الْإِمْكَانِ وَكَالْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ (بَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ) كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةِ فَرْضٍ وَلَمْ يُتِمَّهَا تَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ (أَوْ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ) كَحِجَّةِ الْإِسْلَامِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ سِنِي الْإِمْكَانِ (اُعْتُبِرَتْ الِاسْتِطَاعَةُ بَعْدُ) أَيْ بَعْدَ زَوَالِ الْإِحْصَارِ إنْ وُجِدَتْ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا (وَمَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ) وَبِفَوَاتِهِ يَفُوتُ الْحَجُّ كَمَا تَقَدَّمَ (تَحَلَّلَ) أَيْ جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ لِأَنَّ فِي بَقَائِهِ مُحْرِمًا حَرَجًا شَدِيدًا يَعْسُرُ احْتِمَالُهُ. (بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ وَحَلْقٍ وَفِيهِمَا) أَيْ السَّعْيِ وَالْحَلْقِ. (قَوْلٌ) إنَّهُمَا لَا يَجِبَانِ فِي التَّحَلُّلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ لَيْسَ بِنُسُكٍ، وَنَظَرًا إلَى أَنَّ السَّعْيَ لَيْسَ مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ لِإِجْزَائِهِ قَبْلَ الْوُقُوفِ عَقِبَ طَوَافِ الْقُدُومِ، وَالْكَلَامُ فِيمَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْهُ سَعْيٌ، فَمَنْ سَعَى عَقِبَ طَوَافِ الْقُدُومِ لَا يَحْتَاجُ فِي تَحَلُّلِهِ إلَى سَعْيٍ. (وَعَلَيْهِ دَمٌ وَالْقَضَاءُ) لِلْحَجِّ الَّذِي فَاتَهُ بِفَوَاتِ الْوُقُوفِ تَطَوُّعًا كَانَ أَوْ فَرْضًا. وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَالْمُحَرَّرِ بِأَنَّ الْفَرْضَ يَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ فِي الْأَصَحِّ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ هَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ جَاءَ يَوْمَ النَّحْرِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْحَرُ هَدْيَهُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَخْطَأْنَا الْعَدَّ، وَكُنَّا نَظُنُّ أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اذْهَبْ إلَى مَكَّةَ فَطُفْ بِالْبَيْتِ أَنْتَ وَمَنْ مَعَك وَاسْعَوْا بَيْنَ الصَّفَّا وَالْمَرْوَةِ، وَانْحَرُوا هَدْيًا إنْ كَانَ مَعَكُمْ، ثُمَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــSمِنْ أَصْحَابِهِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفٌ وَأَرْبَعُمِائَةٍ وَأَكْثَرُ مَنْ أَحْرَمَ مَعَهُ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ فِي الْعَامِ بَعْدَهُ سَبْعُمِائَةٍ» ، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ أَمَرَ أَحَدًا غَيْرَهُمْ بِالْقَضَاءِ. قَوْلُهُ: (إذَا تَحَلَّلَ) سَوَاءٌ مَعَ بَقَاءِ الْحَصْرِ قَبْلَ الْوُقُوفِ أَوْ بَعْدَهُ نَعَمْ إنْ زَالَ الْحَصْرُ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَتَمَكَّنَ مِنْهُ وَتَحَلَّلَ قَبْلَ فِعْلِهِ فَهُوَ مِنْ الْفَوَاتِ الْآتِي.
تَنْبِيهٌ: لَوْ أُحْصِرَ بَعْدَ الْوُقُوفِ فَتَحَلَّلَ ثُمَّ زَالَ الْحَصْرُ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْبِنَاءُ وَلَا الْإِحْرَامُ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ زَوَالِ الْإِحْصَارِ) أَيْ فِي الزَّمَنِ الَّذِي تُعْتَبَرُ الِاسْتِطَاعَةُ فِيهِ فِيمَا مَرَّ. وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ فِي زَمَنِ الْإِحْصَارِ وَلَوْ خَاصًّا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ) سَوَاءٌ تَمَكَّنَ مِنْهُ أَوْ لَا بِحَصْرٍ أَوْ هَذَا الْحَدِيثُ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (تَحَلَّلَ أَيْ جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ) أَيْ وَجَبَ فَوْرًا لِأَنَّهُ جَوَازٌ بَعْدَ مَنْعٍ فَيَحْرُمُ بَقَاؤُهُ عَلَى الْإِحْرَامِ، وَلَا يُجْزِئُهُ لَوْ أَخَّرَهُ إلَى عَامٍّ قَابِلٍ. قَوْلُهُ: (بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ وَحَلْقٍ) وَهِيَ أَعْمَالُ الْعُمْرَةِ كَمَا عَبَّرَ بِهَا غَيْرُهُ وَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ بِوَاحِدٍ مِنْ الْحَلْقِ أَوْ الطَّوَافِ الْمَتْبُوعِ بِالسَّعْيِ إنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ، وَيَحِلُّ بِالْآخَرِ التَّحَلُّلُ الثَّانِي الْعَامُّ لِأَنَّهُ لَا رَمْيَ هُنَا وَلَا مَبِيتَ لِفَوَاتِهِمَا تَبَعًا لِلْوُقُوفِ، فَلَا يَجُوزُ فِعْلُهُمَا وَلَا يَحْتَاجُ فِي أَعْمَالِ هَذِهِ الْعُمْرَةِ إلَى نِيَّةٍ. اكْتِفَاءً بِنِيَّةِ التَّحَلُّلِ وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ عُمْرَةً حَقِيقَةً وَلِهَذَا لَا تَكْفِي عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِرَأْسِهِ شَعْرٌ حَصَلَ التَّحَلُّلُ الْعَامُّ بِالطَّوَافِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ سَعْيِهِ. قَوْلُهُ: (لَا يَحْتَاجُ فِي تَحَلُّلِهِ إلَى سَعْيٍ) فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ لَيْسَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ دَمُ الْقَضَاءِ) إنْ لَمْ يَكُنْ فَاتَ بِحَصْرِهِ كَمَا مَرَّ، وَسُمِّيَ قَضَاءً لِتَضَيُّقِهِ بِالْفَوَاتِ وَإِلَّا فَلَيْسَ قَضَاءً كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِعِبَارَةِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَالْمُحَرَّرِ. قَوْلُهُ: (تَطَوُّعًا كَانَ أَوْ فَرْضًا) فَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَالْمُحَرَّرِ بِالْفَرْضِ لِإِيهَامِهَا عَدَمَ وُجُوبِ قَضَاءِ التَّطَوُّعِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ فِي الْأَصَحِّ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ فَاتَ بِعُذْرٍ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ تَقْصِيرٍ غَالِبًا. قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ) أَيْ الْمُتَعَلِّقِ بِالْفَوَاتِ. قَوْلُهُ: (هَبَّارَ) بِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ وَآخِرُهُ رَاءٌ مُهْمَلَةٌ. قَوْلُهُ: (أَخْطَأْنَا الْعَدَّ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحُدَيْبِيَةِ أَلْفٌ وَأَرْبَعُمِائَةٍ، وَلَمْ يَعْتَمِرْ مَعَهُ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ إلَّا نَفَرٌ يَسِيرٌ» أَكْثَرُ مَا قِيلَ: إنَّهُمْ سَبْعُمِائَةٍ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَمَرَ مَنْ تَخَلَّفَ بِالْقَضَاءِ ثُمَّ عَدَمُ الْقَضَاءِ ثَابِتٌ، وَلَوْ كَانَ أَتَى بِبَعْضِ الْمَنَاسِكِ قَبْلَ الْحَصْرِ، وَكَذَا هُوَ ثَابِتٌ أَيْضًا فِي حَقِّ الشِّرْذِمَةِ الْيَسِيرَةِ وَالْحَصْرِ الْخَاصِّ كَمَا فِي الْمَرِيضِ وَالزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ، وَاسْتَشْكَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عِنْدَ غَلَطِ الشِّرْذِمَةِ الْيَسِيرَةِ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَيُؤْخَذُ أَيْضًا مِنْ الْإِطْلَاقِ أَنَّهُمْ لَوْ أَخَّرُوا التَّحَلُّلَ طَامِعِينَ فِي زَوَالِ الْحَصْرِ حَتَّى فَاتَ الْحَجُّ لَا قَضَاءَ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَمِثْلُهُ لَوْ سَلَكُوا طَرِيقًا أَطْوَلَ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ أَوْعَرَ فَفَاتَهُمْ بَلْ سُلُوكُهُ وَاجِبٌ، وَإِنْ عَلِمُوا الْفَوَاتَ وَمَأْخَذُ ذَلِكَ أَنَّ الْفَوَاتَ نَاشِئٌ عَنْ الْحَصْرِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ صَابَرُوا عَلَى غَيْرِ طَمَعِ الزَّوَالِ، أَوْ سَلَكُوا طَرِيقًا مُسَاوِيًا لِلْأَوَّلِ أَوْ أَقْرَبَ مِنْهُ، فَفَاتَهُمْ الْوُقُوفُ فَإِنَّ الْقَضَاءَ وَاجِبٌ.
قَوْلُهُ: (أَيْ جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ إلَخْ) قَدْ جَزَمَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِالْوُجُوبِ، لَكِنَّ السُّبْكِيَّ حَمَلَ كَلَامَهُمْ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الْحَجِّ بِهَذَا الْإِحْرَامِ مِنْ قَابِلٍ لَا وُجُوبِ التَّحَلُّلِ فَوْرًا، وَفِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ مَا هُوَ ظَاهِرٌ فِيهِ، فَلَعَلَّ الشَّارِحَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَابِعٌ لِذَلِكَ. قَوْلُهُ: (لِإِجْزَائِهِ قَبْلَ الْوُقُوفِ) أَيْ وَأَسْبَابُ التَّحَلُّلِ يَجِبُ تَأَخُّرُهَا عَنْهُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَعَلَيْهِ دَمٌ) أَيْ لِمَا سَيَأْتِي عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلِأَنَّ الْفَوَاتَ سَبَبٌ يَجِبُ بِهِ