الْوَحْشِيِّ وَالْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ وَالْمُتَوَلِّدُ مِنْ الظَّبْيِ وَالشَّاةِ (وَيَحْرُمُ ذَلِكَ) أَيْ اصْطِيَادُ الْمَأْكُولِ الْبَرِّيِّ وَالْمُتَوَلِّدِ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ (فِي الْحَرَمِ عَلَى الْحَلَالِ) وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ وَضْعُ الْيَدِ عَلَيْهِ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُعْضَدُ شَجَرُهُ وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ» الْحَدِيثَ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. أَيْ لَا يَجُوزُ تَنْفِيرُ صَيْدِهِ لِمُحْرِمٍ وَلَا حَلَالٍ فَاصْطِيَادُهُ وَمَا ذَكَرَ مَعَهُ أَوْلَى وَقِيسَ عَلَى مَكَّةَ بَاقِي الْحَرَمِ، وَقَوْلُهُ فِي الْحَرَمِ حَالٌ مِنْ ذَا الْمُشَارِ بِهِ إلَى الِاصْطِيَادِ وَهُوَ نِسْبَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالصَّائِدِ وَالْمَصِيدِ صَادِقٌ بِمَا إذَا كَانَا فِي الْحَرَمِ أَوْ أَحَدُهُمَا فِيهِ وَالْآخَرُ فِي الْحِلِّ، كَأَنْ رَمَى مِنْ الْحَرَمِ صَيْدًا فِي الْحِلِّ، أَوْ مِنْ الْحِلِّ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ أَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا فِي الصُّورَتَيْنِ فَيَحْرُمُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ (فَإِنْ أَتْلَفَ) مَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــSالزَّكَاةِ عَلَى التَّخْفِيفِ. قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ ذَلِكَ أَيْ اصْطِيَادُ) خُصَّ مَرْجِعُ الْإِشَارَةِ بِهِ لِأَنَّهُ الَّذِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ وَضْعَ الْيَدِ بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (فِي الْحَرَمِ عَلَى الْحَلَالِ) وَلَوْ كَافِرًا. قَوْلُهُ: (وَقِيسَ عَلَى مَكَّةَ) الَّتِي فِي الْحَدِيثِ بَاقِي الْحَرَمِ لِأَنَّهَا مِنْهُ وَحُدُودُهُ مَعْرُوفَةٌ وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ:
وَلِلْحَرَمِ التَّحْدِيدُ مِنْ أَرْضِ طِيبَةَ ... ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ إذَا رُمْت إتْقَانَهْ
وَسَبْعَةُ أَمْيَالٍ عِرَاقٍ وَطَائِفٍ ... وَحَدُّهُ عَشْرٌ ثُمَّ تِسْعٌ جِعْرَانَهْ
زَادَ بَعْضُهُمْ:
وَمِنْ يَمَنٍ سَبْعٌ بِتَقْدِيمِ سِينِهِ ... وَقَدْ كَمُلَتْ فَاشْكُرْ لِرَبِّك إحْسَانَهْ
وَلَوْ قَالَ: وَمِنْ يَمَنٍ مِثْلُ الْعِرَاقِ فَطَائِفٍ لَكَانَ أَوْلَى فَتَأَمَّلْ. وَقَدَّرَهُ بَعْضُ الْمُؤَرِّخِينَ بِقَدْرِ عَشَرَةِ أَمْيَالٍ فِي مَسِيرِ يَوْمٍ سَيْرَ اعْتِدَالٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ بَرِيدٌ وَثُلُثٌ فِي مِثْلِهِ تَقْرِيبًا، وَاخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْحُدُودِ فَقِيلَ: إنَّهَا قَدِيمَةٌ لَا يُعْلَمُ ابْتِدَاؤُهَا. وَقِيلَ: إنَّ اللَّهَ خَلَقَ مَكَّةَ قَبْلَ الْأَرْضِ بِأَلْفِ عَامٍ وَحَفَّهَا بِالْمَلَائِكَةِ فَكَانَ قَدْرُ الْحَرَمِ حَيْثُ وَقَفُوا. وَقِيلَ: عَلَّمَهَا جِبْرِيلُ لِإِبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَالَ: رَبَّنَا أَرِنَا مَنَاسِكَنَا. وَقِيلَ: بِتَوْقِيفٍ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عَامِ فَتْحِ مَكَّةَ أَوْ فِي عَامِ حَجِّهِ. وَقِيلَ: لَمَّا جَاءَ آدَم إلَى الْبَيْتِ بَعْدَ هُبُوطِهِ مِنْ الْجَنَّةِ خَافَ مِنْ شَيَاطِينِ، الْأَرْضِ بِحَسَبِ الطَّبْعِ الْبَشَرِيِّ فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ الْمَلَائِكَةَ فَوَقَفَتْ عَلَى تِلْكَ الْحُدُودِ لِتَمْنَعَ عَنْهُ مَا يَخَافُهُ. وَقِيلَ: لَمَّا نَزَلَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ مِنْ الْجَنَّةِ أَضَاءَ فَوَصَلَ ضَوْءُهُ إلَى تِلْكَ الْحُدُودِ. وَقِيلَ: أَضَاءَتْ لَهُ الدُّنْيَا فَجَاءَ أَهْلُهَا لِيَنْظُرُوا ذَلِكَ النُّورَ فَمَنَعَتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ ذَلِكَ. وَقِيلَ: نَزَلَتْ يَاقُوتَةٌ مِنْ الْجَنَّةِ حِينَ قَبُولِ تَوْبَةِ آدَمَ حَلَقَتْ رَأْسَهُ فَتَنَاثَرَ شَعْرُهُ إلَى ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ: إنَّهَا أَوَاخِرُ مَرْعَى غَنَمِ إسْمَاعِيلَ وَكَانَ مَأْوَاهَا فِي الْحِجْرِ كَمَا مَرَّ. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (إذَا كَانَا) أَيْ الصَّيْدُ وَالْمِصْيَدُ. قَوْلُهُ: (فِي الْحَرَمِ) أَيْ فِي حَالَتَيْ الرَّمْيِ وَالْإِصَابَةِ مَعًا أَوْ فِي إحْدَاهُمَا، وَسَوَاءٌ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا فِيهِ أَيْ فِي أَرْضِهِ أَوْ هَوَائِهِ كَغُصْنِ شَجَرَةٍ فِيهِ وَأَصْلُهَا خَارِجَهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ أَحَدُهُمَا فِيهِ) أَيْ كَأَنْ كَانَ الصَّائِدُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ فِي الْحَرَمِ أَوْ الصَّيْدُ كَذَلِكَ رَاقِدًا كُلٌّ مِنْهُمَا أَوْ مُضْطَجِعًا أَوْ وَاقِفًا نَعَمْ إنْ كَانَ الصَّيْدُ وَاقِفًا وَبَعْضُهُ فِي الْحِلِّ وَهُوَ مُعْتَمِدٌ عَلَيْهِ وَحْدَهُ وَأَصَابَهُ الصَّائِدُ فِيهِ فَلَا حُرْمَةَ وَلَا فِدْيَةَ.
تَنْبِيهٌ: يَلْحَقُ بِهَذَا مَا لَوْ رَمَى وَهُوَ مُحْرِمٌ وَحَلَّ قَبْلَ الْإِصَابَةِ كَأَنْ قَصَّرَ شَعْرَهُ أَوْ عَكْسَهُ فَعَلَيْهِ الْحُرْمَةُ وَالْفِدْيَةُ أَيْضًا وَيَلْحَقُ بِهِ أَيْضًا مَا لَوْ كَانَ الصَّائِدُ وَالصَّيْدُ فِي الْحِلِّ وَلَكِنْ مَرَّ السَّهْمُ فِي الْحَرَمِ لِوُجُودِ الْمَمْنُوعِ مِنْهُ، وَبِذَلِكَ فَارَقَ عَدَمَ حُرْمَةِ الْبُصَاقِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لِعَدَمِ وُجُودِ الِاسْتِقْذَارِ الْمَمْنُوعِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (أَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا) خَرَجَ مَا لَوْ اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ وَإِنْ أَغْرَاهُ وَزَادَ عَدْوَهُ فَلَا ضَمَانَ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (فِي الصُّورَتَيْنِ) وَهُمَا كَوْنُ الصَّائِدِ وَالْمَصِيدِ فِي الْحَرَمِ أَوْ أَحَدِهِمَا فِيهِ. وَكَذَا لَوْ كَانَا فِي الْحِلِّ وَمَرَّ الْكَلْبُ فِي الْحَرَمِ، نَعَمْ إنْ أَرْسَلَهُ فِي طَرِيقٍ خَارِجِ الْحَرَمِ فَعَدَلَ الْكَلْبُ إلَى الْحَرَمِ أَوْ تَحَامَلَ بِهِ الصَّيْدُ فَأَدْخَلَهُ فِيهِ أَوْ دَخَلَ مَعَ الصَّيْدِ فِيهِ مَعَ وُجُودِ مُقِرٍّ خَارِجَهُ فَلَا فِدْيَةَ. قَالَ شَيْخُنَا لَكِنْ لَا يَحِلُّ أَكْلُ ذَلِكَ الصَّيْدِ احْتِيَاطًا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَتْلَفَ) أَيْ يَقِينًا فَلَوْ جَرَحَ صَيْدًا فَغَابَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَحِلُّ اصْطِيَادُ الْبَحْرِ إلَخْ) قَالَ السُّبْكِيُّ الطُّيُورُ الَّتِي تَغُوصُ فِي الْمَاءِ وَتَخْرُجُ مِنْهُ بَرِّيَّةٌ. قَوْلُهُ: (لَا يُعْضَدُ شَجَرُهُ) أَيْ لَا يُقْطَعُ.
قَوْلُهُ: (بِمَا إذَا كَانَا فِي الْحَرَمِ) لَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ بَعْضُهُ فِي الْحِلِّ وَبَعْضُهُ فِي الْحَرَمِ وَجَبَ الْجَزَاءُ هَذَا إنْ كَانَ وَاقِفًا، فَإِنْ كَانَ نَائِمًا فَالْعِبْرَةُ بِمُسْتَقَرِّهِ ذِكْرُ التَّقْيِيدِ فِي الِاسْتِقْصَاءِ، وَلَوْ سَعَى الشَّخْصُ مِنْ الْحَرَمِ إلَى الْحِلِّ وَمِثْلُهُ أَوْ مِنْ الْحِلِّ إلَى الْحِلِّ، وَلَكِنْ سَلَكَ الْحَرَمَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ قَطْعًا. قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الِاصْطِيَادِ مِنْ حِينِ الرَّمْيِ لَا مِنْ حِينِ السَّعْيِ، وَلِذَا تُشْرَعُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ إرْسَالِ السَّهْمِ لَا عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَدْوِ بَلْ ضَرْبِهِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَإِنْ تَلِفَ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ جِهَاتِ الضَّمَانِ إحْدَاهَا