فَصْلٌ شَرْطُ الْمَرْهُونِ بِهِ لِيَصِحَّ الرَّهْنُ (كَوْنُهُ دَيْنًا ثَابِتًا لَازِمًا فَلَا يَصِحُّ) الرَّهْنُ (بِالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْمُسْتَعَارَةِ) وَالْمَأْخُوذَةِ بِالسَّوْمِ. (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهَا لَا تُسْتَوْفَى مِنْ ثَمَنِ الْمَرْهُونِ، وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِغَرَضِ الرَّهْنِ عِنْدَ الْبَيْعِ، وَالثَّانِي لَا يَلْتَزِمُ هَذَا الْغَرَضَ، وَقَاسَ الرَّهْنَ بِهَا عَلَى ضَمَانِهَا لِتُرَدَّ بِجَامِعِ التَّوَثُّقِ وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ ضَمَانَهَا لَا يَجُرُّ لَوْ لَمْ تَتْلَفْ إلَى ضَرَرٍ بِخِلَافِ الرَّهْنِ بِهَا فَيَجُرُّ إلَى ضَرَرِ دَوَامِ الْحَجْرِ فِي الْمَرْهُونِ، وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ خَرَجَتْ عَنْ الصِّحَّةِ بِقَوْلِهِ دَيْنًا.
(وَلَا) يَصِحُّ الرَّهْنُ (بِمَا سَيُقْرِضُهُ) وَلَا بِثَمَنِ مَا يَشْتَرِيه لِأَنَّهُ وَثِيقَةُ حَقٍّ فَلَا يُقَدَّمُ عَلَى الْحَقِّ كَالشَّهَادَةِ، وَعَنْ ذَلِكَ الدَّاخِلِ فِي الدَّيْنِ بِيَجُوزُ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ ثَابِتًا. (وَلَوْ قَالَ: أَقْرَضْتُك هَذِهِ الدَّرَاهِمَ وَارْتَهَنْت بِهَا عَبْدَك فَقَالَ: اقْتَرَضْت وَرَهَنَتْ، أَوْ قَالَ: بِعْتُكَهُ بِكَذَا أَوْ ارْتَهَنْت الثَّوْبَ بِهِ فَقَالَ
ـــــــــــــــــــــــــــــSوَلَا بِالْقِسْمَةِ لِأَنَّ الْمُوجَبَ يُشْبِهُ الْآثَارَ الْمَوْجُودَةَ وَالطَّارِئَةَ وَيَتَخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ مِنْ الْهِبَةِ وَالْإِجَارَةِ وَتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْعِصْمَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ ذَلِكَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ عَنْ وَالِدِهِ وَاعْتَمَدَهُ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَمَحَلُّ النُّفُوذِ فِي الطَّارِئَةِ فِيمَا إذَا حَكَمَ بِالْمُوجَبِ أَنْ يَصِحَّ تَوَجُّهُ الْحُكْمِ إلَيْهَا وَقْتَ الْحُكْمِ فَلَوْ عَلَّقَ شَخْصٌ طَلَاقَ أَجْنَبِيَّةٍ عَلَى نِكَاحِهِ لَهَا، وَحَكَمَ مَالِكِيٌّ بِمُوجَبِهِ فَلَهُ بَعْدَ عَقْدِهِ عَلَيْهَا رَفْعُ الْأَمْرِ لِشَافِعِيٍّ لِيَحْكُمَ لَهُ بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ لِأَنَّ السَّبَبَ الَّذِي عَلَّقَ عَلَيْهِ الطَّلَاقَ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا وَقْتَ الْحُكْمِ، فَهُوَ كَقَوْلِ الْحَاكِمِ حَكَمْت عَلَى فُلَانٍ بِصِحَّةِ رَهْنِهِ إذَا رَهَنَ أَوْ بِبَيْعِ عَبْدِهِ إذَا جَنَى، قَالَ: وَهَذَا وَاضِحٌ جَلِيٌّ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ مَا يُخَالِفُهُ لِمَنْ أَنْصَفَ وَإِنْ كَانَ فِي كَلَامِ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ خِلَافُهُ وَسَيَأْتِي لِذَلِكَ مَزِيدُ بَيَانٍ فِي الْقَضَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فَصْلٌ فِي بَقِيَّةِ أَرْكَانِ الرَّهْنِ وَهُوَ الْمَرْهُونُ بِهِ الَّذِي هُوَ الدَّيْنُ وَمَا يَجُوزُ فِيهِ لِلرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ وَمَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِمَا وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (شَرْطُ الْمَرْهُونِ بِهِ) هُوَ مُفْرَدٌ مُضَافٌ أَيْ شُرُوطُهُ وَهِيَ خَمْسَةٌ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (كَوْنُهُ دَيْنًا) وَلَوْ مَنْفَعَةً فِي الذِّمَّةِ كَمَا يَأْتِي ثَابِتًا أَيْ مَوْجُودًا لَازِمًا أَيْ فِي نَفْسِهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي وَمَعْلُومًا وَمُعَيَّنًا كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَالْمُسْتَعَارَةِ) وَمِثْلُهَا كُلُّ مَا يَجِبُ رَدُّهُ فَوْرًا كَالْأَمَانَةِ الشَّرْعِيَّةِ لَا نَحْوِ الْوَدِيعَةِ: قَوْلُهُ (لِأَنَّهَا لَا تُسْتَوْفَى إلَخْ) لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ الْعَيْنُ الْمَخْصُوصَةُ، وَهِيَ لَا تُسْتَوْفَى مِنْ الثَّمَنِ الْمَرْهُونِ بِهَا لَوْ قُلْنَا بِهِ وَمِنْهُ يُعْلَمُ عَدَمُ صِحَّةِ الرَّهْنِ فِي الْمَوْقُوفِ، فَلَوْ شَرَطَهُ الْوَاقِفُ لَغَا الشَّرْطُ إنْ أَرَادَ الرَّهْنَ الشَّرْعِيَّ، وَلِلنَّاظِرِ الْإِخْرَاجُ بِلَا رَهْنٍ، فَإِنْ أَرَادَ الرَّهْنَ اللُّغَوِيَّ بِمَعْنَى التَّوَثُّقِ أَوْ أَطْلَقَ صَحَّ الشَّرْطُ وَلَا يَجُوزُ الْإِخْرَاجُ إلَّا بِرَهْنٍ وَافٍ بِهِ لِيَكُونَ بَاعِثًا عَلَى رَدِّهِ وَلَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ الْمَوْقُوفُ لَوْ تَلِفَ وَلَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ مَحَلِّهِ اتَّبَعَ، فَإِنْ تَعَسَّرَ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِيهِ جَازَ إخْرَاجُهُ لِغَيْرِهِ مَعَ أَمِينٍ يَرُدُّهُ بَعْدَ الِانْتِفَاعِ بِهِ.
قَوْلُهُ: (لَوْ لَمْ تَتْلَفْ) قَيْدٌ لِمَحَلِّ الْفَرْقِ إذْ بَعْدَ التَّلَفِ يَبْطُلُ الرَّهْنُ كَالضَّمَانِ.
قَوْلُهُ: (وَعَنْ ذَلِكَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الدُّيُونَ تُوصَفُ فِي ذَاتِهَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِدَيْنٍ مُعَيَّنٍ بِالثُّبُوتِ وَاللُّزُومِ فَيُقَالُ: دَيْنُ الْقَرْضِ ثَابِتٌ لَازِمٌ وَثَمَنُ الْمَبِيعِ كَذَلِكَ، وَهَكَذَا تُوصَفُ بِالنَّظَرِ لِدَيْنٍ مُعَيَّنٍ بِبُعْدِ تِلْكَ الْأَوْصَافِ فَمَا يُرِيدُ أَنْ يُقْرِضَهُ زَيْدٌ لِعَمْرٍو لَا يُوصَفُ بِشَيْءٍ قَبْلَ وُقُوعِ عَقْدِ الْقَرْضِ حَقِيقَةً، وَيُوصَفُ بِالثُّبُوتِ بِحَسَبِ الْمَآلِ مَجَازًا وَبَعْدَهُ وَقَبْلَ الْقَبْضِ يُوصَفُ بِالثُّبُوتِ أَيْ الْوُجُودِ حَقِيقَةً وَبِاللُّزُومِ فِي الْمَآلِ مَجَازًا، وَبَعْضُ الْقَبْضِ يُوصَفُ بِالثُّبُوتِ وَاللُّزُومِ حَقِيقَةً وَكَذَا ثَمَنُ مَا يَبِيعُهُ زَيْدٌ لِعَمْرٍو، فَقِيلَ وُقُوعُ الْعَقْدِ لَا يُوصَفُ بِشَيْءٍ كَمَا مَرَّ، وَبَعْدَهُ مَعَ الْخِيَارِ يُوصَفُ بِالثُّبُوتِ حَقِيقَةً وَبِاللُّزُومِ بِحَسَبِ الْمَآلِ مَجَازًا وَبِلَا خِيَارٍ يُوصَفُ بِالثُّبُوتِ وَاللُّزُومِ حَقِيقَةً فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَافْهَمْهُ فَهُوَ مِمَّا يُهْتَمُّ بِمَعْرِفَتِهِ وَحِفْظِهِ. قَوْلُهُ: (اقْتَرَضْت وَرَهَنْت) فَإِنْ لَمْ يَقُلْ وَرَهَنْت بَطَلَ الْقَرْضُ وَالرَّهْنُ وَكَذَا فِي صُورَةِ الْبَيْعِ بَعْدَهُ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: ارْتَهَنْت مَا لَوْ قَالَ: بِشَرْطِ أَنْ تَرْهَنَنِي بِهِ الثَّوْبَ، أَوْ عَلَى أَنْ تَرْهَنَنِي بِهِ الثَّوْبَ، فَإِنْ قَالَ الْقَابِلُ فِي جَوَابِهِ: اقْتَرَضْت وَرَهَنْت، أَوْ اشْتَرَيْت وَرَهَنْت،
ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ شَرْطُ الْمَرْهُونِ بِهِ]
قَوْلُهُ: (احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ ثَابِتًا) كَذَا خَرَجَ بِهِ أَيْضًا مَا جَرَى سَبَبُ وُجُوبِهِ، وَلَمْ يَجِبْ كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ فِي الْغَدِ.
قَوْلُهُ: (لِانْتِهَاءِ الْأَمْرِ