إلَى آخِرِهِ رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «انْخَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى» . قَالَ مُسْلِمٌ: «وَالنَّاسُ مَعَهُ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ انْصَرَفَ، وَقَدْ انْجَلَتْ الشَّمْسُ» .

وَرَوَيَا أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهُ قَرَأَ فِي الْقِيَامِ الثَّانِي قِرَاءَةً طَوِيلَةً، وَهِيَ أَدْنَى مِنْ الْقِرَاءَةِ الْأُولَى، وَأَنَّهُ قَالَ فِي الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعَيْنِ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ» . (وَلَا يُطَوِّلُ السَّجَدَاتِ فِي الْأَصَحِّ) كَالْجُلُوسِ بَيْنَهَا وَالِاعْتِدَالِ وَالتَّشَهُّدِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ، وَحَكَى فِيهِ وَفِي الرَّوْضَةِ الْخِلَافَ قَوْلَيْنِ، وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ: فِيهِ قَوْلَانِ، وَيُقَالُ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَ فِي الْمُحَرَّرِ الْأَظْهَرَ وَقِيسَ مُقَابِلُهُ عَلَى الرُّكُوعِ. (قُلْت: الصَّحِيحُ تَطْوِيلُهَا) كَمَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ. (ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ) فِي صَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكُسُوفِ الشَّمْسِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَلَفْظُهُ: «فَصَلَّى بِأَطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ مَا رَأَيْته قَطُّ يَفْعَلُهُ فِي صَلَاتِهِ» ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَلَفْظُهَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، فَسَجَدَ سُجُودًا طَوِيلًا، وَفِي الثَّانِيَةِ: ثُمَّ سَجَدَ وَهُوَ دُونَ السُّجُودِ الْأَوَّلِ» .

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «مَا رَكَعْت رُكُوعًا قَطُّ وَلَا سَجَدْت سُجُودًا قَطُّ كَانَ أَطْوَلَ مِنْهُ» . وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ أَنَّ تَطْوِيلَ السُّجُودِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ. (وَنَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ يُطَوِّلُهَا نَحْوَ الرُّكُوعِ الَّذِي قَبْلَهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) قَالَ الْبَغَوِيّ: فَالسُّجُودُ الْأَوَّلُ كَالرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، وَالسُّجُودُ الثَّانِي كَالرُّكُوعِ الثَّانِي، وَاخْتَارَهُ فِي الرَّوْضَةِ

(وَتُسَنُّ جَمَاعَةً) بِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيزِ الْمُحَوَّلِ عَنْ نَائِبِ الْفَاعِلِ أَيْ تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهَا وَيُنَادَى لَهَا الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ كَمَا «فَعَلَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ جَمَاعَةً، وَبَعَثَ لَهَا مُنَادِيًا: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ» . رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ، وَتُسَنُّ لِلْمُنْفَرِدِ وَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَتُسَنُّ فِي الْجَامِعِ.

(وَيَجْهَرُ بِقِرَاءَةِ كُسُوفِ الْقَمَرِ لَا الشَّمْسِ) لِأَنَّ الْأُولَى فِي اللَّيْلِ، وَالثَّانِيَةَ فِي النَّهَارِ، وَمَا رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ

ـــــــــــــــــــــــــــــSكَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (انْخَسَفَتْ الشَّمْسُ) وَصَحَّ أَنَّهُ انْخَسَفَ الْقَمَرُ أَيْضًا وَصَلَّى لَهُ وَسَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَالِاعْتِدَالِ) وَمَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ طَوِيلٌ شَاذٌّ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ. قَوْلُهُ: (فِي الْمُحَرَّرِ الْأَظْهَرَ إلَخْ) فَالْمُصَنِّفُ لَمْ يُوَافِقْ فِي تَعْبِيرِهِ الْوَاقِعِ وَلَا أَصْلِهِ.

قَوْلُهُ: (وَالصَّحِيحُ) الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْأَصَحِّ كَمَا فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ، أَوْ بِالْأَظْهَرِ لِأَنَّ الْخِلَافَ أَقْوَالٌ كَمَا مَرَّ، إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ بِمَعْنَى الرَّاجِحِ أَوْ يُقَالَ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى رَدِّ تَعْبِيرِ الرَّافِعِيِّ بِالْأَظْهَرِ الْمُشْعِرِ بِقُوَّةِ الْخِلَافِ. وَعَلَى كُلٍّ فَهُوَ خِلَافُ اصْطِلَاحِهِ. قَوْلُهُ: (ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ) فِي هَذَا أَوْ مَا سَيَأْتِي بِقَوْلِهِ: وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ إلَخْ رَدٌّ عَلَى الرَّافِعِيِّ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ بِالْقِيَاسِ لِأَنَّ النَّصَّ مُقَدَّمٌ. قَوْلُهُ: (فِي الْبُوَيْطِيِّ) نِسْبَةً إلَى بُوَيْطَ قَرْيَةٍ بِصَعِيدِ مِصْرَ الْأَدْنَى، وَهُوَ أَبُو يَعْقُوبَ يُوسُفُ بْنُ يَحْيَى الْقُرَشِيُّ، كَانَ خَلِيفَةَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي حَلْقَتِهِ، مَاتَ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ. قَوْلُهُ: (فَالسُّجُودُ الْأَوَّلُ كَالرُّكُوعِ الْأَوَّلِ وَالسُّجُودُ الثَّانِي كَالرُّكُوعِ الثَّانِي) وَهَكَذَا فَيُسَبِّحُ قَدْرَ مِائَةِ آيَةٍ كَمَا فِي الْمَنْهَجِ وَغَيْرِهِ فِي الْأَوَّلِ، ثُمَّ ثَمَانِينَ فِي الثَّانِي، ثُمَّ سَبْعِينَ فِي الثَّالِثِ، ثُمَّ خَمْسِينَ فِي الرَّابِعِ أَوْ بِبَعْضٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يُطِيلُ الِاعْتِدَالَ وَلَا الْجُلُوسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: (وَاخْتَارَهُ) يُحْتَمَلُ عَوْدُهُ إلَى كَلَامِ الْبَغَوِيّ، وَيُحْتَمَلُ عَوْدُهُ إلَى الْحُكْمِ كُلِّهِ

. قَوْلُهُ: (وَتُسَنُّ جَمَاعَةً) وَغَيْرَ جَمَاعَةٍ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْعِيدِ. وَكَذَا فِي حُضُورِ النِّسَاءِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQنَظَرٌ بِاعْتِبَارِ الْمِائَتَيْنِ فِي الثَّانِي. قَوْلُهُ: (أَنَّهُ قَرَأَ) صَرَّحَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْقِيَامِ الثَّانِي، بِخِلَافِ الْأُولَى. قَوْلُهُ: (وَالِاعْتِدَالُ) قَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ تَطْوِيلُ الِاعْتِدَالِ، لَكِنْ أَجَابَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّهَا رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ، مُخَالِفَةٌ لِرِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ. قَوْلُهُ: (وَأَطْلَقَ فِي الْمُحَرَّرِ الْأَظْهَرَ) أَيْ لَمْ يَقُلْ أَظْهَرَ الْوَجْهَيْنِ، وَلَا أَظْهَرَ الْقَوْلَيْنِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَلَيْتَ الْمُؤَلِّفَ تَرَكَ مَا فِي الْمُحَرَّرِ عَلَى حَالِهِ، أَيْ لِيُفِيدَ أَنَّ الْخِلَافَ قَوْلَانِ: مُوَافَقَةٌ لِاصْطِلَاحِهِ، وَلِمَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ. قَوْلُهُ: (وَاخْتَارَهُ فِي الرَّوْضَةِ) يُحْتَمَلُ عَوْدُهُ إلَى مَقَالَةِ الْبَغَوِيّ، وَيُحْتَمَلُ عَوْدُهُ إلَى الْحُكْمِ كُلِّهِ.

قَوْلُهُ: (بِالنَّصْبِ إلَخْ) دَفْعٌ لِاعْتِرَاضِ الْإِسْنَوِيِّ عَلَى نَصْبِهَا حَالًا، أَوْ رَفْعِهَا الْمُحْوِجِ إلَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015