وَأَخْرَجَ اسْتَوْجَبَ الْقَتْلَ، وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ أَوْجَهُ إنَّمَا يُقْتَلُ إذَا ضَاقَ وَقْتُ الثَّانِيَةِ، وَامْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهَا إذَا ضَاقَ وَقْتُ الرَّابِعَةِ، وَامْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهَا إذَا تَرَكَ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ، وَامْتَنَعَ عَنْ الْقَضَاءِ إذَا تَرَكَ قَدْرًا يَظْهَرُ بِهِ لَنَا اعْتِيَادُهُ لِلتَّرْكِ.
(وَيُسْتَتَابُ) عَلَى الْكُلِّ قَبْلَ الْقَتْلِ وَتَكْفِي الِاسْتِتَابَةُ فِي الْحَالِ، وَفِي قَوْلٍ: يُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَهُمَا فِي الِاسْتِحْبَابِ، وَقِيلَ فِي الْوُجُوبِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الِاسْتِتَابَةَ فِي الْحَالِ أَوْ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ مُسْتَحَبَّةٌ، وَقِيلَ وَاجِبَةٌ. (ثُمَّ يُضْرَبُ عُنُقُهُ) بِالسَّيْفِ إنْ لَمْ يَتُبْ (وَقِيلَ: يُنْخَسُ بِحَدِيدَةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ أَوْ يَمُوتَ) وَقِيلَ: يُضْرَبُ بِالْخَشَبِ حَتَّى يُصَلِّيَ أَوْ يَمُوتَ (وَيُغَسَّلُ) وَيُكَفَّنُ (وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُطْمَسُ قَبْرُهُ) وَقِيلَ: لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُكَفَّنُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَإِذَا دُفِنَ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ طُمِسَ قَبْرُهُ حَتَّى يُنْسَى وَلَا يُذْكَرَ
(تَتِمَّةٌ) تَارِكُ الْجُمُعَةِ يُقْتَلُ، فَإِنْ قَالَ أُصَلِّيهَا ظُهْرًا، فَقَالَ الْغَزَالِيُّ: لَا يُقْتَلُ، وَأَقَرَّهُ الرَّافِعِيُّ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَزَادَ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الشَّاشِيِّ أَنَّهُ يُقْتَلُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ. قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَهُوَ الْقَوِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــSبِأَدَائِهَا فَتَكْفِي الْمُطَالَبَةُ، وَلَوْ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، إلَى أَنْ يَبْقَى بَعْدَ الْأَمْرِ، مَا يَسَعُهَا بِطُهْرِهَا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَصَرَّ) أَيْ لَمْ يَفْعَلْ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ، وَخَرَجَ بِالتَّوَعُّدِ الْمَذْكُورِ مَا تَرَكَهُ قَبْلَهُ، وَلَوْ غَالِبَ عُمُرِهِ فَلَا قَتْلَ بِهِ.
قَوْلُهُ: (فِي الْحَالِ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَالِاسْتِحْبَابِ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ فِي الْوُجُوبِ) أَيْ كَالْمُرْتَدِّ، وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْمُرْتَدَّ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ، فَوَجَبَ إنْقَاذُهُ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ يُضْرَبُ عُنُقُهُ) أَيْ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ فِي ذَلِكَ، لَا غَيْرِهِمَا وَلَوْ مِنْ أَهْلِ السَّطْوَةِ فَإِنْ قَتَلَهُ غَيْرُهُمَا، بَعْدَ الْأَمْرِ، وَلَوْ قَبْلَ خُرُوجٍ لِوَقْتٍ، وَلَيْسَ مِثْلُهُ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ إلَّا أَنْ قَتَلَهُ فِي حَالَةِ جُنُونِهِ أَوْ سُكْرِهِ
. قَوْلُهُ: (تَارِكُ الْجُمُعَةِ يُقْتَلُ) أَيْ إنْ تَرَكَهَا فِي مَحَلٍّ مُجْمَعٍ عَلَى وُجُوبِهَا فِيهِ، كَالْأَمْصَارِ لَا الْقُرَى لِعَدَمِ وُجُوبِهَا فِيهَا، عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا لَا يُقْتَلُ فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ لِذَلِكَ، وَلَا يُقْتَلُ بِهَا حَتَّى يَبْقَى مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ، مَا لَا يَسَعُ خُطْبَتَيْهَا وَرَكْعَتَيْهَا لَا قَبْلَهُ، وَإِنْ أَيِسَ مِنْهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَلَوْ أَمْكَنَهُ إدْرَاكُهَا فِي غَيْرِ بَلَدِهِ، لَا يَبْعُدُ الْوُجُوبُ.
