يَبْحَثَ عَمَّا يُبَيِّنُ النَّجِسَ، كَرَشَّاشٍ حَوْلَ إنَائِهِ أَوْ قُرْبِ الْكَلْبِ مِنْهُ (وَتَطْهُرُ بِمَا ظَنَّ) بِالِاجْتِهَادِ (طَهَارَتَهُ) مِنْهُمَا (وَقِيلَ إنْ قَدَرَ عَلَى طَاهِرٍ بِيَقِينٍ فَلَا) يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ فِيهِمَا فَقَوْلُهُ: اجْتَهَدَ أَيْ جَوَازًا إنْ قَدَرَ عَلَى طَاهِرٍ بِيَقِينٍ وَوُجُوبًا إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. (وَالْأَعْمَى كَبَصِيرٍ) فِيمَا ذُكِرَ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ يُدْرِكُ أَمَارَةَ النَّجِسِ بِاللَّمْسِ وَغَيْرِهِ. وَالثَّانِي لَا يَجْتَهِدُ لِفَقْدِ الْبَصَرِ الَّذِي هُوَ عُمْدَةُ الِاجْتِهَادِ بَلْ يُقَلِّدُ.
(أَوْ) اشْتَبَهَ (مَاءٌ وَبَوْلٌ) بِأَنْ انْقَطَعَتْ رَائِحَتُهُ (لَمْ يَجْتَهِدْ) فِيهِمَا (عَلَى الصَّحِيحِ) وَالثَّانِي يَجْتَهِدُ كَالْمَاءَيْنِ. وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْمَاءَ لَهُ أَصْلٌ فِي التَّطْهِيرِ يُرَدُّ بِالِاجْتِهَادِ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْبَوْلِ. (بَلْ يُخْلَطَانِ) أَوْ يُرَاقَانِ (ثُمَّ يَتَيَمَّمُ) وَيُصَلِّي بِلَا إعَادَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا صَلَّى قَبْلَ الْخَلْطِ أَوْ نَحْوِهِ فَيُعِيدُ لِأَنَّ مَعَهُ مَاءً طَاهِرًا
ـــــــــــــــــــــــــــــSالطَّهُورُ نَظَرًا لِلتَّطْهِيرِ الْآتِي وَإِنْ كَانَ لَا يَتَقَيَّدُ بِهِ وَبِالنَّجِسِ الْمُتَنَجِّسُ أَيْ الْمُتَيَقَّنُ النَّجَاسَةِ أَوْ مَظْنُونُهَا بِخَبَرِ ثِقَةٍ عَلَى مَا يَأْتِي، فَخَرَجَ مَا لَوْ رَأَى مَاءً مُتَغَيِّرًا مَثَلًا وَشَكَّ فِي سَلْبِ طَهُورِيَّتِهِ فَلَهُ التَّطَهُّرُ بِهِ نَظَرًا لِأَصْلِهِ، وَلَا نَظَرَ لِشَكِّهِ فِيهِ، بِذَلِكَ فَارَقَ مَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ فَهَجَمَ وَتَطَهَّرَ فَطَهَارَتُهُ بَاطِلَةٌ إنْ صَادَفَ الطَّهُورَ. قَوْلُهُ: (الْمُشْتَبَهُ عَلَيْهِ) وَهُوَ الْمُمَيِّزُ فِي الطِّهَارَاتِ اتِّفَاقًا وَفِي الْأَمْوَالِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ فَإِنَّهُ اشْتَرَطَ التَّكْلِيفَ فِيهَا أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَبْحَثَ إلَخْ) هَذَا مَعْنَى الِاجْتِهَادِ لُغَةً، وَمَعْنَاهُ عُرْفًا بَذْلُ الْمَجْهُودِ فِي طَلَبِ الْمَقْصُودِ، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ هُنَا وَمَا يَأْتِي أَنَّ شُرُوطَهُ سِتَّةٌ: أَنْ يَكُونَ فِي مُتَعَدِّدٍ ابْتِدَاءٌ اتِّفَاقًا وَدَوَامًا عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ النَّوَوِيِّ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ، فَإِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا تَلِفَ أَحَدُ الْإِنَاءَيْنِ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ لَمْ يَسْقُطْ وُجُوبُهُ أَوْ بَعْدَهُ سَقَطَ وَكَانَ جَائِزًا، وَأَنْ يَكُونَ فِي مَحْصُورٍ فَيَخْرُجُ مَا لَوْ اشْتَبَهَ إنَاءٌ بِأَوَانٍ غَيْرِ مَحْصُورَةٍ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ، بَلْ يَجُوزُ لَهُ اسْتِعْمَالُهَا إلَى أَنْ يَبْقَى قَدْرُ الْمُشْتَبِهِ، وَقِيلَ: إلَى أَنْ يَبْقَى مَحْصُورٌ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ لِوُجُوبِهِ لَا لِجَوَازِهِ، وَأَنْ يَتَأَيَّدَ بِأَصْلِ الْحِلِّ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِقَوْلِهِمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَصْلٌ فِيمَا طُلِبَ مِنْهُ، وَأَنْ يَسْلَمَ مِنْ التَّعَارُضِ، وَأَنْ تُوجَدَ الْعَلَامَةُ، وَأَنْ يَكُونَ لَهَا مَدْخَلٌ لِيَخْرُجَ مَا لَوْ اشْتَبَهَتْ زَوْجَتُهُ بِأَجْنَبِيَّاتٍ، وَهَذَا الْأَخِيرُ شَرْطٌ لِلْعَمَلِ بِهِ، وَاَلَّذِي قَبْلَهُ شَرْطٌ لِوُجُودِهِ، وَالثَّانِي شَرْطٌ لِوُجُوبِهِ، وَالْبَقِيَّةُ شُرُوطٌ لِصِحَّتِهِ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ شَرْطَيْنِ أَيْضًا: اتِّسَاعُ الْوَقْتِ، وَاتِّحَادُ مَالِكِ الْإِنَاءَيْنِ، فَإِنْ اخْتَلَفَا تَوَضَّأَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِإِنَائِهِ، وَرَدَّهُمَا شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ.
قَوْلُهُ: (كَرَشَّاشٍ إلَخْ) وَلَهُ ذَوْقُ أَحَدِ الْإِنَاءَيْنِ وَيَمْتَنِعُ ذَوْقُ الْآخَرِ مَا لَمْ يَغْسِلْ فَمَهُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُتَيَقِّنًا لِنَجَاسَةِ فَمِهِ لِاجْتِمَاعِ الْمَاءَيْنِ عَلَيْهِ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ رَدُّ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ لِجَوَازِهِ بِأَنَّهُ حَالَ ذَوْقِ كُلٍّ غَيْرُ مُتَيَقِّنٍ نَجَاسَتَهُ.
قَوْلُهُ: (جَوَازًا) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْعُدُولُ عَنْهُ وَتَرْكُهُ وَوُجُوبًا مِنْ حَيْثُ عَدَمُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَالِاجْتِهَادُ وَاجِبٌ مُطْلَقًا كَمَا فِي مَسْحِ الْخُفِّ وَخِصَالِ الْكَفَّارَةِ الْمُخَيَّرَةِ، وَهَذَا مَا قَالَهُ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ، وَهُوَ الْوَجْهُ، وَمَا رَدَّهُ بِهِ شَيْخُنَا فِي شَرْحِهِ لَا يُجْدِي نَفْعًا فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (إنْ قَدَرَ إلَخْ) وَكَذَا لَوْ بَلَغَ قُلَّتَيْنِ بِالْخَلْطِ فِي طَهُورَيْنِ أَوْ طَهُورٍ وَمُسْتَعْمَلٍ، بَلْ يَجِبُ الْخَلْطُ فِي هَذَيْنِ عِنْدَ التَّحَيُّرِ، كَذَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ، وَفِيهِ نَظَرٌ. قَوْلُهُ: (وَوُجُوبًا) أَيْ مُوَسَّعًا بِسَعَةِ الْوَقْتِ وَمُضَيَّقًا بِضِيقِهِ فَلَا يَتَيَمَّمُ وَلَا يَسْقُطُ الْوُجُوبُ، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
قَوْلُهُ: (فِيمَا ذَكَرَ) أَيْ لَا فِيمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَعْمَى أَنْ يُقَلِّدَ عِنْدَ التَّحَيُّرِ، وَلَوْ الْأَعْمَى أَقْوَى إدْرَاكًا مِنْهُ بِخِلَافِ الْبَصِيرِ.
قَوْلُهُ: (مَاءٌ وَبَوْلٌ) مِثْلُهُ تُرَابٌ طَاهِرٌ أَوْ طَهُورٌ وَتُرَابٌ مِنْ أَجْزَاءِ مَيْتَةٍ بَلِيَتْ وَمِنْ إعْدَامِهِمَا خَلْطُ جَمِيعِ أَجْزَاءِ أَحَدِهِمَا بِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الْآخَرِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَجْتَهِدُ) وَلَوْ لِطَفِّ نَارٍ أَوْ عَجْنِ طِينٍ أَوْ شُرْبِ النَّجَسِ لِدَوَابَّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ يُفِيدُ حِلَّ اسْتِعْمَالِ الشَّيْءِ الْمُوَافِقِ لِحِلِّهِ فِي الْوَاقِعِ فَيَرُدُّهُ إلَى أَصْلِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي الْبَوْلِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فِي التَّطَهُّرِ) لَوْ قَالَ فِيمَا طُلِبَ مِنْهُ كَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (يُخْلَطَانِ) أَيْ كُلًّا أَوْ بَعْضًا بِأَنْ يُخْلَطَ مِنْ أَحَدِهِمَا فِي الْآخِرِ مَا يَسْلُبُ طَهُورِيَّتَهُ لَوْ كَانَ مُخَالِفًا أَشَدَّ لِخُرُوجِهِ بِذَلِكَ عَنْ يَقِينٍ طَاهِرٍ مَعَهُ، فَلَا نَظَرَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَدْ صُبَّ مِنْ الطَّاهِرِ فِي الْمُتَنَجِّسِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ يُرَاقَانِ) أَوْ أَحَدُهُمَا لِمَا ذُكِرَ وَلَمْ يَنْظُرْ وَالتَّعَلُّقُ الطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَمَنْعُ التَّصَرُّفِ فِيهِ لِوُجُودِ الِاشْتِبَاهِ، وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْخَلْطُ وَإِنْ بَلَغَ بِهِ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَبِهِ عُلِمَ سَخَافَةُ مَا قِيلَ بِوُجُوبِ صَبِّ بَوْلٍ عَلَى مَاءِ قُلَّتَيْنِ مَعَ جَمَاعَةٍ لَا يَكْفِيهِمْ إلَّا بِهِ، حَيْثُ لَا يُغَيِّرُهُ لَوْ فُرِضَ مُخَالِفًا أَشَدَّ، وَلَا يُغْتَرُّ بِذِكْرِ ابْنِ حَجَرٍ لَهُ فِي شَرْحِهِ عَلَى أَنَّ ذِكْرَهُ لَهُ لَيْسَ لِلرِّضَا بِهِ وَلَا لِصِحَّتِهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِلرَّدِّ عَلَى الزَّرْكَشِيّ الْقَائِلِ بِأَنَّ الْبَوْلَ لَهُ أَصْلٌ فِي التَّطْهِيرِ بِعَوْدِهِ إلَى أَصْلِهِ الَّذِي هُوَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ، ثُمَّ رَأَيْت مَا يَرُدُّهُ فِي كَلَامِ الْعَلَّامَةِ الْعَبَّادِيِّ بِقَوْلِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُخَالِفِينَ عَنْ مَذْهَبِنَا وَذَكَرَ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ قَالَ: فَهُوَ غَلَطٌ بَلْ صَرَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِأَنَّهُ نَجَسٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQبَلْ تُقَرِّرُ حُكْمَ مَا قَبْلَهَا وَتُثْبِتُ ضِدَّهُ لِمَا بَعْدَهَا، وَإِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ يُمْكِنُ الْعَطْفُ اللَّفْظِيُّ عَلَى مَا قَبْلَهَا وَتَأْثِيرُ الْجَازِمِ فِي لَفْظِ