةُ كَالْبَذْرِ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ) وَلَا يَلْزَمُهُ قَلْعُهُ قَبْلَ الطَّلَبِ، وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَلْعِ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ وَعَدَمِ فِعْلِهِ، وَتَجِبُ مُدَّةَ الْقَلْعِ، وَيَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ إنْ قَلَعَ بِاخْتِيَارِهِ وَإِلَّا فَلَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ قَالَهُ شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (مُدَّةَ كَذَا بِكَذَا) فِي شَرْحِ شَيْخِنَا صِحَّةُ الدَّعْوَى بِالْإِجَارَةِ الْمُطْلَقَةِ. قَوْلُهُ: (فَالْمُصَدَّقُ الْمَالِكُ) أَيْ فِي اسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ وَالْقِيمَةِ لَا فِي بَقَاءِ الْعَقْدِ، وَلَوْ نَكَلَ الْمَالِكُ عَنْ الْيَمِينِ لَمْ يَحْلِفْ الرَّاكِبُ وَالزَّارِعُ؛ لِأَنَّهُمَا يَدَّعِيَانِ الْعَارِيَّةَ وَهِيَ غَيْرُ لَازِمَةٍ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا إذَا مَضَى زَمَنٌ لَهُ أُجْرَةٌ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ الشَّارِحِ، وَإِلَّا فَالْمُصَدِّقُ الرَّاكِبُ وَالزَّارِعُ جَزْمًا، فَإِنْ نَكَلَا حَلَفَ الْمَالِكُ عَلَى الْإِجَارَةِ وَاسْتَحَقَّ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ. قَوْلُهُ: (فَيَحْلِفُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا) يَمِينًا تَجْمَعُ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا كَمَا صَوَّرَهُ الشَّارِحُ، وَلَا يَكْفِي الِاقْتِصَارُ عَلَى نَفْيِ الْعَارِيَّةِ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَصْلِ الْإِذْنِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ اسْتِحْقَاقُ الْأُجْرَةِ. قَوْلُهُ: (وَيَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ) لَا الْمُسَمَّى وَإِنْ حَلَفَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي نَفْسِ الْأُجْرَةِ بَلْ هُنَا أَوْلَى، وَيَجِبُ رَدُّ الدَّابَّةِ إنْ لَمْ تَتْلَفْ مُطْلَقًا وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لِلْمَالِكِ إنْ تَلِفَتْ بِالْمُسْتَأْجِرِ لَهُ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ، إنْ تَلِفَتْ بِالْمَأْذُونِ فِيهِ أَوْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهَا عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَإِلَّا فَالرَّاكِبُ مُقَرٌّ لَهُ بِالزَّائِدِ وَهُوَ يُنْكِرُهُ فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ: (وَالْقَوْلُ الثَّانِي إلَخْ) وَفَارَقَ تَصْدِيقَ الْمَالِكِ بِلَا خِلَافٍ فِيمَا لَوْ زَعَمَ الْغَسَّالُ وَالْخَيَّاطُ أَنَّهُمَا فَعَلَا بِأُجْرَةٍ، وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ بِأَنَّ هَا هُنَا فَوَّتَا مَنْفَعَةَ أَنْفُسِهِمَا وَيَدَّعِيَانِ الْعِوَضَ، وَهُنَاكَ فَوَّتَا مَنْفَعَةَ غَيْرِهِمَا وَيَدَّعِيَانِ الْإِسْقَاطَ. قَوْلُهُ: (فَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا) يَمِينًا وَاحِدَةً كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ. قَوْله: (أَنَّهُ مَا اسْتَأْجَرَ) ظَاهِرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ الْعَارِيَّةِ فَرَاجِعْهُ.

قَوْلُهُ: (فَيَحْلِفُ) أَيْ إنَّهُ غَصَبَهُ وَإِنْ سَكَتَ عَنْ الْأُجْرَةِ لِلُزُومِ الْغَصْبِ لِعَدَمِ الْإِذْنِ، وَبِذَلِكَ فَارَقَ مَا مَرَّ فِي دَعْوَى الْإِجَارَةِ وَمَحَلُّ مَا ذُكِرَ إنْ مَضَتْ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ، وَإِلَّا رَدَّ الدَّابَّةَ وَلَا حَلِفَ.

قَوْلُهُ: (مَا يَدَّعِيهِ الْمَالِكُ) وَهُوَ أَقْصَى الْقِيَمِ وَأُجْرَةِ الْمِثْلِ. قَوْلُهُ: (حَلَفَ لِلزِّيَادَةِ) وَهِيَ الْأُجْرَةُ مُطْلَقًا، وَمَا زَادَ عَلَى قِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ إنْ كَانَ.

تَنْبِيهٌ: لَوْ انْعَكَسَتْ الدَّعْوَى فِي الْأُولَى بِأَنْ ادَّعَى الْمَالِكُ الْإِعَارَةَ وَذُو الْيَدُ الْإِجَارَةُ صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ، فَإِنْ لَمْ يَمْضِ زَمَنٌ لَهُ أُجْرَةٌ

ـــــــــــــــــــــــــــــQفَرْعٌ: أَعَارَ لِلزَّرْعِ أَوْ الْغِرَاسِ لَمْ يَزْرَعْ، أَوْ يَغْرِسْ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَالْأَصَحُّ إلَخْ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَلْعُ إلَّا بِأَمْرِ الْمَالِكِ، نَعَمْ لَوْ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ الْمَالِكُ فَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ.

فَرْعٌ: قَلَعَ صَاحِبُ النَّبَاتِ نَبَاتَهُ، لَزِمَهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ أَجْبَرَهُ الْمَالِكُ لَا تَلْزَمُهُ التَّسْوِيَةُ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَلَّلَهُ بِالْمُبَاشِرِ بِالِاخْتِيَارِ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (عَلَى الْمَذْهَبِ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّمَا عَبَّرَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ نَصٌّ عَلَى تَصْدِيقِ الرَّاكِبِ دُونَ الزَّارِعِ، فَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إلَى حِكَايَةِ قَوْلَيْنِ فِيهِمَا، وَبَعْضُهُمْ قَرَّرَ النَّصَّيْنِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا. وَيَتَخَلَّصُ مِنْ الطَّرِيقِينَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَيْ كَمَا ذَكَرَ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (وَيَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ) أَيْ دُونَ الْمُسَمَّى وَإِنْ حَلَفَ عَلَيْهِ، هَذَا قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ، أَيْ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْأُجْرَةِ وَمَعَ ذَلِكَ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ، وَقَالَ الْإِمَامُ: إنْ قُلْنَا يَأْخُذُ الْمُسَمَّى وَجَبَ الْحَلِفُ عَلَى مُعَيَّنٍ، وَإِلَّا كَفَى الْحَلِفُ عَلَى الْأُجْرَةِ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (يَوْمَ التَّلَفِ) وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّا لَوْ ضَمَّنَا فِيهَا الْأَقْصَى أَوْ يَوْمَ الْقَبْضِ، لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى تَضْمِينِ الْأَجْزَاءِ الْمُنْسَحِقَةِ بِالِاسْتِعْمَالِ، وَقِيلَ: بِالْأَقْصَى؛ لِأَنَّهَا لَوْ تَلِفَتْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَأَوْجَبْنَا قِيمَتَهَا، وَقِيلَ: يَوْمَ الْقَبْضِ كَالْفَرْضِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015