هُوَ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِالْمَوْتِ الَّذِي هُوَ دُبُرُ الْحَيَاةِ (صَرِيحُهُ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ إذَا مِتُّ أَوْ مَتَى مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ أَعْتَقْتُك بَعْدَ مَوْتِي، وَكَذَا دَبَّرْتُك أَوْ أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى الْمَذْهَبِ) الْمَنْصُوصِ لِاشْتِهَارِهِ فِي مَعْنَاهُ وَفِي قَوْلٍ مِنْ طَرِيقٍ ثَانٍ مُخْرِجٌ مِنْ الْكِتَابَةِ هُوَ كِنَايَةٌ لِخُلُوِّهِ عَنْ لَفْظِ الْعِتْقِ وَالْحُرِّيَّةِ، (وَيَصِحُّ بِكِنَايَةِ عِتْقٍ مَعَ نِيَّةٍ كَخَلَّيْتُ سَبِيلَكَ بَعْدَ مَوْتِي) بِنِيَّةِ الْعِتْقِ.
(وَيَجُوزُ) التَّدْبِيرُ (مُقَيَّدًا كَإِنْ مِتُّ فِي ذَا الشَّهْرِ أَوْ الْمَرَضِ فَأَنْتَ حُرٌّ) فَإِنْ مَاتَ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا (وَمُعَلَّقًا كَإِنْ دَخَلْت) الدَّارَ (فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فَإِنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ وَمَاتَ عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا وَيُشْتَرَطُ الدُّخُولُ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ) فِي حُصُولِ الْعِتْقِ (فَإِنْ قَالَ إنْ مِتُّ ثُمَّ دَخَلْت) الدَّارَ (فَأَنْتَ حُرٌّ اُشْتُرِطَ دُخُولٌ بَعْدَ الْمَوْتِ) فِي حُصُولِ الْعِتْقِ (وَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ بَيْعُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ) وَلَهُ كَسْبُهُ (وَلَوْ قَالَ إذَا مِتُّ وَمَضَى شَهْرٌ فَأَنْت حُرٌّ فَلِلْوَارِثِ اسْتِخْدَامُهُ فِي الشَّهْرِ لَا بَيْعُهُ) لِحَقِّ الْمَيِّتِ (وَلَوْ قَالَ إنْ شِئْت فَأَنْت مُدَبَّرٌ، أَوْ أَنْت حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي إنْ شِئْت اُشْتُرِطَتْ الْمَشِيئَةُ مُتَّصِلَةً) أَيْ عَلَى الْفَوْرِ (فَإِنْ قَالَ مَتَى شِئْت) بَدَلَ إنْ شِئْت (فَلِلتَّرَاخِي) وَتُشْتَرَطُ الْمَشِيئَةُ فِي الصُّورَتَيْنِ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ، (وَلَوْ قَالَا لِعَبْدِهِمَا إذَا مُتْنَا فَأَنْت حُرٌّ لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَمُوتَا) مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا، (فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَلَيْسَ لِوَارِثِهِ بَيْعُ نَصِيبِهِ) وَلَهُ إجَارَتُهُ ثُمَّ عِتْقُهُ بِمَوْتِهِمَا مَعًا قِيلَ عِتْقُ تَدْبِيرٍ، وَالصَّحِيحُ لَا لِتَعَلُّقِهِ بِمَوْتَيْنِ فَهُوَ عِتْقٌ بِحُصُولِ الصِّفَةِ وَفِي مَوْتِهِمَا مُرَتَّبًا قِيلَ لَا تَدْبِيرَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا يَصِيرُ نَصِيبُ الْآخَرِ مُدَبَّرًا وَنَصِيبُ الْمَيِّتِ لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا.
(وَلَا يَصِحُّ تَدْبِيرُ مُكْرَهٍ وَمَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لَا يُمَيِّزُ، وَكَذَا مُمَيَّزٌ فِي الْأَظْهَرِ) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــSكِتَابُ التَّدْبِيرِ
هُوَ لُغَةً: النَّظَرُ فِي الْعَوَاقِبِ وَشَرْعًا مَا ذَكَرَهُ، قَوْلُهُ: (بِالْمَوْتِ الَّذِي هُوَ دُبُرُ الْحَيَاةِ) أَيْ فَسُمِّيَ تَدْبِيرًا لِذَلِكَ وَقِيلَ سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ دَبَّرَ أَمْرَ نَفْسِهِ فِي الدُّنْيَا بِاسْتِخْدَامِهِ وَفِي الْآخِرَةِ بِعِتْقِهِ، وَرَدَّهُ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي الْأُمُورِ مَأْخُوذٌ مِنْ لَفْظِ الدُّبُرِ وَعُورِضَ بِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّظَرِ فِي الْعَوَاقِبِ كَمَا مَرَّ، وَكَانَ مَعْرُوفًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَقَرَّهُ الشَّرْعُ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ بِالْمَوْتِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ وَصِيَّةً، كَمَا سَيَأْتِي وَالْمُرَادُ مَوْتُ السَّيِّدِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ صِفَةٍ قَبْلَهُ لَا مَعَهُ وَلَا بَعْدَهُ كَمَا يَأْتِي، قَوْلُهُ: (أَنْتَ حُرٌّ) ، وَكَذَا عُضْوُهُ نَحْوُ يَدُك حُرَّةٌ أَوْ رِجْلُك أَوْ رَأْسُك، وَيَكُونُ مُدَبَّرًا جَمِيعُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِلْخَطِيبِ؛ لِأَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ قَبْلَ التَّعْلِيقِ تَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى بَعْضِ مَحَلِّهِ، وَهَلْ هُوَ مِنْ السِّرَايَةِ أَوْ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْبَعْضِ عَنْ الْكُلِّ، وَيَظْهَرُ الثَّانِي كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ مَا بَعْدَهُ وَأَمَّا الْجُزْءُ الشَّائِعُ فَالْمُدَبَّرُ مَا ذَكَرَهُ فَقَطْ، نَحْوُ نِصْفُك أَوْ رُبُعُك فَإِنْ قَالَ بَعْضُك صَحَّ وَيَرْجِعُ لِمَا يُعَيِّنُهُ هُوَ أَوْ وَارِثُهُ وَلَا يَضُرُّ اللَّحْنُ بِكَسْرِ التَّاءِ فِي مُذَكِّرٍ أَوْ عَكْسِهِ أَوْ فَتْحُ الْكَافِ فِي مُؤَنَّثٍ أَوْ عَكْسِهِ، قَوْلُهُ: (مُخْرِجٌ مِنْ الْكِتَابَةِ) وَسَيَأْتِي مَعَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ التَّدْبِيرَ مَشْهُورٌ فِي مَعْنَاهُ وَالْكِتَابَةُ لَا يَعْرِفُهَا إلَّا الْخَوَاصُّ، قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ بِكِنَايَةِ عِتْقٍ) ، وَكَذَا صَرِيحُ وَقْفٍ نَحْوُ حَبَسْتُك بَعْدَ مَوْتِي،.
قَوْلُهُ: (مُقَيَّدًا) أَيْ بِمُمْكِنٍ لَا بِنَحْوِ أَلْفِ سَنَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وَكَذَا لَوْ قَيَّدَ بِشَيْءٍ وَزَالَ قَبْلَ مَوْتِهِ كَقَوْلِهِ إذَا مِتُّ فِي هَذَا الشَّهْرِ فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِذَا مَضَى الشَّهْرُ قَبْلَ مَوْتِهِ زَالَ التَّدْبِيرُ.
فَرْعٌ: لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ قَرَأْت قُرْآنًا وَمُتُّ فَأَنْت حُرٌّ فَقَرَأَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ عَتَقَ بِمَوْتِهِ، وَكَذَا إنْ قَالَ إنْ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ بِالْهَمْزِ فَإِنْ ذَكَرَ الْقُرْآنَ بِغَيْرِ هَمْزٍ لَمْ يَعْتِقْ إلَّا إنْ قَرَأَ جَمِيعَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ. كَذَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ عَنْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فَرَاجِعْهُ، قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ الدُّخُولُ) لَا الْفَوْرِيَّةُ وَهَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ التَّدْبِيرِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ، قَوْلُهُ: (ثُمَّ دَخَلْت إلَخْ) وَهَذِهِ الصُّورَةُ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا لَيْسَتَا مِنْ التَّدْبِيرِ بَلْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ التَّدْبِيرِ]
ِ إلَخْ قَوْلُ الْمَتْنِ: (أَنْتَ حُرٌّ) لَوْ قَالَ نَحْوَ: أَنْتَ حُرٌّ كَانَ أَحْسَنَ، قَوْلُهُ: (مِنْ الْكِتَابَةِ) أَيْ فِيمَا لَوْ قَالَ كَاتَبْتُك عَلَى كَذَا وَلَمْ يَقُلْ فَإِذَا أَدَّيْت فَأَنْت حُرٌّ، وَالْمَذْهَبُ تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْكِتَابَةَ تَحْتَمِلُ الْمُرَاسَلَةَ وَالْمُخَارَجَةَ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ،
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَمُعَلَّقًا) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ؛ لِأَنَّهُ إمَّا وَصِيَّةٌ أَوْ عِتْقٌ عَلَى صِفَةٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ، قَوْلُ الْمَتْنِ: (ثُمَّ دَخَلَتْ) لَوْ أَتَى بِالْوَاوِ بَدَلَ ثُمَّ فَنَقَلَا عَنْ الْبَغَوِيّ اشْتِرَاطَ الدُّخُولِ بَعْدَ الْمَوْتِ أَيْضًا، وَصَوَّبَ الزَّرْكَشِيُّ خِلَافَهُ وَقَالَ إنَّ هَذَا وَجْهٌ أَشَارَ فِي التَّتِمَّةِ إلَى أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ لِلتَّرْتِيبِ.
وَقَالَ إنَّ الشَّيْخَيْنِ جَزَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الطَّلَاقِ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ وَأَنَّ هَذَا وَجْهٌ مُفَرَّعٌ عَلَى مَا قَالَهُ، قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي) أَيْ فِي كُلٍّ مِنْ الصُّورَتَيْنِ، قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ مُوَرِّثُهُ كَانَ لَهُ الْإِبْطَالُ وَنَظِيرُهُ الْوَصِيَّةُ، قَوْلُ الْمَتْنِ: (بَيْعُهُ) لَوْ نَجَّزَ عِتْقَهُ فَالظَّاهِرُ النُّفُوذُ، قَوْلُ الْمَتْنِ: (مُتَّصِلَةً) ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