صَوْمُ شَيْءٍ مِنْهَا فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَلَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَجَوَّزَ صَوْمَهَا لَهُ الْقَدِيمُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ (وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَيَّ أَهْلِهِ فِي الْأَظْهَرِ) قَالَ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِلْمُتَمَتِّعِينَ: مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهْدِ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالثَّانِي إذَا فَرَغَ مِنْ الْحَجِّ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] مَسْبُوقٌ بِقَوْلِهِ {ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] فَتُصْرَفُ إلَيْهِ وَكَأَنَّهُ بِالْفَرَاغِ رَجَعَ عَمَّا كَانَ مُقْبِلًا عَلَيْهِ مِنْ الْأَعْمَالِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ تَوَطَّنَ مَكَّةَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَجِّ صَامَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَتَوَطَّنْهَا لَمْ يَجُزْ صَوْمُهُ بِهَا، وَلَا يَجُوزُ صَوْمُهَا فِي الطَّرِيقِ إذَا تَوَجَّهَ إلَى وَطَنِهِ لِأَنَّهُ تَقْدِيمٌ لِلْعِبَادَةِ الْبَدِينَةِ عَلَى وَقْتِهَا
وَقِيلَ يَجُوزُ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ السَّيْرِ أَوَّلَ الرُّجُوعِ وَعَلَى الثَّانِي لَوْ أَخَّرَهُ حَتَّى رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ جَازَ بَلْ هُوَ أَفْضَلُ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَفِي قَوْلِ التَّقْدِيمِ أَفْضَلُ مُبَادَرَةٍ إلَى الْوَاجِبِ، وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ لَا يَصِحُّ صَوْمُ شَيْءٍ مِنْ السَّبْعَةِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِأَنَّهُ يُعَدُّ فِي الْحَجِّ (وَيُنْدَبُ تَتَابُعُ الثَّلَاثَةِ وَكَذَا السَّبْعَةُ) وَحُكِيَ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ مِنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهَا التَّتَابُعُ. (وَلَوْ فَاتَتْهُ الثَّلَاثَةُ فِي الْحَجِّ) وَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ (فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُفَرِّقَ فِي قَضَائِهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ السَّبْعَةِ) كَمَا فِي الْأَدَاءِ وَالثَّانِي يَقْطَعُ النَّظَرَ عَنْ الْأَدَاءِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكْفِي التَّفْرِيقُ بِيَوْمٍ فِي قَوْلٍ وَالْأَظْهَرُ يُفَرِّقُ بِأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَمُدَّةِ إمْكَانِ سَيْرِهِ إلَى أَهْلِهِ عَلَى الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ لِتَتِمَّ مُحَاكَاةُ الْقَضَاءِ لِلْأَدَاءِ، وَإِنْ قُلْنَا يَجُوزُ لَهُ صَوْمُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَفَى التَّشْرِيقُ بِمُدَّةِ إمْكَانِ السَّيْرِ، وَاذَا قُلْنَا الرُّجُوعُ الْفَرَاغُ مِنْ الْحَجِّ وَقُلْنَا لَيْسَ لَهُ صَوْمُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَرَّقَ بِأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَفِي قَوْلٍ بِيَوْمٍ وَفِي آخَرَ لَا يَلْزَمُ التَّفْرِيقُ، وَإِنْ قُلْنَا لَهُ صَوْمُهَا لَمْ يَجِبْ التَّفْرِيقُ، وَقِيلَ يَجِبُ بِيَوْمٍ لِيَقُومَ مَقَامَ انْفِصَالِ الثَّلَاثَةِ فِي الْأَدَاءِ عَنْ السَّبْعَةِ بِكَوْنِهَا فِي الْحَجِّ، وَالْحَاصِلُ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ وَمَا بَعْدَ الْخَامِسِ مُتَدَاخِلٌ، وَفِي سَادِسِ مَخْرَجٍ أَنَّهَا لَا تُقْضَى وَيَسْتَقِرُّ الْهُدَى فِي ذِمَّتِهِ بَدَلَهَا وَفَوَاتُهَا بِفَوَاتِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنْ جَوَّزْنَا لَهُ صَوْمَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَبِفَوَاتِ أَيَّامِهِ وَإِنْ تَأَخَّرَ طَوَافُ الرُّكْنِ عَنْهَا لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ بَعِيدٌ فِي الْعَادَةِ فَلَا يَقَعُ الصَّوْمُ قَبْلَهُ بَعْدَهَا مُرَادًا مِنْ قَوْله تَعَالَى {ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] وَقِيلَ يَقَعُ.
(وَعَلَى الْقَارِنِ دَمٌ كَدَمِ التَّمَتُّعِ) فِي صِفَتِهِ وَبَدَلِهِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ. (قُلْت) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ. (بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) كَمَا فِي الْمُتَمَتِّعِ الْمُلْحَقِ بِهِ الْقَارِنُ فِيمَا ذَكَرَ بِطَرِيقِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSمِنْهَا عَصَى، وَكَانَ قَضَاءً وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَ الْإِحْرَامَ بِزَمَنٍ يَسَعُهَا لِأَنَّ تَحْصِيلَ سَبَبِ الْوُجُوبِ لَا يَجِبُ. قَوْلُهُ: (إلَى أَهْلِهِ) أَيْ إلَى وَطَنِهِ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ، وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا الْقَضَاءُ وَسَيَأْتِي لَوْ تَوَطَّنَ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (صَامَ بِهَا) أَيْ مَكَّةَ وَيَجِبُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ بِأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ الَّتِي هِيَ الْعِيدُ وَالتَّشْرِيقُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَتَوَطَّنْهَا إلَخْ) فَلَا عِبْرَةَ بِإِقَامَتِهِ بِغَيْرِ تَوَطُّنٍ. قَوْلُهُ: (وَيُنْدَبُ إلَخْ) نَعَمْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ قَبْلَ يَوْمِ الْعِيدِ بِزَمَنٍ يَسَعُهَا أَوْ بَعْضَهَا وَجَبَ التَّتَابُعُ. قَوْلُهُ: (وَالْأَظْهَرُ يُفَرِّقُ إلَخْ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ) يُفِيدُ اعْتِبَارَ إقَامَةِ مَكَّةَ وَأَثْنَاءَ الطَّرِيقِ مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ. قَوْلُهُ: (الْحَاصِلُ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ) وَهِيَ: عَدَمُ لُزُومِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQتَأَخَّرَ التَّحَلُّلُ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَصَامَهَا بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَتَحَلَّلَ أَثِمَ، وَصَارَتْ قَضَاءً، وَإِنْ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي الْحَجِّ، لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ نَادِرٌ فَلَا يَكُونُ مُرَادًا فِي الْآيَةِ قَالَ الْإِمَامُ: وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ فِي الْحَجِّ إذَا لَمْ يَكُنْ مُسَافِرًا، فَإِنْ كَانَ فَلَا كَصَوْمِ رَمَضَانَ وَضَعَّفَهُ الشَّيْخَانِ.
فَائِدَةٌ: قَالَ الْإِسْنَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حَيْثُ صَارَتْ الثَّلَاثَةُ قَضَاءً فَفِي السَّبْعَةِ قَوْلَانِ فِي تَحْرِيرِ الْجُرْجَانِيِّ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَاَلَّذِي فَهِمْته مِنْ كَلَامِ أَكْثَرِهِمْ الْجَزْمُ بِأَنَّهَا أَدَاءٌ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي إذَا فَرَغَ مِنْ الْحَجِّ) وَقِيلَ عَلَى هَذَا الْمُرَادُ وَالرُّجُوعُ مِنْ مِنًى بَعْدَ فَرَاغِ أَعْمَالِ الْحَجِّ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيُنْدَبُ تَتَابُعُ الثَّلَاثَةِ إلَخْ) مُبَادَرَةً إلَى فِعْلِ الْوَاجِبِ. قَوْلُهُ: (كَمَا فِي الْأَدَاءِ) يُشْكِلُ عَلَيْهِ عَدَمُ وُجُوبِ التَّفْرِيقِ فِي قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ بِقَدْرِ أَوْقَاتِهَا، فَالْأَحْسَنُ مَا قَالَهُ غَيْرُهُ، لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ وَاجِبٌ فِي الْأَدَاءِ يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ، وَهُوَ الْحَجُّ وَالرُّجُوعُ فَلَمْ يَسْقُطْ بِالْفَوَاتِ كَتَرْتِيبِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ، وَالثَّانِي وَصَحَّحَهُ قَاسَ عَلَى عَدَمِ التَّفْرِيقِ فِي قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ، قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الْأَوْلَى، وَفَارَقَ تَفْرِيقَ الصَّلَوَاتِ لِأَنَّ ذَلِكَ تَفْرِيقٌ يَتَعَلَّقُ بِالْوَقْتِ، وَهَذَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ وَهُوَ الرُّجُوعُ وَالْحَجُّ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَالْحَاصِلُ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ) وَهِيَ قَوْلُهُ وَالثَّانِي يَقْطَعُ النَّظَرَ عَنْ الْأَدَاءِ، وَقَوْلُهُ بِيَوْمٍ فِي قَوْلٍ وَقَوْلُهُ وَالْأَظْهَرُ، وَقَوْلُهُ بِمُدَّةِ إمْكَانِ السَّيْرِ وَقَوْلُهُ بِأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ.