فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي. وَأَنَا صَائِمٌ» رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ الْأَوَّلُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ. وَالثَّانِي مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَ) يَوْمِ (عَرَفَةَ) لِغَيْرِ الْحَاجِّ وَهُوَ التَّاسِعُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ (وَعَاشُورَاءَ) وَهُوَ الْعَاشِرُ مِنْ الْمُحَرَّمِ. (وَتَاسُوعَاءَ) وَهُوَ التَّاسِعُ مِنْهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ» . وَقَالَ: «لَئِنْ بَقِيت إلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ الْيَوْمَ التَّاسِعَ فَمَاتَ قَبْلَهُ» . رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ أَمَّا الْحَاجُّ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ الْفِطْرُ يَوْمَ عَرَفَةَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَسَوَاءٌ كَمَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْجُمْهُورِ أَضْعَفَهُ الصَّوْمُ عَنْ الدُّعَاءِ وَأَعْمَالِ الْحَجِّ أَمْ لَا فَصَوْمُهُ لَهُ خِلَافُ الْأَوْلَى وَقِيلَ مَكْرُوهٌ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ» ، وَضُعِّفَ بِأَنَّ فِي إسْنَادِهِ مَجْهُولًا. (وَأَيَّامِ) اللَّيَالِي. (الْبِيضِ) وَهِيَ الثَّالِثَ عَشَرَ وَتَالِيَاهُ قَالَ أَبُو ذَرٍّ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَصُومَ مِنْ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامِ الْبِيضِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ حِبَّانَ: وَوُصِفَتْ اللَّيَالِي بِالْبِيضِ لِأَنَّهَا تَبْيَضُّ بِطُلُوعِ الْقَمَرِ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا. (وَسِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَى النَّسَائِيّ حَدِيثَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ بِعَشْرَةِ أَشْهُرٍ، وَصِيَامِ سِتَّةِ أَيَّامٍ بِشَهْرَيْنِ فَذَلِكَ صِيَامُ السَّنَةِ. (وَتَتَابُعُهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــSوَالْخَمِيسُ خَامِسُهَا كَمَا فِي الْحَدِيثِ. وَمَا قِيلَ لِأَنَّهُ ثَانِي الْأُسْبُوعِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَرْجُوحِ أَنَّ أَوَّلَهُ الْأَحَدُ وَإِنَّمَا أَوَّلُهُ السَّبْتُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا فِي بَابِ النَّذْرِ وَالِاثْنَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ الْخَمِيسِ.
قَوْلُهُ: (أَمَّا الْحَاجُّ) وَمِثْلُهُ الْمُسَافِرُ وَلَوْ سَفَرًا قَصِيرًا فَلَا يُنْدَبُ لَهُ نَعَمْ يُنْدَبُ صَوْمُهُ لِلْحَاجِّ بِغَيْرِ عَرَفَةَ وَيُنْدَبُ صَوْمُ الثَّمَانِيَةِ قَبْلَهُ لِلْحَاجِّ وَغَيْرِهِ. وَلَوْ حَصَلَ فِيهِ شَكٌّ مَعَ لَيْلَةِ الْعِيدِ بِنَقْصِ الشَّهْرِ وَكَمَالِهِ كَانَ كَالشَّكِّ فِي يَوْمِ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ فَلَا حُرْمَةَ فِيهِ وَلَا كَرَاهَةَ وَيَوْمُ عَرَفَةَ أَفْضَلُ أَيَّامِ السَّنَةِ. قَوْلُهُ: (وَعَاشُورَاءَ إلَخْ) وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ عَاشِرُ أَيَّامِ شَهْرِ الْمُحَرَّمِ وَتَاسُوعَاءُ تَاسِعُهُ. وَيُنْدَبُ مَعَهُمَا صَوْمُ الْحَادِيَ عَشَرَ وَالثَّامِنِ احْتِيَاطًا وَيُنْدَبُ صَوْمُ بَقِيَّةِ الْعَشْرِ.
قَوْلُهُ: (أَحْتَسِبُ) هُوَ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ وَضَمِيرُهُ عَائِدٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِلَفْظِ الْمَاضِي وَضَمِيرُهُ يَعُودُ إلَى الصَّوْمِ وَفِيهِ بُعْدٌ وَحِكْمَةُ كَوْنِ عَرَفَةَ تُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ لِأَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِخِلَافِ عَاشُورَاءَ لِمُشَارَكَةِ قَوْمِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَالسَّنَةُ الْمَاضِيَةُ آخِرُهَا شَهْرُ الْحَجَّةِ وَالْمُسْتَقْبِلَةُ أَوَّلُهَا الْمُحَرَّمُ وَالتَّكْفِيرُ لِلذُّنُوبِ الصَّغَائِرِ الَّتِي لَا تَتَعَلَّقُ بِالْآدَمِيِّ قَالَ النَّوَوِيُّ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ صَغَائِرَ فَيُرْجَى أَنْ تَحُتَّ مِنْ الْكَبَائِرِ. وَعَمَّمَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْكَبَائِرِ أَيْضًا وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ. وَقَالَ التَّخْصِيصُ بِالصَّغَائِرِ تَحَكُّمٌ وَعَفْوُ اللَّهِ وَاسِعٌ. وَمَالَ إلَيْهِ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ فِي شَرْحِهِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ ذُنُوبٌ فَزِيَادَةٌ فِي الْحَسَنَاتِ.
