الْخِيَارُ فَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ، وَلَوْ تَلَقَّى الرُّكْبَانَ وَبَاعَهُمْ مَا يَقْصِدُونَ شِرَاءَهُ مِنْ الْبَلَدِ، فَهَلْ هُوَ كَالتَّلَقِّي لِلشِّرَاءِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ الْمُعْتَمَدُ مِنْهُمَا أَنَّهُ كَالتَّلَقِّي.
وَالرُّكْبَانُ جَمْعُ رَاكِبٍ (وَالسَّوْمُ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَسُومُ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ فَيَأْثَمُ مُرْتَكِبُهُ الْعَالِمُ بِهِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ الْإِيذَاءُ. (وَإِنَّمَا يَحْرُمُ ذَلِكَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ) وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ لِمَنْ أَخَذَ شَيْئًا لِيَشْتَرِيَهُ بِكَذَا رُدَّهُ حَتَّى أَبِيعَك خَيْرًا مِنْهُ بِهَذَا الثَّمَنِ أَوْ مِثْلَهُ بِأَقَلَّ أَوْ يَقُولَ لِمَالِكِهِ اسْتَرِدَّهُ لِأَشْتَرِيَهُ مِنْكَ بِأَكْثَرَ، وَلَوْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى صَحَّ وَاسْتِقْرَارُ الثَّمَنِ بِالتَّرَاضِي بِهِ صَرِيحًا فَفِي السُّكُوتِ وَغَيْرِ الصَّرِيحِ لَا يَحْرُمُ السَّوْمُ، وَقِيلَ يَحْرُمُ، وَمَا يُطَافُ بِهِ عَلَى مَنْ يَزِيدُ لِغَيْرِ مَنْ طَلَبَهُ الدُّخُولُ عَلَيْهِ وَالزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ.
(وَالْبَيْعُ عَلَى بَيْعِ غَيْرِهِ قَبْلَ لُزُومِهِ) بِانْقِضَاءِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوْ الشَّرْطِ (بِأَنْ يَأْمُرَ الْمُشْتَرِي بِالْفَسْخِ لِيَبِيعَهُ مِثْلَهُ) أَيْ الْمَبِيعِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِهِ (وَالشِّرَاءُ عَلَى الشِّرَاءِ) قَبْلَ لُزُومِهِ (بِأَنْ يَأْمُرَ الْبَائِعَ بِالْفَسْخِ لِيَشْتَرِيَهُ) بِأَكْثَرَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ زَادَ النَّسَائِيّ «حَتَّى يَبْتَاعَ أَوْ يَذَرَ» وَفِي مَعْنَاهُ الشِّرَاءُ عَلَى الشِّرَاءِ. وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: «الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ فَلَا يَحِلُّ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَبْتَاعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَذَرَ» وَالْمَعْنَى فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ الْإِيذَاءُ وَهُوَ لِلْعَالِمِ بِالنَّهْيِ عَنْهُ، وَلَوْ أَذِنَ الْبَائِعُ فِي الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِهِ ارْتَفَعَ التَّحْرِيمُ، وَكَذَا الْمُشْتَرِي فِي الشِّرَاءِ، وَلَوْ بَاعَ
ـــــــــــــــــــــــــــــSكَالْعِلْمِ إنْ كَانَ بَعْدَ دُخُولِهِمْ الْبَلَدَ وَإِلَّا فَلَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَلَوْ عَادَ السِّعْرُ بِالرُّخْصِ إلَى مَا اشْتَرَى بِهِ فَلَا خِيَارَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ) وَيُصَدَّقُ مُدَّعِي الْجَهْلِ بِهِ أَوْ بِفَوْرِيَّتِهِ إنْ خَفِيَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَبَاعَهُمْ) أَيْ بِغَيْرِ طَلَبِهِمْ كَمَا مَرَّ. وَمِنْ هَذَا مَا هُوَ وَاقِعٌ الْآنَ مِنْ سَبْقِ الْبَغَّالَةِ الْمُلَاقِينَ الْحُجَّاجَ بِنَحْوِ الْعَقَبَةِ لِشِرَاءِ الْبَضَائِعِ مِنْهُمْ.
