(بِلَا إعَادَةٍ فِي الْأَصَحِّ) إذْ لَيْسَ مَعَهُ طَاهِرٌ بِيَقِينٍ. وَالثَّانِي يُعِيدُ لِأَنَّ مَعَهُ طَاهِرًا بِالظَّنِّ فَإِنْ أَرَاقَهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ لَمْ يُعِدْ جَزْمًا.
وَخَرَّجَ ابْنُ سُرَيْجٍ مِنْ النَّصِّ فِي تَغَيُّرِ الِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ الْعَمَلَ بِالثَّانِي، فَيُورِدُ الْمَاءَ مَوَارِدَ الْأَوَّلِ مِنْ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَالْمَكَانِ، وَيَتَوَضَّأُ مِنْهُ وَيُصَلِّي وَلَا يُعِيدُ كَمَا لَا يُعِيدُ الْأَوَّلُ، وَهَلْ تَكْفِي عِنْدَهُ الْغَسْلَةُ الْوَاحِدَةُ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ عَنْ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ؟ قَالَ الرَّافِعِيُّ: لَا.
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: نَعَمْ. وَكُلٌّ مِنْهُمَا قَالَ بِحَسَبِ فَهْمِهِ الْمُوَافِقِ لِلرَّاجِحِ عِنْدَهُ فِي مَسْأَلَةِ تَيَقُّنِ النَّجَاسَةِ الْآتِيَةِ فِي بَابِ الْغُسْلِ. وَلَوْ بَقِيَ مِنْ الْأَوَّلِ شَيْءٌ وَتَغَيَّرَ ظَنُّهُ فَفِيهِ النَّصُّ وَالتَّخْرِيجُ، لَكِنْ يُعِيدُ عَلَى النَّصِّ مَا صَلَّاهُ بِالتَّيَمُّمِ لِأَنَّ مَعَهُ طَاهِرًا بِيَقِينٍ، وَقِيلَ: لَا لِتَعَذُّرِ اسْتِعْمَالِهِ فَإِنْ أَرَاقَهُمَا أَوْ خَلَطَهُمَا قَبْلَ الصَّلَاةِ لَمْ يُعِدْ جَزْمًا، وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَعْمَلُ لِمَا ظَنَّهُ عِنْدَ حُضُورِ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ بَاقِيًا عَلَى طَهَارَتِهِ بِمَا ظَنَّهُ صَلَّى بِهَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَوْ مُحْدِثًا، وَقَدْ بَقِيَ مِمَّا تَطَهَّرَ مِنْهُ شَيْءٌ لَزِمَهُ إعَادَةُ الِاجْتِهَادِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ، ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا.
(وَلَوْ أَخْبَرَهُ بِتَنَجُّسِهِ) أَيْ الْمَاءِ (مَقْبُولُ الرِّوَايَةِ) كَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ (وَبَيَّنَ السَّبَبَ) فِي تَنَجُّسِهِ كَوُلُوغِ كَلْبٍ (أَوْ كَانَ فَقِيهًا) فِي بَابِ تَنَجُّسِ الْمَاءِ (مُوَافِقًا) لِلْمُخْبِرِ فِي مَذْهَبِهِ فِي ذَلِكَ (اعْتَمَدَهُ) مِنْ غَيْرِ تَبْيِينٍ لِلسَّبَبِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْفَقِيهِ أَوْ الْفَقِيهِ الْمُخَالِفِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــSبِالثَّانِي.
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَا يُعِيدُ مَا صَلَّاهُ بِالْأَوَّلِ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا فِي الثَّوْبَيْنِ. قَوْلُهُ: (بَلْ يَتَيَمَّمُ) مَا لَمْ يَكُنْ بَاقِيًا عَلَى طَهَارَتِهِ الْأُولَى وَإِلَّا فَيُصَلِّي بِهَا وَقَوْلُ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ يُصَلِّي كَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ سَيَأْتِي مَا فِيهِ وَصَحَّ تَيَمُّمُهُ مَعَ اعْتِقَادِهِ نَجَاسَةَ أَعْضَائِهِ لِإِلْغَاءِ ظَنِّهِ بِعَدَمِ تَحَقُّقِ النَّجَاسَةِ.
