وَأَمَّا الرَّهْنُ وَالْكَفِيلُ فَلِلْحَاجَةِ إلَيْهِمَا فِي مُعَامَلَةِ مَنْ لَا يَرْضَى إلَّا بِهِمَا. وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الرَّهْنِ غَيْرَ الْمَبِيعِ فَإِنْ شَرَطَ رَهْنَهُ بِالثَّمَنِ بَطَلَ الْبَيْعُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى شَرْطِ رَهْنٍ مَا لَمْ يَمْلِكْهُ بَعْدُ وَالتَّعْيِينُ فِي الرَّهْنِ بِالْمُشَاهَدَةِ أَوْ الْوَصْفِ بِصِفَاتِ السَّلَمِ، وَفِي الْكَفِيلِ بِالْمُشَاهَدَةِ أَوْ بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ، وَلَا يَكْفِي الْوَصْفُ كَمُوسِرٍ ثِقَةٍ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: هَذَا هُوَ النَّقْلُ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: الِاكْتِفَاءُ بِالْوَصْفِ أَوْلَى مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِمُشَاهَدَةِ مَنْ لَا يَعْرِفُ لَمْ يَكُنْ مُبْعِدًا، وَسَكَتَ عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ. وَتَقْيِيدُ الثَّمَنِ بِكَوْنِهِ فِي الذِّمَّةِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْمُعَيَّنِ كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُك بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ عَلَى أَنْ تُسَلِّمَهَا لِي فِي وَقْتِ كَذَا أَوْ تَرْهَنَ بِهَا كَذَا أَوْ يَضْمَنَكَ بِهَا فُلَانٌ فَإِنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ، ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي الْأَجَلِ لِأَنَّهُ رِفْقٌ أُثْبِتَ لِتَحْصِيلِ الْحَقِّ فِي الْمُدَّةِ وَالْمُعَيَّنُ حَاصِلٌ. ثُمَّ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي التَّكَلُّمِ عَنْ أَلْفَاظِ الْوَجِيزِ الرَّهْنَ وَالْكَفِيلَ، وَيُقَالُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إنَّهُ رِفْقٌ شُرِعَ لِتَحْصِيلِ الْحَقِّ وَالْمُعِينُ حَاصِلٌ. فَشَرْطُ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ مَعَهُ فِي غَيْرِ مَا شُرِعَ لَهُ.
(وَالْإِشْهَادُ) لِلْأَمْرِ بِهِ فِي الْآيَةِ قَالَ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] (وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الشُّهُودِ فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ كَالرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِتَفَاوُتِ الْأَغْرَاضِ فِيهِمَا بِخِلَافِ الشُّهُودِ فَإِنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ بِأَيِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــSأَحَدِهِمَا لِأَجْنَبِيٍّ فَبَاطِلٌ. وَمِنْهُ قَوْلُ الْوَسِيطِ لَوْ بَاعَ عَيْنًا مِنْ اثْنَيْنِ بِشَرْطِ أَنْ يَتَضَامَنَا بَطَلَ الْعَقْدُ لِمَا فِيهِ مِنْ شَرْطِ ضَمَانِ الْعَاقِدِ أَجْنَبِيًّا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْآخَرِ. قَالَ فِي الرَّوْضِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ فَيَصِحُّ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ شَيْخِنَا بِأَنْ يَبِيعَ اثْنَانِ عَيْنًا لِشَخْصٍ بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ، وَيَشْتَرِطُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمَنْ يَضْمَنُهُ لَهُ لِأَنَّ عَكْسَ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي لِغَيْرِهِ ضَمَانُ غَيْرِهِ لَهُ، وَبِذَلِكَ صَرَّحَ فِي الْخَادِمِ وَتَصْوِيرُ بَعْضِهِمْ بِأَنْ يَبِيعَ اثْنَانِ عَيْنًا لِشَخْصٍ، وَيَشْتَرِطَ الْمُشْتَرِي عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَضْمَنَ صَاحِبَهُ أَوْ أَنْ يَضْمَنَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ هُوَ فَاسِدٌ أَخْذًا مِمَّا تَقَدَّمَ فَتَأَمَّلْهُ وَرَاجِعْهُ. فَرْعٌ: فِي شَرْحِ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ لَوْ قَالَ: اشْتَرَيْته بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ يَضْمَنَهُ زَيْدٌ إلَى شَهْرٍ صَحَّ وَإِذَا ضَمِنَهُ زَيْدٌ مُؤَجَّلًا ثَبَتَ الْأَجَلُ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ الْمُشْتَرِي اهـ. فَانْظُرْهُ وَتَأَمَّلْ مَعْنَاهُ. قَوْلُهُ: (عَلَى شَرْطِ رَهْنٍ مَا لَمْ يَمْلِكْهُ بَعْدُ) أَيْ الْآنَ، فَلَوْ رَهَنَهُ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْبَائِعِ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ وَبَعْدَ قَبْضِهِ وَلَوْ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَكُنْ مُضِرًّا.
قَوْلُهُ: (فِي الرَّهْنِ بِالْمُشَاهَدَةِ) أَيْ فِي الْمُعَيَّنِ أَوْ الْوَصْفِ فِيمَا فِي الذِّمَّةِ وَاكْتُفِيَ فِي الْكَفِيلِ بِالْمُشَاهَدَةِ لِأَدَائِهَا غَالِبًا إلَى مَعْرِفَةِ حَالِ الشَّخْصِ صُعُوبَةً وَسُهُولَةً، وَبِهَذَا فَارَقَ عَدَمَ الِاكْتِفَاءِ بِمُشَاهَدَةِ الْقُرْآنِ فِي الصَّدَاقِ الَّذِي اعْتَرَضَ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ. وَقَدْ يُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّ الْقُرْآنَ هُنَاكَ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ وَهُوَ يُحْتَاطُ لَهُ، وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الشَّارِطَ هُنَا مُقَصِّرٌ بِعَدَمِ الْبَحْثِ فِيهِ نَظَرٌ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (قَالَ الرَّافِعِيُّ إلَخْ) أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَحْرَارَ لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَمِ وَلَا يُعْتَرَضُ بِالرَّقِيقِ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ لِقَوْلِهِ مُوسِرٌ ثِقَةٌ أَوْ يُقَالُ الضَّامِنُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ مِنْ حَيْثُ الضَّمَانِ وَإِنْ دَخَلَ مِنْ حَيْثُ الرِّقِّ. قَوْلُهُ: (أَوْ يَضْمَنُك إلَخْ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: لِمَ لَا يَصِحُّ ضَمَانُ الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ كَمَا فِي الْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِغَصْبٍ وَنَحْوِهِ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ ضَمَانَ الدَّرْكِ فَهُوَ هُنَا صَحِيحٌ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ وَإِنْ أَرَادَ غَيْرَهُ فَمَمْنُوعٌ وَضَمَانُ الْأَعْيَانِ الْمَذْكُورَةِ إنَّمَا هُوَ الرَّدُّ لِأَهْلِهَا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ) وَمِثْلُهُ الْعَقْدُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ رِفْقٌ) أَيْ لِأَنَّ الْأَجَلَ الْمَشْرُوطَ رِفْقٌ إلَخْ. وَنَظَرَ فِيهِ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لِتَأْخِيرِ الْحَقِّ لَا لِتَحْصِيلِهِ فَتَأَمَّلْ. نَعَمْ إنْ تَلِفَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ بَعْدَ قَبْضِهِ فَلَا خِيَارَ لِفَوَاتِ رَدِّ مَا تَلِفَ فَتَأَمَّلْهُ. وَيُصَدَّقُ الرَّاهِنُ فِي حُدُوثِ الْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ إنْ أَمْكَنَ.
تَنْبِيهٌ: الْأَجَلُ لَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ بِخِلَافِ الرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ لِأَنَّهُمَا مُسْتَقِلَّانِ، وَيَنْبَغِي أَنَّ الْإِشْهَادَ كَذَلِكَ رَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَالْإِشْهَادُ) أَيْ عَلَى جَرَيَانِ الْعَقْدِ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (لِلْأَمْرِ بِهِ) وَصَرْفِهِ عَنْ وُجُوبِ الْإِجْمَاعِ وَهُوَ أَمْرٌ إرْشَادِيٌّ لَا ثَوَابَ فِيهِ إلَّا لِمَنْ قَصَدَ بِهِ الِامْتِثَالَ. كَذَا قِيلَ فَلْيُرَاجَعْ قَوْلُهُ: (هَلْ يَتَعَيَّنُونَ) وَالْأَصَحُّ عَدَمُ تَعَيُّنِهِمْ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الرَّوْضِ وَلَا أَثَرَ لِتَفَاوُتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQرَجُلَيْنِ سِلْعَةً بِأَلْفٍ وَشَرَطَ أَنْ يَتَضَامَنَا فِي الثَّمَنُ فَفِي كِتَابِ الضَّمَانِ مِنْ تَعْلِيقِ الْقَاضِي وَالْوَسِيطِ وَغَيْرِهِمَا عَدَمُ صِحَّةِ الْبَيْعِ، لِأَنَّهُ شَرْطٌ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا لِغَيْرِهِ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ جَلِيلَةٌ تَقَعُ بَيْنَ النَّاسِ كَثِيرًا فَلْيُتَفَطَّنْ لَهَا. قَوْلُهُ: (أَوْ الْوَصْفُ إلَخْ) قِيلَ هَذَا لَا يُلَائِمُ قَوْلَهُمْ إنَّ رَهْنَ الْغَائِبِ كَبَيْعِهِ فَلَا يَكْفِي وَصْفُهُ قُلْت قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ صُورَتَهُ هُنَا مَعَ الذِّمَّةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ يَضْمَنُك بِهَا فُلَانٌ) اعْتَرَضَ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ ضَمَانَ الْأَعْيَانِ الْمُعَيَّنَةِ الْمَضْمُونَةِ صَحِيحٌ وَالثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ بِمَثَابَةِ الْمَبِيعِ فَيَصِحُّ ضَمَانُهُ. قَوْلُهُ: (شُرِعَ لَهُ)