مَحَلِّ الْإِقْرَاضِ وَلِلنَّقْلِ) مِنْ مَحَلِّهِ إلَى غَيْرِهِ (مُؤْنَةٌ طَالَبَهُ بِقِيمَةِ بَلَدِ الْإِقْرَاضِ) يَوْمَ الْمُطَالَبَةِ وَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْمِثْلِ. وَإِذَا أَخَذَ الْقِيمَةَ وَعَادَ إلَى بَلَدِ الْإِقْرَاضِ فَهَلْ لَهُ رَدُّهَا وَمُطَالَبَتُهُ بِالْمِثْلِ. وَهَلْ لِلْمُقْتَرِضِ الْمُطَالَبَةُ بِرَدِّ الْقِيمَةِ وَجْهَانِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ أَصَحُّهُمَا لَا كَمَا رَأَيْته فِي خَطِّهِ مُصَحَّحًا عَلَيْهِ. وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِجَوَازِ الِاعْتِيَاضِ عَنْ الْقَرْضِ وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ كَالنَّقْدِ فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِهِ كَمَا فُهِمَ هُنَا عَلَى وَفْقِ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ
(وَلَا يَجُوزُ) الْإِقْرَاضُ فِي النَّقْدِ وَغَيْرِهِ (بِشَرْطِ رَدِّ صَحِيحٍ عَنْ مُكَسَّرٍ أَوْ) رَدُّ (زِيَادَةٍ) أَوْ رَدُّ الْجَيِّدِ عَنْ الرَّدِيءِ وَيَفْسُدُ بَذْلُ الْعَقْدِ (فَلَوْ رَدَّ هَكَذَا بِلَا شَرْطٍ فَحَسَنٌ) لِمَا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ: «إنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً» .
وَفِي الرَّوْضَةِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا: يُسْتَحَبُّ لِلْمُسْتَقْرِضِ أَنْ يَرُدَّ أَجْوَدَ مِمَّا أَخَذَ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ. وَلَا يُكْرَهُ لِلْمُقْرِضِ أَخْذُ ذَلِكَ (وَلَوْ شَرَطَ مُكَسَّرًا عَنْ صَحِيحٍ أَوْ أَنْ يُقْرِضَهُ غَيْرَهُ) أَيْ شَيْئًا آخَرَ (لَغَا الشَّرْطُ) أَيْ لَا يُعْتَبَرُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ) وَقِيلَ: يَفْسُدُ لِأَنَّ مَا شُرِطَ فِيهِ عَلَى خِلَافِ قَضِيَّتِهِ (وَلَوْ شَرَطَ أَجَلًا فَهُوَ كَشَرْطِ مُكَسَّرٍ عَنْ صَحِيحٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُقْرِضِ غَرَضٌ) فَلَا يُعْتَبَرُ الْأَجَلُ وَيَصِحُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــSالرَّوْضَةِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمَنْهَجِ وَهُوَ الصَّوَابُ إذْ لَا يَدْخُلُ الْقَرْضَ أَجَلٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَشَارَ بِهِ إلَى وُجُوبِ قَبُولِهِ إذَا أَحْضَرَهُ فِي زَمَنِ نَهْبٍ كَالسَّلَمِ الْحَالِ، وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا عَدَمَ وُجُوبِ قَبُولِهِ فِي ذَلِكَ هُنَا لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ بِخِلَافِ السَّلَمِ وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَثْبُتُ فِي الْقَرْضِ الْأَجَلُ ابْتِدَاءً وَكَذَا انْتِهَاءً كَسَائِرِ الدُّيُونِ الْحَالَّةِ عِنْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَالْمَكَانِ) هُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ ظَفِرَ إلَخْ وَأَمَّا مَكَانُ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ فَلَمْ يَذْكُرْهُ وَهُوَ كَمَا فِي السَّلَمِ الْمُتَقَدِّمِ. قَوْلُهُ: (إلَى غَيْرِهِ) وَهُوَ مَحَلُّ الظُّفْرِ. قَوْلُهُ: (مُؤْنَةٌ) وَلَمْ يَتَحَمَّلْهَا الْمُقْرِضُ وَكَالْمُؤْنَةِ ارْتِفَاعُ الْأَسْعَارِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (يَوْمَ الْمُطَالَبَةِ) أَيْ وَقْتَ وُجُودِهَا بِالْفِعْلِ كَيَوْمِ الظُّفْرِ هُنَا إنْ لَمْ يَكُنْ طَالَبَهُ قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْمِثْلِ) إنْ لَمْ يَتَحَمَّلْ الْمُقْرِضُ تِلْكَ الْمُؤْنَةَ كَمَا مَرَّ وَكَمَا تَقَدَّمَ فِي السَّلَمِ. قَوْلُهُ: (أَصَحُّهُمَا) أَيْ لَيْسَ لِلْمُقْرِضِ رَدُّ الْقِيمَةِ وَطَلَبُ الْمِثْلِ وَلَا لِلْمُقْتَرَضِ طَلَبُ الْقِيمَةِ وَدَفْعُ الْمِثْلِ فَالْقِيمَةُ الْمَأْخُوذَةُ لِلْفَيْصُولَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلَوْ كَانَ مَا دَفَعَهُ دُونَ الْقِيمَةِ لِكَذِبٍ مَثَلًا رَجَعَ بِمَا بَقِيَ.
قَوْلُهُ: (كَمَا رَأَيْته إلَخْ) أَخْبَرَ الشَّارِحُ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ رَأَى عَلَى هَامِشِ نُسْخَةِ الرَّوْضِ بِخَطِّ الْمُؤَلِّفِ قُلْت أَصَحُّهُمَا لَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَكْتُوبًا مَعَهُ لَفْظُ صَحَّ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ مِنْ الْأَصْلِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ) أَوْ تَحَمَّلَهَا الْمُقْرِضُ كَمَا مَرَّ وَلَوْ أَحْضَرَهُ لَهُ لَزِمَهُ قَبُولُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ أَوْ تَحَمَّلَهَا الدَّافِعُ، وَلَوْ بِبَذْلِهَا لَهُ لِجَوَازِ الِاعْتِيَاضِ هُنَا.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ إلَخْ) أَيْ لَا يَجُوزُ التَّلَفُّظُ بِذَلِكَ وَهُوَ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ وَيَبْطُلُ بِهِ، وَأَمَّا نِيَّةُ ذَلِكَ فَمَكْرُوهَةٌ وَلَوْ لِمَنْ عُرِفَ بِرَدِّ الزِّيَادَةِ وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ: بِالْحُرْمَةِ. قَوْلُهُ: (رَدِّ صَحِيحٍ إلَخْ) وَمِثْلُهُ كُلُّ مَا جَرَّ نَفْعًا لِلْمُقْرِضِ وَلَوْ مَعَ الْمُقْتَرِضِ كَإِقْرَاضِهِ شَيْئًا بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مِلْكَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ. قَوْلُهُ: (هَكَذَا) أَيْ زَائِدًا صِفَةً أَوْ قَدْرًا وَلَوْ فِي الرِّبَوِيِّ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ. قَوْلُهُ: (بِلَا شَرْطٍ فَحَسَنٌ) نَعَمْ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ لِمَنْ اقْتَرَضَ لِمَحْجُورِهِ أَوْ لِوَقْفٍ مِنْ مَالِ الْمَحْجُورِ أَوْ الْوَقْفِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُكْرَهُ لِلْمُقْرِضِ أَخْذُ ذَلِكَ) وَيَمْلِكُهُ بِالْأَخْذِ وَلَا رُجُوعَ بِهِ لِأَنَّهُ تَابِعٌ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى صِيغَةٍ نَعَمْ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ جَاهِلٌ بِدَفْعِ الزِّيَادَةِ أَوْ أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ مَا دَفَعَهُ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ حَلَفَ وَرَجَعَ بِهَا. قَوْلُهُ: (أَيْ لَا يُعْتَبَرُ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِاللَّغْوِ لِوُجُودِ الْخِلَافِ بَعْدَهُ إذْ مَعَ اللَّغْوِ لَا يُتَصَوَّرُ الْخِلَافُ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ يَفْسُدُ) أَيْ كَمَا فِي الرَّهْنِ وَفَرَّقَ بِقُوَّةٍ دَاعِيَةٍ الْقَرْضَ بِكَوْنِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQيُتَصَوَّرُ إحْضَارُهُ قَبْلَ الْمَحَلِّ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَا يَجُوزُ إلَخْ) دَلِيلُهُ مَا صَحَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ» ، أَيْ بَيْعٍ بِشَرْطِ قَرْضٍ أَوْ قَرْضٍ بِشَرْطِ بَيْعٍ وَأَمَّا حَدِيثُ «كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَهُوَ رِبًا» فَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى رَاوِيهِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (أَوْ أَنْ يُقْرِضَهُ غَيْرَهُ) فَاعِلُهُ ضَمِيرُ الْمُقْرِضِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَوْ شَرَطَ أَجَلًا إلَخْ) خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ يَثْبُتُ الْأَجَلُ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً بِأَنْ يُقْرِضَهُ حَالًا ثُمَّ يُؤَجِّلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَالَ أَيْضًا بِتَأْجِيلِ الْحَالِ فِي جَمِيعِ الدُّيُونِ وَعِنْدَنَا لَا يَلْزَمُ فِي الْحَالِ بِحَالٍ إلَّا بِالْإِيصَاءِ أَوْ النَّذْرِ ذَكَرَهُ فِي الْقُوتِ عَنْ الْأَصْحَابِ.
فَرْعٌ: لَوْ أَسْقَطَ الْأَجَلَ لَمْ يَسْقُطْ قَالَ السُّبْكِيُّ: لَكِنَّهُ مَعْرُوفٌ يُسْتَحَبُّ الْوَفَاءُ بِهِ قَالَ: وَمَا قَالَهُ: الْأَصْحَابُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ التَّأْجِيلِ ظَاهِرٌ لَكِنَّ قَوْلَهُمْ الْوَعْدُ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ مُشْكِلٌ لِمُخَالَفَتِهِ ظَاهِرَ الْآيَةِ وَالسَّنَةِ وَلِأَنَّ خَلْفَهُ كَذِبٌ وَهُوَ مِنْ خِصَالِ الْمُنَافِقِينَ