الْكَفِيلُ بِتَسْلِيمِهِ فِي مَكَانِ التَّسْلِيمِ) الْمَذْكُورِ (بِلَا حَائِلٍ كَمُتَغَلِّبٍ) يَمْنَعُ الْمَكْفُولَ لَهُ عَنْهُ فَمَعَ وُجُودِ الْحَائِلِ لَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ (وَبِأَنْ يَحْضُرَ الْمَكْفُولُ وَيَقُولَ) لِلْمَكْفُولِ لَهُ (سَلَّمْت نَفْسِي عَنْ جِهَةِ الْكَفِيلِ وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ حُضُورِهِ) عَنْ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ (فَإِنْ غَابَ لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلُ إحْضَارَهُ إنْ جَهِلَ مَكَانَهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ عَرَفَ مَكَانَهُ (فَيَلْزَمُهُ) إحْضَارُهُ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَمَا دُونَهَا (وَيُمْهَلُ مُدَّةَ ذَهَابٍ وَإِيَابٍ، فَإِنْ مَضَتْ وَلَمْ يُحْضِرْهُ حُبِسَ، وَقِيلَ: إنْ غَابَ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَمْ يَلْزَمْهُ إحْضَارُهُ) ، وَلَوْ كَانَ غَائِبًا حِينَ الْكَفَالَةِ بِرِضَاهُ، فَالْحُكْمُ فِي إحْضَارِهِ كَمَا لَوْ غَابَ بَعْدَ الْكَفَالَةِ بِمَسَافَةِ الْإِحْضَارِ تَتَقَيَّدُ غَيْبَتُهُ فِي صِحَّةِ كَفَالَتِهِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ. وَقَوْلُهُ: حُبِسَ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ إلَى أَنْ يَتَعَذَّرَ إحْضَارُ الْمَكْفُولِ بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا مَاتَ وَدُفِنَ لَا يُطَالَبُ الْكَفِيلُ بِالْمَالِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَالثَّانِي يَقُولُ: الْكَفَالَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــSالْكَفَالَةِ مِنْ الْإِذْنِ فِي مَحَلِّ التَّسْلِيمِ، فَإِنْ سَكَتَ عَنْهُ فَسَدَتْ وَلَا يُغْنِي عَنْهُ مُطْلَقُ الْإِذْنِ، قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ إنْ عَيَّنَ مَكَانَ التَّسْلِيمِ) أَيْ عَيَّنَهُ الْكَافِلُ وَالْمَكْفُولُ لَهُ أَيْ مَعَ إذْنِ الْمَكْفُولِ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (تَعَيَّنَ) أَيْ إنْ صَلَحَ وَإِلَّا بَطَلَتْ الْكَفَالَةُ.
قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَمَكَانُهَا يَتَعَيَّنُ) أَيْ إنْ صَلَحَ وَلَمْ يَكُنْ مُؤْنَةٌ وَإِلَّا فَعَلَى مَا مَرَّ فِي مَكَانِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ، وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي اعْتِبَارِ الْمُؤْنَةِ هُنَا؛ لِأَنَّ مُؤْنَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي مَالِ نَفْسِهِ فَتَأَمَّلْهُ.
قَوْلُهُ: (وَيَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِتَسْلِيمِهِ فِي مَكَانِ التَّسْلِيمِ) أَيْ وَزَمَانِهِ وَفِي غَيْرِهِمَا مَا مَرَّ فِي حُضُورِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ، فِي غَيْرِهِمَا فَلَا يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ إنْ كَانَ لَهُ غَرَضٌ فِي الِامْتِنَاعِ كَإِعَانَةِ أَهْلِهِ لَهُ، وَإِلَّا أُجْبِرَ عَلَيْهِ، فَإِنْ امْتَنَعَ قَبِلَهُ الْحَاكِمُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ أَشْهَدَ عَلَيْهِ، وَبَرِئَ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (وَبِأَنْ يَحْضُرَ الْمَكْفُولُ) أَيْ بِنَفْسِهِ أَوْ وَلِيِّهِ أَوْ وَارِثِهِ وَفِي الِامْتِنَاعِ مَا مَرَّ، وَيَكْفِي فِي التَّسْلِيمِ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَانَ قَالَ فِي صِيغَتِهِ: أَحْضِرْهُ كُلَّمَا طَلَبَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَيَكْفِي تَسْلِيمُهُ وَلَوْ مَحْبُوسًا إنْ كَانَ بِحَقٍّ، وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ سَلَّمَهُ أَجْنَبِيٌّ وَرَضِيَ بِهِ الدَّائِنُ بَرِئَ الْكَفِيلُ، وَكَذَا لَوْ سَلَّمَهُ الْأَجْنَبِيُّ بِإِذْنِ الْكَفِيلِ، وَلَوْ كَفَلَ بِهِ اثْنَانِ فَسَلَّمَهُ أَحَدُهُمَا عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَبْرَأْ الْآخَرُ أَوْ عَنْهُمَا، وَقَبِلَهُ الدَّائِنُ أَوْ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ بَرِئَا مَعًا، وَقَالَ سم عَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ؛ لَا يَبْرَأُ الثَّانِي مُطْلَقًا، وَفَارَقَ الْأَجْنَبِيُّ بِأَنَّ التَّسْلِيمَ هُنَا وَاجِبٌ وَلَوْ كَفَلَ وَاحِدٌ الِاثْنَيْنِ فَسَلَّمَهُ لِأَحَدِهِمَا، لَمْ يَبْرَأْ مِنْ حَقِّ الْآخَرِ، وَيَبْرَأُ بِقَوْلِ الْمَكْفُولِ لَهُ أَبْرَأْتُكَ مِنْ حَقِّي أَوْ لَا حَقَّ لِي عَلَى الْأَصِيلِ عَلَى الْأَصَحِّ، كَمَا لَوْ قَالَ: لَا دَعْوَى لِي عَلَى زَيْدٍ، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْت فِي ثَوْبِهِ دُونَ دَارِهِ لَمْ يُقْبَلْ. قَوْلُهُ: (إنْ جَهِلَ مَكَانَهُ) وَيَصْدُقُ فِي دَعْوَاهُ الْجَهْلَ. قَوْلُهُ: (فَيَلْزَمُهُ) إنْ قَدَرَ وَأَمِنَ الطَّرِيقُ وَلَا حَائِلَ.
قَوْلُهُ: (مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ) أَيْ مَسَافَةٍ يَقْصُرُ فِيهَا الصَّلَاةَ وَلَوْ فَوْقَ مَرْحَلَتَيْنِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (مُدَّةَ ذَهَابٍ وَإِيَابٍ) أَيْ وَإِقَامَةٍ وَانْتِظَارِ رُفْقَةٍ وَانْقِطَاعِ نَحْوِ مَطَرٍ وَحِلٍ. قَوْلُهُ: (حُبِسَ) وَيُدَامُ حَبْسُهُ إلَى حُضُورِ الْمَكْفُولِ أَوْ تَعَذُّرِهِ مَا يَأْتِي أَوْ دَفْعِهِ الدَّيْنَ، وَإِذَا دَفَعَهُ غَيْرَ مُتَبَرِّعٍ بِهِ ثُمَّ حَضَرَ الْمَكْفُولُ أَوْ تَعَذَّرَ حُضُورُهُ، بِنَحْوِ مَوْتٍ فَلَهُ اسْتِرْدَادُ مَا دَفَعَهُ أَوْ بَدَلَهُ إنْ تَلِفَ؛ لِأَنَّهُ لِخَلَاصِ نَفْسِهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ اسْتِرْدَادُهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ شَيْخِنَا تَبَعًا لِوَالِدِ شَيْخِنَا م ر كَابْنِ حَجَرٍ. وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ: أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَفِيهِ نَظَرٌ. قَوْلُهُ: (مَسَافَةٍ إلَخْ) فَعَلَى الْوَجْهِ الْمَرْجُوحِ تَتَقَيَّدُ صِحَّةُ الْكَفَالَةِ بِمَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَعَلَى الْأَصَحِّ تَصِحُّ فِي ذَلِكَ وَمَا فَوْقَهُ وَإِنْ طَالَ وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَدُفِنَ) قَيْدٌ لِمَحَلِّ الْخِلَافِ فَقَبْلَهُ لَا مُطَالَبَةَ قَطْعًا كَمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكْفِي إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يُسَلِّمْهُ الْكَفِيلُ وَلَا أَحَدٌ مِنْ جِهَتِهِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَإِنْ جَهِلَ مَكَانَهُ) ؛ لِأَنَّهُ لِعَجْزِهِ كَالْمُعْسِرِ بِالدَّيْنِ قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَيَلْزَمُهُ) أَيْ وَمَهْمَا احْتَاجَ لَهُ مِنْ الْكُلْفَةِ فَهِيَ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهَا نَاشِئَةٌ عَنْ الْتِزَامِهِ. قَوْلُهُ: (مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ) هِيَ شَامِلَةٌ لِأَوَّلِهَا وَمَا فَوْقَ الْأَوَّلِ وَهُوَ كَذَلِكَ. قَوْلُ الْمَتْنِ (وَقِيلَ إلَخْ) أَيْ كَمَا فِي غَيْبَةِ الْوَلِيِّ وَشَاهِدِ الْأَصْلِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَدُفِنَ) قَالَ السُّبْكِيُّ: وَقِيلَ الدَّفْنُ. قِيلَ: تَنْقَطِعُ الْمُطَالَبَةُ بِالْإِحْضَارِ. وَعَلَيْهِ قَالَ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ: بِطَلَبِ الْكَفَالَةِ بِهِ وَالْأَصَحُّ لَا تَنْقَطِعُ الْمُطَالَبَةُ بِالْإِحْضَارِ. قَالَ: فَإِنْ قُلْنَا تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ جَاءَ الْوَجْهَانِ فِي الْمُطَالَبَةِ بِالْمَالِ وَإِنْ قُلْنَا: لَا تَبْطُلُ لَمْ يُطَالِبْ بِالْمَالِ قَبْلَ الدَّفْنِ جَزْمًا لِعَدَمِ التَّعَذُّرِ، فَلِهَذَا قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِالدَّفْنِ اهـ. ثُمَّ رَأَيْت فِي آخِرِ كَلَامِ السُّبْكِيّ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَخْلُفْ تَرِكَةً يَنْبَغِي جَرَيَانُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُطَالَبَةِ بِالْمَالِ قَبْلَ الدَّفْنِ أَيْضًا، وَمَعَ وُجُودِ التَّرِكَةِ لَا مُطَالَبَةَ بِالْمَالِ مُطْلَقًا فَالْوَجْهُ انْتِفَاؤُهُ قَبْلَ الدَّفْنِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (لَا يُطَالِبُ الْكَفِيلُ بِالْمَالِ) هُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُطَالِبُ عَلَى الْمَرْجُوحِ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْمَالِ، وَدِيَةِ الْمَكْفُولِ، وَيُفِيدُ أَنَّ الْعُقُوبَةَ لَا يُطَالَبُ بِهَا