الشَّيْخَيْنِ «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» أَيْ كُلَّ رَكْعَةٍ لِمَا فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِ «ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ اصْنَعْ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ» (إلَّا رَكْعَةَ مَسْبُوقٍ) فَإِنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ فِيهَا عَلَى الْأَصَحِّ الْآتِي فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ.
(وَالْبَسْمَلَةُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْفَاتِحَةِ عَمَلًا لِأَنَّهُ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَدَّهَا آيَةً سَنَّهَا. صَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَيَكْفِي فِي ثُبُوتِهَا مِنْ حَيْثُ الْعَمَلُ الظَّنُّ (وَتَشْدِيدَاتُهَا) مِنْهَا لِأَنَّهَا هُيِّئَتْ لِحُرُوفِهَا الْمُشَدَّدَةِ وَوُجُوبُهَا شَامِلٌ لِهَيْئَتِهَا. (وَلَوْ أَبْدَلَ ضَادًا) مِنْهَا أَيْ أَتَى بَدَلَهَا (بِظَاءٍ لَمْ تَصِحَّ) قِرَاءَتُهُ لِتِلْكَ الْكَلِمَةِ (فِي الْأَصَحِّ) لِتَغْيِيرِهِ النَّظْمَ. وَالثَّانِي تَصِحُّ لِعُسْرِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْحَرْفَيْنِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ. (وَيَجِبُ تَرْتِيبُهَا) بِأَنْ يَأْتِيَ بِهَا عَلَى نَظْمِهَا الْمَعْرُوفِ، فَلَوْ بَدَأَ بِنِصْفِهَا الثَّانِي لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ وَيَبْنِي عَلَى الْأَوَّلِ إنْ سَهَا بِتَأْخِيرِهِ وَلَمْ يُطِلْ الْفَصْلَ. وَيَسْتَأْنِفُ إنْ تَعَمَّدَ أَوْ طَالَ الْفَصْلُ (وَمُوَالَاتُهَا) بِأَنْ يَأْتِيَ بِأَجْزَائِهَا عَلَى الْوَلَاءِ (فَإِنْ تَخَلَّلَ
ـــــــــــــــــــــــــــــSعَطَسَ فِيهَا كَرَّرَهَا أَوْ بَعْدَهَا أَعَادَهَا أَوْ قَبْلَهَا فَقَدْ تَعَارَضَ عَلَيْهِ وَاجِبَانِ، فَيَحْتَاجُ إلَى تَمْيِيزٍ فَرَاجِعْهُ، وَإِنْ عَطَسَ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ أَخَّرَهَا لِمَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ وَمَرَّ فِي الْعَاجِزِ تَعَدُّدُهَا فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ عِنْدَ انْتِقَالِهِ إلَى أَكْمَلَ. قَوْلُهُ: (الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ) مِنْ الْإِسَاءَةِ بِمَعْنَى النَّقْصِ فِي أَفْعَالِهَا الْمُخِلَّةِ بِهَا، وَاسْمُهُ خَلَّادُ بْنُ رَافِعٍ الزُّرَقِيُّ الْأَنْصَارِيُّ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ لِقُوَّتِهِ وَدَلَالَتِهِ عَلَى عَدَمِ الصِّحَّةِ. قَوْلُهُ: (مَسْبُوقٍ) وَهُوَ هُنَا مَنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ زَمَنًا يَسَعُ قِرَاءَتَهَا لِلْوَسَطِ الْمُعْتَدِلِ سَوَاءٌ أَدْرَكَهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ غَيْرِهَا وَلَوْ فِي الرَّكَعَاتِ الْأَرْبَعِ كَبُطْءِ الْحَرَكَةِ أَوْ الِاقْتِدَاءِ بِأَئِمَّةٍ مُتَعَدِّدَةٍ، فَقَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّهُ فِي غَيْرِ الْأُولَى كَمَسْبُوقٍ حُكْمًا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، بَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ، وَقَوْلُهُمْ مَعَ الْإِمَامِ يَشْمَلُ مَا لَوْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا أَوْ سَكَتَ مُدَّةً طَوِيلَةً ثُمَّ اقْتَدَى بِمَنْ فِي الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ يَرْكَعُ مَعَهُ وَتَسْقُطُ عَنْهُ الْقِرَاءَةُ، وَلَا يَبْعُدُ الْتِزَامُهُ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ) ظَاهِرُهُ رُجُوعُ الضَّمِيرَيْنِ لِلْفَاتِحَةِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى لَا يَسْتَقِرُّ تَعَيُّنُهَا عَلَيْهِ لِتَحَمُّلِ الْإِمَامِ لَهَا عَنْهُ، وَيُحْتَمَلُ عَوْدُهُمَا لِلْقِرَاءَةِ، وَيُرْشِدُ إلَيْهِ مَا بَعْدَهُ مِنْ التَّأْوِيلِ بِقَوْلِهِ أَيْ الْفَاتِحَةِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّأْوِيلِ السَّابِقِ.
قَوْلُهُ: (وَالْبَسْمَلَةُ مِنْهَا) وَمِنْ كُلِّ سُورَةٍ إلَّا سُورَةَ بَرَاءَةٍ لِنُزُولِهَا فِي وَقْتِ الْحَرْبِ وَالسَّيْفِ وَالْبَسْمَلَةُ لِلْأَمَانِ فَتُكْرَهُ فِي أَوَّلِهَا، وَتُنْدَبُ فِي أَثْنَائِهَا عِنْدَ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ وَالْخَطِيبُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَقِّ: تَحْرُمُ فِي أَوَّلِهَا وَتُكْرَهُ فِي أَثْنَائِهَا، وَتُنْدَبُ فِي أَثْنَاءِ غَيْرِهَا اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: (عَمَلًا) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْعَمَلُ فَلَا يَجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ أَيْ وَلَا مِنْ غَيْرِهَا بَلْ وَلَا يَجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّهَا قُرْآنٌ فَلَا يَكْفُرُ جَاحِدُ قُرْآنِيَّتِهَا وَلَا مُثْبِتُهَا لِعَدَمِ تَوَاتُرِهَا، وَالْكَلَامُ فِي غَيْرِ الْبَسْمَلَةِ الَّتِي فِي أَثْنَاءِ سُورَةِ النَّمْلِ. قَوْلُهُ: (وَتَشْدِيدَاتُهَا) أَيْ شَدَّاتُهَا الْأَرْبَعَ عَشْرَةَ شَدَّةً، فَلَوْ خَفَّفَ مُشَدَّدًا فَفِيهِ تَفْصِيلُ الْإِبْدَالِ الْآتِي أَوْ شَدَّدَ مُخَفَّفًا أَوْ زَادَ حَرْفًا حَرُمَ عَلَيْهِ، وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إلَّا إنْ غَيَّرَ الْمَعْنَى وَتَعَمَّدَ. قَوْلُهُ: (وَوُجُوبُهَا) أَيْ الْحُرُوفِ شَامِلٌ لِهَيْئَاتِهَا وَمِنْ الْهَيْئَاتِ الْحَرَكَاتُ وَالسَّكَنَاتُ وَالْمَدُّ وَالْقَصْرُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَإِنْ خَالَفَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْآتِي أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَبْدَلَ ضَادًا بِظَاءٍ) قَيَّدَ بِهَا لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْخِلَافِ فَغَيْرُهَا مِثْلُهَا قَوْلُهُ: (أَتَى بَدَلَهَا) أَشَارَ إلَى دَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ الْبَاءَ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمَتْرُوكِ كَمَا مَرَّ عَنْهُ، وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ أَوَّلَ الْكِتَابِ.
قَوْلُهُ: (لِتِلْكَ الْكَلِمَةِ) وَفِي غَيْرِهَا التَّفْصِيلُ الْآتِي فِي الْقَطْعِ، وَظَاهِرُهُ عَدَمُ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ وَفِيهِ مَا يَأْتِي وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى خَالَفَ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَجِبُ فِي الْفَاتِحَةِ سَهْوًا لَمْ يَحْرُمْ مُطْلَقًا وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَلَا قِرَاءَتُهُ، لَكِنْ يَجِبُ إعَادَةُ مَا فِيهِ إبْدَالٌ أَوْ تَغْيِيرُ مَعْنًى عِنْدَ تَذَكُّرِهِ، وَيَكْفِي مَا فَعَلَهُ قَبْلَ إعَادَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ حَتَّى طَالَ الْفَصْلُ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ أَوْ عَمْدًا حَرُمَ مُطْلَقًا، وَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ حَالًا إنْ غَيَّرَ الْمَعْنَى، فَإِنْ عَانَدَ وَاعْتَقَدَ مَعْنَاهُ كَفَرَ، وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ وَجَبَ إعَادَتُهُ وَلَوْ مَعَ غَيْرِهِ إنْ قَطَعَ الْقِرَاءَةَ قَبْلَ الرُّكُوعِ، فَإِنْ رَكَعَ قَبْلَ إعَادَتِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَالْحُرْمَةُ فِيمَا ذَكَرَ صَغِيرَةٌ، وَمِنْ الْمُغَيِّرِ لِلْمَعْنَى إبْدَالُ الضَّادِ بِالظَّاءِ وَالْحَاءِ بِالْهَاءِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ بِالْمُهْمَلَةِ أَوْ بِالزَّايِ وَتَخْفِيفِ إيَّاكَ وَكَسْرِ كَافِهَا وَكَسْرِ تَاءِ أَنْعَمْت أَوْ ضَمِّهَا وَالْكَلَامِ فِي الْقَادِرِ أَوْ مَنْ أَمْكَنَهُ التَّعَلُّمُ، وَلَيْسَ مِنْ الْمُغَيِّرِ ضَمُّ رَاءِ الرَّحْمَنِ وَلَا فَتْحُ الْمُوَحَّدَةِ فِي نَعْبُدُ وَلَا كَسْرُ نُونِهِ وَنُونِ نَسْتَعِينُ وَلَا ضَمُّ صَادِ الصِّرَاطِ وَلَا النُّطْقُ بِقَافِ الْعَرَبِ الْمُتَرَدِّدَةِ بَيْنَ الْقَافِ وَالْكَافِ لِأَنَّهُ لَيْسَ إبْدَالًا، بَلْ حَرْفٌ غَيْرُ صَافٍ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ، وَمِثْلُ الْفَاتِحَةِ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ بَدَلُهَا مِنْ الْقُرْآنِ وَكَذَا مِنْ غَيْرِهِ مِنْ حَيْثُ الْبُطْلَانُ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْحُرْمَةُ أَيْضًا فَرَاجِعْهُ، وَالْقِرَاءَةُ بِالشَّاذِّ فِيهَا التَّفْصِيلُ الْمُتَقَدِّمُ، وَهِيَ مَا وَرَاءَ السَّبْعَةِ، وَعِنْدَ الشَّيْخَيْنِ، وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ، أَوْ مَا وَرَاءَ الْعَشَرَةِ وَاعْتَمَدَهُ الطَّبَلَاوِيُّ وَابْنُ حَجَرٍ كَمَا نُقِلَ عَنْهُ.
قَوْلُهُ: (فَلَوْ بَدَأَ بِنِصْفِهَا الثَّانِي لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ) أَيْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ بَدَأَ بِهِ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا. قَوْلُهُ: (وَيَبْنِي) أَيْ يُكْمِلُ الْفَاتِحَةَ بِقِرَاءَةِ النِّصْفِ الثَّانِي عَلَى النِّصْفِ الْأَوَّلِ الَّذِي قَرَأَهُ بَعْدَ النِّصْفِ الثَّانِي الَّذِي بَدَأَ بِهِ إنْ سَهَا بِتَأْخِيرِهِ كَالْأَوَّلِ، أَيْ لَمْ يَقْصِدْ عِنْدَ شُرُوعِهِ فِيهِ التَّكْمِيلَ بِهِ عَلَى الثَّانِي الَّذِي بَدَأَ بِهِ أَوَّلًا وَلَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ بَيْنَ فَرَاغِهِ مِنْ النِّصْفِ الْأَوَّلِ وَبَيْنَ شُرُوعِهِ فِي الثَّانِي الَّذِي يُعِيدُهُ بَعْدَ الْأَوَّلِ، وَيَسْتَأْنِفُ إنْ تَعَمَّدَ تَأْخِيرَ الْأَوَّلِ إنْ قَصَدَ عِنْدَ شُرُوعِهِ فِيهِ التَّكْمِيلَ بِهِ عَلَى الثَّانِي الَّذِي بَدَأَ بِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ طَالَ الْفَصْلُ) أَيْ عَمْدًا بَيْنَ مَا ذُكِرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .