وَهِيَ هُنَا مَا عَدَا النِّيَّةَ لِأَنَّهَا لَا تُنْوَى وَلِذَلِكَ قِيلَ إنَّهَا شَرْطٌ (وَتَعْيِينُهُ) بِالرَّفْعِ مِنْ ظَهَرَ أَوْ غَيْرِهِ (وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ) مَعَ مَا ذَكَرَ الصَّادِقُ بِالصَّلَاةِ الْمُعَادَةِ لِتَتَعَيَّنَ بِنِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ لِلصَّلَاةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَالثَّانِي يَقُولُ هُوَ مُنْصَرِفٌ إلَيْهَا بِدُونِ هَذِهِ النِّيَّةِ، فَلَا يَجِبُ بِخِلَافِ الْمُعَادَةِ، فَلَا يَنْصَرِفُ إلَيْهَا إلَّا بِقَصْدِ الْإِعَادَةِ (دُونَ الْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى) فَلَا تَجِبُ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَكُونُ إلَّا لَهُ تَعَالَى، وَقِيلَ: تَجِبُ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الْإِخْلَاصِ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ يَصِحُّ الْأَدَاءُ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ وَعَكْسِهِ) هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ
ـــــــــــــــــــــــــــــSالْإِتْمَامِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى النَّفْلِيَّةِ، وَمِثْلُهُ نَذْرُ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الرَّوَاتِبِ مَثَلًا. وَلَا تَكْفِي نِيَّةُ الْكِفَايَةِ عَنْ نِيَّةِ فَرْضِهَا، لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ فِي الْمَنْدُوبِ. قَوْلُهُ: (مَا هُوَ فَرْضٌ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَرْضِ مَا يُوصَفُ بِالْفَرْضِيَّةِ، وَلَوْ عَلَى غَيْرِ الْفَاعِلِ فَلَا يُنَافِي مَا بَعْدَهُ، وَيَشْمَلُ صَلَاةَ الصَّبِيِّ، وَالْمُعَادَةَ وَالضَّمِيرُ فِي فِعْلِهِ عَائِدٌ إلَى مَا بِهَذَا الْمَعْنَى فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وَهِيَ هُنَا إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، لِأَنَّ النِّيَّةَ مِنْ الصَّلَاةِ لَا مِنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ الَّذِي هُوَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ إنَّهَا كَالشَّاةِ فِي الزَّكَاةِ تُزَكِّي نَفْسَهَا وَغَيْرَهَا، وَلَا لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، بَلْ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ أَيْضًا لِمَا سَيَأْتِي عَلَى أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ إخْرَاجُ التَّكْبِيرَةِ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا، لِأَنَّهَا يُقْصَدُ بِهَا التَّحَرُّمُ، وَفِعْلُ غَيْرِهَا، وَلَا يَصِحُّ قَصْدُ فِعْلِهَا فِيهَا لِمَا سَتَعْرِفُهُ، وَاخْتَلَفَ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهَا لَا تُنْوَى، فَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَتَصَوَّرُ نِيَّتَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُرَادِ هُنَا، وَقَدْ عَلِمْت بُطْلَانَهُ، وَقِيلَ إنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ نِيَّتُهَا وَإِنْ أَمْكَنَ مُلَاحَظَتُهَا مُنْفَرِدَةً، كَأَنْ يَنْوِي أَنَّهُ يَنْوِي الصَّلَاةَ مَثَلًا، وَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا لِأَنَّ انْفِرَادَهَا بِمَعْنَى سَبْقِهَا الْفِعْلَ، كَمَا مَثَّلَ لَيْسَ مُرَادًا هُنَا، وَمُقْتَضَى عَدَمِ وُجُوبِهَا تَصَوُّرُهَا مَعَ الْمُقَارَنَةِ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ إنْ نَوَى مَعَ التَّكْبِيرِ، أَنَّهُ يَنْوِي الْفِعْلَ لَمْ يَصِحَّ تَكْبِيرُهُ، وَلَا صَلَاتُهُ، وَإِنْ نَوَى نَفْسَ الْفِعْلِ، فَلَيْسَ هَذَا نِيَّةَ النِّيَّةِ، وَسَيَأْتِي مِثْلُ ذَلِكَ فِي نِيَّةِ التَّكْبِيرَةِ فِيهَا فَتَأَمَّلْ.
وَقَوْلُ الْمَنْهَجِ وَلَوْ نَفْلًا هُوَ غَايَةٌ لِلصَّلَاةِ لَا لِلنِّيَّةِ، أَيْ الصَّلَاةِ وَلَوْ نَفْلًا لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ فِعْلِهَا، فَلَا يَكْفِي قَصْدُ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْفِعْلِ، كَمَا قَالَهُ. وَقَدْ يُقَالُ هُوَ غَايَةٌ لِلِاكْتِفَاءِ بِنِيَّةِ الْفِعْلِ فِي النَّفْلِ، فَلَا يَحْتَاجُ لِلتَّعَرُّضِ لِلنَّفْلِيَّةِ عَلَى الْمُرَجَّحِ الْآتِي، فَهُوَ إشَارَةٌ لِرَدِّ الْخِلَافِ الَّذِي جَرَيَا عَلَى طَرِيقَتِهِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لِتَتَمَيَّزَ عَنْ بَقِيَّةِ الْأَفْعَالِ، أَيْ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ، أَوْ لِنِيَّةِ غَيْرِ الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: (وَلِذَلِكَ قِيلَ إنَّهَا شَرْطٌ) قِيلَ فَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ افْتَتَحَهَا مَعَ مُقَارَنَةِ مُفْسِدٍ، كَخَبَثٍ وَزَالَ قَبْلَ إتْمَامِهَا فَعَلَى الرُّكْنِيَّةِ لَا تَصِحُّ، وَعَلَى الشَّرْطِيَّةِ تَصِحُّ. وَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّ مُفَادَ الشَّرْطِ وَالرُّكْنِ فِي اعْتِبَارِ الصِّحَّةِ وَاحِدٌ، وَلِأَنَّهُ بِتَمَامِ التَّكْبِيرَةِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ أَوَّلِهَا فَيَلْزَمُ مُقَارَنَةُ جُزْئِيَّتِهَا لِعَدَمِ الشَّرْطِ وَهُوَ مُفْسِدٌ، وَقَدْ صَرَّحُوا فِيمَا يَأْتِي أَنَّ الْكَلَامَ الْكَثِيرَ وَلَوْ سَهْوًا فِي أَثْنَائِهَا مُبْطِلٌ، وَغَيْرُ ذَلِكَ فَافْهَمْ وَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (بِالرَّفْعِ) أَيْ عَطْفًا عَلَى قَصْدٍ لَا بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى فِعْلِهِ، لِأَنَّ قَصْدَ التَّعْيِينِ لَا يَكْفِي فِي النِّيَّةِ اهـ.
قَوْلُهُ: (مِنْ ظُهْرٍ أَوْ غَيْرِهِ) مِنْ كُلِّ مَا يُفِيدُ التَّعْيِينَ فَفِي الظُّهْرِ، نَحْوُ صَلَاةٍ يُسَنُّ الْإِبْرَادُ لَهَا، وَفِي الصُّبْحِ نَحْوُ صَلَاةٍ يُثَوَّبُ لَهَا أَوْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ، أَوْ صَلَاةِ الْفَجْرِ أَوْ صَلَاةٍ يَقْنُتُ لَهَا أَبَدًا وَنَحْوُ ذَلِكَ، كَذَا قَالُوا وَفِيهِ نَظَرٌ وَسَيَأْتِي قَوْلُهُ فِي الْمَنْهَجِ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ النَّفْلِ أَيْ لِأَنَّ قَصْدَ الْفِعْلِ وَالتَّعْيِينِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَوْجُودَانِ فِي النَّفْلِ فَلَا يَتَمَيَّزُ الْفَرْضُ عَنْهُ، إلَّا بِنِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّعْيِينِ تَعْيِينًا مَخْصُوصًا، كَالظُّهْرِ مَثَلًا وَمُرَادٌ بِالنَّفْلِ الْأَصْلِيُّ فَسَقَطَ، مَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ إرَادَةَ تَعْيِينِ مَخْصُوصٍ، فَأَوْجَبَ إسْقَاطَ هَذَا التَّعْلِيلِ فَتَأَمَّلْهُ. وَالْمُرَادُ بِالْفَرْضِ مَا مَرَّ. فَتَجِبُ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ، وَالتَّعْيِينِ فِي الْمُعَادَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (مَعَ مَا ذَكَرَ) هُوَ قَصْدُ الْفِعْلِ وَالتَّعْيِينِ، وَضَمِيرُ الصَّادِقِ، وَيَتَعَيَّنُ عَائِدٌ إلَى مَا ذَكَرَ، وَهَذَا بِنَاءٌ مِنْهُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ فِي الْمُعَادَةِ، وَقَدْ عَلِمْت ضَعْفَهُ، وَأَمَّا صَلَاةُ الصَّبِيِّ، فَيَجِبُ فِيهَا نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ أَيْضًا عِنْدَ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ، كَوَالِدِ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ وَضَعَّفَهُ شَيْخُنَا تَبَعًا لِشَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ، وَاعْتَمَدَا مَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَفَارَقَتْ الْمُعَادَةُ بِأَنَّ صَلَاتَهُ تَقَعُ نَفْلًا اتِّفَاقًا، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ قَضَى مَا فَاتَهُ فِي زَمَنِ التَّمْيِيزِ كَمَا مَرَّ. لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الْآنَ مُكَلَّفًا بِهِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ.
قَوْلُهُ: (إلَّا بِقَصْدِ الْإِعَادَةِ) مُقْتَضَى ذَلِكَ، وُجُوبُ قَصْدِ الْإِعَادَةِ فِيهَا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (دُونَ الْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ لَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لَهَا بِمَعْنَى مُلَاحَظَتِهَا، لِتَحَقُّقِ مَعْنَى الْإِخْلَاصِ فَلَا يُنَافِي كَوْنَهَا لَا تَنْفَكُّ عَنْهَا، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ فِي عِبَادَةِ الْمُوَحِّدِ أَنْ تَكُونَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمِثْلُهَا الْيَوْمُ وَالشَّهْرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْفَرْضِ لِأَنَّ ذَلِكَ سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ.
قَالَ الْقَايَاتِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ أَوَّلًا فِي ذَاتِ الْفَرْضِ لَا فِي صِفَتِهِ، وَثَانِيًا عَلَى الْعَكْسِ، فَلَا يُرَدُّ مَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَوْلُ الشَّارِحِ: (الصَّادِقُ إلَخْ) يَرْجِعُ لِكُلٍّ مِنْ قَوْلِ الْمَتْنِ قَصْدُ فِعْلِهِ وَتَعْيِينِهِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَكُونُ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى) مِثْلُهُ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ فِي تَوْجِيهِ عَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الذَّبْحِ: اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى قَلْبِ الْمُؤْمِنِ سَمَّى أَوْ لَمْ يُسَمِّ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الْإِخْلَاصِ) اسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} [الليل: 19]