قَوْلُهُ: (وَجْهَانِ) أَرْجَحُهُمَا التَّحْرِيمُ. قَوْلُهُ: (جَمْعُ رَاكِبٍ) وَأَصْلُهُ لُغَةٌ لِلْإِبِلِ وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَعَمُّ. قَوْلُهُ: (وَالسَّوْمُ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى كَبَيْعِ الَّذِي هُوَ بَدَلٌ مِنْ مَا بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ وَبِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى بَيْعٍ وَلَا بُدَّ مِنْ التَّأْوِيلِ فِي أَحَدِهِمَا عَلَى مَا مَرَّ. وَأَمَّا عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ فَيَصِحُّ فِيهَا رَفْعُهُ عَطْفًا عَلَى مَا، وَجَرُّهُ عَطْفًا عَلَى حَاضِرٍ وَلَا يَصِحُّ فِيهِ عَطْفُهُ عَلَى بَيْعٍ وَلَا عَلَى كَبَيْعٍ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: «لَا يَسُومُ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ» ذَكَرَ الرَّجُلَ وَالْأَخَ لِلْغَالِبِ وَخُصُوصَ الْإِخْوَةِ لِلْعَطْفِ وَهِيَ إمَّا فِي النَّسَبِ أَوْ الْإِسْلَامِ أَوْ الْعِصْمَةِ وَلَوْ كَافِرًا كَالْمُعَاهَدِ فَخَرَجَ الْحَرْبِيُّ. قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وَمِثْلُهُ الزَّانِي الْمُحْصَنُ وَالْمُرْتَدُّ وَقَاطِعُ الطَّرِيقِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ إيذَاءَ هَؤُلَاءِ جَائِزٌ، وَالْوَجْهُ خِلَافَهُ إلَّا فِيمَا أَذِنَ الشَّارِعُ بِأَذِيَّتِهِمْ فِيهِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا يَحْرُمُ إلَخْ) وَكَذَا مَحِلُّ الْحُرْمَةِ إنْ كَانَ السَّوْمُ الْأَوَّلُ جَائِزًا وَإِلَّا كَسَوْمِ الْعِنَبِ مِنْ عَاصِرِ الْخَمْرِ فَلَا حُرْمَةَ، بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ يُنْدَبُ الشِّرَاءُ بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَقُولَ) وَمِثْلُ الْقَوْلِ أَنْ يَخْرُجَ لَهُ مِنْ جِنْسِ مَا يُرِيدُ شِرَاءَهُ وَهُوَ أَرْخَصُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ مِمَّا يُغْنِي عَنْهُ، وَقَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الرَّدِّ وَالتَّقْيِيدِ بِالْأَقَلِّ لَا مَفْهُومَ لَهُ. قَوْلُهُ: (حَتَّى أَبِيعَك إلَخْ) فَإِنْ سَكَتَ عَنْ هَذَا وَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ رَدَّهُ. قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ فَلَا حُرْمَةَ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِفَوْتِ غَرَضٍ أَوْ عَيْبٍ وَإِعْلَامُهُ بِهِ جَائِزٌ وَإِنْ لَزِمَ عَلَيْهِ الرَّدُّ كَمَا فِي ذِكْرِ الْمُسَاوِي فِي النِّكَاحِ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا كَانَ مِنْ الْبَائِعِ تَدْلِيسٌ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ الْإِعْلَامُ إذْ لَا يَزَالُ الضَّرَرُ بِالضَّرَرِ.
قَوْلُهُ: (صَحَّ) ظَاهِرُهُ وَلَا حُرْمَةَ كَمَا مَرَّ فِي بَيْعِ الْحَاضِرِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَغَيْرُ الصَّرِيحِ) وَمِنْهُ حَتَّى أُشَاوِرَ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: وَالْبَيْعُ عَلَى بَيْعِ غَيْرِهِ هُوَ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى كَبَيْعٍ أَوْ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى بَيْعٍ وَفِيهِ التَّأْوِيلُ السَّابِقُ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ لُزُومِهِ) وَكَذَا بَعْدَهُ فِي زَمَنِ خِيَارِ عَيْبٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَأْمُرَ الْمُشْتَرِي) قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: وَلَوْ مَغْبُونًا فِي صَفْقَتِهِ أَوْ لَمْ يُوَافِقْهُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْفَسْخِ، وَمِثْلُ الْأَمْرِ فِي الْحُرْمَةِ أَنْ يَشْتَرِي السِّلْعَةَ مِنْ الْمُشْتَرِي بِزِيَادَةٍ مَعَ حُضُورِ الْبَائِعِ. وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ، وَمَحِلُّ الْحُرْمَةِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الرِّضَا بَاطِنًا. قَوْلُهُ: (حَتَّى يَبْتَاعَ أَوْ يَذَرَ) لَعَلَّ الْمُرَادَ حَتَّى يَنْظُرَ مَا يَئُولُ إلَيْهِ الْأَمْرُ بِأَنْ يَبْتَاعَ أَيْ يَلْزَمَ الْبَيْعَ فَيَتْرُكَهُ أَوْ يَذَرَ أَيْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ فَيَبِيعَهُ غَيْرُهُ فَهُوَ غَايَةٌ لِمُدَّةِ مَنْعِ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ أَوْ أَنَّ لَفْظَ يَبْتَاعَ مَقْحَمٌ بِدَلِيلِ الرِّوَايَةِ بَعْدَهُ. وَمِثْلُ الْبَيْعِ عَلَى الْبَيْعِ أَنْ يَبِيعَ الْمُشْتَرِي فِي زَمَنِ الْخِيَارِ سِلْعَةً مِثْلَ الَّتِي اشْتَرَاهَا خَشْيَةَ أَنْ يَرُدَّ الْأُولَى، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. قَوْلُهُ: «عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ» أَيْ عَلَى الْبَيْعِ الْوَاقِعِ لِأَخِيهِ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الشِّرَاءِ عَلَى الشِّرَاءِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: (وَجْهَانِ) قَالَ فِي الْقُوتِ الْأَصَحُّ لَا يَحْرُمُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَالسَّوْمُ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ) وَلَوْ كَافِرًا وَغَيْرُ الصَّرِيحِ مِنْهُ أُشَاوِرُ عَلَيْك عَلَى مَا فِي الْكِفَايَةِ وَالْمَطْلَبِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (بِأَنْ يَأْمُرَ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: لَعَلَّ ذَلِكَ مُجَرَّدُ تَمْثِيلٍ فَقَدْ ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ يَحْرُمُ طَلَبُ