دُونَ الْأَوَّلِ، وَنَشَأَ الثَّالِثُ الْمَزِيدُ عَلَى الْمُحَرَّرِ مِنْ جَمْعِ الْمَسْأَلَتَيْنِ

(وَالْمُسْتَعِيرُ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ لَا يَضْمَنُ) التَّالِفَ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ، وَهُوَ لَا يَضْمَنُ. وَالثَّانِي قَالَ: يَضْمَنُ كَالْمُسْتَعِيرِ مِنْ الْمَالِكِ

(وَلَوْ تَلِفَتْ دَابَّتُهُ فِي يَدِ وَكِيلٍ بَعَثَهُ فِي شُغْلِهِ، أَوْ فِي يَدِ مَنْ سَلَّمَهَا إلَيْهِ لِيُرَوِّضَهَا) أَيْ يُعَلِّمَهَا، (فَلَا ضَمَانَ) عَلَى الْوَكِيلِ أَوْ الرَّائِضِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهَا لِغَرَضِ نَفْسِهِ فَلَيْسَ مُسْتَعِيرًا

(وَلَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَعِيرِ (الِانْتِفَاعُ بِحَسَبِ الْإِذْنِ، فَإِنْ أَعَارَهُ لِزِرَاعَةِ حِنْطَةٍ زَرَعَهَا، وَمِثْلَهَا) وَدُونَهَا فِي ضَرَرِ الْأَرْضِ (إنْ لَمْ يَنْهَهُ) عَنْ غَيْرِهَا، فَإِنْ نَهَاهُ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ زَرْعُهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَزْرَعَ مَا فَوْقَهَا كَالذُّرَةِ وَالْقُطْنِ، (أَوْ الشَّعِيرِ لَمْ يَزْرَعْ مَا فَوْقَهُ كَحِنْطَةٍ) فَإِنَّ ضَرَرَهَا فَوْقَ ضَرَرِهِ، (وَلَوْ أَطْلَقَ الزِّرَاعَةَ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ وَيَزْرَعُ مَا شَاءَ) لِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ، وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ لِتَفَاوُتِ الضَّرَرِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَوْ قِيلَ: يَصِحُّ وَلَا يَزْرَعُ إلَّا أَقَلَّ الْأَنْوَاعِ ضَرَرًا لَكَانَ مَذْهَبًا، وَسَكَتَ عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ.

(وَإِذَا اسْتَعَارَ لِبِنَاءٍ أَوْ غَرْسٍ فَلَهُ الزَّرْعُ، وَلَا عَكْسُ) ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُمَا أَكْثَرُ، (وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَغْرِسُ مُسْتَعِيرٌ لِبِنَاءٍ، وَكَذَا الْعَكْسُ) لِاخْتِلَافِ جِنْسِ الضَّرَرِ، إذْ ضَرَرُ الْبِنَاءِ فِي ظَاهِرِ الْأَرْضِ أَكْثَرُ، وَضَرَرُ الْغِرَاسِ فِي بَاطِنِهَا أَكْثَرُ لِانْتِشَارِ عُرُوقٍ، وَالثَّانِي يَجُوزُ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ لِلتَّأْبِيدِ

(وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّهُ لَا تَصِحُّ إعَارَةُ الْأَرْضِ مُطْلَقَةً، بَلْ يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ نَوْعِ الْمَنْفَعَةِ) مِنْ زَرْعٍ أَوْ غَيْرِهِ كَالْإِجَارَةِ، وَالثَّانِي يَصِحُّ، وَيُحْتَمَلُ فِيهَا مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي الْإِجَارَةِ، وَيَنْتَفِعُ بِهَا كَيْفَ شَاءَ.

وَقَالَ الرُّويَانِيُّ: يَنْتَفِعُ بِمَا هُوَ الْعَادَةُ فِيهَا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا أَحْسَنُ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ. وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ قَالَ: أَعَرْتُكهَا لِتَنْتَفِعَ بِهَا كَيْفَ شَاءَ.

