ثَالِثٍ الْيَدُ لَهُمَا

(وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِصَافِيَةٍ) مِنْ التِّبْنِ (وَهُوَ الْمُحَاقَلَةُ وَلَا) بَيْعُ (الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِثَمَرٍ وَهُوَ الْمُزَابَنَةُ) رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ» وَفُسِّرَا بِمَا ذَكَرَ. وَالْمَعْنَى فِي الْبُطْلَانِ فِيهِمَا عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْمُمَاثَلَةِ وَتَزِيدُ الْمُحَاقَلَةُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْمَبِيعِ فِيهَا مَسْتُورٌ بِمَا لَيْسَ مِنْ صَلَاحِهِ. (وَيُرَخَّصُ فِي الْعَرَايَا وَهُوَ بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِتَمْرٍ فِي الْأَرْضِ أَوْ الْعِنَبِ فِي الشَّجَرِ بِزَبِيبٍ) رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا» وَقِيسَ الْعِنَبُ عَلَى الرُّطَبِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا زَكَوِيٌّ يُمْكِنُ خَرْصُهُ وَيُدَّخَرُ يَابِسُهُ (فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ) بِتَقْدِيرِ الْجَفَافِ بِمِثْلِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــSالْمُعْتَمَدُ كَضَمَانِ الْجَوَائِحِ. قَوْلُهُ: (وَفِي ثَالِثِ الْيَدِ لَهُمَا) وَعَلَيْهِ قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: يُقَسَّمُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ الْغَزِّيِّ لِكُلٍّ تَحْلِيفُ الْآخَرِ.

تَنْبِيهٌ: لَوْ اشْتَرَى شَجَرَةً عَلَيْهَا ثَمَرَةٌ لِلْبَائِعِ اشْتَرَطَ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ شَرْطَ الْقَطْعِ إنْ غَلَبَ تَلَاحُقُهَا وَإِلَّا فَلَا وَعَلَى كُلٍّ إذَا حَصَلَ اخْتِلَاطٌ فَكَمَا مَرَّ. فَمَنْ سَمَحَ أَجْبَرَ صَاحِبَهُ فَإِنْ تَشَاحَّا فُسِخَ الْعَقْدُ.

فَرْعٌ: الِاخْتِلَاطُ فِي الْمِثْلِيَّاتِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَقْتَضِي الشُّيُوعَ فَلَا انْفِسَاخَ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ لَمْ يَسْمَحْ لَهُ الْبَائِعُ. وَالِاخْتِلَاطُ فِي الْمُتَقَوِّمَاتِ يَقْتَضِي الِانْفِسَاخَ لِمَنْعِهِ الصِّحَّةَ ابْتِدَاءً، وَالْيَدُ لِلْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا مَرَّ.

قَوْلُهُ: (بِصَافِيَةٍ) وَلَا بِغَيْرِهَا كَمَا مَرَّ لَكِنْ لَا يُسَمَّى مُحَاقَلَةً، وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْحَقْلِ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْقَافِ جَمْعُ حَقْلَةٍ وَهِيَ السَّاحَةُ الَّتِي تُزْرَعُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَعَلُّقِهَا بِزَرْعٍ فِي حَقْلِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا بَيْعُ الرُّطَبِ) وَلَوْ خَرْصًا وَمِثْلُهُ الْعِنَبُ. قَوْلُهُ: (الْمُزَابَنَةُ) بِمِيمٍ مَضْمُومَةٍ فَزَايٍ فَمُوَحَّدَةٍ بَيْنَهُمَا أَلْفٌ فَنُونٌ، مِنْ الزَّبْنِ بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ، وَهُوَ الدَّفْعُ لَتُدَافَع الْعَاقِدَيْنِ فِيهَا بِسَبَبِ الْغَبَنِ. قَوْلُهُ: (وَفُسِّرَا) أَيْ شَرْعًا وَقَدْ عَلِمَا مِمَّا مَرَّ وَذَكَرَ هُنَا لِأَجْلِ التَّسْمِيَةِ. قَوْلُهُ: (الْعَرَايَا) جَمْعُ عَرِيَّةٍ فَعِيلَةٍ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ، أَيْ عَارِيَّةٍ عَنْ حُكْمِ بَقِيَّةِ الْبُسْتَانِ بِإِعْرَاءِ مَالِكِهَا لَهَا بِإِفْرَادِهَا لِلْأَكْلِ، فَلَا مُهَايَأَةَ عَلَى هَذَا أَوْ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ مِنْ عَرَاهُ إذَا أَتَاهُ لِأَنَّ مَالِكَهَا يَأْتِيهَا لِيَأْخُذَهَا، وَعَلَى هَذَا فَلَامُهَا وَاوٌ وَأَصْلُهَا عَرَاوٌّ وَبِوَاوَيْنِ كَمَسَاجِدَ، قُلِبَتْ أُولَاهُمَا هَمْزَةً لِلِاجْتِمَاعِ، وَالثَّانِيَةُ يَاءً لِتَطَرُّفِهَا، ثُمَّ فُتِحَتْ الْهَمْزَةُ فَقُلِبَتْ الْيَاءُ أَلْفًا ثُمَّ قُلِبَتْ الْهَمْزَةُ يَاءً لِوُقُوعِهَا بَيْنَ أَلْفَيْنِ، فَتَسْمِيَةُ الْعَقْدِ بِهَا مَجَازٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ اصْطِلَاحًا وَالتَّذْكِيرُ بِاعْتِبَارِ الْخَبَرِ. قَوْلُهُ: (بَيْعُ الرُّطَبِ) أَيْ الَّذِي لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ زَكَاةٌ بِأَنْ خَرَصَ عَلَى مَالِكِهِ، أَوْ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا وَإِلَّا بَطَلَ فِي الْجَمِيعِ لِتَحَقُّقِ الْمُفَاضَلَةِ، قَالَهُ شَيْخُنَا، وَالْوَجْهُ صِحَّتُهُ فِي غَيْرِ قَدْرِ الزَّكَاةِ بِقَدْرِهِ مِنْ الْإِجْزَاءِ كَمَا صَرَّحُوا بِمِثْلِهِ فِي الزَّكَاةِ، فَرَاجِعْهُ وَالْبُسْرُ كَالرُّطَبِ وَلَيْسَ الْحِصْرِمُ كَالْعِنَبِ لِعَدَمِ بُدُوِّ صَلَاحِهِ.

قَوْلُهُ: (بِتَمْرٍ فِي الْأَرْضِ) اعْتَمَدَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ أَنَّ الْأَرْضَ قَيْدٌ خِلَافًا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي الْمَنْهَجِ وَغَيْرِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ كَوْنُهُ عَلَى الْأَرْضِ حَالَةَ التَّسْلِيمِ فَهُوَ لَا يُخَالِفُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ لِاعْتِبَارِهِ كَيْلَهُ فَلَا حَاجَةَ لِاعْتِمَادٍ وَلَا تَضْعِيفٍ أَوْ كَوْنِهِ عَلَيْهَا حَالَةَ الْعَقْدِ، فَلَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّهُ يُقْطَعُ وَيُكَالُ فِي الْمَجْلِسِ وَوُجُودُ الرُّخْصَةِ لَا يُوجِبُ اعْتِبَارَهُ، لِوُجُودِ الْقِيَاسِ فِيهَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَرْضِ مَا لَيْسَ عَلَى الشَّجَرِ لَا حَقِيقَةُ الْأَرْضِ فَالْوَجْهُ كَلَامُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا كَوْنُ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ عَلَى الشَّجَرِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ مُسَمَّى الْعَرَايَا، وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ الرِّبَا الْمُحَرَّمِ فَتَأَمَّلْ وَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (حَثْمَةَ) بِمُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ فَمُثَلَّثَةٍ سَاكِنَةٍ. قَوْلُهُ: (الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ) بِالْمُثَلَّثَةِ فِي الْأَوَّلِ وَالْفَوْقِيَّةِ فِي الثَّانِي كَمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَقِيلَ عَكْسُهُ وَهُوَ صَحِيحٌ. قَوْلُهُ: (بِجَامِعِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى صِحَّةِ الْقِيَاسِ فِي الرُّخْصَةِ إذَا وُجِدَ فِيهَا مَعْنًى يُخَصِّصُهَا وَلَيْسَ وُجُودُ الْمَعْنَى فِيهَا مُوجِبًا لِلْقِيَاسِ كَمَا فَهِمَهُ بَعْضُهُمْ فَلَا يَرِدُ نَحْوُ الْإِبْرَادِ بِالظَّهْرِ. قَوْلُهُ: (فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ) بِقَدْرٍ يَزِيدُ عَلَى تَفَاوُتِ الْكَيْلَيْنِ فَالْخَمْسَةُ تَقْرِيبٌ وَقِيلَ تَحْدِيدٌ فَإِنْ زَادَ بَطَلَ فِي الْكُلِّ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَمْ يَنْقُلْ الرَّافِعِيُّ تَرْجِيحَ الْأَوَّلِ سِوَى عَنْ الْوَجِيزِ ثُمَّ صَرَّحَ بِرُجْحَانِهِ فِي كُتُبِهِ فَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَوَافَقَا إلَخْ) يُرِيدُ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي هُنَا بِخِلَافِ مَا قَبْلَ التَّخْلِيَةِ كَمَا سَبَقَ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (بِصَافِيَةٍ) أَيْ خَالِصَةٍ مِنْ التِّبْنِ فَيَكُونُ مِنْ قَاعِدَةِ مَدِّ عَجْوَةٍ مَعَ الِاسْتِتَارِ فِي الْأُولَى أَيْضًا، وَلَوْ بَاعَ الشَّعِيرَ فِي سُنْبُلِهِ بِحِنْطَةٍ صَافِيَةٍ جَازَ وَيَقْبِضُ الْحِنْطَةَ بِالنَّقْلِ وَالشَّعِيرَ بِالتَّخْلِيَةِ، وَلَوْ بَاعَ الزَّرْعَ قَبْلَ ظُهُورِ الْحَبِّ بِالْحَبِّ جَازَ لِأَنَّهُ حَشِيشٌ غَيْرُ مَطْعُومٍ. قَوْلُهُ: (وَفُسِّرَا بِمَا ذَكَرَ) قَالَ الرَّافِعِيُّ: فَإِنْ كَانَ التَّفْسِيرُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَاكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ الرَّاوِي فَهُوَ أَعْرَفُ مِنْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْمُمَاثَلَةِ إلَخْ) أَمَّا عَدَمُ الْعِلْمِ فِي الْأُولَى فَظَاهِرٌ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ حَالَ الْجَفَافِ. قَوْلُهُ: «نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ» الْأُولَى بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015