بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفَيْنِ كُسُوفُ الشَّمْسِ وَكُسُوفُ الْقَمَرِ، وَيُقَالُ فِيهِمَا خُسُوفَانِ، وَفِي الْأَوَّلِ كُسُوفٌ وَالثَّانِي خُسُوفٌ، وَهُوَ أَشْهَرُ، وَحُكِيَ عَكْسُهُ. (هِيَ سُنَّةٌ) وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا مُؤَكَّدَةٌ
«لِأَنَّهُ أَمَرَ بِهَا وَصَلَّى لِكُسُوفِ الشَّمْسِ» ، رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ. (فَيُحْرِمُ بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ، وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَيَرْكَعُ ثُمَّ يَرْفَعُ ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ، ثُمَّ يَرْكَعُ ثُمَّ يَرْفَعُ ثُمَّ يَعْتَدِلُ ثُمَّ يَسْجُدُ) السَّجْدَتَيْنِ وَيَأْتِي بِالطُّمَأْنِينَةِ فِي مَحَالِّهَا (فَهَذِهِ رَكْعَةٌ ثُمَّ يُصَلِّي ثَانِيَةً كَذَلِكَ) هَذَا أَقَلُّهَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، فَهِيَ رَكْعَتَانِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ كَمَا فَعَلَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَلَا يَجُوزُ زِيَادَةُ رُكُوعٍ ثَالِثٍ) فَأَكْثَرَ (لِتَمَادِي الْكُسُوفِ وَلَا نَقْصِهِ) أَيْ نَقْصُ رُكُوعٍ مِنْ الرُّكُوعَيْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSبَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفَيْنِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهَا مَعَ عَدَمِ تَكْرَارِهَا، وَأَوَّلُ كُسُوفٍ وَقَعَ كَانَ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ أَوْ فِي الْعَاشِرَةِ كَمَا يَأْتِي، وَمَيْلُ الْجَلَالِ إلَى أَنَّهَا مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهِيَ مِنْ كَسَفَ كَضَرْبِ مُتَعَدِّيًا وَلَازِمًا. يُقَالُ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ وَكَسَفَهَا اللَّهُ تَعَالَى. وَكَذَا يُقَالُ فِي خَسَفَ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ أَشْهُرُ) لِأَنَّ الْكَسْفَ السِّتْرُ وَالْخَسْفَ الْمَحْوُ وَنُورُ الشَّمْسِ لَا يُفَارِقُ جِرْمَهَا وَإِنَّمَا يَسْتُرُهُ الْقَمَرُ عَنَّا بِحَيْلُولَتِهِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا. وَلِذَلِكَ لَا يَكُونُ الْكُسُوفُ إلَّا فِي أَوَاخِرِ الشُّهُورِ فَإِنْ وَقَعَ فِي غَيْرِهَا فَهُوَ مِنْ خَرْقِ الْعَادَةِ، وَنُورُ الْقَمَرِ مُمْتَدٌّ مِنْ نُورِ الشَّمْسِ، وَلَيْسَ لَهُ نُورٌ فِي ذَاتِهِ فَإِذَا حَالَتْ الْأَرْضُ بَيْنَهُمَا مُحِيَ نُورُهُ، وَذَلِكَ عِنْدَ مُقَابَلَتِهِمَا. وَلِذَلِكَ لَا يَكُونُ الْخُسُوفُ إلَّا فِي أَنْصَافِ الشُّهُورِ، وَمَا وَقَعَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ خَرْقِ الْعَادَةِ أَيْضًا وَمِنْ الْأَوَّلِ أَيْضًا كُسُوفُ الشَّمْسِ فِي عَاشِرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ يَوْمَ مَوْتِ ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فِي سَنَةِ ثَمَانٍ مِنْ الْهِجْرَةِ. وَمَاتَ وَعُمْرُهُ سَبْعُونَ يَوْمًا عَلَى الصَّحِيحِ. وَمِنْهُ الْكُسُوفُ يَوْمَ عَاشِرِ الْمُحَرَّمِ حِينَ قُتِلَ الْحُسَيْنُ فِي سَنَةِ إحْدَى وَسِتِّينَ.
(تَنْبِيهٌ) وَقَعَ فِي حَاشِيَةِ الْعَلَّامَةِ الْبُرُلُّسِيِّ هُنَا كَلَامٌ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ يَعْرِفُهُ مَنْ لَهُ الْخِبْرَةُ بِحَرَكَاتِ الْأَفْلَاكِ.