وَقَالَ الرُّويَانِيُّ، يَنْتَفِعُ بِمَا هُوَ الْعَادَةُ فِيهَا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا أَحْسَنُ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ قَالَ: أَعَرْتُكهَا لِتَنْتَفِعَ بِهَا كَيْفَ شِئْت فَوَجْهَانِ، يُؤْخَذُ تَصْحِيحُ الصِّحَّةِ مِنْ نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْإِجَارَةِ، وَكَالْأَرْضِ فِيمَا ذُكِرَ الدَّابَّةُ تَصْلُحُ لِلرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ، أَمَّا مَا يُنْتَفَعُ بِهِ بِوَجْهٍ وَاحِدٍ كَالْبِسَاطِ الَّذِي لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلْفَرْشِ، فَلَا حَاجَةَ فِي إعَارَتِهِ إلَى بَيَانِ الِانْتِفَاعِ

ـــــــــــــــــــــــــــــSجَمِيعُهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمِثْلُهُ مَاءُ الْوُضُوءِ وَنَحْوُهُ. قَوْلُهُ: (الْمَزِيدُ عَلَى الْمُحَرَّرِ) وَعَلَى الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحِ.

قَوْلُهُ: (مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ) أَيْ إجَارَةً صَحِيحَةً ظَاهِرَةً وَلَوْ بَعْدَ التَّعَدِّي فِيهَا مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ، وَيَلْحَقُ بِهِ كُلُّ مَالِكِ مَنْفَعَةٍ كَمُوصًى لَهُ وَمَنْفَعَةٌ هِيَ رَأْسُ مَالٍ، أَوْ صَدَاقٌ، أَوْ مَصَالِحُ بِهَا، أَوْ سَلَمٌ، أَوْ مَوْقُوفَةٌ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (دَابَّتُهُ) أَيْ الْمَالِكِ، وَمِثْلُهُ الْمُسْتَعِيرُ حَيْثُ جَازَتْ لَهُ الْإِنَابَةُ. قَوْلُهُ: (يُعَلِّمَهَا) أَيْ السَّيْرَ الَّذِي يَسْتَرِيحُ بِهِ رَاكِبُهَا. قَوْلُهُ: (فَلَا ضَمَانَ) مَا لَمْ يَسْتَعْمِلْهَا فِي غَيْرِ الْمَأْذُونِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ سَلَّمَهُ عَبْدًا لِيُعَلِّمَهُ حِرْفَةً وَاسْتَعْمَلَهُ فِي غَيْرِهَا كَخِدْمَةٍ.

فَرْعٌ: لَوْ اسْتَعَارَ عَبْدَيْنِ مِنْ مَالِكِهِمَا فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَاقْتَصَّ الْمَالِكُ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ. قَوْلُهُ: (بِحَسْبِ الْإِذْنِ) أَيْ بِحَسْبِ مَا يَقْتَضِيهِ الْعُرْفُ فِيهِ، وَمِنْهُ تَكْرَارُ الِانْتِفَاعِ بِنَحْوِ لُبْسِ ثَوْبٍ، وَرُكُوبِ دَابَّةٍ، وَسُكْنَى دَارٍ مَا لَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَرَّةٍ أَوْ مُدَّةٍ، وَلَوْ عَدَلَ عَنْ الطَّرِيقِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، أَوْ جَاوَزَ مَحَلًّا أُذِنَ لَهُ فِي وُصُولِهِ صَارَ ضَامِنًا وَلَزِمَتْهُ أُجْرَةُ مَا جَاوَزَهُ فَقَطْ، وَلَهُ الرُّكُوبُ فِي الْعَوْدِ مِنْهُ كَمَا مَرَّ قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَزْرَعَ مَا فَوْقَهَا) وَإِذَا زَرَعَ ذَلِكَ صَارَ مُتَعَدِّيًا وَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَلِلْمَالِكِ قَلْعُهُ مَجَّانًا وَالْعَارِيَّةُ بَاقِيَةٌ فَلَهُ زَرْعُ مَا أُبِيحَ لَهُ بَعْدَ قَلْعِ الْأَوَّلِ.

وَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا مَا يُفْهِمُ خِلَافَهُ فَرَاجِعْهُ، وَلَا يَزْرَعُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا إلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ. قَوْلُهُ: (كَحِنْطَةٍ) وَالْقَوْلُ دُونَهَا وَفَوْقَ الشَّعِيرِ. قَوْلُهُ: (مَا شَاءَ) أَيْ مِمَّا اُعْتِيدَ زَرْعُهُ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَلَوْ نَادِرًا أَوْ مُضِرًّا. قَوْلُهُ: (لِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ) بِقَوْلِهِ زُرِعَ

قَوْلُهُ: (لِتَنْتَفِعَ بِهَا كَيْفَ شِئْت) هَذَا تَعْمِيمٌ قَوْلُهُ: (تَصْحِيحُ الصِّحَّةِ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: وَلَهُ أَنْ يَزْرَعَ مَا شَاءَ جَزْمًا، وَقَيَّدَهُ شَيْخُنَا بِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ كَالْإِطْلَاقِ الْمُتَقَدِّمِ، وَلَا يَجُوزُ دَفْنُ الْمَيِّتِ إلَّا بِالنَّصِّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (يُنْتَفَعُ بِهِ بِوَجْهٍ وَاحِدٍ) وَكَذَا مَا الْمَقْصُودُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَجْهٌ وَاحِدٌ.

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُ الْمَتْنِ: (وَالْمُسْتَعِيرُ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ) لَوْ كَانَ هَذَا الْمُسْتَأْجِرُ مُسْتَأْجِرًا مِنْ غَاصِبٍ، وَتَلِفَتْ الْعَيْنُ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ رَجَعَ بِمَا غَرِمَهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَهُوَ يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (زَرَعَهَا وَمِثْلَهَا) تَعَرَّضَ هُنَا لِمَا يَجُوزُ، وَتَرَكَ مَا لَا يَجُوزُ، وَعُكِسَ فِي الشَّعِيرِ إحَالَةٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ.

فَرْعٌ: لَوْ فَعَلَ مَا مُنِعَ مِنْهُ، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: الْمُتَّجَهُ أَنَّ عَلَيْهِ أُجْرَةَ الْمِثْلِ، لَا مَا زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ بِعُدُولِهِ عَنْ الْمُسْتَحَقِّ لَهُ كَالرَّادِّ لِمَا أُبِيحَ لَهُ، وَرَجَّحَ السُّبْكِيُّ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ عِنْدَهُ لَا تَبْطُلُ بِذَلِكَ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَوْ أَطْلَقَ الزِّرَاعَةَ) صُورَةُ الْإِطْلَاقِ أَنْ يَقُولَ: لِتَزْرَعْ مَا شِئْت فَهُوَ عَامٌّ. فَيَزْرَعُ مَا شَاءَ، وَلَا يَأْتِي فِيهِ الْخِلَافُ.

قَوْلُهُ: (وَيُحْتَمَلُ فِيهَا) أَيْ؛ لِأَنَّهَا مَكْرَمَةٌ وَمَعُونَةٌ، وَأَيْضًا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ. قَوْلُهُ: (كَيْفَ شَاءَ) قَالَ الرَّافِعِيُّ: إلَّا دَفْنَ الْمَوْتَى؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اللُّزُومِ، أَيْ فَلَا يُسْتَفَادُ إلَّا بِالنَّصِّ عَلَيْهِ. أَقُولُ: وَهَذَا يَجْرِي فِي مَسْأَلَةِ الشَّارِحِ الْآتِيَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015