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: التَّكْفِيرُ يُطْلَقُ بِمَعْنَى الْغُفْرَانِ وَبِمَعْنَى الْعَصَبَةِ فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ وَالثَّانِي عَلَى الْمُسْتَقْبَلَةِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلَةِ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ كَانَ مَغْفُورًا. وَقِيلَ الْمُرَادُ عَدَمُ وُقُوعِهِ وَهَذَا عَائِدٌ إلَى مَعْنَى الْعِصْمَةِ.
فَائِدَةٌ: قَالَ بَعْضُهُمْ: يُؤْخَذُ مِنْ تَكْفِيرِ السَّنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ فِيهَا لِأَنَّ التَّكْفِيرَ لَا يَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (خِلَافُ الْأَوْلَى) هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَكَذَا الْمُسَافِرُ. قَوْلُهُ: (الثَّالِثَ عَشَرَ) أَيْ فِي غَيْرِ ذِي الْحِجَّةِ لِأَنَّهُ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَيُبَدَّلُ بِالسَّادِسِ عَشَرَ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا تَبْيَضُّ إلَخْ) فَحِكْمَةُ صَوْمِهَا شُكْرُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى هَذَا النُّورِ الْعَظِيمِ وَيُنْدَبُ صَوْمُ أَيَّامِ اللَّيَالِيِ السُّودِ، وَهِيَ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ وَتَالِيَاهُ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَسْوَدُّ بِالظُّلْمَةِ مِنْ عَدَمِ الْقَمَرِ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إلَى آخِرِهِ فَحِكْمَةُ صَوْمِهَا طَلَبُ كَشْفِ تِلْكَ الظُّلْمَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ وَتَزْوِيدُ الشَّهْرِ الَّذِي عَزَمَ عَلَى الرَّحِيلِ بَعْدَ كَوْنِهِ كَانَ ضَيِّقًا. وَيُسَنُّ صَوْمُ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مَعَهَا احْتِيَاطًا لِنَقْصِ الشَّهْرِ فَإِنْ لَمْ يَصُمْهُ وَنَقَصَ الشَّهْرُ أَبْدَلَهُ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ بَعْدَهُ، وَعَلَى هَذَا هَلْ يُطْلَبُ لِهَذَا الشَّهْرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أُخْرَى أَوْ أَنَّهُ يَكْفِي لِلشَّهْرَيْنِ رَاجِعْهُ، وَيُنْدَبُ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَلَوْ غَيْرَ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّهَا كَصِيَامِ الشَّهْرِ إذْ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا. قَوْلُهُ: (مِنْ شَوَّالٍ) أَيْ وَإِنْ أَفْطَرَ رَمَضَانَ وَلَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَإِنْ صَامَهُ عَنْهُ دَخَلَتْ فِيهِ وَيَحْصُلُ ثَوَابُهَا الْمَخْصُوصُ.
وَكَذَا ثَوَابُ رَمَضَانَ الْمَخْصُوصُ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ فَإِنْ قَصَدَ تَأْخِيرَهَا لَمْ تَدْخُلْ وَيَصُومُهَا مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ وَفِيهِ مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَتْبَعَهُ) أَيْ حَقِيقَةً إنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأُخْرَى. قَوْلُهُ: (وَيَوْمُ عَرَفَةَ) وَلَوْ حَصَلَ الشَّكُّ فِي هِلَالِ الْحِجَّةِ فَلَا تَحْرِيمَ وَلَا كَرَاهَةَ فِي صَوْمِهِ كَمَا فِي صِيَامِ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ بَعْدَ الشَّكِّ فِي أَوَّلِهِ، قَالَهُ مَوْهُوبُ الْجَزَرِيُّ. قَوْلُهُ: (أَنْ يُكَفِّرَ) قَالَ الْإِمَامُ: أَيْ الصَّغَائِرَ، قَالَ فِي الذَّخَائِرِ: وَهُوَ مَرْدُودٌ وَيَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ وَالْفَضْلُ وَاسِعٌ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلِلتَّكْفِيرِ تَأْوِيلَانِ قِيلَ الْغُفْرَانُ، وَقِيلَ الْعِصْمَةُ مِنْهَا.
تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: هَذَا أَصْلٌ فِي جَوَازِ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ، وَنَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ النَّصِّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِطْرُ عَرَفَةَ لِلْمُسَافِرِ غَيْرِ الْحَاجِّ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَهِيَ الثَّالِثَ عَشَرَ إلَخْ) يُسْتَثْنَى ذُو الْحِجَّةِ فَإِنَّهُ يُسْقِطُ الثَّالِثَ عَشَرَ، وَقَدْ سَكَتُوا عَنْ سَنِّ