عِنْدَ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْإِقْلِيدِ.

(وَغَسْلُ كَفَّيْهِ) فَحَدِيثُ الشَّيْخَيْنِ عَنْ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ وَصَفَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَدَعَا بِمَاءٍ، فَأَكْفَأَ مِنْهُ عَلَى يَدَيْهِ، فَغَسَلَهُمَا ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا إلَى آخِرِهِ» . (فَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ طُهْرَهُمَا) بِأَنْ تَرَدَّدَ فِيهِ (كُرِهَ غَمْسُهُمَا فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ غَسْلِهِمَا) لِحَدِيثِ «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْسِلْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ إلَّا قَوْلَهُ ثَلَاثًا فَمُسْلِمٌ أَشَارَ بِمَا عَلَّلَ بِهِ إلَى احْتِمَالِ نَجَاسَةِ الْيَدِ فِي النَّوْمِ، كَأَنْ تَقَعَ عَلَى مَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِهِ فَيَحْصُلُ لَهُمْ التَّرَدُّدُ، وَيُلْحَقُ بِالتَّرَدُّدِ بِالنَّوْمِ التَّرَدُّدُ بِغَيْرِهِ، وَلَا تَزُولُ الْكَرَاهَةُ إلَّا بِغَسْلِهِمَا ثَلَاثًا، كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ لِلْحَدِيثِ، وَالْقَصْدُ بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ تَتْمِيمُ الطَّهَارَةِ.

قَالَ فِي الدَّقَائِقِ: احْتَرَزَ بِالْإِنَاءِ عَنْ الْبِرْكَةِ وَنَحْوِهَا، وَالْمُرَادُ إنَاءٌ فِيهِ دُونَ قُلَّتَيْنِ، فَإِنْ تَيَقَّنَ طُهْرَهُمَا لَمْ يُكْرَهْ غَمْسُهُمَا، وَلَا يُسْتَحَبُّ الْغَسْلُ قَبْلَهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ.

(وَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُمَا فِي وُضُوئِهِ كَمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ السَّابِقِ وَغَيْرِهِ، وَيَحْصُلَانِ بِإِيصَالِ الْمَاءِ إلَى دَاخِلِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّ فَصْلَهُمَا أَفْضَلُ) مِنْ جَمْعِهِمَا، وَسَيَأْتِي. (ثُمَّ الْأَصَحُّ) عَلَى الْفَصْلِ (يَتَمَضْمَضُ بِغَرْفَةٍ ثَلَاثًا ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ بِأُخْرَى ثَلَاثًا) وَمُقَابِلُهُ يَفْعَلُهُمَا بِسِتِّ غَرَفَاتٍ، وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا شَرْطٌ كَمَا أَفَادَهُ، ثَمَّ (وَيُبَالِغُ فِيهِمَا غَيْرُ الصَّائِمِ) لِحَدِيثِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ «أَسْبِغْ الْوُضُوءَ وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلدُّولَابِيِّ فِي جَمْعِهِ لِحَدِيثِ الثَّوْرِيِّ «إنْ تَوَضَّأْت فَأَبْلِغْ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ

ـــــــــــــــــــــــــــــSالْكَفَّيْنِ أَوْ عَلَى الْمَضْمَضَةِ، فَلَا مُعَارَضَةَ، وَلَا حَاجَةَ إلَى دَفْعِهَا بِقَوْلِهِمْ إنَّ السِّوَاكَ أَوَّلُ سُنَنِهِ الْفِعْلِيَّةِ الَّتِي فِيهِ لَا مِنْهُ وَإِنَّ الْبَسْمَلَةَ أَوَّلُ سُنَنِهِ الْقَوْلِيَّةِ الَّتِي مِنْهُ، وَكَذَا النِّيَّةُ وَإِنَّ غَسْلَ الْكَفَّيْنِ، أَوَّلُ سُنَنِهِ الْفِعْلِيَّةِ الَّتِي مِنْهُ أَيْضًا، وَلَوْ لَمْ يَنْوِ عِنْدَ ذَلِكَ سَقَطَ الطَّلَبُ وَفَاتُهُ الثَّوَابُ كَمَا مَرَّ.

قَوْلُهُ: (بِأَنْ تَرَدَّدَ) أَخْرَجَ بِهِ يَقِينَ النَّجَاسَةِ الَّتِي شَمِلَهَا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ الْغَمْسَ مَعَهُ مُحَرَّمٌ لِلتَّضَمُّخِ بِهَا. قَوْلُهُ: (فِي الْإِنَاءِ) الْمُرَادُ بِهِ الْمَاءُ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ وَلَوْ فِي غَيْرِ إنَاءٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (إلَى احْتِمَالِ إلَخْ) وَالِاحْتِمَالُ شَامِلٌ لِلِاسْتِوَاءِ وَالرُّجْحَانِ الْمُسَاوِي لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: (إلَّا بِغُسْلِهِمَا ثَلَاثًا) أَيْ إلَّا بِإِتْمَامِ الثَّلَاثِ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ مَطْلُوبَةٌ خَارِجَ الْإِنَاءِ فِي هَذَا الْفَرْدِ الْمَخْصُوصِ وَهُوَ حَالَةُ الشَّكِّ، وَأَلْحَقُوا بِهِ حَالَةَ الْيَقِينِ، وَلِذَلِكَ قَالُوا: إنَّهُ لَوْ سَبَقَ غَسْلُهُمَا عَنْ النَّجَاسَةِ مَرَّتَيْنِ زَالَتْ الْكَرَاهَةُ بِوَاحِدَةٍ خَارِجَ الْإِنَاءِ، أَوْ مَرَّةً زَالَتْ الْكَرَاهَةُ بِمَرَّتَيْنِ خَارِجَ الْإِنَاءِ أَيْضًا، فَلَيْسَ طَلَبُهَا لِأَجْلِ طَهَارَةِ الْيَدِ، وَلَا لِكَوْنِ الشَّارِعِ إذَا غيا حُكْمًا إلَخْ كَمَا قِيلَ ثُمَّ هَذَا الْغُسْلُ يَكْفِي عَنْ الْغُسْلِ الْمَطْلُوبِ أَوَّلِ الْوُضُوءِ، فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الثَّلَاثَةِ شَيْءٌ فَلَهُ فِعْلُهُ دَاخِلَ الْإِنَاءِ أَوْ خَارِجَهُ، وَلَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ خَارِجَ الْإِنَاءِ مُغَلَّظَةٌ لَمْ تَزُلْ الْكَرَاهَةُ إلَّا بِغُسْلِهِمَا خَارِجَ الْإِنَاءِ سَبْعًا مَعَ التَّرْتِيبِ.

قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: وَهَذِهِ السَّبْعُ مَقَامُ وَاحِدَةٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمَطْلُوبَةِ لِلْوُضُوءِ، وَيُنْدَبُ اثْنَانِ أَيْضًا خَارِجَ الْإِنَاءِ.

وَقَالَ شَيْخُنَا الطَّبَلَاوِيُّ: لَهُ فِعْلُهُمَا دَاخِلَ الْإِنَاءِ، وَالْمَانِعُ فِي الْكَرَاهَةِ الْمَذْكُورَةِ كَالْمَاءِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَيَقَّنَ طُهْرُهُمَا) أَيْ مُسْتَنِدًا لِلْغُسْلِ ثَلَاثًا كَمَا مَرَّ.

قَوْلُهُ: (وَالِاسْتِنْشَاقُ) وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَضْمَضَةِ لِأَنَّهُ قِيلَ بِوُجُوبِهِ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَعَكَسَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِأَنَّ الْفَمَ مَحَلُّ الْقُرْآنِ وَالْأَذْكَارِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (فَصْلَهُمَا) وَهُوَ أَنْ لَا يَجْمَعَ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فِي غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ وَالْوَصْلُ أَنْ يَجْمَعَهُمَا فِيهَا. قَوْلُهُ: (بِسِتِّ غَرَفَاتٍ) مَعَ التَّخَلُّلِ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: (وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا شَرْطٌ) أَيْ مُسْتَحَقٌّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَمُقَابِلُهُ مُسْتَحَبٌّ، فَلَوْ قَدَّمَ بَعْدَ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ الِاسْتِنْشَاقَ عَلَى الْمَضْمَضَةِ أَوْ هُمَا عَلَى غَسْلِ الْكَفَّيْنِ حُسِبَ الْمُؤَخَّرُ دُونَ الْمُقَدَّمِ لِوُقُوعِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ عَلَى قَوْلِ الِاسْتِحْقَاقِ كَتَقْدِيمِ الْيَدَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ، وَحُسِبَ الْجَمِيعُ عَلَى قَوْلِ الِاسْتِحْبَابِ كَتَقْدِيمِ الْيَدِ الْيُسْرَى عَلَى الْيَدِ الْيُمْنَى، فَقَوْلُ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ كَوَالِدِهِ بِحُصُولِ الْمُقَدَّمِ وَفَوَاتِ الْمُؤَخَّرِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ تَبَعًا لِمَا فِي الرَّوْضَةِ خِلَافُ الصَّوَابِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَلَعَلَّ تَعْبِيرَ الشَّارِحِ بِالشَّرْطِيَّةِ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُوَافِقُ وَاحِدًا مِنْ الْقَوْلَيْنِ.

نَعَمْ إنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَا قَدَّمَهُ فَقَطْ اتَّجَهَ حُسْبَانُهُ لِأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ فَوَاتِ الْجَمِيعِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــQوَنَحْوِ ذَلِكَ تَجِدُهُمَا مُتَعَارِضَيْنِ، فَمَا الْمُرَجِّحُ لِحَدِيثِ الْخُلُوفِ؟ .

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَغَسْلُ كَفَّيْهِ) قِيلَ فِي غَسْلِ الْكَفَّيْنِ وَالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ لَطِيفَةٌ وَهِيَ الْإِحَاطَةُ بِمَعْرِفَةِ صِفَاتِ الْمَاءِ مِنْ اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ وَالرِّيحِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015