وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا تَوَضَّأْتُمْ فَابْدَءُوا بِمَيَامِنِكُمْ» فَإِنْ قَدَّمَ الْيُسْرَى كُرِهَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ. أَمَّا الْكَفَّانِ وَالْخَدَّانِ وَالْأُذُنَانِ فَيَطْهُرَانِ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَتُسَنُّ الْبُدَاءَةُ بِأَعْلَى الْوَجْهِ لِلِاتِّبَاعِ الْمَذْكُورِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ
(وَإِطَالَةُ غُرَّتِهِ وَتَحْجِيلِهِ) وَهِيَ غَسْلُ مَا فَوْقَ الْوَاجِبِ مِنْ الْوَجْهِ فِي الْأَوَّلِ وَمِنْ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فِي الثَّانِي لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ «إنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ» وَحَدِيثِ مُسْلِمٍ «أَنْتُمْ الْغُرُّ الْمُحَجَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ إسْبَاغِ الْوُضُوءِ فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ فَلْيُطِلْ غُرَّتَهُ وَتَحْجِيلَهُ» وَغَايَةُ التَّحْجِيلِ اسْتِيعَابُ الْعَضُدَيْنِ وَالسَّاقَيْنِ وَيَغْسِلُ فِي الْغُرَّةِ صَفْحَةَ الْعُنُقِ مَعَ مُقَدَّمَاتِ الرَّأْسِ.
(وَالْمُوَالَاةُ وَأَوْجَبَهَا الْقَدِيمُ) وَهِيَ أَنْ يُوَالِيَ بَيْنَ الْأَعْضَاءِ فِي التَّطْهِيرِ بِحَيْثُ لَا يَجِفُّ الْأَوَّلُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الثَّانِي مَعَ اعْتِدَالِ الْهَوَاءِ وَالْمِزَاجِ.
قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَيُقَدَّرُ الْمَمْسُوحُ مَغْسُولًا دَلِيلُ الْقَدِيمِ حَدِيثُ أَبِي دَاوُد «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي وَفِي ظَهْرِ قَدَمَيْهِ لُمْعَةٌ قَدْرَ الدِّرْهَمِ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ» . وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: إنَّهُ ضَعِيفٌ.
(وَتَرْكُ الِاسْتِعَانَةِ) فِي الصَّبِّ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا تَرَفُّهٌ لَا تَلِيقُ بِالْمُتَعَبِّدِ فَهِيَ خِلَافُ الْأَوْلَى. وَقِيلَ مَكْرُوهَةٌ. وَالِاسْتِعَانَةُ فِي غَسْلِ الْأَعْضَاءِ مَكْرُوهَةٌ قَطْعًا، وَفِي إحْضَاءِ الْمَاءِ لَا بَأْسَ بِهَا وَلَا يُقَالُ إنَّهَا خِلَافُ الْأَوْلَى، وَحَيْثُ كَانَ لَهُ عُذْرٌ فَلَا بَأْسَ بِالِاسْتِعَانَةِ مُطْلَقًا.
(وَ) تَرْكُ (النَّفْضِ) لِلْمَاءِ لِأَنَّ النَّفْضَ كَالتَّبَرِّي مِنْ الْعِبَادَةِ، فَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَقِيلَ الْأَوْلَى، وَالرَّاجِحُ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ مُبَاحٌ وَفِعْلُهُ سَوَاءٌ.
(وَكَذَا التَّنْشِيفُ) بِالرَّفْعِ أَيْ تَرْكُهُ (فِي الْأَصَحِّ) «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ غُسْلِهِ مِنْ الْجَنَابَةِ أَتَتْهُ مَيْمُونَةُ بِالْمِنْدِيلِ فَرَدَّهُ وَجَعَلَ يَقُولُ بِالْمَاءِ هَكَذَا يَنْفُضُهُ» ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَالثَّانِي تَرْكُهُ وَفِعْلُهُ سَوَاءٌ.
قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَخْتَارُهُ وَنَعْمَلُ بِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSإلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الطَّهُورَ إشَارَةٌ إلَى كُلِّ الطِّهَارَاتِ، وَالتَّرَجُّلَ إشَارَةٌ إلَى كُلِّ الشُّعُورِ، وَالتَّنَعُّلَ إشَارَةُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَعْضَاءِ كَاكْتِحَالٍ وَنَتْفِ إبْطٍ وَقَصِّ شَارِبٍ وَحَلْقِ رَأْسٍ وَتَقْلِيمِ ظُفْرٍ وَمُصَافَحَةٍ وَلُبْسِ نَحْوِ ثَوْبٍ وَنَعْلٍ لَا خَلْعِهِمَا فَهُوَ شَامِلٌ لِكُلِّ الشَّأْنِ قَوْلُهُ: (كُرِهَ إلَخْ) أَيْ كَرَاهَةً غَيْرَ شَدِيدَةٍ، وَهِيَ خِلَافُ الْأَوْلَى كَمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (وَهِيَ غَسْلُ إلَخْ) لِأَنَّ الْغُرَّةَ وَالتَّحْجِيلَ اسْمٌ لِمَحَلِّ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ مَعًا وَتَسْقُطُ إطَالَةُ الْغُرَّةِ بِسُقُوطِ غَسْلِ الْوَجْهِ لَا التَّحْجِيلُ بِسُقُوطِ مَحَلِّ الْفَرْضِ لِتَبَعِيَّةِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ. قَوْلُهُ: (أُمَّتِي) أَيْ أُمَّةَ الْإِجَابَةِ. قَوْلُهُ (غُرًّا مُحَجَّلِينَ) أَيْ بِيضَ الْوُجُوهِ وَالْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ. قَوْلُهُ: (مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ) فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ أَوْ بَدَلِهِ وَهَلْ يَدْخُلُ مَنْ وَضَّأَهُ الْمُغَسِّلُ بَعْدَ مَوْتِهِ.
قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: نَعَمْ، بَلْ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ إنَّ ذَلِكَ شَأْنُ هَذِهِ الْأُمَّةِ لِيَشْمَلَ الصَّغِيرَ وَالْمَجْنُونَ، وَمَنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ ذَلِكَ فِي عُمْرِهِ وَلَا فِي مَوْتِهِ فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (بَيْنَ الْأَعْضَاءِ) أَيْ أَفْرَادِهَا وَأَجْزَائِهَا. قَوْلُهُ: (بِحَيْثُ لَا يَجِفُّ) وَاسْتَظْهَرَ شَيْخُنَا عَدَمَ الْحُصُولِ فَلَا يُعْتَبَرُ الْجَفَافُ بِالْفِعْلِ وَلَا عَدَمُهُ. قَوْلُهُ: (الْهَوَاءِ) وَالزَّمَانِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (الْمَمْسُوحُ) حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَنَحْوِ مَسْحِ إبْرَةٍ. قَوْلُهُ: (ضَعِيفٌ) أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى الزَّجْرِ مَعَ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِيهِ إذْ الْوَاقِعَةُ فِي الْحَدِيثِ بَعْدَ التَّمَامِ وَالْقَدِيمُ فِي الشُّرُوعِ. قَوْلُهُ: (وَتَرْك الِاسْتِعَانَةِ) أَيْ التَّمْكِينِ مِنْهَا وَلَوْ بِلَا طَلَبٍ وَلَوْ مِنْ كَافِرٍ أَوْ نَحْوِ قِرْدٍ، وَهَلْ مِنْهَا الْحَنَفِيَّةُ الْمَعْرُوفَةُ رَاجِعْهُ، وَيُنْدَبُ وُقُوفُ الْمُعَيَّنِ عَنْ يَسَارِ الْمُتَوَضِّئِ وَمِثْلُهُ نَحْوُ الْإِبْرِيقِ، وَوُقُوفُ حَامِلِ الْمِنْدِيلِ عَنْ يَمِينه وَمِثْله إنَاءُ الِاغْتِرَافِ، وَبَعْضُهُمْ بَحَثَ تَحْوِيلَ الْإِبْرِيقِ إلَى يَمِينِهِ عِنْدَ غَسْلِ يَسَارِهِ لِيَصُبَّ فِي كَفِّهِ مِنْهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالْغُسْلُ فِي ذَلِكَ كَالْوُضُوءِ، وَفِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ: يَقِفُ الْمُعِينُ فِي الْغُسْلِ عَنْ يَمِينِ الْمُغْتَسِلِ مَحَلُّهُ إنْ صَبَّ لَهُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، وَيَتَحَوَّلُ إلَى يَسَارِهِ فِي الْأَيْسَرِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (فَهِيَ خِلَافُ الْأَوْلَى) هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي غَيْرِ غَسْلِ الْأَعْضَاءِ وَإِلَّا فَتُكْرَهُ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: (وَحَيْثُ كَانَ لَهُ عُذْرٌ فَلَا بَأْسَ) بَلْ تَجِبُ إذَا احْتَاجَ إلَيْهَا وَلَوْ بِأُجْرَةٍ قَدَرَ عَلَيْهَا بِمَا فِي الْفِطْرَةِ فَإِنْ عَجَزَ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ وَأَعَادَ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ خِلَافُ الْأَوْلَى) هُوَ الْمُعْتَمَدُ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (بِالرَّفْعِ) لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُضَافِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ وَمَا قِيلَ خِلَافُ هَذَا فَهُوَ كَلَامٌ سَخِيفٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (يَنْفُضُهُ) بَيَانٌ لِيَقُولَ بِمَعْنَى يَفْعَلُ وَالْمُرَادُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْيَمِينُ مِنْ الْيَمِينِ وَهُوَ حُصُولُ الْخَيْرِ، وَالشِّمَالُ تُسَمَّى الشَّوْمَاءُ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَإِطَالَةُ غُرَّتِهِ إلَخْ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: كَلَامُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ اتِّصَالُهُمَا بِالْوَاجِبِ وَأَنَّهُ إنْ شَاءَ قَدَّمَهُمَا وَإِنْ شَاءَ قَدَّمَهُ؛ انْتَهَى. قَوْلُ الشَّارِحِ وَهِيَ أَيْ الْإِطَالَةُ لَكِنْ عِبَارَةُ الْإِسْنَوِيِّ