صَحِيحٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ رَآهَا كَذَلِكَ، وَالثَّانِي تَسْنِيمُهُ أَوْلَى لِأَنَّ التَّسْطِيحَ صَارَ شِعَارًا لِلرَّوَافِضِ فَيُتْرَكُ مُخَالَفَةً لَهُمْ وَصِيَانَةً لِلْمَيِّتِ وَأَهْلِهِ عَنْ الِاتِّهَامِ بِالْبِدْعَةِ، وَدُفِعَ بِأَنَّ السُّنَّةَ لَا تُتْرَكُ لِمُوَافَقَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ فِيهَا

(وَلَا يُدْفَنُ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: هِيَ عِبَارَةُ الْأَكْثَرِينَ، وَصَرَّحَ السَّرَخْسِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُدْفَنَ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ، وَهَذَا يَصْدُقُ بِقَوْلِهِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: يُسْتَحَبُّ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ أَنْ يُدْفَنَ كُلُّ مَيِّتٍ فِي قَبْرٍ. أَيْ فَيَكُونُ دَفْنُ اثْنَيْنِ فِيهِ مَكْرُوهًا (إلَّا لِضَرُورَةٍ) كَأَنْ كَثُرَ الْمَوْتَى لِوَبَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ وَعَسُرَ إفْرَادُ كُلِّ وَاحِدٍ بِقَبْرٍ. (فَيُقَدَّمُ) فِي دَفْنِ اثْنَيْنِ (أَفْضَلُهُمَا) إلَى جِدَارِ اللَّحْدِ. رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ: أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ فَإِذَا أُشِيرَ إلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ» ، وَيُقَدَّمُ الْأَبُ عَلَى الِابْنِ وَإِنْ كَانَ الِابْنُ أَفْضَلَ مِنْهُ لِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ، وَكَذَا تُقَدَّمُ الْأُمُّ عَلَى الْبِنْتِ، وَيُقَدَّمُ الرَّجُلُ عَلَى الصَّبِيِّ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ إلَّا عِنْدَ تَأَكُّدِ الضَّرُورَةِ، وَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ مِنْ تُرَابٍ. وَكَذَا بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ وَالْمَرْأَتَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الرَّوْضَةِ. وَفِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ إشَارَةٌ إلَيْهِ (وَلَا يُجْلَسُ عَلَى الْقَبْرِ) وَلَا يُتَّكَأُ عَلَيْهِ (وَلَا يُوطَأُ) أَيْ يُكْرَهُ ذَلِكَ إلَّا لِحَاجَةٍ بِأَنْ لَا يَصِلَ إلَى قَبْرِ مَيِّتِهِ إلَّا بِوَطْئِهِ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَكَذَا يُكْرَهُ الِاسْتِنَادُ إلَيْهِ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلَا تُصَلُّوا إلَيْهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ جَابِرٍ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُوطَأَ الْقَبْرُ» ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَسَيَأْتِي بِطُولِهِ فِي التَّجْصِيصِ. (وَيَقْرُبُ زَائِرُهُ) مِنْهُ (كَقُرْبِهِ مِنْهُ) فِي زِيَارَتِهِ (حَيًّا) أَيْ يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَسَيَأْتِي نَدْبُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ لِلرِّجَالِ.

(وَالتَّعْزِيَةُ سُنَّةٌ قَبْلَ دَفْنِهِ وَبَعْدَهُ) أَيْ هُمَا سَوَاءٌ فِي أَصْلِ السُّنِّيَّةِ، وَتَأْخِيرُهَا أَحْسَنُ لِاشْتِغَالِ أَهْلِ الْمَيِّتِ بِتَجْهِيزِهِ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إلَّا أَنْ يَرَى مِنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ جَزَعًا شَدِيدًا فَيُخْتَارُ تَقْدِيمُهَا لِيُصَبِّرَهُمْ. (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) تَقْرِيبًا فَلَا تَعْزِيَةَ بَعْدَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُعَزِّي أَوْ الْمُعَزَّى غَائِبًا، وَفِي

ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: (لَا يَجُوزُ) أَيْ لَا يُبَاحُ. قَوْلُهُ: (فَيَكُونُ دَفْنُ اثْنَيْنِ فِيهِ مَكْرُوهًا) وَهُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ، وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا. وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ وَشَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ أَنَّهُ حَرَامٌ وَلَوْ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، أَوْ الْمَحْرَمِيَّةِ، أَوْ الصِّغَرِ، فَلَوْ دُفِنَ لَمْ يُنْبَشْ. قَوْلُهُ: (جِدَارِ اللَّحْدِ) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ. قَوْلُهُ: (فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ فِي طَرَفٍ مِنْهُ لِكَوْنِهِ لَوْ قُطِّعَ لَمْ يَسَعْهُمَا، وَذَلِكَ لِفَقْدِ الثِّيَابِ الْفَاضِلَةِ عَنْ الْكِفَايَةِ، فَهُوَ عُذْرٌ فِي الْجَمْعِ أَيْضًا.