(فَائِدَةٌ) تُسَنُّ الصَّلَاةُ فُرَادَى لَا بِالْهَيْئَةِ الْآتِيَةِ لِبَقِيَّةِ الْكَوَاكِبِ وَالْآيَاتِ السَّمَاوِيَّةِ وَالزَّلَازِلِ وَالصَّوَاعِقِ، وَلَا يَجُوزُ لَهَا خُطْبَةٌ وَلَا جَمَاعَةٌ وَيَدْخُلُ وَقْتُهَا بِوُجُودِهَا، وَيَخْرُجُ بِزَوَالِهَا كَالْكُسُوفِ فَيَصِحُّ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ إلَخْ) كَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا دَلِيلُ التَّأْكِيدِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (فَيُحْرِمُ إلَخْ) أَيْ مَعَ تَعْيِينِ الشَّمْسِ أَوْ الْقَمَرِ وَتَعْيِينِ كَوْنِهَا بِرُكُوعَيْنِ أَوْ لَا وَلَا يَجُوزُ غَيْرُ مَا نَوَاهُ.
فَلَوْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ تَخَيَّرَ بَيْنَ الْكَيْفِيَّتَيْنِ وَفَارَقَ الْوِتْرَ بِعَدَمِ تَعَدُّدِ الرَّكَعَاتِ هُنَا إذْ لَا يَجُوزُ الْإِحْرَامُ بِهَا بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَإِذَا اخْتَارَ كَيْفِيَّةً تَعَيَّنَتْ. وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهَا قَبْلَ الْوُصُولِ لِمَا يُعَيِّنُهَا، كَالْقِيَامِ الثَّانِي فِي كَيْفِيَّةِ الرُّكُوعَيْنِ أَوْ الْهَوِيِّ لِلسُّجُودِ فِي الْكَيْفِيَّةِ الْأُخْرَى. نَعَمْ يَلْزَمُ الْمَأْمُومَ مُوَافَقَةُ الْإِمَامِ فَيَنْوِي مَا هُوَ فِيهِ، وَتَنْصَرِفُ نِيَّتُهُ الْمُطْلَقَةُ إلَيْهِ وَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ عَلَى الْأَوْجَهِ. وَقِيلَ فِي هَذِهِ يَتَخَيَّرُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ فِي فِعْلِهِ خِلَافَهُ يَلْزَمُ مُخَالَفَةُ نَظْمِ الصَّلَاةِ وَقَدْ مَرَّ مَنْعُهُ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (هَذَا أَقَلُّهَا) أَيْ أَقَلُّ كَمَالِهَا، وَأَقَلُّهَا حَقِيقَةً كَسُنَّةِ الظُّهْرِ. قَوْلُهُ: (فَأَكْثَرَ) وَإِنْ زَادَ عَلَى خَمْسَةٍ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ، وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا إلَّا
ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفَيْنِ]
ِ قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِهَا) وَالصَّارِفُ عَنْ الْوُجُوبِ إلَى النَّدْبِ، حَدِيثُ «هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا» . قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَيُحْرِمُ إلَخْ) مَسْأَلَةٌ مُكَرَّرَةٌ فِي الْكِتَابِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (ثُمَّ يَرْفَعُ ثُمَّ يَعْتَدِلُ) فِيهِ مَيْلٌ إلَى أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِي الرَّفْعِ الْأَوَّلِ. وَيَقُولُ فِي الثَّانِي: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَالْمَسْأَلَةُ ذَاتُ خِلَافٍ، صَرَّحَ بِهَذَا الْمَاوَرْدِيُّ، وَنَقَلَهُ عَنْ النَّصِّ وَكَذَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ كَجٍّ، وَلَكِنْ نَصَّ الْأُمُّ، وَمُخْتَصَرُ الْمُزَنِيّ وَالْبُوَيْطِيِّ عَلَى أَنَّهُ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فِيهِمَا، وَاعْتَمَدَهُ الشَّارِحُ كَمَا سَيَأْتِي، وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ، وَالرَّافِعِيِّ وَلَكِنْ بَعْضُهُمْ أَوَّلَهَا. قَوْلُ الْمَتْنِ: (ثَالِثٍ) جَعَلَ الْإِسْنَوِيُّ الْخِلَافَ ثَابِتًا فِي زِيَادَةِ رَابِعٍ وَخَامِسٍ، لِوُرُودِهِمَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَمَنَعَ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الْخَامِسِ قَطْعًا. قَوْلُهُ: (مِنْ الرُّكُوعَيْنِ) أَيْ فَلَيْسَ الضَّمِيرُ عَائِدًا لِلرُّكُوعِ الثَّالِثِ لِفَسَادِهِ. قَوْلُهُ: