(وَلَا يُتْبِعَ بَصَرَهُ الْبَرْقَ) رَوَى الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ: إذَا رَأَى أَحَدُكُمْ الْبَرْقَ أَوْ الْوَدْقَ فَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ.
الْوَدْقُ بِالْمُهْمَلَةِ الْمَطَرُ.
(وَيَقُولَ عِنْدَ الْمَطَرِ اللَّهُمَّ صَيِّبًا) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ أَيْ مَطَرًا (نَافِعًا) رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا رَأَى الْمَطَرَ قَالَ ذَلِكَ» . (وَيَدْعُوَ بِمَا شَاءَ) لِحَدِيثِ الْبَيْهَقِيّ «يُسْتَجَابُ الدُّعَاءُ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاطِنَ عِنْدَ الْتِقَاءِ الصُّفُوفِ وَنُزُولِ الْغَيْثِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَرُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ» . (وَ) يَقُولَ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْمَطَرِ أَيْ فِي أَثَرِهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْأَصْحَابِ: (مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ وَيُكْرَهُ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا) بِفَتْحِ النُّونِ وَبِالْهَمْزِ آخِرَهُ أَيْ بِوَقْتِ النَّجْمِ الْفُلَانِيِّ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي إضَافَةِ الْأَمْطَارِ إلَى الْأَنْوَاءِ فَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّ النَّوْءَ هُوَ الْفَاعِلُ لِلْمَطَرِ حَقِيقَةً كَفَرَ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ وَقْتٌ أَوْقَعَ اللَّهُ فِيهِ الْمَطَرَ فَهُوَ مَحَلُّ الْكَرَاهَةِ لِإِيهَامِهِ الْأَوَّلَ. رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الصُّبْحِ عَلَى أَثَرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنْ اللَّيْلِ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَمَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ» .
(وَ) يُكْرَهُ (سَبُّ الرِّيحِ) رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ تَعَالَى. أَيْ مِنْ رَحْمَتِهِ تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَلَا تَسُبُّوهَا وَاسْأَلُوا اللَّهَ خَيْرَهَا وَاسْتَعِيذُوا بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّهَا» . (وَلَوْ تَضَرَّرُوا بِكَثْرَةِ الْمَطَرِ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَسْأَلُوا اللَّهَ رَفْعَهُ) بِأَنْ يَقُولُوا كَمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــSوَحْدَهُ، وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ وَالْمُنَاسِبُ فِيهِ، أَنْ يَقُولَ: سُبْحَانَ مَنْ يُرِيكُمْ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَفِي الْحَدِيثِ «بَعَثَ اللَّهُ السَّحَابَ فَنَطَقَتْ أَحْسَنَ النُّطْقِ، وَضَحِكَتْ أَحْسَنَ الضَّحِكِ، فَالرَّعْدُ نُطْقُهَا وَالْبَرْقُ ضَحِكُهَا» ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ الرَّعْدَ مَلَكٌ، وَالْبَرْقَ لَمَعَانُ أَجْنِحَتِهِ الَّتِي يَسُوقُ بِهَا السَّحَابَ، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَيَكُونُ الْمَسْمُوعُ صَوْتَهُ أَوْ صَوْتَ تَسْبِيحِهِ، أَوْ صَوْتَ سَوْقِهِ، وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْفَلَاسِفَةِ: إنَّ الرَّعْدَ صَوْتُ اصْطِكَاكِ السَّحَابِ، وَالْبَرْقَ مَا يَتَقَدَّمُ ذَلِكَ الِاصْطِكَاكَ، فَقَوْلُهُ وَذُكِرَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ. قَوْلُهُ: (لِمُقَارَنَتِهِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبُرُلُّسِيُّ أَيْ لَا لِكَوْنِهِ يُشْرَعُ لَهُ، ذِكْرٌ مُسْتَقِلٌّ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ. قَوْلُهُ: (الرَّعْدَ الْمَسْمُوعَ) يُفِيدُ أَنَّ الْأَصَمَّ لَا يُسَبِّحُ لِلرَّعْدِ، إلَّا أَنْ يُرَادَ مَا شَأْنُهُ السَّمَاعُ، فَيَشْمَلُهُ وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يُشِيرُ) شَامِلٌ لِلْإِشَارَةِ بِغَيْرِ الْبَصَرِ فَلْيُرَاجَعْ. قَوْلُهُ: (أَوْ الْوَدْقَ إلَخْ) قَالَ بَعْضُهُمْ: وَكَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ لَا يُشِيرُونَ إلَيْهِ، وَيَقُولُونَ عِنْدَهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ.
قَوْلُهُ: (وَيَقُولُ) أَيْ نَدْبًا وَثَلَاثًا. قَوْلُهُ: (صَيِّبًا) مِنْ صَابَ يَصُوبُ إذَا نَزَلَ إلَى أَسْفَلَ، وَفِي رِوَايَةٍ بِالسِّينِ بِمَعْنَى الْعَطَاءِ. قَوْلُهُ: (بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ) وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا، وَهُوَ الْأَنْسَبُ مَعَ السِّينِ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ الْتِقَاءِ الصُّفُوفِ) الْمُرَادُ بِهَا الْمُقَارَنَةُ وَبِالصُّفُوفِ الْجِهَادُ، وَبِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ أَلْفَاظُهَا أَوْ التَّوَجُّهُ إلَيْهَا. قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ إلَخْ) وَإِنَّمَا لَمْ يَحْرُمْ كَمَا فِي الذَّبْحِ لِإِبْهَامِ الْفَاعِلِينَ هُنَاكَ، وَانْفِرَادِ النَّوْءِ هُنَا. قَوْلُهُ: (بِنَوْءٍ) لَوْ قَالَ فِي نَوْءِ كَذَا، لَمْ يُكْرَهْ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ. قَوْلُهُ: (بِوَقْتِ النَّجْمِ الْفُلَانِيِّ) أَيْ بِوَقْتِ سُقُوطِ مَنْزِلَةٍ مِنْ الْمَنَازِلِ فِي الْأُفُقِ الْغَرْبِيِّ الْمُقَارِنِ، لِطُلُوعِ نَظِيرَتِهَا مِنْ الْأُفُقِ الشَّرْقِيِّ، فِي مُدَّةِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَفِي الْحَقِيقَةِ أَنَّ إضَافَةَ الْمَطَرِ وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، إنَّمَا هِيَ لِلطَّالِعَةِ، وَإِنَّمَا نُسِبَ لِلْغَارِبَةِ نَظَرًا لِاسْمِ النَّوْءِ الَّذِي هُوَ السُّقُوطُ. قَوْلُهُ: (كَفَرَ) أَيْ حَقِيقَةً كَمَا فِي الْحَدِيثِ، لِأَنَّ فِيهِ اعْتِقَادَ التَّأْثِيرِ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ. قَوْلُهُ: (أَثَرِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ وَبِفَتْحِهِمَا. قَوْلُهُ: (لِإِيهَامِهِ الْأَوَّلَ) أَيْ إنَّهُ فَاعِلٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْفَاعِلَ مَحْذُوفٌ، وَنَائِبَهُ ضَمِيرُهُ مُطِرْنَا وَبِنَوْءِ ظَرْفُ لَغْوٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ: لِإِيهَامِ السَّبَبِيَّةِ الْقَرِيبَةِ مِنْ الْفَاعِلِيَّةِ
. قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ سَبُّ الرِّيحِ) قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: وَيُطْلَبُ الدُّعَاءُ عِنْدَهَا لِمَا وَرَدَ، أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ: عِنْدَ هُبُوبِهَا. اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا إلَخْ. قَوْلُهُ: (أَيْ مِنْ رَحْمَتِهِ) أَيْ فِي الْوَاقِعِ وَنِسْبَةُ الْعَذَابِ إلَيْهَا، فِي الظَّاهِرِ لَا يُنَافِيهِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ مَجْمُوعُهَا. قَوْلُهُ (بِكَثْرَةِ) بِتَثْلِيثِ الْكَافِ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَقُولُوا) أَيْ نَدْبًا لِأَنَّ الدُّعَاءَ بِرَفْعِ الضَّرَرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّخْصِيصِ، بَلْ ظَاهِرُ الثَّانِي الْعُمُومُ. قَوْلُهُ: (لِمُقَارَنَتِهِ الرَّعْدَ الْمَسْمُوعَ) يَعْنِي ذُكِرَ لِأَجْلِ الْمُقَارَنَةِ لَا لِأَنَّهُ يُشْرَعُ لِأَجْلِهِ تَسْبِيحٌ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (صَيِّبًا) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: مِنْ صَابَ يَصُوبُ إذَا نَزَلَ مِنْ عُلُوٍّ إلَى أَسْفَلَ، وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ مَاجَهْ «اللَّهُمَّ سَيْبًا» وَهُوَ الْعَطَاءُ.
قَوْلُهُ: (كَافِرٌ بِي) أَيْ حَقِيقَةً إنْ اعْتَقَدَ التَّأْثِيرَ أَوْ كَافِرٌ بِنِعَمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إنْ لَمْ يَعْتَقِدْ التَّأْثِيرَ
. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَسَبُّ الرِّيحِ) فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا عَصَفَتْ الرِّيحُ قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ بِك مِنْ