تَقَدَّمَ مِنْ الْإِقْبَالِ عَلَيْهِمْ إلَى فَرَاغِهَا أَيْ يُسَنُّ ذَلِكَ، وَيُسَنُّ لَهُمْ أَنْ يُقْبِلُوا عَلَيْهِ مُسْتَمِعِينَ لَهُ (وَيَعْتَمِدُ عَلَى سَيْفٍ أَوْ عَصًا وَنَحْوِهِ) رَوَى أَبُو دَاوُد: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَامَ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ مُتَوَكِّئًا عَلَى عَصًا أَوْ قَوْسٍ» . وَرُوِيَ أَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى سَيْفٍ.
قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْقَوْسِ. وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ هَذَا الدِّينَ قَامَ بِالسِّلَاحِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي يَدِهِ الْيُسْرَى كَعَادَةِ مَنْ يُرِيدُ الضَّرْبَ بِالسَّيْفِ وَالرَّمْيَ بِالْقَوْسِ، وَيَشْغَلُ يَدَهُ الْيُمْنَى بِحَرْفِ الْمِنْبَرِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ جَعَلَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى أَوْ أَرْسَلَهُمَا وَلَا يَعْبَثُ بِهِمَا (وَيَكُونَ جُلُوسُهُ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْخُطْبَتَيْنِ فِي الْجُمُعَةِ. (نَحْوَ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ) أَيْ يُسَنُّ ذَلِكَ. وَقِيلَ يَجِبُ فَلَا يَجُوزُ أَقَلُّ مِنْهُ (وَإِذَا فَرَغَ) مِنْ الْخُطْبَةِ (شَرَعَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ وَبَادَرَ الْإِمَامُ لِيَبْلُغَ الْمِحْرَابَ مَعَ فَرَاغِهِ) مِنْ الْإِقَامَةِ فَيَشْرَعُ فِي الصَّلَاةِ، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ الْمُبَالَغَةُ فِي تَحْقِيقِ الْمُوَالَاةِ الَّتِي تَقَدَّمَ وُجُوبُهَا وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي النُّزُولِ مِنْ الْمِنْبَرِ عَقِبَ فَرَاغِهَا وَيَأْخُذَ الْمُؤَذِّنُونَ فِي الْإِقَامَةِ، وَيَبْلُغَ الْمِحْرَابَ مَعَ فَرَاغِ الْإِقَامَةِ انْتَهَى. فَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِاسْتِحْبَابِ مَا ذُكِرَ هُنَا
(وَيَقْرَأَ) بَعْدَ الْفَاتِحَةِ. (فِي الْأُولَى الْجُمُعَةَ وَفِي الثَّانِيَةِ الْمُنَافِقِينَ جَهْرًا) لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ: «كَانَ يَقْرَأُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْجَهْرِ» . وَرَوَى هُوَ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] ، وَ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: كَانَ يَقْرَأُ هَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ وَهَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ فَهُمَا سُنَّتَانِ وَفِيهَا كَأَصْلِهَا لَوْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ فِي الْأُولَى قَرَأَهَا مَعَ الْمُنَافِقِينَ فِي الثَّانِيَةِ وَلَوْ قَرَأَ الْمُنَافِقِينَ فِي الْأُولَى قَرَأَ الْجُمُعَةَ فِي الثَّانِيَةِ كَيْ لَا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ عَنْ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي يَدِهِ الْيُسْرَى) مَنْ ابْتِدَاءِ طُلُوعِهِ بَعْدَ أَخْذِهِ مِنْ الْمَرْقَى بِالْيَمِينِ كَمَا يَدْفَعُهُ لَهُ بَعْدَ نُزُولِهِ بِهَا، وَيُكْرَهُ وُقُوفُهُ عَلَى كُلِّ دَرَجَةٍ فِي طُلُوعِهِ وَدَقُّهُ الدَّرَجَ بِرِجْلِهِ أَوْ غَيْرِهَا وَالْإِسْرَاعُ فِي صُعُودِهِ أَوْ هُبُوطِهِ أَوْ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ، وَالْإِشَارَةُ بِيَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْهُ أَوْ مِنْ الْحَاضِرِينَ وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ بِلَا عَطَشٍ كَذَلِكَ.
(فَرْعٌ) يُكْرَهُ كَرَاهَةً قَوِيَّةً كِتَابَةُ الْحَفَائِظِ فِي رَمَضَانَ وَتَفْرِقَتُهَا عَلَى الْمُصَلِّينَ وَقَبُولُهُمْ لَهَا وَالْمَشْيُ بَيْنَ الصُّفُوفِ لِلسُّؤَالِ أَوْ غَيْرِهِ وَالتَّصَدُّقُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (نَحْوَ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ) وَيُنْدَبُ أَنْ يَقْرَأَ فِيهَا شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ وَسُورَةُ الْإِخْلَاصِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا كَمَا فِي الْعُبَابِ وَابْنِ حَجَرٍ. قَوْلُهُ: (بِحَرْفِ الْمِنْبَرِ) أَيْ إنْ لَمْ يَمَسَّ نَجَاسَةً كَوُقُوفِهِ عَلَيْهَا، وَلَا يَقْبِضُ حَرْفَهُ إنْ كَانَ يَنْجَرُّ بِجَرِّهِ وَعَلَيْهِ أَوْ فِيهِ نَجَاسَةٌ. قَوْلُهُ: (شَرَعَ الْمُؤَذِّنُ) أَيْ نَدْبًا كَمُبَادَرَةِ الْإِمَامِ وَلَوْ غَيْرَ الْخَطِيبِ.
قَوْلُهُ: (وَيَقْرَأَ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْمَأْمُومُونَ بِهِمَا، وَقِرَاءَةُ بَعْضِ كُلٍّ مِنْهُمَا أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةٍ غَيْرِهِمَا. قَوْلُهُ: (جَهْرًا) وَلَوْ مَسْبُوقًا فِي ثَانِيَتِهِ وَيَقْرَأُ فِيهَا الْمُنَافِقِينَ مُطْلَقًا.
وَقَالَ شَيْخُنَا تَبَعًا لِشَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ يَقْرَأُ الْجُمُعَةَ فِيهَا إنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي قِيَامِ الثَّانِيَةِ لِعَدَمِ تَحَمُّلِهَا عَنْهُ وَفِيهِ نَظَرٌ.
قَالَ بَعْضُهُمْ وَعَلَى هَذَا فَيَجْمَعُ مَعَهَا الْمُنَافِقُونَ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَهَلْ أَتَاك) وَإِنْ كَانَتْ أَطْوَلَ مِنْ سَبِّحْ لِوُرُودِهِ مَعَ حِكْمَةِ لُحُوقِ الْمُتَأَخِّرِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (قَرَأَهَا مَعَ الْمُنَافِقِينَ) أَيْ إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ وَإِلَّا اقْتَصَرَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ أَوْ عَلَى بَعْضِهَا.
(فَرْعٌ) قَالُوا حِكْمَةُ قِرَاءَةِ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ كَوْنُ الْأُولَى فِيهَا اسْمُ الْجُمُعَةِ الْمُوَافِقُ لِاسْمِ يَوْمِهَا وَالْمُنَافِقِينَ تَلِيهَا فِي الْمُصْحَف الشَّرِيف وَالتَّوَالِي مَطْلُوب وَاَللَّه أَعْلَم.
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: (مِنْ الْإِقْبَالِ عَلَيْهِمْ إلَخْ) فَلَوْ اسْتَدْبَرَهُمْ أَوْ اسْتَدْبَرُوهُ كُرِهَ.
(فَرْعٌ) يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَحْتَبِيَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ لِأَنَّهُ يَجْلِبُ النَّوْمَ. قَوْلُهُ: (فِي يَدِهِ الْيُسْرَى) ظَاهِرُهُ حَتَّى مِنْ أَوَّلِ الصُّعُودِ، وَانْظُرْ إذَا انْتَهَى صُعُودُهُ وَأَخَذَ فِي التَّحَوُّلِ لِلْإِقْبَالِ عَلَيْهِمْ هَلْ يَكُونُ مَبْدَأُ التَّحَوُّلِ مِنْ جِهَةِ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ أَمْ يَسْتَوِي الْأَمْرَانِ؟ .
قَوْلُ الْمَتْنِ: (الْمُنَافِقِينَ) اُنْظُرْ مَا حِكْمَتُهَا. قَوْلُهُ: (مَعَ الْمُنَافِقِينَ) لَوْ كَانَ الْبَاقِي مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ إحْدَاهُمَا فَقَطْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَقْرَأُ الْمُنَافِقِينَ، وَلَوْ وَسِعَهُمَا فَالظَّاهِرُ الْبُدَاءَةُ بِالْجُمُعَةِ.