قَوْلُهُ: (بِلَا إعَادَةٍ) مِنْ حَيْثُ الْمَاءُ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ الصَّلَاةِ) قَالَ شَيْخُنَا: وَقَبْلَ التَّيَمُّمِ. قَوْلُهُ: (فَيُورِدُ الْمَاءَ) أَيْ إنْ لَمْ يُوجَدْ مَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (عِنْدَهُ) أَيْ ابْنِ سُرَيْجٍ. قَوْلُهُ: (وَتَغَيَّرَ ظَنُّهُ) أَيْ بِاجْتِهَادٍ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي عَنْ الرَّوْضَةِ.
قَوْلُهُ: (لَكِنْ يُعِيدُ) أَيْ إذَا تَيَمَّمَ وَصَلَّى قَبْلَ الْإِعْدَامِ. قَوْلُهُ: (بَاقِيًا عَلَى طَهَارَتِهِ) أَيْ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ ظَنُّهُ سَوَاءٌ بَقِيَ مِنْ الْأَوَّلِ شَيْءٌ أَمْ لَا، فَإِنْ تَغَيَّرَ ظَنُّهُ، فَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ وَالْخَطِيبُ وَالْعَلَّامَةُ ابْنُ قَاسِمٍ: لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهَا أَيْضًا، كَمَا شَمِلَتْهُ الْعِبَارَةُ لِأَنَّهُمْ أَلْغَوْا ظَنَّهُ بِدَلِيلِ صِحَّةِ تَيَمُّمِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَعَ الْجَوَابِ عَنْهُ، فَقَوْلُ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ أَعْضَائِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ صَلَّى كَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَلَا يُصَلِّي بِطَهَارَتِهِ لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ إعَادَةُ الِاجْتِهَادِ) وَفِي تَغَيُّرِ ظَنِّهِ وَعَدَمِهِ مَا تَقَدَّمَ. نَعَمْ إنْ كَانَ ذَاكِرًا لِلدَّلِيلِ الْأَوَّلِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى إعَادَةِ الِاجْتِهَادِ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ الْأَوَّلِ شَيْءٌ) أَيْ فَلَا يَلْزَمُهُ الِاجْتِهَادُ وَتَقَدَّمَ عَنْ النَّوَوِيِّ مَنْعُهُ، وَعَنْ الرَّافِعِيِّ جَوَازُهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَخْبَرَهُ) هُوَ إشَارَةٌ إلَى تَعْمِيمِ النَّجَسِ الْمُشْتَبَهِ، أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ظَنُّ النَّجَاسَةِ فِي الْإِنَاءِ حَاصِلًا عَنْ مَعْرِفَتِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (مَقْبُولُ الرِّوَايَةِ) وَهُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الْعَدْلُ يَقِينًا الْعَارِفُ بِمَا يَنْجُسُ مِنْ غَيْرِهِ وَلَوْ أَعْمَى، أَوْ أَخْبَرَ عَنْ مِثْلِهِ وَلَوْ أَعْمَى. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الصَّبِيِّ) وَالْمَجْنُونِ وَالْفَاسِقِ وَمَجْهُولِ الْعَدَالَةِ مَا لَمْ يَبْلُغْ عَدَدَ التَّوَاتُرِ أَوْ يَعْتَقِدْ صِدْقَهُ، أَوْ يُخْبِرْ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ، كَبُلْت فِي هَذَا الْمَاءِ أَوْ أَلْقَيْت فِيهِ نَجَاسَةً، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَعْرِفَةُ مَا يَنْجُسُ لِئَلَّا يَعْتَقِدَ تَنْجِيسَ مَا لَمْ يَنْجُسْ، وَلَا يَكْفِي نَجَّسْته، وَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا عَدَمُ قَبُولِ إخْبَارِ الْمَجْنُونِ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ إلَّا إنْ قُيِّدَ بِمَا لَيْسَ لَهُ نَوْعُ تَمْيِيزٍ. قَوْلُهُ: (مُوَافِقًا) أَيْ يَقِينًا وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ السَّبَبِ. قَوْلُهُ: (فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي الْحُكْمِ بِتَنَجُّسِ الْمَاءِ وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْهُ فِي مَذْهَبِهِ، بَلْ لَوْ عَلِمَ مِنْهُ مَعْرِفَةَ الْحُكْمِ فِيهَا عِنْدَهُ اعْتَمَدَهُ، وَإِنْ خَالَفَهُ فِيهَا فِي مَذْهَبِهِ. قَوْلُهُ: (اعْتَمَدَهُ) أَيْ وُجُوبًا إنْ لَمْ يَكُنْ عَنْ اجْتِهَادٍ وَسَوَاءٌ أَخْبَرَهُ قَبْلَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَوْ بِمُدَّةٍ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ مَا صَلَّاهُ قَبْلَ الْإِخْبَارِ لِتَبَيُّنِ وُجُوبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQجَمِيعَهُ بِقَرِينَةِ قَوْلِ الشَّارِحِ الْآتِي، وَلَوْ بَقِيَ مِنْ الْأَوَّلِ شَيْءٌ وَحِينَئِذٍ فَنَقُولُ وَتَغَيَّرَ ظَنُّهُ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى طَرِيقَةِ الرَّافِعِيِّ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ وَلَا يَجِبُ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ مُخَالَفَتِهِ لِلْأَوَّلِ لَا يُعْمَلُ بِالثَّانِي فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الْمُرَادَةُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ الْآتِي بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ، أَمَّا لَوْ تَلِفَ أَحَدُ الْإِنَاءَيْنِ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ فَلَا إشْكَالَ فِي وُجُوبِ الِاجْتِهَادِ وَجَوَازِهِ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ، وَمِثْلُ ذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ مَا لَوْ اجْتَهَدَ وَتَحَيَّرَ أَوْ ظَنَّ طَهَارَةَ أَحَدِهِمَا ثُمَّ تَلِفَ أَحَدُهُمَا فِي الْأُولَى أَوْ الَّذِي ظَنَّ طَهَارَتَهُ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهِ فِي الثَّانِيَةِ، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي إذَا تَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ حَضَرَتْ صَلَاةٌ أُخْرَى أَنْ يَجِبَ الِاجْتِهَادُ، وَيَجُوزَ عِنْدَ الْإِمَامِ الرَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْمَحْذُورَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَعْنِي مَسْأَلَةَ التَّلَفِ بِالِاسْتِعْمَالِ مُنْتَفٍ هُنَا، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: هَذَا أَعْطَى مَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ الِاجْتِهَادِ فَلَا تَجِبُ إعَادَةُ الِاجْتِهَادِ فِيهِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (لَمْ يُعِدْ جَزْمًا) هَذَا يُوجِبُ أَنَّ مُرَادَهُ الْإِرَاقَةُ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَقَبْلَ التَّيَمُّمِ إذْ لَوْ أَرَاقَهُ بَيْنَهُمَا لَمْ يَصِحَّ الْجَزْمُ لِأَنَّ مَنْ يَجْعَلُ الْإِرَاقَةَ شَرْطًا لِصِحَّةِ التَّيَمُّمِ لَا يَعْتَبِرُ الْإِرَاقَةَ بَيْنَهُمَا.
قَوْلُ الشَّارِحِ: (لَزِمَهُ إعَادَةُ الِاجْتِهَادِ) أَيْ إذَا كَانَ الَّذِي ظَنَّ نَجَاسَتَهُ بَاقِيًا وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ سِوَى بَقِيَّةُ الَّذِي ظَنَّ طَهَارَتَهُ فَلَا يَسْتَعْمِلُهُ وَلَا يَجْتَهِدُ بَلْ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي، وَلَا إعَادَةَ سَوَاءٌ