قَوْلُهُ: (أَنَّهُ يُقْتَلُ) مَا لَمْ يَتُبْ بِأَنْ يُصَلِّيَ بِالْفِعْلِ، وَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ أُصَلِّي، فَإِنْ قَالَ: صَلَّيْت أَوْ تَرَكْتهَا لِعُذْرٍ، كَعَدَمِ الْمَاءِ صُدِّقَ، فَلَا يُقْتَلُ. وَإِنْ ظَنَّ كَذِبَهُ لَكِنْ يُؤْمَرُ، بِأَنْ يُصَلِّيَ وُجُوبًا فِي الْعُذْرِ الْبَاطِلِ، وَنَدْبًا فِي غَيْرِهِ.
(تَتِمَّةٌ) قَالَ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: مَنْ ادَّعَى أَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى حَالَةً، أَسْقَطَتْ عَنْهُ الصَّلَاةَ أَوْ أَبَاحَتْ لَهُ الْخَمْرَ، أَوْ أَكْلَ مَالَ النَّاسِ، كَزَعْمِ بَعْضِ الْمُتَصَوِّفَةِ، فَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِ بَلْ قَتْلُ مِثْلِهِ، أَفْضَلُ مِنْ قَتْلِ مِائَةِ كَافِرٍ، لِأَنَّ ضَرَرَهُ أَكْثَرُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. -
ـــــــــــــــــــــــــــــQضِيقِ الْوَقْتِ، عَنْ فِعْلِهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَصَرَّ وَأَخْرَجَ إلَخْ) اقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ انْتَفَى التَّوَعُّدُ الْمَذْكُورُ، فَلَا قَتْلَ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ التَّوَعُّدُ فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ، حَتَّى لَوْ تَرَكَ التَّوَعُّدَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ مَثَلًا، ثُمَّ تَوَعَّدَ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ عَلَى الظُّهْرِ، فَلَا قَتْلَ. قَوْلُهُ: (أَوْجُهٌ) وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْوَاحِدَةَ يُحْتَمَلُ تَرْكُهَا لِشُبْهَةِ الْجَمْعِ، وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الثَّلَاثَ أَقَلُّ الْجَمْعِ، فَيُغْتَفَرُ لِاحْتِمَالِ عُذْرٍ وَوَجْهُ الثَّالِثِ، احْتِمَالُ أَنْ يَسْتَنِدَ إلَى تَأْوِيلٍ مِنْ «تَرْكِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْخَنْدَقِ، أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ» قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ. قَوْلُهُ: (إذَا ضَاقَ وَقْتُ الثَّانِيَةِ إلَخْ) اُنْظُرْ عَلَى هَذَا إذَا تَرَكَ الصُّبْحَ مَثَلًا، فَهَلْ نَقُولُ لَا يُقْتَلُ حَتَّى يَخْرُجَ الظُّهْرُ عَنْ وَقْتِ الضَّرُورَةِ، أَوْ لَا يُعْتَبَرُ هُنَا وَقْتُ الضَّرُورَةِ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يُطْلَبَ مِنْهُ الْفِعْلُ فِي كُلٍّ مِنْ الْفَرْضَيْنِ عِنْدَ ضِيقِ وَقْتِهِ، أَمْ يَخْتَصُّ بِالثَّانِي. قَوْلُهُ: (مِنْ أَدَائِهَا) الضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ الثَّانِيَةِ
. قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَتُبْ) اسْتَشْكَلَ بِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْحَدَّ هُنَا شَرْطُهُ دَوَامُ الِامْتِنَاعِ.
(فَرْعٌ) تَارِكُ الْجُمُعَةِ لَا يَسْقُطُ قَتْلُهُ إلَّا بِالتَّوْبَةِ، لِأَنَّ فِعْلَ الظُّهْرِ لَيْسَ قَضَاءً لَهَا بِخِلَافِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِالْقَضَاءِ.
ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّوْبَةَ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ لَا تَتَحَقَّقُ، إلَّا بِفِعْلِ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا فِي الْجُمُعَةِ فَتُحَقَّقُ بِالتَّوْبَةِ فَقَطْ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (أَوْ يَمُوتَ) أَيْ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حَمْلُهُ عَلَى الصَّلَاةِ لَا قَتْلُهُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيُغَسَّلُ إلَخْ) أَيْ كَسَائِرِ أَرْبَابِ الْكَبَائِرِ، بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْحَدَّ يُسْقِطُ الْعُقُوبَةَ الْأُخْرَوِيَّةَ، كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.