قَوْلُهُ: (عَلَى الْبِنْتِ) فَالْخُنْثَى يُقَدَّمُ عَلَى أُمِّهِ كَابْنِهَا الذَّكَرِ، وَالْوَجْهُ إلْحَاقُ الْخُنْثَى بِالْأُنْثَى، لِتَحَقُّقِ الْأَصْلِيَّةِ دُونَ الذُّكُورَةِ، وَيُقَدَّمُ الصَّبِيُّ عَلَى الْخُنْثَى وَالْخُنْثَى وَالذَّكَرُ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَهَذَا قَبْلَ وَضْعِ الْمَفْضُولِ فِي اللَّحْدِ وَلَوْ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ، وَإِلَّا فَلَا يُنَحَّى عَنْ مَكَانِهِ لِأَنَّهُ إزْرَاءٌ، وَيُقَدَّمُ فِي الْكَافِرِينَ أَخَفُّهُمَا كُفْرًا أَوْ عِصْيَانًا. قَوْلُهُ: (وَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ) نَدْبًا إنْ لَمْ يَكُنْ مَسٌّ وَإِلَّا وَجَبَ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُجْلَسُ عَلَى الْقَبْرِ) أَيْ عَلَى مَا حَاذَى الْمَيِّتَ مِنْهُ، وَكَذَا مَا بَعْدَهُ. وَكُلُّ ذَلِكَ فَيُقْبَرُ الْمُسْلِمُ وَلَوْ مُهْدَرًا أَوْ بَعْدَ انْدِرَاسِهِ، وَإِنْ جَازَ الدَّفْنُ حِينَئِذٍ عَلَيْهِ لِلْحَاجَةِ فِيهِ، بِخِلَافِ الْكَافِرِ وَلَوْ مُرْتَدًّا لِعَدَمِ احْتِرَامِهِ، فَلَا يُكْرَهُ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرَ. نَعَمْ يَنْبَغِي تَرْكُهُ فِي الذِّمِّيِّ دَفْعًا لِأَذَى الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ، لَكِنْ يُكْرَهُ الْمُكْثُ فِي مَقَابِرِهِمْ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُوطَأُ) خَرَجَ بِهِ الْمَشْيُ بَيْنَ الْقُبُورِ وَلَوْ بِالنَّعْلِ وَبِلَا حَاجَةٍ، فَلَا يُكْرَهُ. نَعَمْ يَحْرُمُ إنْ حَصَلَ تَنْجِيسٌ كَمَنْبُوشَةٍ مَعَ الْمَشْيِ حَافِيًا مَعَ رُطُوبَةِ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَيَحْرُمُ الْبَوْلُ وَالتَّغَوُّطُ عَلَى الْقَبْرِ، وَيُكْرَهُ الزَّرْعُ فِي الْمَقْبَرَةِ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ لَا يَصِلَ إلَخْ) تَخْصِيصُ الْحَاجَةِ بِالْوَطْءِ لَيْسَ قَيْدًا. قَوْلُهُ: (أَيْ يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ) أَيْ يُنْدَبُ. نَعَمْ إنْ كَانَ بُعْدُهُ عَنْهُ فِي الْحَيَاةِ لِخَوْفٍ كَالظُّلْمَةِ لَمْ يُعْتَبَرْ، وَلَوْ أَوْصَى بِقُرْبِهِ لِمَنْ كَانَ بَعِيدًا طُلِبَ قُرْبُهُ مِنْهُ.

قَوْلُهُ: (وَالتَّعْزِيَةُ سُنَّةٌ) وَلَوْ فِي الْحَيَوَانِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ أَوْ فِي مَالٍ مِنْ كُلِّ مَا يَعِزُّ عَلَى الْمُصَابِ وَيَدْعُو بِمَا يُنَاسِبُ. وَتَعْزِيَةُ الشَّابَّةِ لَأَجْنَبِيٍّ حَرَامٌ ابْتِدَاءً وَرَدًّا، وَيُكْرَهُ لَهُ ابْتِدَاءً وَرَدًّا كَالسَّلَامِ، وَيُكْرَهُ تَعْزِيَةُ تَارِكِ صَلَاةٍ وَمُحَارِبٍ وَمُبْتَدِعٍ وَمُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ وَلَوْ بِمُسْلِمٍ وَعَكْسُهُ، لَا تَعْزِيَةُ مُسْلِمٍ بِذِمِّيٍّ وَعَكْسُهُ، فَلَا يُكْرَهُ بَلْ مَنْدُوبَةٌ إنْ رُجِيَ إسْلَامُهُ. قَوْلُهُ: (ثَلَاثَةُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQاللُّغَتَيْنِ حَيْثُ قَالَ: يَحْثُو وَقَالَ: حَثَيَاتٍ. قَوْلُهُ: (بِالْمَسَاحِي) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَمْسَحُ الْأَرْضَ.

قَوْلُهُ: (فَيَكُونُ دَفْنُ اثْنَيْنِ إلَخْ) اُنْظُرْ مَا وَجْهُ تَرَتُّبِ الْكَرَاهَةِ عَلَى مَا سَلَفَ. قَوْلُهُ: (كَانَ يَجْمَعُ إلَخْ) الْحَامِلُ عَلَى ذَلِكَ أَمْرَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا لَوْ انْفَرَدَ لَكَانَ كَافِيًا فِي نَفْيِ الْكَرَاهَةِ كَثْرَةُ الْمَوْتَى، وَالْحَاجَةُ إلَى تَكْفِينِ اثْنَيْنِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لِفَقْدِ الثِّيَابِ الْفَاضِلَةِ عَنْ الْكِفَايَةِ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (قَبْلَ دَفْنِهِ وَبَعْدَهُ) الْمَعْنَى إمَّا قَبْلَهُ وَإِمَّا بَعْدَهُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) أَخْذًا مِنْ مُدَّةِ الْإِحْدَادِ عَلَى غَيْرِ الزَّوْجِ. قَوْلُهُ: (وَمَعْنَاهَا) أَيْ اصْطِلَاحًا،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015