صَلَاحِ الدِّينِ أَوْ الْمَالِ (دَامَ الْحَجْرُ) عَلَيْهِ وَيَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ مَنْ كَانَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ قَبْلَ بُلُوغِهِ
(وَإِنْ بَلَغَ رَشِيدًا انْفَكَّ) الْحَجْرُ عَنْهُ (بِنَفْسِ الْبُلُوغِ وَأُعْطِيَ مَالُهُ. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ فَكُّ الْقَاضِي) لِأَنَّ الرُّشْدَ مُحْتَاجٌ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ وَيَنْفَكُّ عَلَى هَذَا أَيْضًا بِفَكِّ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ. وَفِي الْوَصِيِّ وَالْقَيِّمِ وَجْهَانِ (فَلَوْ بَذَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ حُجِرَ عَلَيْهِ) أَيْ حَجَرَ الْقَاضِي فَقَطْ. قِيلَ: وَالْأَبُ وَالْجَدُّ أَيْضًا.
وَفِي الْمَطْلَبِ وَالْوَصِيِّ (وَقِيلَ يَعُودُ الْحَجْرُ بِلَا إعَادَةٍ) مِنْ أَحَدٍ أَيْ يَعُودُ بِنَفْسِ التَّبْذِيرِ (وَلَوْ فَسَقَ لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ لَمْ يَحْجُرُوا عَلَى الْفَسَقَةِ وَالثَّانِي يَحْجُرُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ بَذَّرَ وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ التَّبْذِيرَ يَتَحَقَّقُ بِهِ تَضْيِيعُ الْمَالِ بِخِلَافِ الْفِسْقِ، فَقَدْ يُصَانُ مَعَهُ الْمَالُ وَلَا يَجِيءُ عَلَى الثَّانِي الْوَجْهُ الذَّاهِبُ إلَى عَوْدِ الْحَجْرِ بِنَفْسِ التَّبْذِيرِ قَالَهُ الْإِمَامُ
(وَمَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ) أَيْ سُوءِ تَصَرُّفٍ (طَرَأَ فَوَلِيُّهُ الْقَاضِي، وَقِيلَ: وَلِيُّهُ فِي الصِّغَرِ) أَيْ الْأَبُ وَالْجَدُّ. وَالْخِلَافُ وَالتَّصْحِيحُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَلَى الْوَجْهِ الذَّاهِبِ إلَى عَوْدِ الْحَجْرِ بِنَفْسِ التَّبْذِيرِ وَفِيهِمَا عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حَجْرِ الْقَاضِي الْجَزْمُ بِأَنَّهُ وَلِيُّهُ (وَلَوْ طَرَأَ جُنُونٌ فَوَلِيُّهُ وَلِيُّهُ فِي الصِّغَرِ وَقِيلَ الْقَاضِي) وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّصْحِيحَيْنِ أَنَّ السَّفَهَ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَاحْتَاجَ إلَى نَظَرِ الْقَاضِي بِخِلَافِ الْجُنُونِ
(وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهِ بَيْعٍ وَلَا شِرَاءٍ وَلَا إعْتَاقٍ وَهِبَةٍ وَنِكَاحٍ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ) هُوَ قَيْدٌ فِي الْجَمِيعِ وَسَيَأْتِي مُقَابِلُهُ (فَلَوْ اشْتَرَى أَوْ اقْتَرَضَ وَقَبَضَ وَتَلِفَ الْمَأْخُوذُ فِي يَدِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــSالْوَلِيِّ لِأَنَّهُ لَمُعَيَّنٌ. قَوْلُهُ: (دَامَ الْحَجْرُ) أَيْ جِنْسُ الْحَجْرِ؛ لِأَنَّ هَذَا حَجْرُ سَفَهٍ كَمَا مَرَّ. وَيُقَالُ لَهُ السَّفِيهُ الْمُهْمَلُ فَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ شَرْعًا.
قَوْلُهُ: (بِنَفْسِ الْبُلُوغِ) الْأَوْلَى بِالرُّشْدِ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ تَأَخَّرَ عَنْ الْبُلُوغِ كَمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (حُجِرَ عَلَيْهِ) أَيْ حَجَرَ الْقَاضِي خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَنَّهُ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ، وَقَبْلَ الْحَجْرِ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ كَالرَّشِيدِ. وَيُقَالُ لَهُ السَّفِيهُ الْمُهْمِلُ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (طَرَأَ) بِخِلَافِ الْمُسْتَمِرِّ فَوَلِيُّهُ وَلِيُّهُ فِي الصِّغَرِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَالْخِلَافُ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَا فِي الْمِنْهَاجِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ، وَيَبْقَى النَّظَرُ عَلَى الْقَوْلِ بِحَجْرِ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ أَوْ الْوَصِيِّ مِنْ وَلِيِّهِ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ الَّذِي يَقَعُ مِنْهُ الْحَجْرُ نَعَمْ يُنْدَبُ لِلْقَاضِي فِيمَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ أَمْرَهُ إلَى أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ ثُمَّ بَقِيَّةِ عَصَبَتِهِ؛ لِأَنَّهُمْ أَشْفَقُ عَلَيْهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهِ) وَلَوْ حِسًّا كَمِنْ حَجَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي. قَوْلُهُ: (بَيْعٍ وَلَا شِرَاءٍ) الْمُرَادُ تَصَرُّفٌ مَالِيٌّ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي نَعَمْ. يَصِحُّ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ، وَأَنْ يَتَبَرَّعَ بِمَنْفَعَتِهَا إذَا اسْتَغْنَى بِمَالِهِ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ فَقَوْلُهُمْ: إنَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُكَلِّفَهُ الْكَسْبَ وَيَجْبُرَهُ عَلَيْهِ يُحْمَلُ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا إعْتَاقٍ) وَلَوْ بِكِتَابَةٍ أَوْ تَعْلِيقٍ أَوْ عَنْ كَفَّارَتِهِ أَوْ بِعِوَضٍ مِنْ غَيْرِهِ، وَيُكَفَّرُ بِالصَّوْمِ نَعَمْ، لِوَلِيِّهِ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ فِي الْقَتْلِ بِالْإِعْتَاقِ. قَوْلُهُ: (وَهِبَةٍ) أَيْ مِنْهُ لِأَنَّهُ الْمُقْسِمُ وَتَصِحُّ الْهِبَةُ لَهُ وَيَقْبَلُهَا بِنَفْسِهِ، وَإِنْ مَنْعَهُ الْوَلِيُّ وَيَقْبِضُهَا أَيْضًا كَوُجُوبِ الْفَوْرِ فِيهَا بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ، وَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ قَبُولُهُمَا وَسَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (قَيَّدَ فِي الْجَمِيعِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَجْرُ) أَيْ لِمَفْهُومٍ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: 6] وَالْمُرَادُ جِنْسُ الْحَجْرِ لَا خُصُوصُ حَجْرِ الصِّبَا الَّذِي كَانَ، فَإِنَّهُ انْقَطَعَ بِالْبُلُوغِ وَخَلَفَهُ حَجْرُ السَّفَهِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَإِنْ بَلَغَ رَشِيدًا) مِثْلُهُ لَوْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ ثُمَّ رَشَدَ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَأُعْطِيَ مَالَهُ) أَشَارَ إلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ قَالَ: إنَّ الْمَرْأَةَ إذَا رَشَدَتْ، لَا يُدْفَعُ لَهَا الْمَالُ حَتَّى تُزَوَّجَ ثُمَّ تُمْنَعَ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا مَا لَمْ تَصِرْ عَجُوزًا. قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَلَوْ بَذَرَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَخْ) خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةُ لَنَا آيَة: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] أَيْ أَمْوَالَهُمْ بِدَلِيلِ بَاقِي الْآيَةِ.
فَرْعٌ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ فِي السَّفَهِ. قَوْلُهُ: (مِنْ أَحَدٍ) قِيَاسًا عَلَى الْجُنُونِ، وَرَدَّ بِأَنَّهُ قَدْ يَصْدُرُ مِنْهُ تَصَرُّفَاتٌ يُعْسَرُ نَقْضُهَا. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي يَحْجُرُ عَلَيْهِ) أَيْ إذَا رَأَى الْحَاكِمُ ذَلِكَ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَا يَصِحُّ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ تَصْحِيحَ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ مَعْنَى الْحَجْرِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَا شِرَاءٌ) وَلَا بِغِبْطَةٍ وَلَوْ فِي الذِّمَّةِ، وَلَوْ لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ ظِهَارٍ صَامَ كَالْمُعْسِرِ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، فَإِنَّ وَلِيَّهُ يُعْتِقُ مِنْ مَالِ السَّفِيهَ، وَإِنَّمَا مَنَعُوا صِحَّةَ الشِّرَاءِ فِي الذِّمَّةِ، لِيُطَالِبَ بِهِ بَعْدَ الرُّشْدِ بِخِلَافِ نَظِيرٍ مِنْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ هُنَا لِحَقِّ السَّفِيهِ وَهُنَاكَ لِحَقِّ السَّيِّدِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَا إعْتَاقٌ) أَيْ وَلَوْ كِتَابَةً. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَهِبَةٌ) أَيْ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (هُوَ قَيْدٌ